حكم البسملة في أوائل السور وما اتّفق عليه علماء المسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

(بسم الله الرحمن الرحيم)

والكلام على البسملة من وجوه:

1-              من الآثار الواردة في البسملة:

أ- ذكر ابن سعد في طبقاته عن الشعبي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كما تكتب قريش: باسمك اللهم حتى نزلت عليه {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَاوَمُرْسَاهَا}[هود: ٤١] فكتب: بسم الله حتى نزلت عليه: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}[الإسراء: ١١٠] فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت عليه:  {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[النمل: ٣٠] فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم

ب- وعنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ كانَ النَّبيُّ لا يعرِفُ فصلَ السُّورةِ حتَّى تنزَّلَ عليْهِ بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ.

 

2-              ذكر الاثار الواردة في تفسير البسملة:

أ- قال ابن عباس: "بسم الله"، يقول له جبريلُ: يا محمد، اقرأ بذكر الله ربِّك، وقم واقعد بذكر الله.

ب- وعن ابن عباس: "الله" هو الذي يَألَهه كل شيء، ويعبده كل خلْقٍ.

ج- وعنه أيضا قال: "الله" ذو الألوهية والمَعْبودية على خلقه أجمعين.

د- ذكر الواحدي عن أبي الفضل المنذري ، قال: سألت أبا الهيثم خالد بن يزيد الرازي، عن اشتقاق اسم (الله) في اللغة، فقال (الله) أصله (إلاه)، قال الله جل ذكره: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}[المؤمنون: ٩١] ولا يكون إلهًا حتى يكون معبودًا، وحتى يكون لعابده خالقًا، ورازقًا، ومدبرًا، وعليه مقتدرًا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عَبِدَ ظلما، بل هو مخلوق ومتعبد.

هـ- وعن ابن عباس  "الرّحمن الرحيم: الرقيقُ الرفيقُ بمن أحبَّ أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه".

و- وقال أيضا "هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر".

ز-وقال أبو عبيدة: هما صفتان لله تعالى، معناهما ذو الرحمة

ح- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال {الرحمن} لجميع الخلق و {الرحيم} بالمؤمنين خاصة

 

3-              الباء في بسم الله للإستعانة قال " لا تقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ ، فإنَّكَ إذا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ في نفسِهِ، وقال: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، وإذا قُلْتُ: بسمِ اللهِ، تَصاغَرَتْ إليهِ نفسُهُ حتى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ ذُّبابِ"

 

4-              الاسم مشتق من السمو، والسمو: العلو، كأن الِاسم يعلو مسمَّاه بكونه عنوانًا له ودليلًا عليه. وهذا مارجحه اكثر المفسرون.

 

5-              قال الاصفهاني "اعلم أن اسماء الله تعالى كلها مشتقة باتفاق أهل اللغة إلا لفظة الله، فإنه مختلف فيها.

فبعضهم جعلها كالعلم مستدلاً بأنه يوصف ولا يوصف به كالأسماء الأعلام، ويقوي ذلك إنه يقال بالتنوين - إلاهاً - ولأنه قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، ويعني به " الله ".

وآخرون قالوا هو مشتق، ثم اختلف بعد ذلك فيها" . أ.هـ

قال الثعلبي " وأكثر العلماء على أنه مشتق واختلفوا في اشتقاقه، فقال النضر بن إسماعيل: هو من التألّه، وهو التنسّك والتعبّد، قال رؤبة:

لله در الغانيات المدّه ... سبحن واسترجعن من تألهي

ويقال: أله إلاهة، كما يقال: عبد عبادة. وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلهتك) أي عبادتك فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة. أ.هـ

 قال الطبري " لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل - يصف رجلا بعبادة، وبطلب مما عند الله جل ذكره: "تألَّه فلان" - بالصحة ولا خلاف . أ.هـ 

وذكر ايضا " ولا شك أنّ "التألُّه"، التفعُّل من: "ألَه يأله"، وأن معنى "أله" - إذا نُطق به:- عَبَدَ اللهَ. وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل" بغير زيادة.

عن ابن عباس: أنه قرأ (وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ)[سورة الأعراف: ١٢٧] قال: عبادتَك، ويقال: إنه كان يُعبَد ولا يَعبُد.

عن ابن عباس: (وَيَذَرَكَ وَإلاهَتَك)، قال: إنما كان فرعونُ يُعبَد ولا يَعبُد

وكذلك كان عبدُ الله يقرؤها ومجاهد.

عن مجاهد: قوله "ويذرَكَ وإلاهتك" قال: وعبادتَك ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصدرٌ من قول القائل: ألَه اللهَ فلانٌ إلاهةً، كما يقال : عَبَد الله فلانٌ عبادةً، وعَبَرَ الرؤيا عبارةً. فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا: أنّ "أله" عَبد، وأن "الإلاهة" مصدرُه. أ.هـ

 

6-              قال ابن فارس في المقاييس "(رحم) الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة.

يقال من ذلك رحمه يرحمه، إذا رق له وتعطف عليه.

والرحم والمرحمة والرحمة بمعنى ".

 

7-              الرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دل عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنة من إثبات الرحمة لله. وهو كثير جدا؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله..

 

8-              قال ابن الحصار: ومما يدل على الاشتقاق الرحمن الرحيم ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن ابن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ". وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق.

 

9-              اختلف العلماء في معنى (الرحمن الرحيم) اذا اجتمعت

أ- فقال: بعضهم الرحمن على زنة فعلان، وهو لا يقع إلا على مبالغة القول. وقولك: رجل غضبان للممتلئ غضبا، وسكران لمن غلب عليه الشراب.

قال صاحب اضواء البيان:

"والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ; لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وعلى هذا أكثر العلماء. وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا. وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه، كما قاله ابن كثير،  وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال: (ثم استوى على العرش الرحمن) ، وقال: (الرحمن على العرش استوى)، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، قاله ابن كثير. ومثله قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن) أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن) إلى قوله: (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، وقال: (وكان بالمؤمنين رحيما) فخصهم باسمه الرحيم. فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم: «رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما». فالظاهر في الجواب، والله أعلم، أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الآخرة؛ بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضا، فيكون معنى: «رحيمهما» رحمته بالمؤمنين فيهما.

والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضا: أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا. وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضا، وكذلك قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحم الجارة للضمير الواقع على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضا. والعلم عند الله تعالى" .أ.هـ

واشار خالد السبت على ضعف قول تخصيص الرحيم بالمؤمنين بقول الله تعالى عز وجل قال "إن الله بالناس لرؤف رحيم" رحيم بالناس عموم الناس فما خص ذلك بأهل الإيمان .

ب- وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، وكأن الأول الوصف والثاني الفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته أي صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، أي صفة فعل له سبحانه، فإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) ، (إنه بهم رءوف رحيم) ولم يجيء قط رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين، ، فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة. ورحيم هو الراحم برحمته.

قال بن عثيمين: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة، والرحيم هو ذو الرحمة الواصلة؛ فالرحمن وصفه؛ والرحيم فعلُه؛ ولو أنه جيء بـ"الرحمن" وحدَه، أو بـ"الرحيم" وحده؛ لشمل الوصف والفعل؛ لكن إذا اقترنا فسِّر ﴿الرَّحْمَنِ﴾ بالوصف؛ و﴿الرَّحِيمِ﴾ بالفعل[4]"؛ اهـ.

واول من قال بهذا القول هو ابن القيم ورجحه ابن عثيمين والطنطاوي وخالد السبت.

 

10-         قال ابن عثيمين" قد أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعما منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: "لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عز وجل"؛ والرد عليهم من وجهين:.

الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار..

الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصا بوجه من الوجوه..

ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عز وجل، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بينها يدل على رحمة الله عز وجل؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها. كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك. يدل على رحمة الله..

والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية

بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلا على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عاميا صباح ليلة المطر: "بم مطرنا؟ "، لقال: "بفضل الله، ورحمته"..

 

11-         قال الطبري " وإن قال لنا قائل: ولم قدم اسم الله الذي هو "الله"، على اسمه الذي هو "الرحمن"، واسمه الذي هو "الرحمن"، على اسمه الذي هو "الرحيم"؟

قيل: لأن من شأن العرب، إذا أرادوا الخبر عن مخبر عنه، أن يقدموا اسمه، ثم يتبعوه صفاته ونعوته. وهذا هو الواجب في الحكم: أن يكون الاسم مقدما قبل نعته وصفته، ليعلم السامع الخبر، عمن الخبر.

 فإذا كان ذلك كذلك - وكان لله جل ذكره أسماء قد حرم على خلقه أن يتسموا بها، خص بها نفسه دونهم، وذلك مثل "الله" و "الرحمن" و "الخالق"؛ وأسماء أباح لهم أن يسمي بعضهم بعضا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه، ليعرف السامع ذلك من توجه إليه الحمد والتمجيد، ثم يتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره، بعد علم المخاطب أو السامع من توجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني. فبدأ الله جل ذكره باسمه الذي هو "الله"، لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه

ثم ثنى باسمه، الذي هو الرحمن، إذ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به،

وأما اسمه الذي هو"الرحيم" فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به. والرحمة من صفاته جل ذكره، فكان  واقعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي هن توابعها، بعد تقدم الأسماء عليها.أ.هـ بتصرف

 

12-         قلت: تخصيص الرحمن الرحيم بعد اسم الله عند بداية السورة فيه اشارة الى ان القران هو رحمة للبشر قال تعالى ( الرحمن علم القران) وقال جل وعلا (تنزيل من الرحمن الرحيم).

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply