معجزة الماء


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

معنى الماء في اللغة:

كلمة الماء وحيدةٌ وفريدةٌ،فهي وحيدةٌ في لفظها،وفريدةٌ في معناها،لا مرادف لها،وهذا أمْرٌ عجيبٌ في لغتنا العربية،الغنية في مرادفات كلماتها. (مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد:613 ـ صـ43)

كلمة الماء في القرآن:

جاءت كلمة الماء في القرآن الكريم إحدى وستون مرة.   (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ـ صـ :684)

التعريف العلمي للماء:

الماء: هو سَائِلٌ شَفَّافٌ، ليس له لون،ولا طعم،ولا رائحة.

يتركبُ جُزيء الماء مِن ذَرَّتي هيدروجين وذَرَّة أكسجين،يرتبط بعضها مع بعض بروابط كيميائية. ويُرْمَزُ للماء بالرمز  H2O فالرمز H2 يعني ذَرَّتي هيدروجين، والحرف O يعني ذَرَّة أكسجين.وهذه الجزيئات ترتبط معًا لتُكَوِّن الماء. وتحتوي كل قطرة ماء على خمسة آلاف مليون جُزيء. (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ2)

أهمية الماء قديما وحديثًا:

على الرغم مِن وجود بدائل لكثير من المواد الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، فإنه لا بديل للماء،وهو الأمر الذي يدل على أهمية الماء. إن الماء يعتبر هو المرَكَّب الأكثر أهمية في الطبيعة بَعْدَ الأوكسجين الضروري لتنفس الإنسان والحيوان والنبات.وقد جعل اللهُ تعالى للماء مكانة خاصة،فقد ميزه بخصائص طبيعية وكيميائية وحيوية فريدة، وذَكَره الله في القرآن في كثير مِن المواضع ،وربط الماء بالحياة والرزق والطهارة، وجعله آية مِن آيات قدرته ودليلًا على وجوده ووحدانيته سبحانه.

ويعتبر الماء مَصْدَرًَا للشرب، وللطاقة والغذاء،إذ تعيش فيه الأسماك وسائر أشكال الحياة المائية، والماء مصدر للعلاج،ومنجم لكثير من المعادن.ومنذ أن خلق الله تعالى الناس وهم يتجمعون حيث يجدون مَصْدَرَا للماء.

لقد نشأت الحضارات الإنسانية وتطورت على مَرِّ العصور في أحضان الأنهار أو حول عيون المياه الجوفية،وارتبط التطور العلمي الحديث بتطور أساليب استغلال وتنمية مصادر المياه المتاحة للأغراض المختلفة.ومنذ أن ارتقى الإنسانُ وتنوعت مفاهيمه في شتى فروع المعرفة، وتنوعت احتياجاته من ضروريات الحياة، تطورت لذلك حاجته إلى المزيد من مصادر المياه، يتلمسه تارة في إنشاء الخزانات الكبيرة أمام سدود على الأنهار الجارية، وتارة في البحث والتنقيب عن المياه الجوفية، وتارة في تحلية المياه المالحة على شواطئ البحار، وتارة في الأمطار الصناعية. وفي عالمنا الحديث يُقاسُ التقدم الحضاري لأي أمة بمدى ما يتوفر لأفرادها من مياه تفي باحتياجاتهم المتعددة، واستعمال هذه المياه على الوجه الأكمل.

(مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد:613 ـ صـ44:43)

الله تعالى جعل الماء مصدر الحياة:

جَعَلَ اللهُ سبحانه الماءَ هو مَصْدَرُ الحياة على الأرض لجميع الكائنات الحية.وسواء كان عذبًا أم مالحًا،فإن مظاهر الحياة ترتبط به.

1) قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30)

قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة رحمه الله: كُلُّ شَيْءٍ حَيٍّ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ.   (تفسير الطبري ـ جـ16 ـ صـ260)

2) قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) (الفرقان:49:48)

* قَالَ الإمام ابنُ كثير رحمه الله: قَوْلُهُ: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) أَيْ: أَرْضًا قَدْ طَالَ انْتِظَارُهَا لِلْغَيْثِ، فَهِيَ هَامِدَةٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا وَلَا شَيْءَ. فَلَمَّا جَاءَهَا المَطَرُ عَاشَتْ وَاكْتَسَتْ رُبَاهَا أَنْوَاعُ الْأَزَاهِيرِ وَالْأَلْوَانِ.

قَوْلُهُ: (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) أَيْ: لِيَشْرَبَ مِنْ المَاءِ أَنْعَامٌ، ونَاسٌ مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ غَايَةَ الْحَاجَةِ،لِشُرْبِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. (تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ115)

3) قال سبحانه: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)   (الحج:5)

قَوْلُهُ: (هامِدَةً): أيْ مَيْتَة

قَوْلُهُ: (اهْتَزَّتْ): أَيْ تَحَرَّكَتْ بالنَّبَاتِ

قَوْلُهُ: (وَرَبَتْ): أَيِ ارْتَفَعَتْ لَمَّا سَكَنَ فِيهَا التُّرَاب.

قَوْلُهُ: (أَنْبَتَتْ): أيْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مَا فِيهَا مِنْ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ، وَأَشْتَاتِ النَّبَاتَاتِ فِي اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا، وَرَوَائِحِهَا وَأَشْكَالِهَا وَمَنَافِعِهَا.   (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 398)

الماء من آيات قدرة الله:

الماء آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته الكونية. ولن يستطيع أحدٌ مِن الناس أن يخلقَ قَطْرةَ ماء واحدة.

قال اللهُ تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)   (النور:43)

قَوْلُهُ: (يُزْجِي سَحَابًا) أيْ يَسُوقُ السَّحَابَ بِقُدْرَتِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أَيْ: يَجْمَعُهُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِ.

قَوْلُهُ:  (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) أَيْ: مُتَرَاكِمًا، أَيْ: يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

 قَوْلُهُ: (فَتَرَى الْوَدْقَ): أَيِ الْمَطَرَ

قَوْلُهُ: (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أَيْ : مِنْ بَيْنِ السَّحَابِ. (تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ 72)

وقال سبحانه: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)   (النمل:60)

وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)  (الواقعة:70:68)

* قال الإمام ابن جرير الطبري ..رحمه الله: يَقُولُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ السَّحَابِ فَوْقَكُمْ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ، أَمْ نَحْنُ مُنْزِلُوهُ لَكُمْ).   (تفسير الطبري ـ جـ22 ـ صـ353)

قَوْلُهُ: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا)

* قَالَ الإمام القرطبي..رحمه الله: أَيْ لَوْ نَشَاءُ لجَعَلْنَا هَذَا المَاءَ مِلْحًا شَدِيدَ الْمُلُوحَةِ، فَلَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي شُرْبٍ وَلَا زَرْعٍ ولا غيرهما.  (تفسير القرطبي ـ جـ17 ـ صـ221)

قَوْلُهُ: (فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)

 قَالَ الإمام ابن كثير..رحمه الله: أَيْ: فَهَلَّا تَشْكُرُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي إِنْزَالِهِ الْمَطَرَ عَلَيْكُمْ عَذْبًا زُلَالًا! ..لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النَّحْلِ: 10: 11) (تفسير ابن كثير ـ جـ7 ـ صـ541)

الماء ينزل من السماء أو ينبع من الأرض بإذن الله:

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: (أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ..شِدَّةٌ وَجَفَافٌ) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ..يتساقَطُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ قَالَ: غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ، وَسَالَ الوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. (البخاري ـ حديث: 933 /مسلم حديث: 897)

 قَوْلُهُ: (الْجَوْبَةِ):هِيَ الْفَجْوَةُ وَمَعْنَاهُ تَقَطَّعَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَصَارَ مُسْتَدِيرًا حَوْلَهَا وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنْهُ.

 قَوْلُهُ: (قَنَاةُ) اسْمٌ لِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ زُرُوعٌ لَهُمْ.

قَوْلُهُ: (بِالْجَوْدِ) أيْ الْمَطَر الْكَثِير.    (مسلم بشرح النووي ـ جـ6 ـ صـ 194)

شُكْر الله على نعمة الماء

قَالَ اللهُ تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)  (إبراهيم:7)

قَوْلُهُ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أَيْ:أَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ لَكُمْ.

قَوْلُهُ: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ)أَيْ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا،

قَوْلُهُ: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أَيْ: جَحَدْتُمُ النِّعَمَ.

 قَوْلُهُ: (إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وَذَلِكَ بِسَلْبِ النِّعَمِ عَنْكُمْ،وَعِقَابِكم عَلَى جَحْدِكُم فَضْلِي عَلَيْكُمْ.  (تفسير ابن كثير ـ جـ4 ـ صـ 479)

 ينبغي على الإنسان العاقل عندما يشرب الماء أن يتذكر هذه النعمة العظيمة التي وهبها الله له ،فيحمده ويشكره على نعمة الماء،كما كان يفعل نبينا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

روى أبو داود عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ، وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا»  (حديث صحيح)..صحيح أبي داود ـ للألباني حديث:3261)

قَوْلُهُ: (وَسَوَّغَهُ):أَيْ سَهَّلَ دُخُولَ كُلٍّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْحَلْقِ.

 قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ لَهُ) : أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا.

 قَوْلُهُ: (مَخْرَجًا):أَيْ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا الْفَضْلَةُ ; فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلطَّعَامِ مُقَامًا فِي الْمَعِدَةِ زَمَانًا كَيْ تَنْقَسِمَ مَضَارُّهُ وَمَنَافِعُهُ، فَيَبْقَى مَا  يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالشَّحْمِ ، وَيَنْدَفِعُ بَاقِيهِ ، وَذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ ، وَمِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ وَلُطْفِهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ!. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ7 ـ صـ 2713)

الأنهار والجليد خزانات للماء:

تعتبر الأنهار خزانات جيدة للماء، وعلى الرغم من مضي ملايين السنين على وجود هذه الأنهار فإن الماء لا يزال عذبًا وصالحًا للشرب، والسرّ في ذلك هو أن هذا الماء في حالة حركة مستمرة، فالنهر هو وسيلة الاتصال بين الينابيع العذبة والمياه السطحية الناتجة عن الأمطار من جهة، وبين وماء البحر من جهة ثانية!

والمناطق الجليدية على سطح الأرض تُشَكِّلُ أيضًا خزانات مياه عذبة تذوب وتتدفق من خلال الأنهار. وقد يتسبب تدفق هذه المياه في حدوث الفيضانات والكوارث. (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ13:12)

تخزين الماء في باطن الأرض:

يتميز الماء بلزوجة منخفضة تساعده على الدخول في مسام الصخور مهما كانت دقيقة، وبالتالي يتم تخزين كميات ضخمة من الماء تحت سطح الأرض.وهذه الحقيقة العلمية لها إشارة في القرآن الكريم.

 قال اللهُ تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)  (الحجر: 22)

قَالَ الإمام ابن كثير ..رحمه الله: قَوْلُهُ ..(وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) أيْ: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِحَافِظِينَ، بَلْ نَحْنُ نُنَزِّلُهُ وَنَحْفَظُهُ عَلَيْكُمْ، وَنَجْعَلُهُ مَعِينًا وَيَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ شَاءَ تَعَالَى لَأَغَارَهُ وَذَهَبَ بِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنْزَلَهُ وَجَعْلِهِ عَذْبًا، وَحَفِظَهُ فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لِيَبْقَى لَهُمْ فِي طُولِ السَّنَةِ، يَشْرَبُونَ وَيَسْقُونَ أَنْعَامَهُمْ وَزُرُوعَهُمْ وَثِمَارَهُمْ (تفسير ابن كثير ـ جـ4 ـ صـ531)

فائدة علمية مهمة:

عندما يسقط الماء على الأرض من خلال المطر فإنه يتحرك باستمرار، فيتسرب قِسْمٌ منه إلى داخل الأرض ويتسرب خلال الفراغات في التربة أو الصخور حتى يصل إلى منطقة الإشباع التي لا يمكنه أن ينفذ منها، وهي عبارة عن طبقة من الصخور الصلبة التي لا تسمح للماء بالمرور خلالها. لو أن هذا الماء المختزن بين صخور الأرض كان له قابلية التفاعل مع هذه الصخور، إذن لنقصت كمية المياه المختزنة كل عام، وبالنتيجة سوف يذهب الماء ولن نستفيد منه شيئًا، أي ستتوقف الحياة على الأرض.

إن قانون الجاذبية والذي يعني أن الأثقل ينْزِل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظ على وجود الماء تحت سطح الأرض وضمان تدفقه على شكل ينابيع.ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه الآن لغار الماء في الأرض ولم يتمكَّن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار. وهنا يتضحُ قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)  (الملك: 30)

ولو أن كثافة الماء كانت أقل مما هي عليه الآن لم يستطع الماء المكوث في الأرض وذهب إلى السطح وتبخر.  (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ18وصـ22)

ملوحة ماء البحار:

هناك الكثير مِن الينابيع العذبة التي تنبع من قاع المحيطات والبحار، وتضخ هذه الينابيع كميات معتبرة من الماء باستمرار، وهذا يؤدي إلى تعديل ملوحة البحار باستمرار والحفاظ على درجة ملوحة ثابتة.إن الكميات التي تتبخر من البحار كل سَنة لا تعود جميعها إلى البحار مباشرة، بل إن الأمطار المتساقطة يذهب قِسْمٌ منها إلى الأنهار وَقِسْمٌ آخر يتسرب ويُختزن في الأرض.

إن المياه الجوفية لا تبقى في الأرض إلى الأبد، بل تتجدد وتنبع في اليابسة لتشكل الأنهار، وتنبع تحت قاع البحار لتشكل الينابيع العذبة التي تُغذي البحر المالح بالماء العذب.ولولا هذه الينابيع في قاع المحيطات والبحار، لارتفعت نسبة الملوحة في البحار بالتدريج حتى يصبح ماء البحر شَدِيدُ الْمُلُوحَةُ ، وتصبحُ الحياة مستحيلة.

سؤال مهم:

ماذا يحدث لو كان مِلْحُ البحر قادرًا على التبخر مثل ماء البحر؟

إن هذا سيؤدي بلا شك إلى انعدام الحياة بكافة أشكالها على سطح الأرض.إن الله تعالى قد وضع قانون الجاذبية، وعلى أساسه تستمر الحياة على الأرض. فالملح أثقل بكثير من الماء ولذلك لا يستطيع الصعود في الهواء، بينما الماء يستطيع ذلك لأن كثافة بخار الماء أقل من كثافة الهواء. (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ22)

دورة الماء في الطبيعة:

لقد قدّر الله برحمته نظامًا عجيبًا يتحول الماء فيه باستمرار من سائل إلى بخار أو جليد ومن ثم إلى سائل في دورة لا تزال تعمل منذ بلايين السنين دون أي خلل أو تعطل، ولولا هذه الدورة لأصبحت الأرض كوكبًا خربًا لا حياة فيه.

في هذه الدورة تتحرك المياه على سطح الأرض وفي الغلاف الجوي وفي المحيطات وتحت سطح الأرض وفي الأنهار والبحيرات وحتى في أجسام الكائنات الحية بنظام شديد التعقيد يدلّ على عظمة الصانع سبحانه وتعالى الذي يقول عن بديع صنعه: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)   (النمل: 88)

جَعَلَ اللهُ تَعَالى الشمسَ هِي المحرك الأساسي لدورة الماء على الأرض، حيث تقوم بتسخين الماء في المحيطات والبحار فيؤدي ذلك إلى تبخر كميات كبيرة من المياه وتحولها إلى بخار ماء خفيف يصعد إلى ارتفاعات عالية بفعل الرياح.وعندما يصل بخار الماء إلى ارتفاعات مناسبة حيث درجات الحرارة المنخفضة يبدأ بالتكثف والتجمع والتراكم مشكلًا الغيوم. هذه الغيوم سوف تُدفع بواسطة الرياح ومن ثم تتساقط الأمطار والثلوج.إن معظم الأمطار تعود فتسقط فوق المحيطات، أما الثلوج فتسقط بكميات كبيرة فوق الجبال والمياه الجليدية، وبعد ذلك يذوب قِسْمٌ منها في بداية فصل الربيع ويعود إلى مياه البحر. (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ20:19)

حقائق علمية عن الماء:

سوف نَذْكُرُ بعضَ الحقائق العلمية عن الماء في الأمور التالية:

1) الماء هو المادة الوحيدة في الطبيعة التي تُوجَدُ بحالاتها الثلاثة: الصلبة والسائلة والغازية.

2) تبلغ كثافة الماء 1000 كيلو جرام على المتر المكعب، أي أننا إذا أخذنا خزانًا من الماء سعته متر مكعب ..أي طول كل ضلع من أضلاعه متر واحد فإنه سيزن 1000 كيلو جرام، وذلك عند درجة الحرارة 4 درجات مئوية.

أما عندما يتحول هذا الماء إلى جليد فإنه يخفّ وزنه وتنخفض كثافته لتصبح 917 كيلو جرام على المتر المكعب، ويتجمد الماء عند الدرجة صفر مئوية، أما درجة غليانه فهي 100 درجة مئوية.

3) يعتبر الماء مِن أهَم في الطبيعة التي تتمتع بقدرة عالية على إذابة كثير من المواد الصلبة.

4) يغطي الماء بحدود 71 % من مساحة الكرة الأرضية أي ما يقارب 361 مليون كيلومتر مربع.

97 % من الماء على الأرض هو ماء مالح، و 3 % هو ماء عذب، وأكثر من ثلثي هذا الماء العذب يوجد في القطبين الشمالي والجنوبي على شكل جليد وجبال جليدية.أي أن الماء العذب الموجود في البحيرات والأنهار والينابيع والآبار (المياه الجوفية) يُشَكِّلُ أقل من 1 % من الماء على الأرض.

5) للماء قدرة عالية على تخزين الحرارة، ولذلك فهو يلعب دورًا مهمًا في تغيرات المناخ والتوازن البيئي.

6) يشكل الماء 90 % من وزن بعض الكائنات الحية، أما في الإنسان فيشكل الماء أكثر من 60 % من وزن جسمه، إن الدماغ البشري يحوي 70 % من وزنه ماءً، الرئتان تحويان نسبة 90 % ماء، ونسبة الماء في الدم 83 %، ولذلك فإن الإنسان لا يستطيع العيش بصحة جيدة من دون ماء أكثر من يوم واحد.

7) يأخذ الماء أشكالًا متعددة في الطبيعة، فهو يظهر على شكل مياه في الحالة السائلة كما في البحار والأنهار، ويمكن أن يظهر بشكل صلب كما في الجبال الجليدية والمحيطات المتجمدة، ويمكن أن يظهر على شكل غاز، كما في بخار الماء الموجود في الجوّ، أو الغيوم الموجودة في طبقات الجو. كما يمكن أن يظهر الماء على شكل رطوبة أو قطرات صغيرة من الماء مختزنة في تراب الأرض.

8) تُوجَد ميزة رائعة أودعها اللهُ تعالى في الماء، فالماء في الحالة الصلبة أخف من الماء في الحالة السائلة، وهذا بعكس بقية السوائل في الطبيعة. ولذلك فإن تبريد الماء يؤدي إلى انخفاض حجمه حتى تصبح درجة حرارة الماء 4 درجات مئوية، ولكنه بعد ذلك ينعكس هذا الوضع إلى تمدد فيزداد حجم الماء تحت هذه الدرجة حتى الدرجة صفر مئوية والتي عندها يتحول الماء إلى جليد صلب ذي كثافة أقل.

9) جميع السوائل يقل حجمها باستمرار عندما تنخفض درجة حرارتها حتى تتجمد، أما الماء فيستمر في التقلص مع انخفاض درجة حرارته حتى الدرجة 4 مئوية، يبدأ بعدها بالتمدد حتى يتجمد. ولولا وجود ميزة تمدد الماء تحت الدرجة 4 مئوية، لانعدمت الكثير من أشكال الحياة في أعماق البحار، ولأدى ذلك على مدى ملايين السنين لانعدام الحياة بأكملها على وجه الأرض.وتنعكس هذه الظاهرة على الحياة في البحار العميقة والمتجمدة، حيث نلاحظ أن الطبقة العليا من البحر قد تجمدت وعندما نغوص في أعماق هذه البحار نجد أن الأسماك والحيوانات البحرية والكائنات الحية تعيش حياة طبيعية.   (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ4:3)

تماسك الماء:

بسبب التركيب المميز لجزيء الماء فإن الماء يُبدي تماسكًا جيدًا، فلو تأملنا جزيء الماء نجد أن ذرتي الهيدروجين تُوضعان على أحد أطراف ذرة الأكسجين، وبالتالي يبقى الطرف الآخر أكثر سلبية مما يجذب إليه جُزيئًا آخر. وهكذا تكون قوى التماسك بين جزيئات الماء كبيرة.ولذلك يتميز الماء بقوة الشد السطحي الكبيرة، وهذا ما يجعل قطرات الماء متماسكة وتستطيع التسلق عبر الأنابيب الضيقة ولمسافات كبيرة.ولولا هذه الميزة لماتت جميع الأشجار والنباتات وتوقفت الحياة على هذا الكوكب. فالنباتات والأشجار تستمد ماءها من التربة عبر امتصاص الماء ونقله في الأوعية النباتية. وينتقل الماء من التراب إلى النبات ويسير عبر أوعية النبات ويتحرك للأعلى بعكس الجاذبية الأرضية. (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ:7)

ألوان الماء في الأنهار والبحار والمحيطات:

 الماءُ يمتصُ الأشعة تحت الحمراء بشدة،وبما أن الأشعة تحت الحمراء قريبة من الأشعة الحمراء في الطيف الضوئي، فإن الماء يمتص قِسْمًا من الأشعة الحمراء، وهذا ما يجعل الماء يبدو مائلًا إلى اللون الأزرق عندما ننظر إليه في البحيرات والمحيطات. وعندما ننظر إلى البحر في يوم غائم فإننا نلاحظ أن لون الماء يميل للأزرق، وهذا يعني أن اللون الأزرق ليس ناتجًا عن انعكاس لون السماء.

 إنَّ وجود صخور حديدية تجعل لون الماء يميل للأحمر والبني، أما الصخور التي تحوي مركبات نحاسية فإنها تلون الماء بالأزرق، إن وجود الطحالب في الماء يميزه بلون أخضر.   (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ9:8)

 

أنواع الماء:

   ينقسم الماء إلى عِدَّة أنواع ، وهي:

1) الماء العَذْب:

  هو الماء الذي تقل فيه نسبة الأملاح الذائبة،بحيث يُصبحُ مستساغًا للشرب منه.

2) الماء المالح:

 وهو ما زادت نسبة الأملاح فيه على نسبتها في الماء العذب.

3) الماء المعْدَني:

 هو الماء الطبيعي الذي يخرجُ من جوف الأرض،وبه أملاح ذائبة تُكْسِبَه طعمًا خاصًا،وقد تكون له خواص طبية.

4) الماء المقَطَّر:

  هو الماء الناتج عن تكثيف بخار الماء، وهو خالٍ من الأملاح.

5) الماء العَسِر:

   هو الماء الذي لا يُحْدِث رَغْوَةً مع الصابون بسهولة عند غَسْل الثياب،وذلك لاحتوائه على أملاح كالسيوم ومغنسيوم ذائبة فيه، وأما الذي يحْدِثُ رَغْوَةً مع الصابون بسهولة فهو الماء اليَسِر.

6) ماء الزَّهْر:

وهو محلول مائي، يتم تحضيره بالتقطير البخاري للزهور الناضرة،ولهذا المحلول رائحة الزَّهْرة المعَطَّرة،ومثله ماء الورد. (مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد:613 ـ صـ45)

 

توازن نظام ماء على الأرض:

خَلَقَ اللهُ تَعَالَى المَاءَ وَوَزَّعَهُ عَلى سَطْحِ الأرض بنظامٍ دَقِيقٍ وَحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ.

قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)  (المؤمنون: 18)

 قَوْلُهُ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ)

قال الإمامُ ابن كثير ..رحمه الله: يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى عَبِيدِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فِي إِنْزَالِهِ القَطْر مِنَ السَّمَاءِ ..بِقَدَرٍ أَيْ: بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، لَا كَثِيرًا فَيُفْسِدُ الْأَرْضَ وَالْعُمْرَانَ، وَلَا قَلِيلًا فَلَا يَكْفِي الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ، بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مِنَ السَّقْيِ وَالشُّرْبِ وَالِانتِفَاعِ بِهِ.

حَتَّى إِنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ مَاءً كَثِيرًا لِزَرْعِهَا وَلَا تَحْتَمِلُ دِمْنَتُهَا..طبيعتها إِنْزَالَ الْمَطَرِ عَلَيْهَا، يَسُوقُ إِلَيْهَا الْمَاءَ مِنْ بِلَادٍ أُخْرَى، كَمَا فِي أَرْضِ مِصْرَ،يَسُوقُ اللَّهُ إِلَيْهَا مَاءَ النِّيلِ مَعَهُ طِينٌ أَحْمَرُ يَجْتَرِفُهُ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ فِي زَمَانِ أَمْطَارِهَا، فَيَأْتِي الْمَاءُ يَحْمِلُ طِينًا أَحْمَرَ، فَيَسْقِي أَرْضَ مِصْرَ، وَيَقَرُّ الطِّينُ عَلَى أَرْضِهِمْ لِيَزْرَعُوا فِيهِ،لِأَنَّ أَرْضَهُمْ سِبَاخٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الرِّمَالُ، فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ الرَّحِيمِ الْغَفُورِ.  (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 470)

قَوْلُهُ: (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ)

قال الإمامُ ابن كثير رحمه الله: أَيْ: جَعَلَنَا الْمَاءَ إِذَا نَزَلَ مِنَ السَّحَابِ يَخْلُدُ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَنَا فِي الْأَرْضِ قابليَّة لَهُ،تَشْرَبُهُ وَيَتَغَذَّى بِهِ مَا فِيهَا مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى.   

قَوْلُهُ: (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) أَيْ: لَوْ شِئْنَا أَلَّا تُمْطِرَ السَّمَاء لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَصَرَفْنَا المَاءَ عَنْكُمْ إِلَى السِّبَاخِ وَالْبَرَارِيِّ وَالْبِحَارِ وَالْقِفَارِ لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ أُجَاجًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لشُرب وَلَا لِسَقْيٍ لَفَعَلْنَا، وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ لَا يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ، بَلْ يَنْجَرُّ عَلَى وَجْهِهَا لَفَعَلْنَا. وَلَوْ شِئْنَا لَجَعَلْنَاهُ إِذَا نَزَلَ فِيهَا يَغُورُ إِلَى مَدَى لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِ وَلَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ لَفَعَلْنَا.  (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 470)

قَالَ اللهُ تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)   (الفرقان: 50:48)

قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) دَلِيلٌ عَلى النظام المتوازن للماء على سطح الأرض.

- قَالَ عَبْدُ الله بْنِ عَبَّاسٍ: مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ)  (تفسير الطبري ـ جـ17 ـ صـ 468)

- مَعْنَى التَّصْرِيفِ:أيْ مَا زَادَه اللهُ تَعَالى مِن المَاءِ لِبَعْضِ النَّاسِ،نَقَصَ مِنْ غَيْرِهِمْ.  (تفسير القرطبي ـ جـ13 ـ صـ 57)

لو تأملنا إنزال الماء من السحاب نجده بكميات مُحَدَّدَةٍ لا تختل أبدًا، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضًا ومساوية للكميات النازلة من السحاب.ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضًا ولا تتغير إلا بحدود ضيقة جدًا ومحسوبة، بل هناك نظام دقيق تتغير فيه ملوحة البحار كل ألف عام.وعلى الرغم مِن مرور آلاف الملايين من السنين تبقى كميات المياه العذبة والمالحة متوازنة ولا يطغى هذا الماء على ذاك.   (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ10،وصـ13)

إن قانون الجاذبية والذي يعني أن الأثقل ينْزِل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظ على وجود الماء تحت سطح الأرض وضمان تدفقه على شكل ينابيع.ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه الآن لغار الماء في الأرض ولم يتمكَّن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار. وهنا يتضحُ قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)  (الملك: 30)

ولو أن كثافة الماء كانت أقل مما هي عليه الآن لم يستطع الماء المكوث في الأرض وذهب إلى السطح وتبخر.

إن الله تعالى برحمته اختار نسبة محددة لملوحة البحار بحيث تستمر الحياة على ظهر الأرض. وبسبب هذه الملوحة فإن هناك نسبة محددة من الماء تتبخر، ولو زادت هذه النسبة أو نقصت اختل النظام المتوازن الذي قَدَّرَهُ اللهُ تعالى. كذلك فإن درجة حرارة الأرض مناسبة لتبخر الكمية المحددة كل عام، ولو كانت الأرض أكثر حرارة لتبخرت محيطات العالم، ولو كانت الحرارة أقل لم تتتكفي لتشكيل الغيوم والمطر.    (دورة الماء بين العلم والإيمان ـ عبد الدائم الكحيل ـ صـ20،وصـ23)

 

معاهدات دولية للمياه:

الماء هو العنصر الذي جعله اللهُ تعالى سببًا لبقاء الكائنات الحية على ظهر الأرض،لذلك فقد حَظِي بوجود مائتين وستة وثمانين معاهدة دولية حول المجاري المائية،التي أصبح أسلوب المشاركة في استخدام مياهها عبر الحدود الدولية سببًا من أسباب التعاون الدولي.    (مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد:613 ـ صـ44)

 

أسباب ظاهرة الإسراف في استخدام الماء

يُمْكِنُ أن نُوجِزَ أسبابَ ظاهرة الإسراف في استخدام الماء في الأمور الآتية:

1) عدم وجود الوازع الديني الذي يمنع الناس من الإسراف في استخدام الماء.

2) عدم اهتمام كثير مِن الآباء بتوعية أولادهم مِن خطورة الإسراف في استخدام الماء،داخل المنزل أو خارجه.

3) جَهْلُ كثيرٍ مِن الناس بقيمة قَطْرَةِ الماء.فلو ذَهَبَ شخصٌ إلى الصحراء لعَلِمَ يقينًا،قيمة قَطْرَةِ الماء هناك،وكيف يحافظ عليها الذين يعيشون في الصحراء.

 

مظاهر الإسراف في استخدام الماء:

يُمْكِنُ أن نُوجِزَ بعض مظاهر الإسراف في استخدام المياه في الأمور التالية:

1) استخدام كمية كبيرة من الماء في إعداد الطعام والشراب،وعمليات التنظيف وغير ذلك،أكثر مِن الكمية المطلوبة.

2) تَرْكُ صنابير المياه مفتوحة لمدة طويلة من الوقت بلا ضرورة .

3) عدم الاهتمام بإصلاح صنابير المياه في البيوت وغيرها،مما يترتب عليه تساقط الماء لمدة طويلة بلا فائدة.

4) قيام كثير مِن الناس برش الماء أمام المنازل والمحلات وغيرها ،من غير ضرورة.

5) تَرْكُ مواسير المياه المكسورة في الشوارع بلا إصلاح مدة طويلة مِن الوقت،مع التأخر في تبليغ المسئولين عن المياه.

 

الاقتصاد في استخدام الماء:

الشريعة الإسلامية المباركة تحثنا على الاقتصاد في جميع الأمور، ومنها الاقتصاد عند استخدام الماء،وتحذرنا من الإسراف فيه.

قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف31)

قال اللهُ تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء:27:26)

فالإسرافَ في استخدام الماء حَرَامٌ،لأن فيه تضييعٌ وإهْدَارٌ لنعمة الماء التي أمرنا اللهُ تَعَالَى بالمحافظة عليها.

قَالَ الإمامُ النووي رحمه الله: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كان على شاطئ الْبَحْرِ. (مسلم بشرح النووي ـ جـ4 ـ صـ2)

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْسَرِ النَّاسِ صَبًّا لِمَاءِ الْوُضُوءِ، وَكَانَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ مِنَ الْإِسْرَافِ فِيهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يَعْتَدِي فِي الطُّهُورِ.    (زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ1 ـ صـ 184)

روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ . (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 87)

قَوْلُهُ: (يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ) أيْ التَّعَدِّي فِي اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ،وَالزِّيَادَةَ عَلَى المَشْرُوع.

(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ2 ـ صـ 417)

نبينا القدوة في استخدام في الماء:

ينبغي علينا أن نقتدي بنبينا في جميع الأقوال والأفعال،ومنها الاقتصاد عند استخدام الماء، فقد أمَرَنا اللهُ تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب :21)

قال الإمامُ ابن كثير رحمه الله: هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ.  (تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ 391)

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» (البخاري حديث: 201/ مسلم حديث: 325)

- الصَّاع:أربع حفنات بكفي الإنسان المتوسط.

إنَّ الاقتصادَ عند استخدام الماء دليلٌ عَمَليٌّ واضحٌ على محبتنا لله تعالى ولنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

قال اللهُ تعالى حكايةً عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)

إذا أراد المسلمٌ أن يَستخدمَ الماء مِن أجل الاغتسال أو الوضوء،أو إعداد الطعام والشراء،أو غسل الثياب،أو غير ذلك، فليفتح الصنبور على قَدْرِ حاجته.

ظاهرة تلوث الماء:

  إنَّ تلوثَ الماء في الأنهار والبحار والمحيطات ظاهرةٌ خطيرةٌ،ولها أثرها الضارُ على الإنسان والحيوان والنبات، ويُمْكِنُ أن نُوجِزَ أسباب تلوث الماء في الأمور التالية:

1) قيام كثير مِن الناس بإلقاء مُخَلَّفَات المصانع والصرف الصحي في الماء.

2) قيام بعض المزارعين بإلقاء مياه الصرف الزراعي، الملوثة بالمبيدات الحشرية والأسمدة، في الأنهار والبحار.

3) تسرب زيوت البترول في الماء ، من السفن التي تقوم بنقل المواد البترولية.

4) قيام العاملين على السفن بإلقاء مُخَلَّفَات السفن في مياه الأنهار والبحار،والمحيطات.

5) يقوم بعض الناس بتنظيف وغسل حيواناتهم في مياه الأنهار والبحار.

 

تلوث مياه النيل جريمة:

  الماء نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ الله تعالى على عباده،التي لا تُعدُ ولا تُحصى.ولقد مَنَّ الله تعالى علينا بنهر النيل، فيجب علينا أن نحافظ عليه من التلوث.ويجب على الحكومة أن تُصدرَ قوانينَ رادعةٌ وصارمةٌ ضد كل مَن تثبت إدانته بإلقاء القاذورات، أو مُخَلَّفَات المصانع في نهر النيل،ولنتذكر جميعًا أن هناك كثير من البلاد التي ليس فيها أنهار،وتنفق الأموال الكثيرة مِن أجل تحلية ماء البحر.

 

وسائل وقاية الماء من التلوث:

حَرِصَ الإسلامُ على وقاية مصادر الماء من التلوث حماية لصحة الإنسان، وهذه وقاية للمجتمع عامة؛ إذ حماية مصدر المياه وينابيعه هي حماية للمجتمع كافة، ويمكن أن نُوجِزَ وسائل وقاية الماء من التلوث في الأمور التالية:

1) عدم التبول والتبرز في موارد المياه:

يُعتبرُ التبول والتغوط في الماء من أخطر مسببات تلوث الماء حيث تنتقل كثير من الأمراض بسبب ذلك كمرض الكوليرا، وحمى التيفود، وشلل الأطفال، والتهاب الكبد، والتهاب الأمعاء والبلهارسيا،ويؤكد الأطباء أن البول والغائط من أخطر مسببات التلوث ونَقْل هذه الأمراض السابقة ، وخاصة الالتهاب الكبدي. من أجل ذلك نهى نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التبول والتبرز في مصادر الماء.

روى أبو داودَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ.  (حديث حسن))صحيح أبي داود للألباني ـ حديث:21)

قَوْلُهُ: (اتَّقُوا) أيْ تجنبوا.   

قَوْلُهُ: (الْمَلَاعِن) أَيْ: الأمور التي تجلبُ اللَّعْنِ لأصْحَابَهَا ،لِأَنَّ الْمَارُّ يَلْعَنُ أَصْحَابَهَا لِفِعْلِهِمُ الْقَبِيحِ أَوْ لِأَنَّهُمْ أَفْسَدُوا عَلَى النَّاسِ مَنْفَعَتَهُمْ.

 قَوْلُهُ: (الْبَرَازَ) أَيِ: التَّغَوُّطَ وَالْبَوْلَ.

قَوْلُهُ : (الْمَوَارِد): هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ. فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَوَارِدِ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يَأْتِيهَا النَّاسُ كَالْأَنْدِيَةِ أَيْ: مَوْضِعُ وُرُودِ النَّاسِ لِلتَّحَدُّثِ.

قَوْلُهُ: (وَقَارِعَة الطَّرِيقِ) أَيْ: وَسَطِهِ الَّتِي يَقْرَعُهَا النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ وَتَدُقُّهَا وَتَمُرُّ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَالظِّلِّ) أَيْ: فِي ظِلِّ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَقِيلِ النَّاسِ.  (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ1 ـ صـ 385)

قال الإمام النووي رحمه الله: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ وَلِمَا يُخَافُ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى الْمَاءِ.  (مسلم بشرح النووي ـ جـ3 ـ صـ 188)

2) عدم التبول في الماء الساكن:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ، الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ.   (البخاري حديث: 239 مسلم حديث282)

هذا الفعل القبيح لا يليق بإنسانٍ عاقلٍ وإنما يفعله أناسٌ تجردوا مِن الحياء وتخلَّفوا عن رَكْبِ الحضارة ،وتشبهوا بالحيوانات التي لا تعقل.

يقول علماء الطب: تنتشر البلهارسيا عندما يتبولُ الإنسانُ في الماء حيث تنتقل طفيليات هذا المرض، وتنتشر في الماء وخاصة الماء الساكن، الذي لا يجري حيث تكتمل أطوارها حتى تصبح يرقة ذات ذَنَبٍ تَسْبَحُ في الماء حتى تجد جسمًا فتخترقه وبمرور أربع وعشرين ساعة تكون قد وصلت إلى الدم منهية دورتها في الكبد حيث تبدأ حياتها وتتزاوج ثم تنتقل إلى المثانة أو الأمعاء فتبيض وتخرج مرة أخرى عن طريق البول متهيئة للانتقال إلى شخص آخر، ومثلها أيضا الدوسنتاريا التي تنتقل عن طريق البراز وديدان الأمعاء، التي تطرح ديدانها عن طريق البراز أيضًا.

3) عدم وضع المستيقظ من النوم يده في إناء الماء قبل غسلها:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»  (البخاري ـ حديث:162/ مسلم حديث: 278)

- قَوْلُهُ: (أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

قَال الإمام النووي رحمه الله: المعْنَى:لَعَلَّ يَدَهُ وَقَعَتْ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (مسلم بشرح النووي ـ جـ2 ـ صـ 180)

قال علماء الطب: مِن طُرُقِ وقاية الماء من التلوث، نهي الشخص المستيقظ من النوم مِن وضْعِ يده في الإناء إلا بعد غسلها.وهذا النهي إجراء وقائي في منع اليد التي تتلوث بمجرد ملامستها لعضو من أعضاء الجسم أثناء النوم أو ملامستها لفتحة الشَّرَجِ ، فتسبب نَقْل الجراثيم أو الديدان الخيطية التي هي ديدان رفيعة طولها سنتيمتر واحد تعيش في الأمعاء الغليظة، وتخرج منها كثيرًا أثناء النوم فتطوف حول فتحة الشَّرَجِ وتضع بويضتها الخاصة، ويظل المريض يعاني من الهرش في هذه المنطقة أثناء النوم. وعندما يهرش المصاب حول الشَّرَجِ تتعلقُ البويضاتُ بأظافره فتدخل مِن جديد إلى أمعائه عند تناول الطعام، أو قد يتلوث طعام الآخرين مِن يديه وبرازه فتصيبهم العَدْوَى وقد يُعْدِي الآخرين حتى بمصافحتهم.

4) تغطية آنية الشرب:

حثنا الإسلامُ على تغطية الآنية حفظًا للماء من التلوث.

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ وَارْبُطُوا الْقِرْبَةُ)، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» (مسلم حديث: 2014)

قَوْلُهُ: (الْوَبَاءُ):مَرَضٌ عَامٌّ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ غَالِبًا. (مسلم بشرح النووي ـ جـ13ـ صـ 187)

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هَذَا مِم لَا تَنَالُهُ عُلُومُ الْأَطِبَّاءِ وَمَعَارِفُهُمْ، وقد عَرَفَه مَن عَرَفَه مِن عقلاء الناس بالتجربة. (الطب النبوي ـ ابن قيم الجوزية ـ صـ 173)

5) عدم التنفس في الإناء:

روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ.»  (مسلم حديث: 267)

قال عُمَرَ بنِ إبراهيمَ القرطبيُّ رحمه الله: نهيه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عن التنفس في الإناء إنما هو لئلا يتنفس فيه فيتقذر الماء ببزاقٍ يخرج  من الفم، أو بريح كريهة تتعلَّق بالماء، أو بالإناء. (المفهم ـ عمر القرطبي ـ جـ17 ـ صـ 20)

والتنفس في إناء الشرب يتسبب في تلوث الماء وانتقال المرض إليه،وهذا يُودي إلى انتقال العدوى مِن الشخص المريض إلى السليم. (مجلة البحوث الإسلامية ـ العدد :71 ـ صـ361:357)

 

وسائل التوعية لترشيد استخدام الماء:

هناك وسائل كثيرة ومتنوعة لتوعية الناس بأهمية الماء وترشيد استخدامه،ويُمكنُ أن نُوجز هذه الوسائل في الآتي:

 أماكن العبادة

 تستطيع أماكنُ العبادة أن تقوم بدورٍ فَعَّالٍ ومُؤَثرٍ في توعية الناس بأهمية الماء وترشيد استخدامه،وتحذيرهم مِن الإسراف في استخدامه وذلك عن طريق الدروس الوعظية التي يقوم بها رجال الدين.

وسائل الإعلام

مِن المعلوم أن لوسائل الإعلام المختلفة تأثيرًا كبيرًا على الناس،لذلك تستطيع أن تقوم بدورٍ فَعَال في توعية الناس بضرورة ترشيد استخدام الماء،وذلك عن طريق إعداد برامج خاصة،متنوعة وجَذَّابَة ،يقوم بها متخصصون في مجال المياه،فيتحدثون عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه،مع بيان الأضرار المترتبة على الإسراف في استخدام الماء.

وزارة التربية والتعليم

وزارة التربية والتعليم لها دور كبير في توعية الطلاب،بأهمية الماء والمحافظة عليه، ويُمْكِنُ أن نُوجزَ وسائل توعية الطلاب بترشيد استخدام الماء في الأمور الآتية:

1) إعداد موضوعات منهجية دراسية تتحدث عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه،يقوم الطلاب بدراستها،ويتم اختبارهم فيها.

2) إعداد محاضرات وندوات في المدارس تتحدث عن ترشيد استخدام الماء،ويقوم بها مجموعة من المتخصصين.

3) إعداد مسابقة في البحوث العلمية عن أهمية الماء وكيفية المحافظة عليه.

4) إعداد لوحات تعليمية لإرشاد الطلاب بكيفية ترشيد استخدام الماء.

5) تشجيع الطلاب الذين يتعاونون مع إدارة المدرسة لترشيد استخدام الماء.

الأسرة في البيت:

 يعتبر المنزل هو المدرسة الأولى المؤَثِّرة في تربية الأجيال،فيجب على الآباء والأمهات الاهتمام بسلوك الأبناء،وإرشادهم إلى أهمية الماء وعدم الإسراف في استخدامه، سواء كان ذلك داخل المنزل أم خارجه.

ختامًا:أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم ، وأن ينفعَ بهذه الرسالة طلابَ العِلْمِ الكرام، وأرجو كُل مَنْ يقرؤها أن يدعوَ اللهَ سُبحانه لي بالإخلاصِ، والتوفيقِ، والثباتِ على الحق، وحُسْنِ الخاتمة، فإن دعوةَ المسلمِ لأخيه بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتجَابةٌ.وأختِمُ بقولِ الله تعالى:

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)  (الحشر: 10).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply