التكية السُّليمانية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

‏التكية السُّليمانية بدمشق ـ صرحٌ حضاري، ومُجمَّعٌ عِلميُّ واجتماعي

النهضات والمجتمعات الراقية لا تقوم فقط على المال والصناعات، بل لا بدَّ مع ذلك مِن وجودِ أسبابٍ تساعد على التعليم، ولا بدَّ أيضًا مِن رعايةٍ للعلم وأهله.

ومِن هذه النهضاتِ الحضاريةِ والأبنيةِ العِلمية: (الكُليَّة السُّليمانية)، كذا ورد اسمُها في سجلات الدولة العثمانية، وعُرفتْ بدمشقَ باسم: (التكيَّة السُّليمانية).

التي أمر ببنائها السلطان المجاهد سليمان القانوني، وقد هَنْدس هذه التكيةَ وصمَّها عن بُعدٍ المعماري سنانُ بنُ عبدِ المنان، مهندسُ الدولة العثمانية، وكان مُشرفًا على بنائها أحدُ مِعمارِيِّ دمشق، بدؤوا بالبناء عامَ: (962هـ ـ 1554م)، ثم تمَّ البناءُ على عدة مراحل.

ففيها: مسجدٌ، مدرسةٌ، غرفٌ لطلبةِ العِلم، سكنٌ للمنقطعين والغرباء، مطبخ خاصٌّ للطلبة ومطبخٌ خيريٌّ للمحتاجين، فرن، مستودع للأطعمة، مطعم، سوقٌ وخان.

وقد أوقف لها السلطانُ سليمان أوقافًا وافرة؛ كي تعود غلَّتُها لنفقات هذا الصرح، ولمن يُدرِّس فيه العلوم، أو يَتلقّاها، أو يقمُ فيها، وبعدَ انتهاء البناء أرسل السلطانُ سليمان صفائحَ الرصاص مِن إصطنبول؛ كي توضعَ على القِباب والأسطحة.

فكان في هذه التكية غرفٌ لطلبة العِلم يسكنون فيها، ويتعلَّمون بها، ويأخذون حاجتَهم مِن الطعام والنفقة بها.

وكذلك كان الغرباءُ والمنقطعونَ يأوون إلى التكية السُّليمانية، فسيكنون فيها مدةً مِن الزَّمن، مع كفايتهم مِن الطعام والشراب.

ومما اشترطه أيضًا السلطانُ سليمان ـ عليه الرحمةُ والرِّضوان ـ في هذه التكية: أنْ يعظَ فيها عالمٌ لعامة المسلمينَ ثلاثَ مراتٍ كلَّ جمعة، وله مِن وقف السلطان مرتَّبٌ يكفيه.

ثم صار يُقرأ فيها (صحيحُ البخاري)، وقد درَّس فيها علومَ الحديث الشريف، وأملى فيها كُتبَ السُّنة النبويةِ جمعٌ مِن أهل العلم، منهم: المحدِّث المجاهد أحمدُ بنُ عبيد العطار (ت1218هـ)، وولدُه الشيخ حامد العطار فكان يجتمع في درسه أكابرُ العلماء والأعيان، ثم ولدُه بكري العطار وذكروا: أنه كان يتوسَّع في شرح الحديث مِن علومٍ مختلفة، ثم الشيخ سليم بن ياسين العطار، وكذلك أملى فيه (صحيحَ البخاري) قراءةَ بحثٍ ودرايةٍ العلامةُ محمدُ بنُ عبدِ الرحمن الكزبري (ت1221هـ).

ثم تبدَّلت الحالُ وتغير الزمان، وضاقت عليهم الأرضُ بما رحبتْ، فحوَّلوا هذه الكليةَ، وصارتْ هذه التكيةُ سوقًا للتحف والسِّلع الشعبية، والله المستعان، وحسبي الله ونعم الوكيل...

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المصادر والمراجع: (حلية البشر) للمؤرِّخ عبد الرزاق البيطار: 374/1، و(الموسوعة الإسلامية التركية): 119/38، وعدَّة مصادرَ في تراجم العلماء المذكورين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply