الزبير بن العوام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

الزبير بن العوام:

 بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.

يلتقي مع النبي في قصي وهو الجد الرابع له وللنبي التقاءه مع أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وطلحة رضي الله عنهم مثل التقاءهم بالنبي .

حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل الله، أبو عبد الله -رضي الله عنه- أسلم وهو حدث، له ست عشرة سنة.

وعن عروة، قال: أسلم الزبير ابن ثمان سنين.

ونفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما لك يا زبير؟) .

فأخبره، وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك - الحديث مقبول-.

وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا ، إذا ركب خطت رجلاه الأرض، وكان خفيف اللحية والعارضين.

روى أحاديث يسيرة.

عن عبد الله بن الزبير، قال: قلت لأبي: ما لك لا تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه فلان وفلان؟

قال: ما فارقته منذ أسلمت، ولكن سمعت منه كلمة: سمعته يقول: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) .

كان علي، والزبير، وطلحة، وسعد، عذار عام واحد، يعني: ولدوا في سنة.

وقال المدائني: كان طلحة، والزبير، وعلي، أترابا. -أي ولدوا في سنة واحده -

وقال يتيم عروة: هاجر الزبير، وهو ابن ثمان عشرة سنة، وكان عمه يعلقه، ويدخن عليه، وهو يقول: لا أرجع إلى الكفر أبدا .

وكانت أمه صفية تضربه ضربا شديدا، وهو يتيم.

فقيل لها: قتلته، أهلكته.

قالت: إنما أضربه لكي يدب... ويجر الجيش ذا الجلب.

قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك.

فقالت: كيف وجدت وبرا... أأقطا أم تمرا، أم مشمعلا صقرا

قال ابن إسحاق: وأسلم -على ما بلغني- على يد أبي بكر: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد.

وعن عمر بن مصعب بن الزبير، قال: قاتل الزبير مع نبي الله وله سبع عشرة -إن كان قصده بالقتال رفع حادثة رفع السيف فهذا قد يكون، أما إن كان قصده بالقتال بالغزو مع الرسول فأنا اشك في هذه الرواية، لأن اسلامه في عمر الثامنة او الثاني عشر او السادسة عشر وأول الغزوات بعد الهجرة، والهجرة أتت بعد البعثة بثلاث عشرة سنة، فإن اسلم وعمره ثمان سنين يكون عمرة في اول سنة من الهجرة واحد وعشرين سنة-.

عن البهي قال:

كان يوم بدر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارسان: الزبير على فرس، على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس، على الميسرة .

وقال هشام بن عروة: عن أبيه، قال:

كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير -قال المحقق هو مرسل صحيح الاسناد-

وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير:

جدي ابن عمة أحمد ووزيره ... عند البلاء وفارس الشقراء

وغداة بدر كان أول فارس ... شهد الوغى في اللامة الصفراء

نزلت بسيماه الملائك نصرة ... بالحوض يوم تألب الأعداء

وهو ممن هاجر إلى الحبشة، فيما نقله موسى بن عقبة، وابن إسحاق، ولم يطول الإقامة بها.

قالت عائشة: يا ابن أختي! كان أبواك -يعني: الزبير، وأبا بكر- من: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}[آل عمران: ١٧٢] .

لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: (من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟) .

فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم، فانصرفوا.

قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}[آل عمران: ١٧٤] لم يلقوا عدوا .

وقال البخاري، ومسلم: جابر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق: (من يأتينا بخبر بني قريظة؟) .

فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم. ثم قال الثانية.

فقال الزبير: أنا، فذهب.

ثم الثالثة.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لكل نبي حواري، وحواري الزبير) .

عن جابر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الزبير ابن عمتي، وحواري من أمتي) .

عن زر، قال:استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده،  فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لكل نبي حواري، وحواري الزبير) .

عن ابن عمر: أنه سمع رجلا يقول: يا ابن حواري رسول الله!

فقال ابن عمر: إن كنت من آل الزبير، وإلا فلا .

وقال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شيء.

عن ابن الزبير ، عن أبيه، قال:جمع لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه.

عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن ابن الزبير قال له: يا أبة! قد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر يوم الخندق.

قال: يا بني! رأيتني؟

قال: نعم.

قال: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ ليجمع لأبيك أبويه، يقول: (ارم، فداك أبي وأمي) .

عن عبد الله بن الزبير، قال: لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أطم حسان، فكان عمر يرفعني وأرفعه، فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، فيقاتلهم .

حدثنا ابن أبي الزناد قال:

ضرب الزبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس.

فقالوا: ما أجود سيفك!

فغضب الزبير، يريد أن العمل ليده لا للسيف.

عن أم عروة بنت جعفر، عن أختها عائشة، عن أبيها، عن جدها الزبير: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.

وعن أسماء قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي أعطاهما إياه، فقاتل فيهما.

عن هشام بن عروة، عن أبيه:أعطى رسول الله الزبير يلمق حرير محشو بالقز، يقاتل فيه -لم اعرف معنى (يلمق) قال المحقق هو القباء المحشو، لكن للأسف لم أعرف معنى القباء المحشو، ثم سألت شيخي ابراهيم السيف فقال هو مثل الرداء وهذا يستثنى في الحرب لإرهاب العدو-

عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:

قال الزبير: ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون، إلا أن أقبل، فألقى ناسا يعقبون -للأسف لم أفهم هذه العبارة، فمن فهم العبارة يتصدق علي بالمعلومة-.

وعن الثوري قال: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة، وعلي، والزبير -كلمة نجدة تكون في الازمات، فمن كان في ورطة يطلب النجدة فيستخدم كلمة النجدة، ومن كان في موقف بسيط ويريد المساعده يستخدم كلمة ساعدوني، ليت من يعرف قناة المجد للأطفال يخبرهم بذلك-.

عن علي بن زيد، أخبرني من رأى الزبير وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.

عن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.

قال عروة: قال عبد الملك بن مروان حين قتل ابن الزبير: يا عروة! هل تعرف سيف الزبير؟

قلت: نعم.

قال: فما فيه؟

قلت: فلة فلها يوم بدر، فاستله فرآها فيه، فقال بهن فلول من قراع الكتائب،

ثم أغمده ورده علي، فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته .

عن أبي هريرة: أن رسول الله كان على حراء فتحرك. فقال: اسكن حراء! فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير .

عن النبي قال: (طلحة والزبير جاراي في الجنة) .

عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: إنهم يقولون: استخلف علينا، فإن حدث بي حدث فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله وهو عنهم راض، ثم سماهم.

أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش، فقال: استخلف.

قال: وقالوه؟

قال: نعم.

قال: من هو؟ فسكت.

قال: ثم دخل عليه رجل آخر، فقال له مثل ذلك، ورد عليه نحو ذلك.

قال: فقال عثمان: قالوا: الزبير؟

قالوا: نعم.

قال: أما والذي نفسي بيده، إن كان لأخيرهم ما علمت، وأحبهم إلى رسول الله .

قال عمر: لو عهدت أو تركت تركة كان أحبهم إلي الزبير، إنه ركن من أركان الدين .

عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم: عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم.

عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن الزبير خرج غازيا نحو مصر، فكتب إليه أمير مصر: إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها.

فقال: إنما خرجت للطعن والطاعون، فدخلها فلقي طعنة في جبهته، فأفرق -فأفرق: اي شُفي وبرأ-.

عن أبي رجاء العطاردي، قال: شهدت الزبير يوما وأتاه رجل، فقال: ما شأنكم أصحاب رسول الله، أراكم أخف الناس صلاة؟

قال: نبادر الوسواس.

كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فلا يدخل بيته من خراجهم شيئا. بل يتصدق بها كلها -مع تجارته رضي الله عنه وغناه إلا أن الدنيا لم تكن في قلبه، وهذا حال الصحابة، كانت الدنيا في ايديهم وليست في قلوبهم-.

عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: مر الزبير بمجلس من أصحاب رسول الله وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون منه، فجلس معهم الزبير، ثم قال: مالي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة، فلقد كان يعرض به رسول الله فيحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه.

فقال حسان يمدح الزبير:

أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل

أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي ولي الحق والحق أعدل

هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجل

إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها ... بأبيض سباق إلى الموت يرقل

وإن امرءا كانت صفية أمه ... ومن أسد في بيتها لمؤثل

له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل

فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي فيجزل

ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل

عن هشام بن عروة: أن الزبير لما قتل عمر، محا نف سه من الديوان، وأن ابنه عبد الله لما قتل عثمان، محا نفسه من الديوان -محا نفسه من الديوان اي لم يعد ياخذ من اعطيات الدولة-.

عن مطرف، قلت للزبير: ما جاء بكم، ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟

قال: إنا قرأنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعمر، وعثمان: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}[الأنفال: ٢٥] لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت -قال المحقق سنده حسن-.

عن الحسن: أن رجلا أتى الزبير وهو بالبصرة، فقال: ألا أقتل عليا؟

قال: كيف تقتله ومعه الجنود؟

قال: ألحق به، فأكون معك، ثم أفتك به.

قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن) -قال المحقق رجاله ثقات-.

عن الأسود بن قيس، حدثني من رأى الزبير يقتفي آثار الخيل قعصا بالرمح، فناداه علي: يا أبا عبد الله!

فأقبل عليه حتى التفت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (تناجيه! فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم) .

قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وذهب -كانوا وقافين عند كلام الله ورسوله-.

عن ابن عباس أنه قال للزبير يوم الجمل: يا ابن صفية! هذه عائشة تملك الملك طلحة، فأنت علام تقاتل قريبك عليا؟

زاد فيه غير أبي شهاب: فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز، فقتله -قال المحقق رجاله ثقات وسنده صحيح-.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، فلقيه ابنه عبد الله، فقال: جبنا جبنا!

قال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال:

ترك الأمور التي أخشى عواقبها ... في الله أحسن في الدنيا وفي الدين

وقيل: إنه أنشد:

ولقد علمت لو ان علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب

فلم ينشب أن قتله ابن جرموز.

عن عمرو بن جاوان قال: قتل طلحة وانهزموا، فأتى الزبير سفوان، فلقيه النعر المجاشعي،

فقال: يا حواري رسول الله! أين تذهب؟ تعال فأنت في ذمتي، فسار معه.

وجاء رجل إلى الأحنف، فقال: إن الزبير بسفوان، فما تأمر إن كان جاء، فحمل بين المسلمين، حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه؟ قال: فسمعها عمير بن جرموز، وفضالة بن حابس، ورجل يقال له: نفيع، فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر ، وهم في طلبه، فأتاه عمير من خلفه، وطعنه طعنة ضعيفة، فحمل عليه الزبير، فلما استلحمه وظن أنه قاتله،

قال: يا فضالة! يا نفيع!

قال: فحملوا على الزبير حتى قتلوه .

عن جون بن قتادة، قال: كنت مع الزبير يوم الجمل، وكانوا يسلمون عليه بالإمرة، إلى أن قال: فطعنه ابن جرموز ثانيا، فأثبته، فوقع، ودفن بوادي السباع، وجلس علي -رضي الله عنه- يبكي عليه هو وأصحابه.

عن أبي نضرة، قال: جيء برأس الزبير إلى علي، فقال علي: تبوأ يا أعرابي مقعدك من النار، حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قاتل الزبير في النار .

عن الشعبي يقول: أدركت خمس مائة أو أكثر من الصحابة، يقولون: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير في الجنة.

قلت: لأنهم من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن البدريين، ومن أهل بيعة الرضوان، ومن السابقين الأولين الذين أخبر تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه، ولأن الأربعة قتلوا ورزقوا الشهادة، فنحن محبون لهم، باغضون للأربعة الذين قتلوا الأربعة.

عن الزبير، قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة ، فطعنته في عينه، فمات.

فأُخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها -يعني: الحربة- فلقد انثنى طرفها.

قال عروة: فسأله إياها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاه إياها، فلما قبض، أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر، سألها عمر، فأعطاه إياها، فلما قبض عمر، أخذها، ثم طلبها عثمان منه، فأعطاه إياها، فلما قبض وقعت عند آل علي، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قتل.

عن هشام، عن أبيه: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا للزبير: ألا تشد فنشد معك؟

قال: إني إن شددت كذبتم.

فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلا، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين: ضربة على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر.

قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير.

قال: وكان معه عبد الله بن الزبير، وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس، ووكل به رجلا .

قلت: هذه الوقعة هي يوم اليمامة إن شاء الله، فإن عبد الله كان إذ ذاك ابن عشر سنين.

 

الجزء الرابع:

عن الحسن قال: لما ظفر علي بالجمل، دخل الدار، والناس معه، فقال علي: إني لأعلم قائد فتنة دخل الجنة، وأتباعه إلى النار.

فقال الأحنف: من هو؟

قال: الزبير.

في إسناده إرسال، وفي لفظه نكارة، فمعاذ الله أن نشهد على أتباع الزبير، أو جند معاوية، أو علي، بأنهم في النار، بل نفوض أمرهم إلى ال له، ونستغفر لهم، بلى: الخوارج كلاب النار، وشر قتلى تحت أديم السماء، لأنهم مرقوا من الإسلام، ثم لا ندري مصيرهم إلى ماذا، ولا نحكم عليهم بخلود النار، بل نقف.

قال البخاري، وغيره: قتل في رجب، سنة ست وثلاثين.

وادي السباع: على سبعة فراسخ من البصرة.

قال الواقدي، وابن نمير: قتل وله أربع وستون سنة.

وقال غيرهما: قيل: وله بضع وخمسون سنة، وهو أشبه.

قال ابن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير -يعني: لما ولي إمرة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير- فقال: أقدني بالزبير.

فكتب في ذلك يشاور ابن الزبير.

فجاءه الخبر: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟!! ولا بشسع نعله.

قلت: أكل المعثر يديه ندما على قتله، واستغفر لا كقاتل طلحة، وقاتل عثمان، وقاتل علي.

عن مسالم بن عبد الله بن عروة، عن أبيه:

أن عمير بن جرموز أتى حتى وضع يده في يد مصعب، فسجنه، وكتب إلى أخيه في أمره، فكتب إليه: أن بئس ما صنعت، أظننت أني قاتل أعرابيا بالزبير؟ خل سبيله.

فخلاه، فلحق بقصر بالسواد عليه أزج - قيل معنى أزج سقف-، ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه.

عن هشام، عن أبيه، قال: اقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف.

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن الزبير قال:

لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني.

فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني! إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا؟

يا بني! بع ما لنا، فاقض ديني، فأوصي بالثلث، وثلث الثلث إلى عبد الله، فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيء، فثلث لولدك -رجاله ثقات-

قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير: خبيب، وعباد، وله يومئذ تسع بنات.

قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه، ويقول: يا بني! إن عجزت عن شيء منه، فاستعن بمولاي.

قال: فوالله ما دريت ما عنى حتى قلت: يا أبة، من مولاك؟

قال: الله -عز وجل-.

قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه، إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه، فيقضيه.

قال: وقتل الزبير، ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أرضين بالغابة، ودارا بالمدينة، ودارا بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر.

قال: وإنما كان الذي عليه أن الرجل يجيء بالمال فيستودعه، فيقول الزبير: لا، ولكن هو سلف، إني أخشى عليه الضيعة -هذه الفكرة تشابه فكرة البنك، حتى ان بعض المتحمسين قال اول بنك هو بنك الزبير بن العوام-.

وما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئا إلا أن يكون في غزو مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أو مع أبي بكر، وعمر، وعثمان.

فحسبت دينه، فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف.

فلقي حكيم بن حزام الأسدي عبد الله، فقال: يا ابن أخي! كم على أخي من الدين؟

فكتمه، وقال: مائة ألف.

فقال حكيم: ما أرى أموالكم تتسع لهذه.

فقال عبد الله: أفرأيت إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟

قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء فاستعينوا بي.

وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وست مائة ألف.

وقال: من كان له على الزبير دين فليأتنا بالغابة.

فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربع مائة ألف.

فقال لابن الزبير: إن شئت تركتها لكم.

قال: لا.

قال: فاقطعوا لي قطعة.

قال: لك من هاهنا إلى هاهنا.

قال: فباعه بقضاء دينه.

قال: وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت سهما بمائة ألف.

وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف.

وقال ابن ربيعة: قد أخذت سهما بمائة ألف.

فقال معاوية: كم بقي؟

قال: سهم ونصف.

قال: قد أخذت بمائة وخمسين ألفا.

قال: وباع ابن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف.

فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا.

قال: لا والله، حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا، فلنقضه.

فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضت أربع سنين قسم بينهم.

فكان للزبير أربع نسوة، قال: فرفع الثلث، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف -اخرجه البخاري-

بلغ حصة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، زوجة الزبير من ميراثه: ثمانين ألف درهم.

من مختصر سير اعلام النبلاء، أما ما بين الخطين فهو من تعليقي.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply