نبذة عن كتاب درة الغواص في اوهام الخواص


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

"درة الغواص في اوهام الخواص" لأبي محمد القاسم بن علي البصري الحريري، صاحب المقامات المتوفي سنة ست عشرة وخمسمائة بالبصرة وعمره سبعون سنة .

قال عنه الذهبي في السير "العلامة البارع ذو البلاغتين" ولا ادري مايقصد الذهبي ب"ذو البلاغتين" لأول مرة اقرأ لذهبي هذا الوصف، ولأول مرة اقرأ لمؤلف واحد كتابين مرتين وهما "درة الغواص في اوهام الخواص" و"مقامات الحريري" وكلا الكتابان مشوقان وقد ابدع فيهما الحريري ايما ابداع، وبلغ فيهما الغاية في فنهما، ولم يستطع العلماء بعده ان يجاروه فيهما فاضطروا الى الاكتفاء بشرحهما، -فهل يقصد الذهبي بـ" ذو البلاغتين انه بلغ الغاية في الكتابين- لا أظن ذلك.

والحريري اظنه لا يختلف عن العباقرة لا يهتمون في هندامهم ولا تصرفاتهم  قال الذهبي "وكان الحريري من الأغنياء بالبصرة، يقال: كان له ثمانية عشر ألف نخلة، وقيل: كان قذرا في نفسه وشكله ولبسه، قصيرا دميما، بخيلا، مولعا بنتف لحيته، فنهاه الأمير وتوعده على ذلك، وكان كثير المجالسة له، فبقي كالمقيد لا يتجاسر أن يعبث بلحيته، فتكلم في بعض الأيام بكلام أعجب الأمير، فقال له: سلني ما شئت حتى أعطيك، فقال: أقطعني لحيتي، قال: قد فعلت!"

وبهذه القصة ذكرت مقالا للمبدع علي الطنطاوي عنونها بـ"مجانين" قال فيه "إذا رأيتم رجلا يمشي في الطريق منفوش الشعر شارد النظر، قد لبس معطفه على القفا ومشى على غير هدى، قلتم إنه مجنون. وقد يكون مجنونا، ولكنه قد يكون فيلسوفا أو شاعرا أو رياضيا!

وإذا سمعتم أن رجلا لا يفرق بين السراويل والقميص ولا بين الجمعة والخميس قلتم إنه مجنون، ولكن أناتول فرانس (والعهدة على الراوي جان جاك روسو) دعي إلى وليمة يوم الأحد، فذهب يوم السبت ولبث ينتظر متعجبا من تأخر الغداء، ولبثت ربة الدار تنظر متعجبة من هذه الزيارة المفاجئة، ثم لم يرض أن يصدق أنه يوم السبت! فهل كان "أناتول"، نابغة قومه في البلاغة وباقعة العصر، مجنونا؟

وإذا بلغكم أن إنسانا نسي اسمه قلتم إنه مجنون، ولكن الجاحظ نسي كنيته وطفق يسأل عنها حتى جاءه ابن حلال بالبشارة بلقياها، فقال له: "أنت أبو عثمان". فهل كان الجاحظ، عبقري الأدب ولسان العرب، مجنونا؟

ونيوتن، وقد كانت في داره قطة، كلما أغلق عليه بابه وقعد إلى كتبه ومباحثه أقبلت تخرمش الباب وتخشخش بأظفارها، فتشغله عن عمله حتى يقوم فيفتح لها. فلما طال عليه الأمر كد ذهنه وأطال بحثه، فاهتدى إلى المخلص، ففتح في أسفل الباب فتحة تمر منها، فاستراح بذلك من شرها. ثم ولد لها ثلاث قطيطات ففتح لكل واحدة منها فتحة! لم يستطع هذا العقل الكبير الذي وسع قانون الجاذبية أن يتسع لحقيقة صغيرة: هي أن الفتحة تكفي القطة الأم وأولادها.

وصديقنا اللغوي العراقي عبد المسيح وزير ، كنا نزوره أنا وأنور العطار، فدعا لنا مرة بشاي، وتدفق بالحديث وهو يشرب كأسه، فلما فرغت وضعها وتناول كأس الأستاذ العطار فشربها، ثم ثلث بكأسي، فلما جاء الفراش يأخذ الكؤوس قال: سألتكم بالله، هل تريدون كأسا أخرى؟!

أفكان هؤلاء، وفيهم كل عبقري علم وكل نابغة إمام، أكانوا كلهم مجانين؟

أما في رأي العامة فنعم! ذلك لأن القافلة تمشي، فمن سايرها عده أهلها عاقلا، ومن تقدم عنها يسلك طريقا جديدا قد يكون أقرب وآمن ، عدوه مجنونا كمن تأخر عنها ليتيه في مجاهل الصحراء!

لكن ذاك جنون العبقرية، وهذا جنون المارستان. إن العبقري شغل بالعلم فكره كله فلم يبق منه شيء لفهم الحياة، فصار عند أهلها مجنونا" أ.هـ

كتاب صور وخواطر لعلي الطنطاوي قرأته مرتين او أكثر ، وانصحكم بقرأته.

نعود الى كتاب الحريري "درة الغواص في اوهام الخواص" ويعتبر الكتاب هذا من أحسن الكتب تأليفا وأجملها تصنيفا وأعلاها شأوا و أعظمها قدرا تعقب فيه الكتاب والشعراء وأساليب العلية من المتأدبين والمنشئين ونبه إلى أخطائهم وأشار إلى استعمال الفصيح من ألالفاظ والمستقيم من الأساليب.

ثم زاد الكتاب ابداعا بالحكايات الأدبية والنوادر المستملحة والطرائف الجميلة والأشعار الرائقة مما جعله فريدا في الأدب الممتع .

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply