أماني سقوط الغرب بين الإسقاط والانحطاط


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

أدبيات الحديث عن سقوط الغرب كثيرة جدًا، الشعبي منها والأكاديمي، والكثير منا يطرب لهذه الأدبيات، ويكثف الاقتباس منها، ولا إشكال في ذلك من حيث المبدأ، لا سيما حين نتفهم وضع من يفعل ذلك، ولكن من الملاحظ أن هذه العملية تكثر وتتجذر في الخطاب العام حين تبلغ أمة من الأمم درجة كبيرة من الانحطاط، فيصبح التعويل على سقوط الآخر، وترقب هلاكه، وربما استعجال ذلك بالتفكير الرغبوي wishful thinking من خلال تكرار ذات الخطاب بتنويعات مختلفة، وتضخيم أدق التفاصيل في موضوع الخطاب (سقوط الغرب) حتى يغدو في المقابل من أكبر عوامل التسويغ الخفي لحالة انحطاطنا نحن، إن لم تصل في أحيان إلى شرعنة الوضع الراهن بكل نقائصه التي يمكن تلافيها، وبكل أوجه القصور التي يمكن تحسينها. ومن وجه آخر، هناك أيضًا غفلة شبه تامة عن الواقع المعقد والمركب الذي يحكم عناصر سنن سقوط أمة من الأمم، خاصة إذا كانت أمة كبيرة بسطت سيطرتها ومدَّت أذرعتها على أرجاء المعمورة، ماديًا وثقافيًا. يظن بعض الإسلاميين –مثلًا- أن سقوط الغرب سيكون مثل سقوط جدار أو انهيار مبنى، شيء متجسد محدود وحدث منعزل في أقصى الأرض، ثم يريحنا الله من شرهم، بينما في الواقع –الذي ينأى عن هذا التصور الساذج بمفاوز كبيرة– ليس الأمر كذلك وإنما بخلافه.

على سبيل المثال، من سنن الله الثابتة في القرآن تلازم قوانين الامتحان والفتنة وتشابكها، فالله يبتلي الأمم ببعضها، ويمحص أقوام في ضوء أحداث ليست من صنعهم، ويعز أقوام لا بذل أقوام آخرين وإنما بعزتهم أيضًا، والعكس. وهذا على عدة صعد متداخلة، خاصة في العصور المتأخرة، والتي أصبح فيها معامل التأثر والتأثير اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، أكثر حساسية من ذي قبل، وعلى مستوى لا تكاد تحيط به الحسابات البشرية. ما المطلوب إذًا ؟ المطلوب هو واقعية التصور، فهو من الإنصاف لنا وللواقع، وهذه الخطوة هي الأهم في تغيير طبيعة الحكم، ونقله من السذاجة القاصرة البلهاء إلى واقعية الحكم تبعًا – بطبيعة الحال – لواقعية التصور. هناك استهانة بدور التصور – ليس لأني سأقتصر عليه في هذه العجالة ولا يسعني التفصيل أكثر ! – في التأثير فيما بعده من عمليات ذهنية وبرامج سلوكية، ولكن يجب أن نقتلع هذا الاستهتار بتصور الواقع من جذوره، أو على الأقل نخفف منه في أسوأ الأحوال.  سنكون عندئذ أكثر جدية وحكمة في أحكامنا وتصرفاتنا، ربما على نحو لم تعهده ذاكرتنا المتورمة منذ أمد بعيد !

إن  التفريط في هذا المطلب بخس لــ "التصور الكوني" وإفساد لــ "التصرف الشرعي.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply