حقوق الجيران


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إن للجيران في الإسلام منزلة عظيمة, ولقد أوصانا الله تعالى في كتابه العزيز،  وعلى لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالجيران خيراً وإن كانوا غير مسلمين، حتى يعيش المجتمع في سلام وأمان، ومن المعلوم أن رابطة الجوار من أهم الروابط الاجتماعية التي تربط بين الناس في المجتمع الواحد لأنها إذا صلحت، أخرجت من ثمار المحبة والمودة والتعاون والتكافل والتراحم والإخاء ما يعود على الأفراد والمجتمعات بالخير والسعادة. ومما لاشك فيه أن الكثير من الناس –إلا من عصم الله– قد فرطوا في رابطة الجوار فحُرموا أجرها وتحملوا وزرها وضيعوا ثمارها وجنوا مِن جرّاء التفريط فيها الفرقة والتشاجر والتقاطع وكأنهم في معزل عن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الواردة في الإحسان إلي الجيران. إن شرائع الإسلام السامية لم تترك أمراً صغيراً أو كبيراً يتعلق بحقوق الجيران إلا وبينته بيانا كافياً وشافياً.فأقول وبالله تعالى التوفيق:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

معنى الجار:

قال الراغب: الجار من يقرب مسكنه منك، وهو من الأسماء المتضايفة، فإن الجار لا يكون جاراً لغيره إلا وذلك الغير جاراً له كالأخ والصديق. ( المفردات في غريب القرآن صـ145)

قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله):

 اسْم الْجَار يَشْمَل الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَالْعَابِد وَالْفَاسِق وَالصَّدِيق وَالْعَدُوّ وَالْغَرِيب وَالْبَلَدِيّ وَالنَّافِع وَالضَّارّ وَالْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ وَالْأَقْرَب دَارًا وَالْأَبْعَد، وَلَهُ مَرَاتِب بَعْضهَا أَعْلَى مِنْ بَعْض، فَأَعْلَاهَا مَنْ اِجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَات الْأُوَل كُلّهَا ثُمَّ أَكْثَرهَا وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى الْوَاحِد، وَعَكْسه مَنْ اِجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَات الْأُخْرَى كَذَلِكَ، فَيُعْطِي كُلّ حَقّه بِحَسَبِ حَاله.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10صـ456)

 

حـد الجـوار:

من المعلوم أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يبين حد الجوار، ولذا كان من الطبيعي أن يختلف أهل العلم في حد الجوار، فَجَاءَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ "مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَهُوَ جَار" وَقِيلَ: "مَنْ صَلَّى مَعَك صَلَاة الصُّبْح فِي الْمَسْجِد فَهُوَ جَار "وَعَنْ عَائِشَة "حَدّ الْجِوَار أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلّ جَانِب" وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْله. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10 صـ461)

وروى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عن الحسن البصري أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجَارِ، فَقَالَ: أَرْبَعِينَ دَارًا أَمَامَهُ، وَأَرْبَعِينَ خَلْفَهُ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَسَارِهِ .(حديث حسن) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 80)

وقال بعض أهل العلم: من ساكن رجلاً في محلَة أو مدينةَ فهو جار، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) الأحزاب:60.

فجعل اجتماعهم في المدينة جواراً. ( الجامع لأحكام القرطبي جـ5 صـ190)

 

الجار في القرآن الكريم:

لقد أوصانا الله في قرآنه الكريم بالإحسان إلي الجيران فقال سبحانه في آية الحقوق العشرة: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. (النساء: 36).

قال الإمام القرطبي (رحمه الله): أَمَّا الْجَارُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ وَالْوَصَاةِ بِرَعْيِ ذِمَّتِهِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ. أَلَا تَرَاهُ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ ذِكْرَهُ بَعْدَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَقَالَ تَعَالَى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) أَيِ الْقَرِيبِ. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أَيِ الْغَرِيبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

ثم قال القرطبي (رحمه الله): الْوَصَاةُ بِالْجَارِ مَأْمُورٌ بِهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْإِحْسَانُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُوَاسَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَكَفِّ الْأَذَى وَالْمُحَامَاةِ دُونَهُ..  (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 صـ187: صـ188)

 

الجار في السُنة:

لقد استفاضت نصوص السنة المطهرة في بيان رعاية حقوق الجيران والوصاية بهم وصيانة أعراضهم والحفاظ على شرفهم وستر عوراتهم وغض البصر عن محارمهم والبعد عما يسيء إليهم ويؤذيهم وإن كانوا من غير المسلمين وسوف أتحدث عن هذه الأمور بإيجاز.

 

تصحيح عقيدة الجيران:

يجب أن يعلم كل مسلم أن أعظم حقوق جيرانه عليه على الإطلاق هو تصحيح عقيدتهم أولاً وذلك بأن يُعَلمهم أن لا إله إلا اللَّه تعني أنه لا معبود بحق إلا اللَّه تعالى وحده، وأن اللَّه قد خلقنا لغاية كريمة وهي عبادته وحده، كما بين ذلك في كتابه العزيز حيث قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ( الذاريات: 56)

وهذه العبادة لا تكون إلا بما شرع اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم ولذا فعلى المسلم أن يُعَلم جيرانه صحة الاعتقاد في العبادة وهو أساس قبول الأعمال عند اللَّه تعالى. يقول اللَّه عز وجل: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الزمر: 65).

فإذا فسدت العقيدة حبط ثواب الأعمال الصالحة. ويجب على المسلم أن يُحذر جيرانه من الشرك ومظاهره، فلا يدعون غير اللَّه ولا يطلبون المدد والعون والولد والنظرة من غير اللَّه ولا يذبحون ولا ينذرون لغير اللَّه ولا يحلفون إلا بالله وحده ولا يطوفون إلا حول الكعبة ولا يصلون في مساجد بها قبور لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وعليه كذلك أن يُحذرهم من الاعتقاد بأن هؤلاء الأولياء المقبورين ينفعون أو يضرون أو يتصرفون في الكون مع الله عز وجل وليعلم المسلم أن تصحيح عقيدة جيرانه هي أسمى حقوقهم عليه وأن ذلك يحتاج إلي رفق وصبر ووقت طويل فليحتسب ذلك عند الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين وليتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بتصحيح العقيدة قبل أن تُفرض شرائع الإسلام على المسلمين.

 

إكرام  الجيران:

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ. (البخاري حديث 6014)

روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ. (صحيح مسلم كتاب البر والصلة حديث 142)

حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، لِمَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْمَفْسَدَةِ، فَإِنَّ الْجَارَ قَدْ يَتَأَذَّى بِقُتَارِ (أي بريح) قِدْرِ جَارِهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ فَتَهِيجُ مِنْ ضُعَفَائِهِمُ الشَّهْوَةُ، وَيَعْظُمُ عَلَى الْقَائِمِ عَلَيْهِمُ الْأَلَمُ وَالْكُلْفَةُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْقَائِمُ ضَعِيفًا أَوْ أَرْمَلَةً فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ وَيَشْتَدُّ مِنْهُمُ الْأَلَمُ وَالْحَسْرَةُ. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 صـ190)

وينبغي على المسلم إذا دخل عليه صبي جاره أن يضع في يده شيئاً فإن ذلك يجلب مودة الجيران وذلك على قدر استطاعته.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَمَّا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَأَكْثِرْ مَاءَهَا) نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى تَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْبَخِيلِ تَنْبِيهًا لَطِيفًا، وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ ثَمَنٌ وَهُوَ الْمَاءُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ لَحْمَهَا، إِذْ لَا يَسْهُلُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: قِدْرِي وَقِدْرُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ * وَإِلَيْهِ قَبْلِي تُرْفَعُ الْقِدْرُ.

(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 صـ190).

وذلك لما رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ إنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ. (مسلم – كتاب البر والصلة – حديث 143)

أي بشيء يُهدي عُرفاً فإن القليل وإن كنا مما يُهدي فقد لا يقع ذلك الموقع، فلو لم يتيسر إلا القليل فليهده ولا يحتقره وعلى الجار أن يقبله لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ. (البخاري حديث 2568).

والكراع ما دون الكعب من الدابة وينبغي أن تكون الهدية لأقرب الجيران ثم الذي يليه روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي قَالَ إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا. (البخاري حديث 6020).

ويجب أن نحذر أن يكون بجوارنا جار جائع ونحن نعلم ولا نقدم له ما نستطيع من الطعام والشراب.

روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عن عبد الله بن عباس قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ»(حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 82)

وقال أبو العتاهية: ومن الجهالة بالمكارم  أن ترى *  جاراً يجوع وجاره شبعان

(مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ85 رقم 347).

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ. (البخاري حديث 6017)

روى الإمام مالك والبخاري في الأدب المفرد، عن عمرو بن معاذ الأشهل الأنصاري، عن جدته أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة مُحرقاً. (حديث صحيح لغيره) (الموطأ جـ2 صـ966 / صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 90)

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ (البخاري حديث 2463 / مسلم حديث 1609).

روى مالك  عَنْ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنْ الْعُرَيْضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ لِمَ تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّكَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا فَقَالَ عُمَرُ لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّكَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا وَاللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ.  (موطأ مالك – كتاب الأقضية صـ746 حديث 33)

الإصلاح بين الجيران:

حثنا الله تعالى في كتابه على الإصلاح بين الناس وخاصة الجيران لأنهم أقرب الناس جواراً لنا، فقال وقال سبحانه أيضاً: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 114)

وقال سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 1)

 

وحثنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الإصلاح بين الجيران:

روى أبو داود عنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4111)

ويدل على أهمية الصلح بين الجيران أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم  رخص في الكذب من أجل الصلح بينهم.

روى الشيخان عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًاً. (البخاري حديث 2692 / مسلم حديث 2605)

روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ. (البخاري حديث 2690)

الصلح بين الجيران من الأخلاق الحميدة التي حثنا عليها الشرع الشريف، ولو أن كل مسلم في طبعه هذا  الخلق السامي في حياته العملية لصلح المجتمع كله ولعاش في خير وبركة وسعادة.

فينبغي على كل مسلم أن يخصص بعض وقته ليصلح بين جيرانه وأن يجعل هذا العمل خالصاً لله وحده. وليعلم الذي يقوم بالصلح بين جيرانه أنه قد يصيبه بعض الأذى فليتحمل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى.

 

ستر عورات الجيران:

المسلم مأمور بستر عيوب أصحاب المعاصي الذين لا يجهرون بها وأولى الناس بستر عيوبهم هم الجيران لأننا غالباً ندخل بيوتهم ونتعرف على أحوالهم وأسرارهم وعيوبهم وقد أمرنا الشرع الشريف على لسان نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بستر عيوب الجيران خاصة.

روى مسلم  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (مسلم – كتاب البر والصلة ـ  حديث 72)

وينبغي أن يكون من المعلوم أنه يحرم على المسلم أن يتبع عورات الجيران لأنها كبيرة من الكبائر.

روى أبو داود  عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ. (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4083)

فليحذر هؤلاء الذين يخافون هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتعمدون تتبع  عورات جيرانهم ونشر عيوبهم بين الناس بغير حق، من عذاب الله يوم القيامة. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(النور: 19)

 

العفو عمن ظلمنا من الجيران:

ينبغي على المسلم العاقل أن يتحلى بالعفو والصفح عمن أساء إليه من الجيران، وليعلم أن هذا العفو يرفع منزلته عند الله تعالى وعند جيرانه. وقد أوصانا الله عز وجل بالصفح والإحسان إلي من أساء إلينا. قال الله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين)( آل عمران: 34)، وقال سبحانه: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر: 85)

وقال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(النحل: 126)

وقال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى: 40)

ولقد حثنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله وفعله على العفو عمن أساء إلينا.

روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه. (مسلم حديث 2588)

وهذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل مكة منتصراً ويعفو عمن ظلمه من جيرانه، الذين آذوه، وعن جميع أهل مكة.

 فهنيئاً لمن مَلَكَ نفسه عند الغضب وصبر على أذى الجيران وعفا عنهم وسلك سبيل المحسنين، اقتداءً  بنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

 

قضاء حوائج الجيران:

إن من أعظم حقوق الجيران تفقد أحوالهم وقضاء حوائجهم عندما يحتاجون إلينا. فأن قضاء حوائج الجيران هي التطبيق العملي لأخلاق الإسلام. فالجيران يرفعون منزلة من يشفع لهم شفاعة حسنة عند الآخرين لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية. إن قضاء حوائج الجيران والوقوف معهم في السراء والضراء له أثر كبير في سرعة استجابتهم عندما نصحح لهم العقيدة ونعلمهم شرائع الإسلام ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر. وهذا أمر واقع معلوم. ولقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يعلم الأمة ضرورة القيام بقضاء حوائج الناس لأن هذا من أسباب الأخوة والمودة بين الجيران، بل بين جميع المجتمع كله.

روى الشيخان عن  عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النبي ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَـاجَتِهِ وَمَـنْ فَرَّجَ عَـنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَــرَّجَ اللَّهُ عَــنْهُ كُـرْبَـــةً مِــنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).البخاري حديث 2442 / مسلم حديث 2580(.

روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ. ( مسلم – كتاب السلام – حديث 5)

روى الشيخان عن أَبِي مُوسَى الأشعريُ قَالَ:  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ (البخاري حديث 1432 / مسلم حديث 2627)

 

هل هناك أحد من الناس أحق من الجيران بهذه الحقوق؟

حرص سلفنا الصالح على قضاء حوائج جيرانهم والوقوف إلي جانبهم في السراء والضراء وكان المجتمع المسلم في القرون الثلاثة الأولى الفاضلة من الصدر الأول لظهور الإسلام، مثالاً رائعاً في حُسن الجوار.

قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

اقْضِ الْحَوَائِجَ مَا اسْتَطَعْتَ * وَكُنْ لِهَمِّ أَخِيكَ فَارِجْ.

فَلَخَيْرُ أَيَّامِ الْفَتَى * يَوْمٌ قَضَى فِيهِ الْحَوَائِجْ.

(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ2صـ178)

 

كفالة أيتام الجيران:

رعاية يتامى الجيران وخاصة الفقراء منهم من أجَّل حقوق الجيران. فهذا اليتيم لا يحتاج إلي رعاية أهله فقط بل يحتاج إلي رعاية جيرانه لأنه ينشأ بينهم ويختلط بهم ويتأثر بسلوكهم وهذا أمر لا يمكن لأحد أن يتجاهله. إن رعاية يتامى الجيران يجعلهم يشعرون بالحب والمودة والتقدير لهذا المجتمع الذي يعيشون فيه. ولقد أوصانا القرآن الكريم باليتامى خيراً. قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(البقرة: 220)

وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36)

وليتذكر كل منا ما أعده الله تعالى لكافل اليتيم من عظيم الثواب.

روى الشيخان عَنْ سَهْلٍ بن سعد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا. (البخاري حديث 5304 / مسلم حديث 2983)

فهنيئاً لكل من كفل أحداً من أيتام جيرانه برضوان الله تعالى في الدنيا والآخرة.

 

عاقبة من يَمُن بفضله على جيرانه:

إن من أسوأ الأمور أن يقوم المسلم بإعطاء بعض الهدايا أو الصدقات إلي جيرانه ثم يَمُن عليهم بما أعطاهم أو يتحدث بذلك أمام الناس إظهاراً لفضله.

 وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من أن نَمُن على الناس، وخاصة الأقارب والجيران، بما أعطيناهم، قال الله في كتابه العزيز: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(البقرة: 262: 264)

لقد بَيَّنَ اللهُ تعالى في هذه الآيات الكريمة أن المنَّ على الناس كبيرة من الكبائر وأنه يبطل ثواب الأعمال الصالحة وقد بينت السنة المطهرة مصير المنّان بفضله على الناس يوم القيامة.

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ.(صحيح مسلم – كتاب الإيمان – حديث 106)

وفي رواية أخرى لمسلم: (المنان الذي لا يعطي شيئاً إلا مَنّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر والمسبل إزاره)

 

الإحسان إلي الجيران غير المسلمين:

كان جيران الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة أصحاب ديانات مختلفة، فكان منهم اليهود  والمشركين، الذين يعبدون الأصنام وعلى الرغم من ذلك كان يدعوهم  إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يُجبرهم على الدخول في الإسلام، ولم يعتد على حُرماتهم  وأموالهم، وترك لهم حرية العبادة مع أن المسلمين كانوا أصحاب الكلمة العليا في المدينة ولم يسفك دماء أحد منهم بغير حق، وكذلك فعل أصحاب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مع جيرانهم من غير المسلمين في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعد موته في البلاد الجديدة التي فتحوها، فعاش غير المسلمين في دولة الإسلام في أمان شريعة الله تعالى، وشهد لهذه المنقبة العظيمة كل مؤرخ منصف من غير المسلمين.

 

نماذج مشرقة لحسن معاملة غير المسلمين:

روى أحمد عَنْ أَنَسٍ بن مالك: أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ.(حديث صحيح) (مسند أحمد جـ21 صـ78 حديث 13375)

وهكذا كانت حسن معاملة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاره اليهودي سبباً في إسلام ولده، فليحرص كل منا على أن يسلك منهج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حُسْنِ معاملته لجيرانه غير المسلمين.

روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصى بالجار حتى خشينا أو رُؤِينا أنه سَيُورِّثُه (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 95)

وهكذا كانت معاملة أصحاب رسول الله rلجيرانهم غير المسلمين.

 

حُكم إعطاء  غير المسلمين من لحم الأضحية:

يجوز للمسلم أن يعطي جاره غير المسلم من لحم الأضحية ويوسع عليه تأليفاً لقلبه وأداءً لحق الجوار، لأن النسك في الأضحية إنما هو في ذبحها أو نحرها قرباناً لله وعبادة له وحده، ولعدم وجود ما يمنع من ذلك من الأدلة ولعموم قول الله تعالى في كتابه العزيز: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).

وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن تصل أمها بالمال وكانت مشركة في ذلك الوقت (فتوى اللجنة الدائمة بالسعودية رقم 2821 بتاريخ 10صفر  عام 1400 هجرية).

 

اختيار الجار الصالح قبل الدار:

ينبغي على المسلم العاقل أن يسأل عن جيرانه قبل أن يشتري أرضاً أو يسكن منزلاً أو يُؤجر محلاً للتجارة، ومن المعلوم أن الإنسان قد يتأثر بجيرانه نتيجة لطول الجوار، فالجار الصالح يظهر خيره على جيرانه، والجار السوء يظهر شره على جيرانه، وإذا رجعنا إلي خير القرون نرى أن صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يحرصون على مجاورة النبيلكي يتعلموا أمور دينهم ودنياهم على يديه وكان السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم يحرصون على مجاورة أهل العلم والفضل لسنوات عديدة ليتعلموا على أيديهم الخير.

ولقد اختارت امرأة فرعون جوار ربها في الجنة، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين) (التحريم: 11)

يقول الشاعر:

يقولون قبل الدار جار موافق    *  وقبل الطريق النهج أنس رفيق.

ويقول شاعر آخر:

اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ جِيرَانًا تُجَاوِرُهُمْ * لَا تَصْلُحُ الدَّارُ حَتَّى يَصْلُحَ الْجَارُ.

(بهجة المجالس لا بن عبد البر جـ1 صـ291)

روى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً. (البخاري  حديث 2101 / مسلم حديث 2628).

 

التحذير من إيذاء الجيران:

روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. (حديث حسن صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 4292)

وروى البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ. (البخاري حديث 6016)

إن الإنسان قد يأنس بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب فيحسن التعاون بينهما، فإذا لم يحسن أحدهما لصاحبه فلا خير فيهما لسائر الناس.

وروى البخاري (في الأدب المفرد) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ  فَإِنَّ جَارَ الدُّنْيَا يتحوّل". (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 86)

وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ. (البخاري حديث 4761 / مسلم حديث 86)

وروى أحمد عن الْمِقْدَاد بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ قَالَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ قَالُوا حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ قَالَ لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِه. (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ39 حديث 23854)

وروى البخاري (في الأدب المفرد) عن أبي هريرة قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، قَالُوا: وَفُلَانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 88)

وروى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. (البخاري حديث 6018 / مسلم حديث 75)

وروى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الْآنَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ" (حديث حسن لغيره) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث رقم  81)

 

بيع المكان لسوء الجيران:

إن بعض الناس قد يُضطرون لبيع منازلهم بأقل من ثمنها هرباً من جار السوء، ويقول بعض من ابتلى بجار سوء اضطره إلى بيع منزله:

يَلُومُونَنِي إِنْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلِي * وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغَّصُ

                               فَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا الْمَلامَ فَإِنَّمَا * بِجِيرَانِهَا تَغْلُوا الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ.

(بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1 صـ291)

قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:

أَلَا مَنْ يَشْتَرِي دَارًا بِرُخْصٍ * كَرَاهَةَ بَعْضِ جِيرَتِهَا تُبَاعُ. (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ85 رقم 349)

 وقال شاعر آخر:

دَارِ جارَ السَّوْءِ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ * لم تَجِدْ صَبْرًا فَمَا أَحْلَى النَّقَلْ. (موارد الظمآن لعبد العزيز السلمان جـ3 صـ490)

ولقد رأيت لوحة كبيرة من القماش قد كتب عليها صاحبها (المنزل للبيع لسوء الجيرة) فعجبت لذلك وتساءلت كيف يحدث هذا بين الجيران المسلمين وأيقنت أن ذلك بسبب زهد المسلمين في طلب العلوم الشرعية وجهلهم بحقوق الجيران التي جاءت في كتاب الله تعالى وسنة  رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالقرآن الكريم والسنة المطهرة لم يتركا شيئاً يتعلق بحقوق الجيران إلا وبيناه حتى أنهما لم يتركا استدراكاً لأي مستدرك ولقد سبق القرآن الكريم والسنة الصحيحة بذلك كل العلوم الإنسانية الحديثة التي لم تأت إلا بقليل من كثير وغيض من فيض، وذرة من جبل وأين هذه التعاليم المبتورة القاصرة بجانب تعليم الحكيم الخبير الذي ما فرط في القرآن من شيء وتعاليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الكاملة منزلة الصبر على أذى الجيران:

روى أحمد عن  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُ فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهُ فَقَالَ قَدْ لَقِيتَ فَاسْأَلْ قَالَ قُلْتُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ نَعَمْ فَمَا أَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا يَقُولُهَا قَالَ قُلْتُ مَنْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ مُجَاهِدًا مُحْتَسِبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ وَرَجُلٌ يَكُونُ مَعَ قَوْمٍ فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْهِمْ الْكَرَى أَوْ النُّعَاسُ فَيَنْزِلُونَ فِي

آخِرِ اللَّيْلِ فَيَقُومُ إِلَى وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ قَالَ قُلْتُ مَنْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ قَالَ الْفَخُورُ الْمُخْتَالُ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالتَّاجِرُ وَالْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ). (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ35 صـ421 حديث 21530)

 

أفضل الجيران:

روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ. (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1586)

وما أحسن قول الشاعر:

إِنِّي لأَحْسِدُ جَارَكُمْ لِجِوَارِكُمْ * طُوبَى لِمَنْ أَمْسَى لِدَارِكَ جَارَا

يَا لَيْتَ جَارَكَ بَاعَنِي مِنْ دَارِهِ * شِبْرًا فَأُعْطِيهِ بِشِبْرٍ دَارَا.

(موارد الظمآن لعبد العزيز السلمان جـ3 صـ493)

وروى البخاري (في الأدب المفرد) عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، عَنِ النَّبِيِّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ: الْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ". (حديث صحيح لغيره)(صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 85)

وروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ. (حديث صحيح) (صحيح  ابن ماجه للألباني حديث 3402) 

وروى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى جَارِهِ. (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2022)

 

قتل الجار من علامات الساعة:

روى البخاري في الأدب المفرد عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري: قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ". (حديث حسن) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 87)

 

أقوال السلف الصالح عن الجيران:

ذَكَرَ بعض أهل العلم من السلف الصالح أقوالاً تدل دلالة واضحة على مدى تقديرهم ومعرفتهم لحقوق الجيران، وها نحن نذكر طرفاً من أقوالهم:

1-              عمر بن الخطاب:

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من حق الجار أن تبسط له معروفك وتكف عنه أذاك. (بهجة المجالس لابن عبد البر جـ1 صـ292)

وقال عمر أيضاً: إذا حمد الرجل جاره وذو قرابته ورفيقُهُ، فلا تشكوا في صلاحه. (شرح السنة للبغوي جـ13 صـ72).

2-              عائشة بنت أبي بكر الصديق:

قالت عائشة رضي الله عنها: لا تبالِ المرأةُ إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألا تنزل بين أبويها. (تربية الأولاد في الإسلام جـ1 صـ395)

3-              ثَوْبان بن بَجدد مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

روى البخاري في الأدب المفرد عن ثوبان قال: ما من جار يظلم جاره ويقهره، حتى يحمله ذلك على أن يخرج من منزله إلا وهلك. (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني رقم 94)

4-              على بن أبي  طالب:

قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه: الجار قبل الدار، الرفيق قبل الطريق. (بهجة المجالس لا بن عبد البر جـ1 صـ291).

5-              العباس بن عبد المطلب:

قال على بن أبي طالب للعباس: ما بقي من كرم أخلاقك؟ قال: الإفضال على الإخوان، وترك أذى الجيران. (بهجة المجالس لا بن عبد البر جـ1 صـ292).

6-              جعفر بن محمد:

قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حُسْنُ الْجِوَارِ عِمَارَةُ الدِّيَارِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري جـ3 صـ482 رقم 1090)

7-              لقمان الحكيم:

قَالَ لُقْمَانُ، لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ قَدْ حَمَلْتُ الْحِجَارَةَ وَالْحَدِيدَ وَالْحِمْلَ الثَّقِيلَ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا قَطُّ أَثْقَلَ مِنْ جَارِ السَّوْءِ، يَا بُنَيَّ قَدْ ذُقْتُ الْمُرَّ كُلَّهُ فَلَمْ أَذُقْ شَيْئًا قَطُّ أَمَرَّ مِنَ الْفَقْرِ.(شعب الإيمان للبيهقي جـ7 صـ9555)

8-              الحسن البصري:

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفُّ الْأَذَى عَنِ الْجَارِ، وَلَكِنْ حُسْنُ الْجِوَارِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى مِنَ الْجَارِ. (لباب الآداب صـ262)

9-              أحمد بن حنبل:

قال الفضيل بن عياض ُ قَالَ الْفَضْلُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،أحمد بن حنبل، وَسُئِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ صَاحِبِ الْمَغَازِي فَقَالَ: هَذَا يُسْأَلُ عَنْهُ جِيرَانُهُ، فَإِذَا أَثْنَوْا عَلَيْهِ قُبِلَ مِنْهُمْ .(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ2 صـ113).

10-         أبو قلابة:

قَالَ أبو قِلَابَة: خَيْرُ النَّاسِ خَيْرُهُمْ فِي أَهْلِهِ وَخَيْرُهُمْ فِي جِيرَانِهِ. (الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ2 صـ113)

11-         يوسف بن عبد البر:

قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:كَدُرُ الْعَيْشِ فِي ثَلَاثٍ: الْجَارِ السَّوْءِ، وَالْوَلَدِ الْعَاقِّ، وَالْمَرْأَةِ السَّيِّئَةِ الْخُلُقِ. (الآداب الشرعية  لابن مفلح الحنبلي جـ2 صـ16).

12-         أبو محمد بن أبي جمرة:

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ حِفْظُ الْجَارِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10 صـ456).

 

مجمل حقوق الجيران:

قال العلماء: الجيران ثلاثة: جار له حق واحد, وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرحم، له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم، وأما الجار الذي له حقان فهو الجار المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام، وأما الجار الذي له حق واحد فهو الجار الكافر، له حق الجوار فقط، ويمكن أن نُجمل حقوق الجيران فيما يلي:

1-              أن نبدأه بالسلام وأن نتعاهد أحواله من حين لآخر.

2-              عيادته عند المرض ومواساته عند المصائب.

3-              تهنئته بما يسره وإهداء ما يتيسر له من الهدايا.

4-              الابتعاد عن كل ما يؤذيه والصفح عن زلاته وملاطفة أولاده.

5-              الستر على عوراته وغض البصر عن محارمه.

6-              تصحيح عقيدته وإرشاده إلي ما يجهله من أمور دينه ودنياه  بالصبر والحكمة والموعظة الحسنة.

7-              إقراضه المال وقت الحاجة والتصدق عليه إن كان من الفقراء.

8-              إذا مات تبعت جنازته ودعوت له بالرحمة والمغفرة.

9-              إلي نجدته وتقديم العون له وقت الحاجة.

10-         الذب عنه في غيبته والإكثار من ذكر محاسنه.

(إحياء علوم الدين جـ3 صـ331 /  موارد الظمآن لعبد العزيز السلمان جـ3 صـ491).

 

أحوال السلف الصالح مع جيرانهم  :

لقد كان السلف الصالح يحفظون حقوق جيرانهم المسلمين وغير المسلمين، وسوف نسوق بعضاً من هذه النماذج الرائعة لتكون  نبراساً نسير على هديه في وقتنا الحاضر.

1-              أبو بكر الصديق:

رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه  ولده عبد الرحمن يناصي (يخاصم) جاراً له فقال: لا تناصِ جارك فإن هذا يبقى والناس يذهبون. (إحياء علوم الدين جـ2 صـ332)

قال السيوطي:

أخرج ابن عساكر، عن أنُيسة قالت: نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يُستخلف، وسنة بعد ما استخلف، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلب  لهن. (تاريخ الخلفاء للسيوطي صـ80)

2-              عبد الله بن مسعود:

رُوى أن رجلاً جاء إلي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له: إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق عليَّ فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه. (إحياء علوم الدين جـ2 صـ330)

3-              أبو رافع مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

روى البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةً أَوْ مُقَطَّعَةً قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ. (البخاري حديث 2258)

السَقَب: القرب والملاصقة.

4-              عبد الله بن المقفع:

بلغ عبد الله بن المقفع أن جاراً يبيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظل دارا هذا الجار، فقال: ما قمت إذاً بحرمة ظل داره إن باعها معدماً ، فدفع إليه ثمن الدار وقال: لا تبعها. (إحياء علوم الدين جـ2 صـ331)

5-              الحسن البصري:

قَالَ  عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الشُّمَيْطِ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى الْحَسَنِ تَشْكُو الْحَاجَةَ، فَقَالَتْ: إِنِّي جَارَتُكَ، قَالَ: «كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟» قَالَتْ: سَبْعُ دُورٍ، أَوْ قَالَتْ: عَشْرُ، فَنَظَرَ تَحْتَ الْفِرَاشِ فَإِذَا سِتَّةُ دَرَاهِمَ أَوْ سَبْعَةٌ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهَا وَقَالَ: «كِدْنَا نَهْلِكُ» (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ83 رقم 334).

6-              حسان بن أبي سِنان:

كَانَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنانِ بْنِ ثَابِتٍ، تَدْخُلُ الْعَنْزُ إِلَى مَنْزلِهِ فَتَأْخُذُ الشَّيْءَ، فَإِذَا طُرِدَتْ قَالَ لَهُمْ: «لَا تَطْرُدُوا عَنْزَ جَارِي، دَعُوهَا تَأْخُذُ حَاجَتَهَا» (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ82 رقم 333).

7-              شريح  القاضي:

(كَانَتْ مَرَازِيبُ شُرَيْحٍ فِي دَارِهِ، وَكَانَ إِذَا مَاتَ لَهُ سِنَّوْرٌ دَفَنَهُ فِي دَارِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَ بِهِ أَحَدًا) (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ85 رقم 344)

8-              الأحنف بن قيس:

قَالَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو: صَعِدَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَوْقَ بَيْتِهِ فَأَشْرَفَ عَلَى جَارِهِ، فَقَالَ: «سَوْءَةٌ سَوْءَةٌ دَخَلْتُ عَلَى جَارِي بِغَيْرِ إِذْنٍ، لَا صَعِدْتُ فَوْقَ هَذَا الْبَيْتِ أَبَدًا». (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ86 رقم 354)

9-              عبد الله بن المبارك:

قال الحسن بن عيسى النيسابوري: سألت عبد الله بن المبارك فقلت: الرجل المجاور يأتيني فيشكو غلامي أنه أتى إليه أمراً والغلام ينكره، فأكره أأضربه ولعله برئ وأكره أن أدعه فيجد عليَّ جاري، فكيف أصنع ؟ قال: إن غلامك لعله أن يحدث حدثاً يستوجب فيه الأدب فاحفظه عليه، فإذا شكاه جارك فأدبه على ذلك الحدث، فتكون قد أرضيت جارك وأدبت غلامك على ذلك الحدث. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ2 صـ332 )

10-         عبد الله بن عامر بن كريز:

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ:اشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ مِنْ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ دَارَهُ الَّتِي فِي السُّوقِ، لِيَشْرَعَ بِهَا بَابَهُ عَلَى السُّوقِ بِثَمَانِينَ أَوْ تِسْعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ سَمِعَ بُكَاءً، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: «مَا لِهَؤُلَاءِ يَبْكُونَ؟»، قَالُوا: عَلَى دَارِهِمْ، قَالَ: «يَا غُلَامُ، ايتِهِمْ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الدَّارَ وَالْمَالَ لَهُمْ»(مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ86 رقم 351)

11-         جوار سعيد بن العاص:

باع إبراهيم بن حذيفة داره، فلما أراد المشتري أن يُشهد عليه. قال: لست عليَّ ولا أسلمها حتى يشتروا مني جوار سعيد بن العاص، وتزايدوا في الثمن، قالوا وهل وجدت أحداً يشتري جواراً أو يبيعه؟ قال: ألا تشترون جوار من إن أسأت إليه أحسن، وإن جهلتُ عليه حَلَم وإن أعسرتُ وهب، قم قال لا حاجة لي في بيعكم، ردوا عليَّ داري. فبلغ ذلك سعيد بن العاص فبعث إليه بمائه ألف درهم. (موارد الظمآن لعبد العزيز السلمان جـ3 صـ491)

12-         سهل بن عبد الله التستري:

قال الذهبي: روي عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه كان له جار ذمي وكان قد انبثق من كنيفه (مرحاضه)  إلى بيت في دار  سهل بثق (ثقب)  فكان سهل يضع كل يوم الجفنة (الوعاء) تحت ذلك البثق فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد فمكث رحمه الله على هذه الحال زماناً طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة فاستدعى جاره المجوسي وقال له: أدخل ذلك البيت وانظر ما فيه فدخل فرأى ذلك البثق والقذر يسقط منه في الجفنة فقال: ما هذا الذي أرى قال سهل هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت وأنا أتلقاه بالنهار وألقيه بالليل ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتسع أخلاق غيري لذلك وإلا لم أخبرك فافعل ما ترى فقال المجوسي: أيها الشيخ أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم مات سهل رحمه الله. (الكبائر للذهبي صـ252 بتحقيق عبد المحسن البزاز)

13-         أبو حنيفة: النعمان بن ثابت:

قال عبد الله بن رجاء: كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع حتى إذا حبسه الليل رجع إلي منزله وقد حمل لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت وهو يقول:   أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته وهو يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة الفجر من الغد وركب بغلته واستأذن على الأمير فقال: إيذنوا له، وأقبلوا به راكباً، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ببغلته، ففعلوا، ولم يزل الأمير يوسع له في مجلسه، وقال ما حاجتك ؟ فقال: لي جار إسكاف أخذه العسس في تلك الليلة إلي يومنا هذا، فأمر بتخليتهم، فركب أبو حنيفة والإسكاف  يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة، مضى إليه وقال: يا فتى قد أضعناك، فقال: لا بل حفظت ورعيت وجزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يعد إلي ما كان عليه. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363)

هكذا كان أئمة الهدى رضي الله عنهم جميعاً، فأين نحن من هؤلاء؟!

14-         مالك بن دينار:

قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، -جَارُ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ-: كَانَ لِبَعْضِ جِيرَانِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ كَلْبٌ ضَعِيفٌ، فَكَانَ مَالِكٌ «يُخْرِجُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ طَعَامًا، فَيُلْقِيهِ إِلَيْهِ.». (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ82 رقم 332)

15-         أحمد بن يحيى بن ثعلب:

  جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ يُشَاوِرُهُ فِي الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِتَأَذِّي الْجِوَارِ، فَقَالَ الْعَرَبُ تَقُولُ صَبْرُكَ عَلَى أَذَى مَنْ تَعْرِفُهُ خَيْرٌ لَك مِنْ اسْتِحْدَاثِ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا. (الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ2 صـ17)

أين هؤلاء من الأئمة الكرام من الجيران في زماننا الذين لا يكاد يتوقف أذاهم وسَبْهم وهجرانهم ومشاجراتهم وتقاطعهم وكيد بعضهم لبعض رجالاً ونساءً وأطفالاً وكأنهم في معزل عن الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الإحسان إلي الجيران.

 

ختاماً:

 أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن ينفعَ به طلابَ العِلْم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply