الطريقة الصحيحة في دراسة كُتُب وأقوال الفِرَق المُخالفة في العقيدة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أصل هذه المقالة هو إجابة عن اقتراحٍ اقترحه أحد طلبة العلم يتعلَّق بدراسة الطلاب المُتخصِّصين في العقيدة لأقوال ومقالات الفِرَق المُخالفة؛ ويتكوَّن اقتراحه من شقيْن :

١- تدريس متون المُخالفين استقلالاً .

٢- استقطاب من يُدرِّسها من أربابها .

وأقول أولاً: إنَّ اهتمام بعض طلبة العلم بجمْع كُتُب المُخالفين في العقيدة وتتبُّع مؤلَّفاتهم النادرة وزعمه أنه أعلم من غيره بمُراد أهل الأهواء والبِدَع دون غيره من المُتخصِّصين السابقين والمُعاصرين؛ هذا الحال وهذه الطريقة الخاصة به لا تُسوِّغ أن تُغيَّر مناهج تدريس المُتخصِّصين في العقيدة وطرائق النقد لتُوافق ما صرف هذا المُقترِحُ وقته فيه .

وثانياً: المطلوب من طلاب الدراسات العُليا في أقسام العقيدة أمران :

١- ضبط وإتقان عقيدة السلف والتأصيل فيها وذلك من خلال مواد الدراسة النصيَّة لكُتُب العقيدة وطرائق التأليف العقدي والعلاقة المنهجية بين مسائلها وتصوُّرها على الوجه الصحيح .

٢- الاهتمام بجانب الردِّ على المُخالفين من أهل البِدَع ؛ وذلك من خلال معرفة المُؤثِّرين داخل كل فِرْقة والمُؤلَّفات المُعتمَدة في المذهب وأصل الخطأ العقدي في المسائل عندهم .

والقصور في الأمر الأول يجعل النتيجة في الأمر الثاني ناقصة ويعتريها الخلل ولا بُدَّ .

ثم يبقى مسألة طريقة فَهْم كلام المُخالفين في العقيدة ؛ هل تُقرَّر مناهجهم ومتونهم العقديَّة ويقوم بتدريسها أصحابها المُتمكِّنون فيها دراسةً تقريريَّة ؛ أم يُعوَّل في ذلك على ما تناوله علماء أهل السُنَّة وما قاموا به من نقدٍ لها مع الرجوع إلى مصادر المُخالفين الأصلية بعد المرور والإتقان لكلام علماء أهل السنة في نقدها؟

في نظري أن الطريقة الثانية أسلم وأقوى وأحوط ؛ لأنَّ دراسة كُتُب المُخالفين بطريقة مُستقلَّة وعلى أيدي أربابها المُتشبِّعون بها يُعرِّض الدارس لها للخطر ؛ فلربما تأسَّست البدعة أو الشُبهة في نفس الطالب من خلال هذه الطريقة ؛ لأنَّ المُدرِّس لهذه المتون لن ينقدها؛ بل سيقوم بتدريسها على جهة التقرير لها .

* هناك نقطة مُهمَّة أرجو الوقوف عندها وتأمُِّلها جيداً.. وهي أننا إن قرَّرنا متون الفِرَق الضالة واستقطبنا من يقوم بتدريسها من أهلها ؛ فسوف تكون الدراسة (تقريرية) لهذه المتون ابتداء؛ إذ إنَّ المُدرِّس المُستقطَب لن ينقدها بأيِّ حال .

ثم بعد مرحلة تدريس المتون العقديَّة عند المُخالفين نحتاج إلى (نقد) هذه المتون؛ وهذا لا شك يكون عن طريق المُتخصِّصين من أهل السنة .

والنقد لها مُتوقِّفٌ على فَهْمِها جيداً ؛ وبِما أنَّ النقد سيكون من المُتخصِّصين من أهل السنة فلا بُدَّ أن يكون الناقد بصيراً بمذاهب المُخالفين ، وعالماً بلغتهم العلميَّة ومرادهم في تقريراتهم العقديَّة ، وما دام الحال في مرحلة تدريس المتون العقديَّة عند المخالفين ستكون على أيدي أربابها من شتى بلدان العالَم -أشاعرة ومعتزلة وصوفية وفلاسفة وإسماعيلية- فلن يكون منهم أي نقدٍ لها ، بل تقرير وتوضيح حتى يفهمها طالب علم العقيدة من أهلها المُتخصِّصون فيها !!

وما دام الترتيب المنهجي على هذا النحو؛ فقد رجعت المسألة إلى المُتخصِّصين من أهل السنة في النقد المبني على الفهم الجيد لمذاهب المخالفين .

إذن؛ ما الداعي لاستقطاب من يُدرِّس متون المُخالفين من أهل البِدَع بحُجَّة إتقانهم لمذاهبهم؟

أذكر أننا في سنوات الدراسة الأكاديمية درسنا المنطق على أيدي علماء كبار من الأشاعرة من الوافدين في جامعاتنا وهم فضلاء ؛ ثم درسناه على أيدي بعض مشايخنا من أهل السُنَّة في هذه البلاد المُباركة .

الحق أنَّ ما درسناه على أيدي مشايخنا المُتخصِّصين فهمناه أكثر من المُتخصِّصين الأشاعرة ..

والسبب في ذلك أنَّ الأساتذة الأشاعرة وإن كانوا أعلم بمذهبهم من غيرهم إلاَّ أن فَهْم مذهبهم ومقالاتهم لا يحتاج إلى كبير عناء؛ فالمتون العقدية عند المُخالفين ليست طلاسم تحتاج إلى أهل صنعة حاذقين من نفس المذهب المُخالف لحلِّها. بل جرَّبنا جميعاً فهمها ولله الحمد من دون عناء؛ فلِمَ استعظام فهمها إلاَّ بطريقة تغيير المناهج وتبديل المُدرِّسين؟!

ونحن وإن كنا في زمنٍ مضى بحاجةٍ للمُتخصِّصين ممن عنده مُخالفة عقدية لتدريس بعض التخصُّصات لفَهْم كلام المُخالفين وعلومهم التي ساروا عليها إلاَّ أننا ولله الحمد الآن في غنى عنهم لوجود المُتخصِّصين الأقوياء من أهل السنة .

ومن وفَّقه الله وأنعم عليه بالدراسة الأكاديمية في تخصُّص العقيدة في هذه البلاد المُباركة وتحلَّى بأدب طالب العلم وتواضع للعلم سيجد أنَّ طريقة مشايخنا في نقد عقائد الفِرَق المُخالفة هي الطريقة الصحيحة؛ إذ أوْلوا جانب تقرير عقيدة السلف والتذكير بها والوصية بحفظها أعظم الاهتمام؛ ثم هم يتدرَّجون بالطلاب في خوض غمار كُتُب المُخالفين ؛ فتارةً يُرشدون إلى مفاتيح مُصطلحات المُتكلِّمين والفلاسفة ككتاب التعريفات للجُرجاني ، وتارة يقرأون مع الطلاب متون المُخالفين المُعتمدة قراءةً نقديَّة، وتارةً يُكلِّفون الطلاب بواجبات نقديَّة للردِّ على بعض كُتُب المُخالفين ككتاب أساس التقديس للرازي؛ وهكذا، دون أن تُقرَّر متون أهل البِدَع وتُدرَس استقلالاً؛ فهي مُظلمة لا يملك القارئ فيها نفسه حتى تتفلَّت منه مما يرى من المُغالطات والتقريرات الفاسدة والابتعاد عن المنهج القرآن في عرْض العقيدة .

وبهذه الطريقة التي يخاف طالب العلم فيها على قلبه ، ويتواضع فيها للعلم وأهله؛ مع مُجاهدته لنفسه وإخلاصه في طلبه: يكون لنقده الأثر الطيِّب في هداية المُخالفين .

ومع كل ما سبق؛ فهناك أمرٌ مهم ينبغي التنبيه عليه والتنبُّه له؛ وهو أن دراسة أقوال المخالفين ليست مقصودة لذاتها كدراسة مُعتقد أهل السنة والجماعة، وقد يغيبُ هذا الأمر عند بعض طلبة العلم؛ فتجده في جميع مقالاته كأنه غاب عنه الهدف من دراسة أقوال المخالفين حتى أصبحت عنده هي الغاية الكبرى والتحقيق العلمي !!

أخيراً: رحم الله علماء أهل السُنَّة الذين حفظوا للمسلمين عقيدتهم، ورسموا للأجيال طرائق النقد الصحيحة، وجزى الله مشايخنا الذين علَّمونا وأرشدونا لطريقة التعامل النافعة مع كُتُب أهل الأهواء والبِدَع .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

موفق ..

22:04:39 2017-06-07

كلام سديد ...