بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن من سنن الله عز وجل الكونية الشرعية ، التفضيل بين خلقه في الشرف والمنزلة ، والتمييز بين الأجناس في الوظائف والأعمال، "فكل ميسر لما خلق له".
فوظائف الحيوان تختلف عن وظائف النبات ، ووظائف الذكور تباين وظائف الإناث .
وتأمل _إن شئت_ الفرق بين وظائف ملكة النحل والعاملات واليعاسيب، مع اشتراكها جميعا في جنس واحد .
* وقد فضل الله الخلق الإنساني وكرمه على سائر الخلائق، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب العزيز قال تعالى {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
يؤكد ذلك أمر الله تعالى للملائكة الكرام ، بالسجود لآدم عليه السلام .
فلا يحق لأحد من أجناس الخلق، أن يعترض على ذلك التخصيص ، والتفضيل الذي ميز به الجنس البشري على سائر الخلائق .
*وقد ميز الله بين ذكور بني آدم وبين إناثهم، وخص كلا منهما بخصائص ووظائف، ليحصل الميزان الكوني الذي تستقيم به حياة الإنسان وعمارة الأرض.
*ولا يماري أحد من العقلاء، في أفضلية الأصل الذكوري، وهو آدم عليه السلام، على حواء، فإنها خلقت منه، وشرف هو عليها بأن سواه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له ملائكته، واصطفاه بالنبوة والتكليم.
وتفضيل آدم عليه السلام على حواء، مما اتفقت عليه كل الشرائع، ولهذا فإن الناس يفزعون إليه للشفاعة يوم القيامة، دون أمهم حواء .
ومن ثم ، فإن الفرع تبع للأصل في التفضيل ، كما سيأتي عليه التدليل .
**********
"النساء شقائق الرجال"
ولا ريب أن بين الذكور والإناث طبائع متفقة، في السمات البشرية العامة، في الحياة، والولادة، والنشأة، والنمو، والصحة، والمرض، والموت ...الخ .
وبينهما اتفاق أيضا، في عموم التكاليف الشرعية، في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والحدود، والأوامر النواهي، وفي الثواب والعقاب المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} .
وقال سبحانه {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات..}
إلى قوله {أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} .
وقال صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال". رواه أبوداود والترمذي .انظر جامع الأصول 7 / 274 .
فهذه النصوص ونحوها ، تدل على الاتفاق في الأحكام العامة بين الرجال والنساء .
**********
"وليس الذكر كالأنثى"
وبينهما افتراق في بعض الطبائع والقدرات: العقلية والبدنية والنفسية، وافتراق في بعض الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات وغيرها .
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجود ذلك الافتراق في الطبع والشرع .
* فجعلت شهادة المرأة على نصف شهادة الرجل .قال تعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}.
فضاعف في نصاب الشهادة في حق المرأة، وعلل الحكم بلفظ صريح، يدل على الاختلاف الطبعي الجبلي، وهو نقصان العقل .
وقد أكده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن"، ثم فسر نقصان عقلها بالشهادة، ونقصان دينها بتركها الصلاة والصيام أيام حيضها. رواه مسلم 79 .
فنص الحديث على الاختلاف الطبعي والشرعي بينهما .
*وقال سبحانه {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} الآية. قال ابن جرير في تفسيره "لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس".
ثم روى بإسناده عن عكرمة قال "ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال"
وقال القرطبي "يعني أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة، قيل: لما يصيبها من الحيض والأذى".
وقيل: لا تصلح لمخالطة الرجا "
وقال أيضا "فلما رأته _أي الولد_ أنثى لا تصلح، وأنها عورة، اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها" انتهى .
قال سمير: والآية أصرح دليل وأبينه على التفريق بين الرجل و المرأة، وأن ذلك متقرر في الفطرة ، وفي الشرائع السابقة، وأن دعوى المطالبة بالمساواة بينهما، التي يتزعمها الجهال في هذا الزمان ، ظاهرة الكذب والفساد والشذوذ !
* وقال تعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله}.
ذكر ابن كثير أنها نزلت لقول أم سلمة "يغزو الرجال ولا نغزوا، ولنا نصف الميراث".
ثم قال "والمعنى: إن التمني لا يجدي شيئا فإن هذا قدر محتوم، ولكن سلوا الله من فضله وإحسانه، فإنه كريم وهاب". انتهى باختصار .
* وقد أكد الله تعالى ذلك التفضيل والتمييز، بقوله {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
قال ابن كثير "والمعنى: أن الرجل قيم على المرأة، فهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت، وذلك لأن الرجال أفضل من النساء، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم، ويلحق به منصب القضاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لما بلغه أن ابنة كسرى تقلدت الحكم، "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". [ البخاري 4425 ] .
ولهذا فإن الله تعالى أوجب على المرأة طاعة زوجها، وحرم عليها معصيته في المعروف .
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في طاعة الزوج والترهيب من معصيته، وهي مشهورة. انتهى باختصار .
*وأكد الله تعالى أيضا ذلك التفضيل بقوله { وللرجال عليهن درجة} .
قال ابن كثير "أي : في الفضيلة ، وفي الخلق ، والخلق ، والمنزلة ، وطاعة الأمر ، والإنفاق ، والقيام بالمصالح ، والفضل في الدنيا والآخرة" انتهى .
وقال ابن القيم "إن مصلحة العبادات البدنية، ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما .
نعم، فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة ، فخص وجوبهما بالرجال دون النساء، لأنهن لسن من أهل "البروز" و "مخالطة" الرجال .
وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد ، التي ليس الإناث من أهلها،
وسوت بينهما في وجوب الحج، لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة ..
وقد فضل الله الرجال على النساء في العقول والفهم والحفظ والتمييز، فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل ..
وأما الدية، فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية
والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع ، التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين، لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية ..
وأما الميراث، فحكمة التفضيل فيه ظاهرة، فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى، لأن الرجال قوامون على النساء، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى ..
وأما العقيقة فأمر التفضيل فيها تابع لشرف الذكر ، وما ميزه الله به على الأنثى، ولما كانت النعمة به على الوالد أتم، والسرور والفرحة به أكمل كان الشكران عليه أكثر ، فإنه كلما كثرت النعمة ، كان شكرها أكثر".
انتهى باختصار، من إعلام الموقعين [ 2 / 149 _ 150 ]
قلت: والأدلة من النقل والعقل على تفضيل الرجل على المرأة، وتخصيصه بأحكام تميزه عنها، أكثر من أن تحصر .
بيد أن ذلك التفضيل والتخصيص، وتلك القوامة، يقابلها واجبات وتبعات على الرجل تجاه المرأة .
**********
"الوصاية بالنساء"
فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة على الوصاية بالنساء، وحسن معاملتهن، والإحسان إليهن، والرفق بهن، ومن ذلك :
- قول الله تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}.
- وقوله {وعاشروهن بالمعروف}.
- وقوله {ولا تضاروهن}.
- وقوله {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا}.
والآيات في سور: البقرة، والنساء والطلاق، في الوصاية بهن معلومة .
- وفي السنة كذلك، ومنها :قوله صلى الله عليه وسلم"استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا" رواه البخاري [5186] ومسلم [1468].
قال النووي "وفي هذا الحديث ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن ، وكراهة طلاقهن بلا سبب"[ ص 920 ] .
وقال الحافظ في الفتح [9 / 254]. "فيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن ، والصبر على عوجهن ، وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن"
قال الشاعر :
هي الضلع العوجاء لست تقيمها *** ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى*** أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
- وقد وصى بهن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم، وأمام ذلك الجمع الغفير، في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع، حيث قال "فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه.." رواه مسلم [1218].
"فائدة"
ذكر ابن الأثير في جامع الأصول [3 / 474 ] في شرح الجملة الأخيرة ما نصه "معناه: أن لا يأذن لأحد من الرجال أن يتحدث إليهن، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب، لا يرون ذلك عيبا، ولا يعدونه ريبة، إلى أن نزلت آية الحجاب" انتهى .
وحكى النووي نحوه عن المازري والقاضي عياض [ص 775 ] .
قال سمير: فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية الجامعة بذكر حق النساء على الرجال، وذكرهم ب "أمانة الله" و "كلمته"، ولهما مدلولهما العظيم في التحذير من ظلمهن أو الإضرار بهن. ثم ثنى بذكر حق الرجال على النساء، ومنه: ترك "الاختلاط" بالرجال الأجانب .
- وقال صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله "رواه الترمذي [3892].
- وقال "لا تضربوا إماء الله "رواه أبو داود [2146].
- وقال "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها آخر "رواه مسلم [1469].
- ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن حق الزوجة، قال "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". رواه أبوداود [2142 ].
**********
"درء الفتنة عن النسوة"
ومن أعظم الوصاية بالنساء ، درء الفتنة عنهن .
*وقد علل حكم الحجاب، بأنه أطهر لقلوبهن، كما نصت عليه الآية.
*وأمرن بغض البصر عن الرجال ، خوفا عليهن من الفتنة بهم.
*يدل عليه: قصة الفضل بن عباس ، لما كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، وطفق ينظر إلى بعض النساء "فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل.." الحديث .رواه مسلم [1218].
قال النووي "فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات، وغضهن عن الرجال الأجانب، وهذا معنى قوله "وكان أبيض وسيما حسن الشعر"، يعني أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه، وفي رواية الترمذي [885] وغيره في هذا الحديث" أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل، فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك !
قال: "رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما، فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنها" انتهى . [ ص 777 ] .
*وقد أمرن بالقرار في البيوت، والمباعدة عن الرجال ما أمكن، حتى في الصلاة في المساجد، صيانة لهن، وخوفا عليهن من الفتنة، لاشتراكهن والرجال في العلة، فإن الفطرة قد جبلت على ميل كل جنس للآخر، بل إنهن أشد ضعفا، وأسرع فتنة، وأقل صبرا من الرجال.
* ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأنجشة، وكان يحدو في السفر، وكان صوته جميلا "يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير". رواه البخاري [ 6149 ] ومسلم [ 2323 ] .
قال النووي "معناه أن أنجشة كان حسن الصوت، وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز، وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه ، فأمره بالكف عن ذلك. [ص 1431] .
ونقل الحافظ في الفتح [10/ 545] عن الشراح قولين في معنى ذلك، وأنه: إما أن يكون صيانة لهن عن السقوط، لإسراع الإبل حين سماعها حداء أنجشة، وإما خوفا عليهن من الافتتان بصوته الجميل .
ثم قال الحافظ "والراجح عند البخاري الثاني".
وقال ابن الأثير "شبههن بالقوارير لأنه أقل شيئ يؤثر فيهن، كما أن أقل شيئ من الحداء والغناء يؤثر في النساء". جامع الأصول [5 / 173] .
قال سمير : كان أنجشة عبدا أسود ، ولكن صوته كان جميلا بالحداء والغناء ، فخاف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء من الافتتان بصوته ، كما خاف على النساء من الافتتان بحسن الفضل بن عباس ، فغطى وجهه ، ولوى عنقه !
واليوم يطلع علينا الناعقون من دعاة الفساد و الفتنة ، يريدون من الفتاة الشابة ! أن تخالط الرجال والشباب ! في كل موطن ، ويزعمون أنها محصنة من الوقوع في الفتنة ، وكأن نساء هذا الزمان أتقى وأنقى من نساء عصر النبوة !
**********
"للعقلاء.. فقط".
هذا الدين العظيم دين عدل ورحمة ، وعقل وحكمة، وقد شرع لتحصيل مصالح العباد في معاشهم ومعادهم .
غير أن كثيرا من "الجهال" لا يدركون الحكمة من تشريع كثير من أحكام العبادات و المعاملات والحلال والحرام، ويعملون عقولهم القاصرة تارة، وأهواءهم الفاسدة تارة أخرى، يريدون أن يبدلوا كلام الله، ويغيروا أحكام الإسلام .
يزعم أولئك "الأغمار"أن في حجاب المرأة " كتما لأنفاسها"، وفي منعها من الاختلاط "حبسا لحريتها"، وفي فرض القوامة عليها من محارمها "استعبادا لها "، وأنهم، هم، وحدهم، أنصار "قضيتها!".
ويزعمون أن للمرأة حق المساواة مع الرجل في كل شئون الحياة، وأن لها حق المنافسة والعمل في كل ميدان، وفي كل مكان، وأنه لا تمييز ولا تفضيل للرجل عليها في شيئ ألبتة !
ونحن نقول للعقلاء منهم (فقط) :
إن الله تعالى قد خص كلا من الصنفين بخصائص، تميزه عن الآخر، في الفطرة والوظيفة، وفرض على الرجال فرائض، وندبهم إلى أمور، خصهم بها دون النساء، كالجهاد و الغزو، والجمعة والجماعة، واتباع الجنائز، ونحو ذلك .
وفرض على الرجال، وخاصة الأزواج، الإنفاق على النساء، ولو كانت نساؤهم موسرات، لأن طلب الرزق والمعاش لا يتأتى إلا بالضرب في الأرض، والمشي في مناكبها، وفيه مشقة ، ويتطلب الخروج والبروز، وهو من خصائص الرجال، بخلاف النساء، فإنهن مأمورات بالقرار في البيوت، والتستر والحجاب، ولهن وظائف، لا يمكن أن يقوم بها الرجال، كالحمل، والإرضاع، ورعاية الأطفال .
فكيف يصلح بعد ذلك أن يتساوين مع الرجال في كل الوظائف والأعمال؟
إن من يزعم أن من حقوق المرأة مساواتها بالرجل في كل شئون الحياة والمعاش ، دون أدنى تمييز بينهما ، يلزمه _حتما_ أن يسوي بينهما في كل أحكام الشرع المتعلقة بالجهاد، وحضور الجماعات، وحقوق النفقة، وغير ذلك من الأحكام والشرائع التي اختص بها الرجال !
كما يلزمه _حتما_ أن يبدل أحكام الفطرة الإنسانية المتعلقة بالحيض والحمل والنفاس والإرضاع، التي اختصت بالمرأة وحدها، دون الرجل، إذ لا يصلح التسوية بين الطرفين في كل الأحكام ، مع وجود مثل تلك الفروق الخلقية بينهما !
**********
"ظلم المرأة والرجل"
أكثر الناعقين من "الجهال"، يقيسون المرأة على الرجل في الأحكام، بقياس الشبه، الذي هو من أفسد أنواع القياس، فيزعمون أن اشتراكهما في النوع الإنساني، وفي (بعض) الصفات الجبلية، يقتضي اشتراكهما في ( كل) سمات الحياة المعيشية، ويتجاهلون _قصدا_ وجود الفروق الخلقية والفطرية بينهما، واختصاص كل منها بأحكام وحقوق شرعية، فيقعون في نوعين من الظلم :
1. ظلم المرأة، حيث يطلب منها مزاحمة الرجل في كل الميادين، دون أدنى مراعاة لما قد تتعرض إليه من فتنة وأذى و"تحرش"، ودون مراعاة أيضا لما جبلت عليه من رقة ونعومة، وضعف في البنية، وما يعتريها من تغيرات نفسية وعقلية وبدنية، وقت "عادتها الشهرية " !ودون النظر إلى كونها مطالبة، أيضا، بالقيام بواجباتها الفطرية التي يستحيل، أن ينوب عنها فيها غيرها، كواجبات الزوجة والأم .
فمن الظلم لها حينئذ أن تكلف بأداء وظائفها الفطرية، وحقوقها الشرعية في البيت، ووظائفها المعيشية خارجه، في آن واحد .
2. ظلم الرجل، فإن مزاحمة المرأة له في كل ميدان، تعرضه للفتن، كما أنه قد تضيع عليه بعض حقوقه على زوجته "العاملة"، وحقوق أولاده في الرضاعة و الرعاية ، وحنان الأم ، وعطفها .
ثم إن تكافؤ فرص العمل بين الرجال والنساء، على حد سواء ، مما يزيد في نسبة البطالة، والرجل مكلف، في شريعة الإسلام، بالإنفاق على المرأة، مهما بلغ عسره و يسرها، فإذا ألزمناها بالمشاركة في النفقة خالفنا الشرع، وإن ألزمناه وحده بها، مع وجود تلك"المنافسة" على الوظائف، التي تزيد "شحا" وندرة يوما بعد يوم، ظلمناه وكلفناه فوق طاقته. *وهؤلاء "التغريبيون"، الذين ينعقون بما لا يفهمون، لا يدركون أن تطبيق التجربة الغربية، والنمط "الليبرالي" في المجتمعات الإسلامية، لا يستقيم إلا بالانسلاخ الكلي من الشريعة، لأن أحكام الشرع مترابطة متسقة، لا يستقيم فصلها عن بعضها، وإلا نتج عن ذلك اضطراب وتناقض في الأحكام، وظلم وهضم لحقوق الأنام .
**********
"كمال الشريعة"
إن قوانين الحياة والمعيشة في المجتمعات الغربية الحديثة، تقوم على أسس ومبادئ متسقة، بحسب التجربة البشرية الوضعية "القاصرة"، التي رأى واضعها ملاءمتها للحياة هناك، فلا يستقيم _عقلا_ أن تبتر موادها، أو تستبدل بغيرها من القوانين البشرية الأخرى، (بصرف النظر عن الحكم الشرعي في تطبيق القوانين البشرية) .
فلا يصلح للمجتمع الأمريكي _مثلا_ أن يحتكم إلى بعض القوانين الصينية ولا العكس، لأنه سيتعارض _حتما_ مع بقية القوانين الأخرى التي تخص كل مجتمع، والتي تنتظم كلها في صياغة هويته التي تميزه عن سائر المجتمعات .
فلا بد إذا من تطبيق القوانين بجملتها دون تبديل أو ترقيع .
* وشريعة رب العباد، بالأحرى، لا يصلح أن تبدل، ولا أن ترقع بغيرها، فإنها كاملة في عدلها، وصلاحها لكل زمان ومكان، ويلزم أن تؤخذ جملة، لا أن يؤمن ببعضها ويكفر ببعضها الآخر.
* ولما حرم الله الفاحشة، سد كل أبوابها وذرائعها، المفضية إليها:
1. فأمر بالمباعدة بين الرجال والنساء حتى في أطهر البقاع ، أثناء أداء الفرائض .
2. وأمر الرجال والنساء بغض البصر .
3. وخص النساء بالحجاب والقرار في البيوت، إلا للحاجة، لأن الغرض في التباعد بين الرجال والنساء، يحصل بحجب أحدهما، وإبعاده عن الآخر، ولأن عمارة الأرض ونظام الحياة لا يستقيم لو أمر الطرف الآخر أيضا، بالحجاب والقرار .
*وفي المقابل، فإنه قد فرضت جملة من الواجبات و الحقوق ، على من سمح له بالخروج والبروز.
ففرض على الرجل الجهاد ، والرباط في الثغور ، و حضور الجماعات ، و السعي لطلب الرزق ، و الإنفاق على سكان البيوت ، وذوات الخدور .
ورغب في الإنفاق على أهله، حتى صار مقدما على الإنفاق في سبيل الله، وفي سائر وجوه البر والطاعة .
* ففي الحديث "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي تنفقه على أهلك". رواه مسلم [995] .
*وقد كانت المجتمعات الجاهلية على مر العصور ، تستثقل الإنفاق على البنات، وتتشاءم من ولادتهن.
فجاءت الشريعة العادلة الكاملة ، و رغبت في إعالتهن، وتربيتهن، والصبر عليهن، أعظم ترغيب .
*قال صلى الله عليه وسلم "من ابتلي من هذه البنات بشيئ ، فأحسن إليهن كن له سترا من النار". متفق عليه .
انظر جامع الأصول [1 / 411] .
* وقال "من عال جاريتين حتى تبلغا، دخلت أنا وهو الجنة، كهاتين" وأشار بأصبعيه. رواه مسلم [2631] والترمذي [1917]، واللفظ له .
وقال "من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن، فله الجنة". رواه أبوداود [5147] والترمذي [1913]
قلت: فانقلب التشاؤم والنفور، من إعالة البنات والأخوات، إلى تفاؤل، واستبشار، وسرور .
ولم يزل يوصي بهن في كل حال، أمهات وبنات وزوجات وأخوات، حتى جعل صحبة الأم وبرها، مقدما على صحبة الأب و بره .
ومن هنا يتبين ضلال من يدعو إلى تطبيق النظام الغربي الجاهلي (كله) (أو بعضه)، في بلاد الإسلام، فإن المرأة، في القانون الغربي، ملزمة بالإنفاق على نفسها، كالرجل على حد سواء، ولا يوجد قانون يفرض على الرجل الإنفاق عليها، بخلاف المرأة في التشريع الإسلامي، فإن على أوليائها فرض النفقة عليها، فإن فقدوا، أو عجزوا، فرض لها من بيت المال ما يسد حاجتها .
كما أن قانون حفظ الأنساب والأعراض عندهم منفلت ، ولهذا كان الاختلاط عندهم في كل ميادين الحياة مباحا ، بل مطلوبا .
والمقصود: بيان تهافت دعاوى أولئك "الأغمار"، الذين يريدون تطبيق التجربة الغربية في البلدان الإسلامية، خاصة في الأمور التي تخص المرأة ، كالاختلاط ، ونحوه .
**********
"سفيرات النوايا الحسنة"
وأمام كل مغريات الحياة وفتنتها ، ودعاوى "التجرير " و "التغرير"، التي يتزعمها تلك "الشرذمة الضالة"، من دعاة الفتنة، تقف جموع غفيرة، لا حصر لها، من نساء هذه الأمة، تصد تلك الدعاوى والشعارات الزائفة،
وتعلن بكل عزة و فخر، انتماءها لتعاليم الإسلام، ورفضها للاختلاط، والسفور، ونحوهما من العادات الجاهلية، المفضية للخنا و الفجور .
إنهن أولئك النسوة الخيرات الصالحات "القانتات" لله ، "الحافظات " لحدود الله ومحارمه، خير من يمثل نساء هذه الأمة، وأولى من يستحق لقب "سفيرات النوايا الحسنة " !
أو قل "سفيرات الحياء والعفاف والفضيلة "
* نعم يوجد في المقابل، عدد غير قليل من الفتيات "الناشزات" على الدين والفضيلة، اللاتي قد انسقن وراء تيارات التغريب والفتنة، وقمن (بكل سذاجة وغباء) يرددن تلك الشعارات الجوفاء، التي تزعم أنها ستعيد لهن حريتهن المسلوبة (!) وحقوقهن الضائعة المنهوبة (!) والتي لا يتم تحصيلها، إلا بترك العفة والحياء، ونزع الحجاب، وبالاختلاط السافر في كل ميادين الحياة !
ويصدق في هؤلاء المخدوعات قول الشاعر :
أثر البهتان فيه *** وانطلى الزور عليه ملأ الجو صراخا *** بحياة قاتليه
ياله من ببغاء *** عقله في أذنيه
* وليست العبرة في صحة الدعوى بالقلة والكثرة، ولا بما أطبق عليه أغلب الخلق، وإنما العبرة باتباع الهدى، وموافقة الحق .(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)
(بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود كما بدأ غريبا ، فطوبى للغرباء)
تعيرنا أنا قليل عديدنا *** فقلت لها إن الكرام قليل
لكننا نجزم أن عدد أولئك "السفيرات"، الخيرات، خاصة في بلاد الحرمين، أكثر بكثير، من عدد "الناشزات" على العفة والدين .
**********
"أولويات لكل السيدات"
هناك نقص كبير في ميزانية الخدمات والقطاعات الحكومية العامة، وصل في بعضها إلى حد الفقر، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، قطاع التعليم، والصحة، والمواصلات .
ومع ذلك لا يفتأ بعض الثرثارين من الصياح في كل حين ، يطالبون بأمور معجزة، كأنهم يعيشون في كوكب دري غابر في سماء الكون الفسيح !
* يطالبون بالإكثار من إنشاء مراكز اللهو، و"الترفيه"، المختلطة، في القطاعات العامة والخاصة، مع أن البلاد تعاني من "عجز" فاضح! في "البنية الأساسية "، في ( كل) المرافق والخدمات الإنسانية .
* يطالبون بفتح دور "للسينما"، وبيوتنا، وأسواقنا، تعج، و"تضج "، بكل وسائل الترفيه، من ألعاب، و ملاهي، ومحطات فضائية، ونحوها، حتى غدا الانشغال بها والإنفاق عليها مقدما على كل مهمات الدين والعلم، وضرورات المعيشة والحياة .
* والمطالبون بالاختلاط في التعليم، هل رأوا: أن كل معاناة الطالبات قد انتهت، ورأوا طفرة في عدد المدارس (الصالحة للتعليم)، ورحابة في فصولها، وفخامة في أثاثها، وجودة في "التكييف"، ووفرة في المرافق والوسائل التعليمية، قبل أن يطالبوا بالاختلاط؟
أليس الأولى أن نكمل النصاب الأدنى في خدمات ومرافق قطاع التعليم، للبنات والبنين، قبل أن نشغل الرأي العام، بقضية "خلط" القسمين، وحشرهما في مكان واحد، بغض النظر عن حكم ذلك "الخلط" من حيث الإباحة والتحريم؟
تعاني نسبة كبيرة من طالباتنا من قلة وسوء، في المدارس الحكومية، فأكثرها لا يصلح سكنا لأدنى طبقة من العمال !
*وتعاني نسبة كبيرة من المتخرجات، من قلة وشح في الوظائف، وتعسف ومشقة في التوظيف في التعليم، حتى صارت معاناتهن طرفة يتندر بها في المجامع والمجالس!
* ومفاسد الاختلاط لا حصر لها، وقد أشبعت بحثا ونقدا من قبل، بما يغني عن تكرارها هنا.
*والمطالبون بحصص الرياضة البدنية في مدارس البنات، هل رأوا حال تلك المدارس، وفصولها التي تشبه مستودعات الأثاث المستعمل، قبل المطالبة بشيئ لا يمكن تطبيقه، إلا بزيادة في الأعباء المالية، لتوفير الصالات الرياضية المناسبة، وتجهيزها، وهو ما عجزت عن القيام به وزارة التعليم، في مدارس البنين من عشرات السنين !
* إن الرياضة للنساء في كل الأعمار مباحة في الأصل، بل مطلوبة ، ولكن تطبيقها في قطاعات التعليم لا يوفي بالغرض المطلوب، و أولى من ذلك إنهاء كل معاناة الطالبات والمعلمات أولا .
وإن كان ولا بد من الرياضة ، فيمكن الاستعاضة عن ذلك، بإنشاء مراكز صحية "حكومية "، لعامة النساء، تدخل في ضمنها الرياضة الملائمة، حتى تتم تحت إشراف صحي متكامل، خاصة وأن الاهتمام بالرياضة لا يخص بنات المدارس وحدهن .
*وللعلم، فإن مدارس البنين أيضا، لا تولي حصص الرياضة ذلك الاهتمام ، وطلابنا لا يعولون على حصص الرياضة النظامية ، فإن وقتها قصير ، والأدوات شحيحة، والملاعب غير صالحة، خاصة مع حرارة الجو ، ولهيب الشمس، ولا فائدة تذكر من ورائها .
ثم ألا يحتاج أي متدرب، بعد الانتهاء من الرياضة ، إلى اغتسال وتنظيف، وتغيير ملابس؟
فمن أين، وكيف، يتم توفير ذلك، وكلنا يعرف حال المدارس؟
* ومن الجدير بالذكر، أن الرياضة يمكن لكل إنسان ممارستها، بحسب قدرته، ولا يستلزم وجود مكان مخصص لها .
فالمشي والجري، وكذلك تمرينات اللياقة العامة المعروفة، يمكن أداؤها بكل حال، وفي أي مكان .
* والذين يطالبون بفسح قيادة النساء للسيارات، كأنهم لا يدرون ما تعانيه طرقنا من سوء، وازدحام، وكثرة حوادث، وغير ذلك من مشكلات مرورية، جعلتنا، ولأول مرة، نحتل الصدارة! في دول العالم في شأن من شئون الحياة، و ليتنا كنا في هذه (بالذات)، نقبع في ذيل الأمم !
هذا عدا ما سينشأ من وراء قيادة الفتيات من مشكلات "أخلاقية"، تزيد أضعافا مضاعفة على ما نراه، وما نسمع عنه في الأسواق والأماكن المختلطة العامة .
والأولى من ذلك للنساء في كل الأعمار، إنشاء قطارات المترو، ونحوها، وزيادة عدد حافلات الأجرة "الصالحة للاستعمال الآدمي"، ومساهمة الدولة في دفع تكاليف الأجرة ، أو بعضها ، للنساء ، فإن ذلك أولى من السماح لهن بقيادة السيارات، وسيقلل _قطعا _ من نسبة الحوادث ، التي تزيد يوما بعد يوم .
*والخلاصة: إن النساء عامة في أمس الحاجة، إلى توفير ضروريات المعيشة والحياة الكريمة، قبل النظر في السماح لهن ، أو لبعضهن، بأمور، حتى لو فرض أنها مباحة في الأصل، إلا أن غيرها أولى منها بكثير .
وإني أرى أن تعامل النساء بمزيد من الحرص والاهتمام من قبل الدولة، في جميع القطاعات، بصفتهن "من ذوات الاحتياجات الخاصة " !
كما ينظر أيضا في شئون الأخريات ، "من ذوات الأحوال الصعبة " ! كاليتامى ، والأرامل ، والعجائز ، والفقيرات ، ممن لا عائل لهن ، فيكفين المؤونة والسكن والإعاشة والعلاج ، فإذا فضل بعد ذلك فضلة في "الميزانية العامة "، فعندها فقط يمكن أن ننظر في تلك المطالبات و المقترحات ، ونناقشها .
**********
"خاتمة"
وفي ختام بحثي هذا، أوجه نصيحة إلى أخواتي المسلمات بأن يأخذن حذرهن من تلك الدعاوى"المضلة"، التي يراد منها النيل من عفتهن، باسم الحرية والتقدم، وما هي إلا استرقاق وظلم وهدم .
وأوجه نصيحتي إلى كل من ولاه الله شيئا من أمور النساء، ولاية عامة أو خاصة، أن يتقوا الله فيهن، وأن يرفقوا بهن، وأن يحسنوا إليهن غاية الإحسان ، فإنه لا يكرمهن إلا كريم .
وأعظم إكرام لهن وإحسان، هو تجنيبهن مواطن الفتن، فإن ذلك أسلم لهن ولكل أفراد المجتمع .
وليس من الإحسان لهن أن يدفعن قسرا للاختلاط والسفور .
وأما أنتم ، يا دعاة الفتنة و"التغرير"،
فاعملوا على مكانتكم، فإن الله، على نصر دينه و أوليائه، لقدير .
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد