ذكريات الشيخ عبد الباسط قاري عن العلامة الألباني


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

كان الشيخ الألباني دعوته محصورة بالشام، وكانت تلك الفترة ضعف شديد في الإعلام، وخاصة أنه جهر بدعوته للكتاب والسنة على فهم السلف، وحارب البدعة والمبتدعة، فعادوه وأظهروا له العداء، ولما جاء إلى الجامعة الإسلامية مدرِّساً ومعلِّما في علم الحديث أخذ عنه كبار العلماء وتتلمذوا على يديه؛ منهم تقي الدين الهلالي ونسيب الرفاعي ومحمد عيد عباسي وغيرهم، وبعدما ذهب للأردن تفرغ رحمه الله للتأليف وإخراج الكتب مع الشيخ زهير شاويش صاحب المكتب الإسلامي ببيروت رحمهم الله أجمعين.

بالنسبة لي كنتُ أسمع عنه حتى تمَّ اللقاء بالشيخ عصام المر أحد علماء مصر خريج كلية الحديث بالجامعة الإسلامية، وكنتُ أجهل مَن هو الشيخ الألباني، فصاحبتُ الشيخ عصام، هو الذي بعد الله أرشدني إلى كتب الألباني وعرفتُ منه علم الحديث والرجال والعلل والصحاح والمصطلح، طبعاً معرفتي لا أدعي أني عالم ولا يكون مني ذلك، فأنا طالب علم وسأبقى بإذن الله لكن كان هو السبب بعد الله أن أقتني كتاب ((سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة)) و((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)) و((أحكام الجنائز)) وغيرها، كنتُ حريصاً على اقتناء كتبه وشراءها، ثم تعرّفتُ على الأشرطة في سلسلة الهدى والنور التي كان يسجّلها أخونا محمد أحمد أبو ليلى الأثري حفظه الله، فكانت تعمل بالسيارة وبالبيت ليل نهار، فقد أضاء لنا الدرب بحرصه على نشر السنّة والجهر بها الذب عن الإسلام وإرشادنا إلى عقيدة السلف وكتب شيخ الإسلام بن تيمية وغيرهم، بعدها عرفت الحديث الضعيف والموضوع والصحيح والحسن والمتواتر وغيره.

أحببتُ الشيخ فقصدتُ ؤيته فسافرت إليه بالأردن، ولما وصلت بعد أخذت العنوان من أحد طلاب العلم، صعدتُ إلى شقته وأنا شاب بمقتبل عمري أرجف فرحاً، طرقتُ الباب أستأذن وأسأل هل هذا بيت الشيخ الألباني؟ فقد كنتُ أعتقد أنه يعيش بقصر، فسمعتُ صوت زوجته أم الفضل رحمها الله تُجيب: نعم، مِن أين أنت؟

قلتُ: من مكة.

فقالت: لحظة، ثم فتح الشيخ الباب؛ أول مرة أشاهده، رجل محمر جسيم لحيته بيضاء، لا زلتُ أذكر لون زراق عينيه وابتسامته، يلبس طاقية وثوب أبيض فقط، أدخلني وكان رحمه الله مهاباً لا يستطيع من يجالسه أن يشعر إلا بذلك على الرغم من بساطته، فدخلتُ مجلسه ولاحظتُ كثرة الكتب حوله، وسالته بعض الاسئلة، فقال لي أنه سيأتي لمكة هذا العام للحج، ففرحتُ جدًّا بالخبر وانصرفت، وأعطاني كتاب ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) هدية منه، ليتني طلبتُ منه الإهداء، ولكن هيبته أنستني.

ولمّا وصل لمكة جاءني صديق أخبرني بوصوله، وهو يسكن عند بيت نسيبه الدكتور رضا نعسان، وهو دكتور في العقيدة، وله كتاب في توحيد الأسماء والصفات قرضه (قرّظه؟) الشيخ بن باز رحمه الله، وكان الدكتور نسيب الشيخ الألباني يسكن بشارع الجزائر بالعتيبية بسكن متواضع، فذهبتُ إليه، وكان بعد العشاء، فاستقبلنا وطلب أن يستأذن الشيخ الألباني هل يسمح باللقاء أم أنه متعب؟ كنتُ ذاك الوقت قد كتبتُ بعض الأسئلة حدود العشرة، فأذن الشيخ الألباني لي ولصديقي عباس رحمه الله، فلمّا سمح فرحنا جدًّا وبدأنا نسأل الشيخ عن الحديث والعقيدة، لم نطول كثيراً، فقد كان واضح عليه التعب، فانصرفنا، وقال أنه لديه محاضرة لجدة، وبالفعل ذهبنا لجدّة، لا أذكر أيّ مسجد كان فقد نسيت، كل الذي أذكره أن طلاب العلم ملئوا المسجد فلا تكاد ترى مكان موطئ قدم، فتحدّث الشيخ وأنا أشاهده، تذكر أئمتنا المحدثين، تحدّث عن أهمية العقيدة وعلم الحديث، وانصرفنا.

وحدث موسم الحج وذهبتُ للشيخ الألباني بمنى ولازمته، فرأيتُ شيخاً على وجهه ضوء واستحسنته، أحببت التعرف، قلتُ له: ما اسمك؟ قال: أبو إسحاق الحويني. قلتُ: سألتك عن اسمك؟ فقال: حجازي.

في المخيم شاهدت الشيخ عثمان الخميس وعدنان العرعور، وهذا قبل 25 عام. كنتُ أجتمع به في أي مكان أبحث عن أخباره رحمه الله، وكان مجلسه لا يخلو من السائلين والمستفتين، وبعضهم يعرض المسائل الحديثية والفقهية وهو يجيب.

أذكر أن أخاً دعاه في استراحة وكانت عنده مجموعة كبيرة من نوادر الطيور، فاستوقف الشيخ الألباني طير صوته جميل فقال: عندنا بالشام يسمّونه الشحرور.

رأيتُ الشيخ بن باز يحترم الألباني، أثني الشيخ العثيمين بقوله: نفع الله بالشيخ الألباني الأمة، عرفت ضعيف الحديث وميّزت بفضل الله ثم بجهوده. سمعتها أنا.

لم أعرفه يشتم أحداً أو يتكلم بنية أحد، بل إحدى المرات جاء شاب وعنده أشرطة جمع فيها زلات الدعاة يعرضها عليه، فنهاه وقال: ستتعب نفسك وغيرك، وصدق والله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply