الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في عام ١٩٠٠ ميلادي تنبأ الألماني ماكس هننغ باختفاء الإسلام بشكل كُلي! وقد جاء هذا التنبؤ نتيجة لما رآه من حالة المسلمين في ذلك الوقت والمعضلة التي يمر بها العالم الإسلامي.
لم تمر مئة عام من هذه النبوءة الألمانية حتى وجدنا الدراسات الغربية تذكر أن الإسلام هو أكثر الأديان نمواً وانتشاراً، وأنه بعد عقدين من الزمن سيكون أكثر الأديان أتباعاً!
لم تكن نبوءة الألماني غريبة أو فريدة، بل مثلها من النبوءات بقرب نهاية الإسلام تكررت كثيراً منذ بزوغ فجره إلى وقتنا الراهن، وفي كل مرة يُثبت الإسلام خطأ تلك النبوءات! ليس هذا فحسب بل إنه يأتي على النقيض، فهو لا يثبت أنه لم يختفي أو يضمحل فحسب، بل يزيد على ذلك بأنه الأكثر انتشاراً وتمدداً.
كلما كان الإسلام وأتباعه في حالة ضيقة وصعبة كلما كان أوان نهوضه واستعادة عافيته وعودته إلى المشهد وإلى القيادة أقرب! وهذه الحالة حالة خاصة بالإسلام دون غيره من الأديان والمذاهب والملل والنحل، ولهذا فإنك تجد أن أفضل الكتب التي كُتبت لتبيان عظمة هذا الدين وكماله وشموله وسماويته هي تلك التي كُتبت في وقت كان العدو ينهش بلاد الإسلام من كل جانب، وكانت الشبهات تنفث سمومها في سمائه، وجحافل الأخطار تحدق به من كل ناحية.
وأسباب هذا عديدة وليس هذا محلُ سردها، إذ سردها يتطلب صفحات كثيرة والمقام مقام الاختصار!
وهذا التمدد والانتشار الهائل للإسلام في عصرنا الحاضر يجعل المتأمل يتوهم أن السبب يعود للدعم المادي والمعنوي والعمل المُضني للدعاة المسلمين والتطور العمراني في بلاد الإسلام! إذ هذه العوامل لها دورٌ كبير وحاسم في نشر الفكرة أي فكرة كانت. إلا أن الحقيقة تأتي على النقيض تماماً! إذ أضعف الناس في المعمورة هم أتباع الإسلام، فهم مستضعفون مظلومون مُحاربون، وهم من جهة التقدم المادي في اخر الركب أو في أحسن الأحوال ليسوا في المقدمة ولا يقاربونها، وهم من حيث عنايتهم بتطبيق دينهم كما يريد الله ونشره على الوجه الذي يأمر به مقصرون ومُحاربون. ولو كان هذا الضعف والإهمال والتشوه يقع في ساحة خالية إلا من الإسلام ولا يُقدم سواه من الدعوات، أو لو كانت الملل والنحل الأخرى تعاني ما يعانيه هذا الدين وأتباعه، لكان أمر انتشاره ونموه مُتفهماً.
إلا أن الواقع يحكي العكس، فالمنافس –غير المسلم– في يديه القوة والمال والتقدم المادي والإعلام المُسخر لنشر أفكاره وتسويق قيمه، فإن التفت لبلاد المسلمين وجدتها أنهاراً من دماء ورُكاماً من دمار، وإن نظرت في بلاد الغرب وجدت التطور والنظام، وإن نظرت في الوسائل التي يستخدمها المسلمون لنشر دينهم لوجدتها بدائية فردية عشوائية، وإن أدرت عينك إلى الغربي فستجد الوسائل المغرية والمتطورة والعمل الجماعي المؤسسي والدعم اللامحدود. ورغم كل هذا ومع كل العقبات التي تقف في طريق المد الإسلامي فإن الإسلام ينتشر أكثر وينمو أكثر وأعداؤه يدعون بالويل والثبور وينادون في كل مرة لا تسمعوا لهذا الدين والغوا فيه لعلكم تغلبون.
إن الإسلام يحمل في داخله أسباب بقائه، فسرُّ قوته تنبع منه لا من الظروف المحيطة به، إنه كالحي بين الأموات، والصحيح الذي يمشي على رجلين بين الكسحان، والمُبصر الذي يرى ما حوله بين العميان، فهو وإن نبذه قومه ونابذه أعداؤه إلا أنه حيٌ يقف ويمشي ويبعث الحياة ويخاطبُ العقول ويتصالح مع الإنسان ويوفرُ له الأمان، وغيره كالأموات لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم هداية ولا نفعاً، لا ينتقلون إلا محمولين على أكتاف أصحابهم! وأنى لمن لا يملك أمر نفسه أن يملك أمر غيره فضلاً عن أن يُنازل أو يُنافس الحي الذي يُخاطب العقول ويسير في الناس!
إن هذا الدين منصور، وعدوه مغلوب، إنه قادم، لا يوقفه شيء، ولا تعيقه عقبه ولا يزيحه منافس، شمسه على الدوام مشرقة لا تعرفُ الغروب، فكن فرداً في كتيبته تظفر..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد