بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مِن واجب أهِل العِلْم الدفاع عن أئمة أهل السُّنَّة والجماعة، لأنه في الحقيقة دفاعٌ عن الإسلام.ويعتبرُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ ابْن تَيْمِيَة مِن أعْلام الْإِسْلَامِ البارزين، الذين يستحقون الدفاع عنهم.
مِن أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وطلاب العِلم الكرام بشيء سيرته المباركة،لعلنا نستفيد منها في حياتنا.فأقول وبالله تعالى التوفيق:
الاسم: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أبي الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ تَيْمِيَةَ .وَكُنْيَتُهُ:أَبُو الْعَبَّاسِ. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي صـ:24)
لقب تيمية:
قَالَ الذهبي: حجَّ جَدُّ ابنِ تَيْمِيَة ولَهُ امرأة حامل، فلمّا كَانَ بتَيْمَاءَ (مدينة بين المدينة وتبوك)، رأى طِفلةً قَدْ خَرَجَتْ مِنْ خِبَاءٍ ، فَلَمَّا رَجَعَ إلى حَرَّانَ ، وَجدَ امْرَأَتَه قَدْ وَلَدَتْ بنتًا، فلمّا رآها قال: يَا تَيْمِيَةُ! يَا تَيْمِيَةُ!،( يَعْنِي أَنَّهَا تُشْبِهُ الطفْلَةَ الَّتِي رَآهَا بِتَيْمَاءَ) فلُقِّبَ بِذَلِكَ.
وقَالَ ابنُ النّجّار: ذُكِرَ لنا أنّ جَدَّه محمدًا، كانت أمُّه تُسمَّى تَيْمِيَةُ ،وكانت واعظةً، فنُسِبَ إليها، وعُرِفَ بها. (تاريخ الإسلام للذهبي جـ13 صـ723)
ميلاد ابن تيمية:
كَانَ مَوْلِدُ ابنِ تَيْمِيَة يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِحَرَّانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَدِمَ مَعَ وَالِدِهِ وَأَهْلِهِ إِلَى دِمَشْقَ وَهُوَ صَغِيرٌ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ14 صـ:142)
صفات ابن تيمية الجسمية:
قَالَ الذَّهَبِيُّ (رحمه الله):كَانَ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَبيض، أسود الرَّأْس واللحية، قَلِيل الشيب، شَعْره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ، كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان، متوسط القامة،بعيدُ مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ، جَهوريُّ الصَّوْت، فصيحاً، سريعُ الْقِرَاءَة، تعتريه حِدةٌ لَكِن يقهرها بالحِلْم. (الدرر الكامنة ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ1 صـ:176) (البدر الطالع ـ الشوكاني ـ جـ1 صـ:64)
فائدة هامة:
الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ لم يتزوج; لأنه كان مشغولاً بالعِلْمِ والجهاد، وليس زاهداً في سُّنَّةِ نبينا محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
طلب الإمام ابن تيمية للعلم:
(1) كان ابْنُ تَيْمِيَةَ مُنْذُ َصغره مُسْتَغْرق الْأَوْقَات فِي الْجهد وَالِاجْتِهَاد وَختمَ الْقرَآنَ صَغِيراً ثمَّ اشْتغل بِحِفْظ الحَدِيث وَالْفِقْه واللغة العربية حَتَّى برعَ في ذَلِكَ مَعَ مُلَازمَة مجَالِس الذّكْر وَسَمَاع الْأَحَادِيث والْآثَار وَلَقَد سمع غير كتاب على غير شيخ من ذَوي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة الْعَالِيَة أما دواوين الْإِسْلَام الْكِبَار كمُسْند أحْمَد وصحيح البُخَارِيّ وَمُسلم وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُود السجسْتانِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجه وَالدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ رَحمَه الله سمع كل وَاحِد مِنْهَا عدَّة مَرَّات وَأول كتاب حفظه فِي الحَدِيث الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للْإِمَام الْحميدِي، وَقل كتاب مِن فنون الْعِلم إِلَّا وقفَ عَلَيْهِ. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار ـ صـ:18:17)
(2) قال ابنُ كثير(رحمه الله):قَرَأَ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله) بِنَفْسِهِ الْكَثِيرَ مِن الكُتُبِ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ،وَلَازَمَ السَّمَاعَ بِنَفْسِهِ مُدَّةَ سِنِينَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ، وَكَانَ ذَكِيًّا كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ، فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِيرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، عَارِفًا بِالْفِقْهِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَصْلَيْنِ(القرآن والسُّنَّة) وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَمَا تَكَلَّمَ مَعَهُ فَاضِلٌ فِي فَنٍّ مِنَ الْفُنُونِ الْعِلْمِيَّةِ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفَنَّ فَنُّهُ، وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ مُتْقِنًا لَهُ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَكَانَ حَافِظًا لَهُ مَتْنًا وَإِسْنَادًا، مُمَيِّزًا بَيْنَ صَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ، عَارِفًا بِرِجَالِهِ مُتَضَلِّعًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَهُ تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ وَتَعَالِيقُ مُفِيدَةٌ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ14 صـ:142)
إسلام يهودي على يد ابن تيمية وهو صغير:
كان ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي حَال صِغَره إِذا أَرَادَ الذهاب إِلَى الْكُتَّابِ يَعْتَرِضهُ رَجُلٌ يَهُودِيّ كَانَ منزله بطريقه وكان مع اليهودي مسائل يسْأَله عَنْهَا لما كَانَ يظهر على ابْنِ تَيْمِيَةَ من الذكاء وَكَانَ يجِيبه عَنْهَا سَرِيعاً حَتَّى تعجبَ مِنْهُ، ثمَّ كلما اجتاز ابْن تَيْمِيَةَ بِاليهودي يُخبرهُ بأَشْيَاء مِمَّا يدل على بطلَان مَا عَلَيْهِ هذا الرجل اليهودي،فأسْلَمْ اليهوديُ وَحَسُنَ إِسْلَامه. وَكَانَ ذَلِك ببركة الشَّيْخ على صغر سنه.( الأعلام العلية في مناقب ابن تيميةـ للبزَّار صـ:17)
قوة حفظ ابن تيمية:
(1) قَالَ جمالُ الدَّين السُّرَّمَرِّي: مِن عجائب مَا وَقع فِي الْحِفْظ فِي أهل زَمَاننَا: شيخ الإسلام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم ابْن تَيْمِيَةَ فَإِنَّهُ كَانَ يمر بِالْكتاب مرّة مطالعة فينقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ. (الرد الوافر ـ لابن ناصر الدين ـ صـ:133)
(2) قَالَ جمالُ الدَّين السُّرَّمَرِّي أيضاً: مِن أعجب مَا سمعته عَن ابْنِ تَيْمِيَةَ مَا حَدثنِي بِهِ بعض أَصْحَابه أَنه لما كَانَ صَبياً فِي بداية أمره أَرَادَ وَالِده أَن يخرج بأولاده يَوْمًا إلى الْبُسْتَان على سَبِيل التَّنَزُّه فَقَالَ لَهُ: يَا أَحْمد تخرج مَعَ إخْوَتك تستريح فعتذر، فألح عَلَيْهِ وَالِده فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع،فَقَالَ أشتهي أَن تعفيني من الْخُرُوج فَتَركه وَخرج بإخوته، فظلوا يومهم فِي الْبُسْتَان وَرَجَعُوا آخر النَّهَار فَقَالَ: يَا أَحْمد أوحشت إخْوَتك الْيَوْم وتَكَدَّرَ عَلَيْهِم بِسَبَب غَيْبَتِك عَنْهُم فَمَا هَذَا. فَقَالَ: يَا أبي إِنَّنِي الْيَوْم حفظت هَذَا الْكتاب، لكتاب مَعَه. فَقَال:َأبوه: حفظته، كالمنكر المتعجب مِن قَوْله. فَقَالَ: لَهُ استعرضه عَليَّ فاستعرضه فإذا بِهِ قد حفظه جَمِيعه، فَأَخذه وَقَبَّله بَينَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: يَا بني لَا تخبر أحداً بِمَا قد فعلت، خوفًا عَلَيْهِ مِن الْعَين. (الرد الوافر ـ لابن ناصر الدين ـ صـ:133)
(3) قَالَ عُمرُ بنُ عَليِّ البزَّارُ(تلميذ ابن تيمية): اختصَّ اللهُ ابنَ تَيْمِيَةَ بِسُرْعَة الْحِفْظ وإبطاء النسْيَان لم يكن يقف على شَيْء أَو يستمع لشَيْء غَالِباً إلا وَيبقى على خاطره، أما بِلَفْظِهِ أَو مَعْنَاهُ. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّارـ صـ:16)
(4) قَالَ عُمرُ بنُ عَليِّ البزَّارُ أيضاً:مِن أعجب الْأَشْيَاء التي تدل على قوة حِفْظِ ابْنِ تَيْمِيَةَ (رحمه الله) أَنه فِي محنته الأولى بِمصْر لما أُخِذَ وسُجِنَ وحِيل بَينه وَبَين كُتبه، صنَّف عِدَّة كُتب صِغَارًا وكباراً وَذكر فِيهَا مَا احْتَاجَ إِلَى ذِكره من الْأَحَادِيث والْآثَار وأقوال الْعلمَاء وَأَسْمَاء الْمُحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم وَعزا كل شيء من ذَلِك إِلَى ناقليه وقائليه بِأَسْمَائِهِمْ وَذكر أَسمَاء الْكتب الَّتِي ذُكر فِيهَا وَأي مَوضِع هُوَ مِنْهَا كل ذَلِك بديهة مِن حِفظه، لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده حِينَئِذٍ كتاب يطالعه، واختبرت هذه الكتب فَلم يُوجد فِيهَا بِحَمْد الله خلل وَلَا تغير، وَمن جُمْلَتهَا كتاب الصارم المسلول على شاتم الرَّسُول. وَهَذَا من الْفضل الَّذِي خصّه الله تَعَالَى بِهِ. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّارـ صـ:22)
(5) قَدِمَ أحدُ عُلمَاء حَلَب إِلَى دمشق وَقَالَ: سَمِعت فِي الْبِلَاد بصبي يُقَال لَهُ: أحْمَد ابْن تَيْمِيَةَ وَأَنه سريع الْحِفْظ وَقد جِئْت قَاصِداً لعَلي أرَاهُ فَقَالَ لَهُ خياطٌ: هَذِه طَرِيق كُتَّابه وَهُوَ إِلَى الْآن مَا جَاءَ فَاقْعُدْ عندنَا السَّاعَة يَجِيء يعبر علينا ذَاهِبًا إِلَى الْكُتَّاب، فَجَلَسَ الشَّيْخ الْحلَبِي قَلِيلاً فَمر صبيان فَقَالَ الْخياط للشيخ الحلبي: هذا الصَّبِي الَّذِي مَعَه اللَّوْح الْكَبِير هُوَ أحْمَد ابْنِ تَيْمِيَةَ ، فناداه الشَّيْخ فجَاء إِلَيْهِ فَتَنَاول الشَّيْخ اللَّوْح فَنظر فِيهِ ثمَّ قَالَ: يَا وَلَدي امسح هَذَا حَتَّى أملي عَلَيْك شَيْئاً تكتبه فَفعل فأملى عَلَيْهِ من متون الْأَحَادِيث أحدَ عشر أَو ثَلَاثَة عشر حَدِيثاً وَقَالَ لَهُ: اقْرَأ هَذَا فَلم يزدْ على أَن تَأمله مرّة بعد كِتَابَته إِيَّاه ثمَّ دَفعه إِلَيْهِ، وَقَالَ: أسْمَعْهُ عَليَّ فقرأه عَلَيْهِ حفظاً . فَقَالَ لَهُ: يَا وَلَدي امسح هَذَا فَفعل فأملى عَلَيْهِ عدَّة أَسَانِيد انتخبها ثمَّ قَالَ: اقْرَأ هَذَا فَنظر فِيهِ كَمَا فعل أول مرّة ، فَقَامَ الشَّيْخ وَهُوَ يَقُول: إِن عَاشَ هَذَا الصَّبِي لَيَكُونن لَهُ شَأْن عَظِيم، فَإِن هَذَا لم يُر مثله. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي صـ:20)
شيوخ ابن تيمية:
سَمِعَ ابْنُ تَيْمِيَةَ الْحَدِيثَ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْنِ أَبِي الْيُسْرِ، وَالشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيِّ، وَالْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَطَاءٍ الْحَنَفِيِّ،
وَالشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ،وَمَجْدِ الدِّينِ بْنِ عَسَاكِرَ،وَالشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْبَغْدَادِيِّ، وَالنَّجِيبِ بْنِ الْمِقْدَادِ،وَابْنِ أَبِي الْخَيْرِ،وَابْنِ
عَلَّانَ،وَابْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَرَوِيِّ،وَالْكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيمِ،وَالْفَخْرِ عَلِيٍّ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَالشَّرَفِ ابْنِ الْقَوَّاسِ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ14 صـ:142)
قال محمد بن عبد الهادي:شيوخ ابْنِ تَيْمِية الَّذين سمعَ مِنْهُم أَكثر مِن مِائَتي شيخ. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي صـ:19)
تلاميذ ابن تيمية:
كان للإمام ابْنِ تَيْمِيَةَ الكثير مِن التلاميذ ،ومن أشهرهم:
(1) محمد بن أحمد بن عبد الهادي.
(2) ابن قيم الجوزية.
(3) محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذهبيُّ.
(4) محمَّدُ بنِ مفلحِ الحنبليُّ.
(5) إسماعيل بن عمر بن كثير.
(6) عمرُ بنُ عليِّ البزَّارُ.
(7) أحمد بن حسن بن قدامه.
(8) محمد بن شاكر الكتبي.
(9) سليمان الصرصري.
(10) عمر بن مظفر ابن الوردي
(11) محمَّدُ ابنِ سيِّدِ الناسِ
(12) يوسف بن عبد الرحمن القضاعي
(13) محمد بْنُ الْمُنَجَّا التنوخي.
(14) القاسم بن محمد البرزالي
(15) صلاحُ الدينِ الصَفَدِيِّ .وغيرهم كثير.
(معجم أصحاب ابن تيمية ـ وليدُ بَدَوِي صـ190:28)
منزلة ابن تيمية العلمية:
(1) توَلِيَ ابنُ تَيْمِيَةَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ السُّكَّرِيَّةِ بِالْقَصَّاعِينَ، وَكَانَ عُمْرُهُ اثنتانِ وعِشْرِينَ سَنَةً.
وَحَضَرَ عِنْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ ابْنُ الْمُرَحِّلِ، وَزَيْنُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّا الْحَنْبَلِيُّ، وَكَانَ دَرْسًا هَائِلًا حَافِلًا، وَقَدْ كَتَبَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ بِخَطِّهِ لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ، وَكَثْرَةِ مَا اسْتَحْسَنَهُ الْحَاضِرُونَ، وَقَدْ أَطْنَبَ الْحَاضِرُونَ فِي شُكْرِهِ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَصِغَرِهِ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ13 صـ:321)
(2) جَلَسَ ابنُ تَيْمِيَةَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى مِنْبَرٍ قَدْ هُيِّئَ لَهُ لِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فَابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِهِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَكَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُورِدُ مِنَ الْعُلُومِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُحَرَّرَةِ مَعَ الدِّيَانَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ، سَارَتْ بِذِكْرِهِ الرُّكْبَانُ فِي سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةَ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ13 صـ:321)
أقوال العلماء في ابن تيمية:
(1) قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْبر السُّبْكِيّ :وَالله مَا يَبْغَضُ ابْنَ تَيْمِيَةَ إِلَّا جَاهِل أَو صَاحب هوى،فالجاهل لَا يدْرِي مَا يَقُول،وَصَاحب الْهوى يصده هَوَاهُ عَن الْحق بعد مَعْرفَته بِهِ. (الرد الوافر ـ ابن ناصر الدين صـ :24)
(2) قَالَ أَبُو الْحجَّاج الْمزي:مَا رَأَيْت مثلَ ابْنَ تَيْمِيَةَ وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَمَا رَأَيْت أحداً أعلم بِكِتَاب الله وَسُنَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أتبع لَهما مِنْهُ. (الرد الوافر ـ ابن ناصر الدين صـ :24)
(3) قَالَ القَاضِي ابْنُ دَقِيق الْعِيد: لما اجتمعت بِابْنِ تَيْمِيَةَ رَأَيْتُ رجلاً كل الْعُلُوم بَين عَيْنَيْهِ، يَأْخُذ مَا يُرِيد ويدع. (تاريخ ابن الوردي جـ 2 صـ : 278)
(4) قَالَ القَاضِي ابْنُ فضل الله الْعُمريّ:كَانَ ابْن تَيْمِيَةَ لَا تَأْخُذهُ فِي الْحق لومة لائم وَلَيْسَ عِنْده مداهنة وَكَانَ مادحه وذامه فِي الْحق عِنْده سَوَاء. (الشهادة الزكية ـ مرعي يوسف الكرمي ـ صـ33)
(5) قَالَ محمد عبد الهادي: ابْنُ تَيْمِيَةَ : هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الرباني إِمَام الْأَئِمَّة ومفتي الْأمة وبحر الْعُلُوم سيد الْحفاظ وَفَارِس الْمعَانِي والألفاظ فريد الْعَصْر، شيخ الْإِسْلَام، بَرَكَة الْأَنَام، وعَلاَّمَة الزَّمَان، وتُرجمان الْقُرْآن، عَلَم الزهاد، وأوحد الْعباد قامع المبتدعين وَآخر الْمُجْتَهدين، وَصَاحب التصانيف الَّتِي لم يُسْبق إِلَى مثلهَا. (العقود الدرية ـ محمد بن عبد الهادي ـ صـ:18)
(6) قال ابنُ رجب الحنبلي: كانت العلماء، والصّلحاء، والجند، والأمراء، والتّجار، وسائر العامّة تحبُ ابْنَ تَيْمِيَةَ ، لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً، بلسانه، وعلمه. (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ـ جـ 8صـ 147)
(7) قَالَ كَمَال الدّين الزملكاني : كَانَ ابْنُ تَيْمِيَةَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعِلْم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يغْرف غير ذَلِك الْفَنّ، وَحَكَمَ بِأَن لَا يعرفهُ أحدٌ مثله، وَكَانَت الْفُقَهَاء مِن سَائِر الطوائف إِذا جالسوه استفادوا فِي مذاهبهم مِنْهُ أَشْيَاء، قَالَ: وَلَا يعرف أَنه نَاظر أحدا فَانْقَطع مَعَه وَلَا تكلم فِي عِلْم من الْعُلُوم سَوَاء كَانَ عُلُوم الشَّرْع أَو غَيرهَا إِلَّا فاق فِيهِ أَهله، وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الِاجْتِهَاد على وَجههَا. (تاريخ ابن الوردي جـ 2 صـ : 277)
(8) قَالَ عمر ابن الوردي: كَانَت لابن تَيْمِيَةَ خبْرَة تَامَّة بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بفنون الحَدِيث وبالعالي والنازل وَالصَّحِيح والسقيم مَعَ حفظه لمتونه الَّذِي انْفَرد بِهِ وَهُوَ عَجِيب فِي استحضاره واستخراج الْحجَج مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي عزوه إِلَى الْكتب السِّتَّة والمسند بِحَيْثُ تصدق عَلَيْهِ أَن يُقَال كل حَدِيث لَا يعرفهُ ابْن تَيْمِية فَلَيْسَ بِحَدِيث وَلَكِن الْإِحَاطَة لله غير أَنه يغترف فِيهِ من بَحر وَغَيره من الْأَئِمَّة يَغْتَرِفُونَ من السواقي.وَأما التَّفْسِير فَسلم إِلَيْهِ، وَله فِي استحضار الْآيَات للاستدلال قُوَّة عَجِيبَة ولفرط إِمَامَته فِي التَّفْسِير وعظمة اطِّلَاعه بَين خطأ كثيرٍ من أَقْوَال الْمُفَسّرين. وَكَانَ يكْتبُ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من التَّفْسِير أَو من الْفِقْه أَو من الْأَصْلَيْنِ أَو من الرَّد على الفلاسفة والأوائل نَحوا من أَرْبَعَة كراريس، وَمَا يبعد أَن تصانيفه إِلَى الْآن تبلغ خَمْسمِائَة مُجَلد. (تاريخ ابن الوردي جـ 2 صـ : 278)
(9) قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح ابن سيد النَّاس الْيَعْمرِي: كَانَ ابْنُ تَيْمِيَةَ مِمَّن أدْرك من الْعُلُوم حظاً وَكَاد يستوعب السّنَن والْآثَار حفظاً إِن تكلم فِي التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل رايته أَو أفتى فِي الْفِقْه فَهُوَ مدرك غَايَته أَو ذَاكر بِالْحَدِيثِ فَهُوَ صَاحب علمه وَذُو رِوَايَته أَو حَاضر بالنحل والملل لم يُر أوسع من نحلته فِي ذَلِك وَلَا أرفع من درايته برز فِي كل فن على أَبنَاء جنسه وَلم تَرَ عين من رَآهُ مثله وَلَا رَأَتْ عينه مثل نَفسه كَانَ يتَكَلَّم فِي التَّفْسِير فيحضر مَجْلِسه الجم الْغَفِير. (العقود الدرية ـ محمد بن عبد الهادي ـ صـ 25)
(10) قَالَ الإمامُ الذَّهَبِيّ : شَيخنَا الإمام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِيَةَ شيخ الإسلام فَرد الزَّمَان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين قَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ.برع فِي الْعِلْمِ وَالتَّفْسِير وأفتى ودَرَّسَ وَله نَحْو الْعشْرين سَنَة وصنف التصانيف وَصَارَ من أكابر العلماء فِي حَيَاة شُيُوخه وَله المصنفات الْكِبَار الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان وَلَعَلَّ تصانيفه فِي هَذَا الْوَقْت تكون أَرْبَعَة آلَاف كراس وَأكْثر وَفسّر كتاب الله تَعَالَى مُدَّة سِنِين من صَدره فِي أَيَّام الْجمع وَكَانَ يتوقد ذكاءً وسماعاته من الحَدِيث كَثِيرة وشيوخه أَكثر من مِائَتي شيخ ومعرفته بالتفسير إليها الْمُنْتَهى وَحفظه للْحَدِيث وَرِجَاله وَصِحَّته وسقمه فَمَا يلْحق فِيهِ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلاً عَن الْمذَاهب الأربعة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير وأما مَعْرفَته بالملل والنحل والأصول وَالْكَلَام فَلَا اعْلَم لَهُ فِيهِ نظيرا ويدري جملَة صَالِحَة من اللُّغَة ،وعربيته قَوِيَّة جداً ومعرفته بالتاريخ وَالسير فَعجب عَجِيب، وَأما شجاعته وجهاده وإقدامه فَأمر يتَجَاوَز الْوَصْف ويفوق النَّعْت وَهُوَ أحْدُ الأجواد الأسخياء الَّذين يُضْربُ بهم الْمثل، وَفِيه زهد وقناعة باليسير فِي المأكل وَالْمشْرَب. (الشهادة الزكية ـ مرعي يوسف الكرمي صـ:41)
مؤلفات ابن تيمية:
تبلغُ مؤلفات ابْنِ تَيْمِيَةَ إلى ما يقرب مِن خمسِ مائةِ مجلد. (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ـ جـ 8 صـ147)
عبادة ابن تيمية:
(1) قَال الإمام ابن القيم: حضرت شيخ الإسلام ابْن تَيْمِيَةَ مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي.(الوابل الصيب لابن القيم صـ 42)
(2) قال ابْنُ تَيْمِيَةَ: إِنَّه ليقف خاطري فِي الْمَسْأَلَة وَالشَّيْء أَو الْحَالة الَّتِي تشكل على فأستغفر الله تَعَالَى ألف مرّة أو أكثر أَو أقل حَتَّى ينشرح الصَّدْر وينحل إِشْكَال مَا أشكل ، وأكون إذ ذَاك فِي السُّوق أَو الْمَسْجِد أَو الدَّرْب أَو الْمدرسَة ،لَا يَمْنعنِي ذَلِك من الذّكر وَالِاسْتِغْفَار إِلَى أَن أنال مطلوبي. (العقود الدرية ـ محمد بن عبد الهادي ـ صـ 21)
(3) قَال الإمام ابن القيم:قال لي شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَةَ :لا أترك الذكْر إلا بنية إراحة نفسي ، لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر.(الوابل الصيب لابن القيم صـ42)
(4) قَالَ محمد بن عبد الهادي :ختمَ ابْنُ تَيْمِيَةَ الْقُرْآنَ مُدَّة إِقَامَته بسجن القلعة ثَمَانِينَ أَو إِحْدَى وَثَمَانِينَ ختمة انْتهى فِي آخر ختمة إِلَى آخر سورة اقْتَرَبت السَّاعَة:( إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر: 54- 55) كَانَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يقْرَأ كل يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَجزَاءٍ، ويخْتم فِي عشرَة أَيَّام. (العقود الدرية ـ محمد بن عبد الهادي ـ صـ:384)
(5) قَالَ عمرُ بنُ عليِّ البزَّارُ:كَانَ ابْنُ تَيْمِيَةَ قد قطع جُلّ وقته فِي العبادة حَتَّى أنه لم يَجْعَل لنَفسِهِ شاغلة تشغله عَن الله تَعَالَى.
وَكَانَ إذا ذهبَ اللَّيْلُ وَحضرَ مَعَ النَّاسِ بَدَأَ بِصَلَاة الْفجْر يَأْتِي بسنتها قبل إتيانه إليهم ، وَكَانَ إذا أحرم بِالصَّلَاةِ تكَاد تتخلع الْقُلُوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام فَإِذا دخل فِي الصَّلَاة ترتعد أعضاؤه.فَإِذا فرغ من الصَّلَاة أثنى على اللهِ عز وَجل هُوَ وَمن حَضَرَ بِمَا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مِن عَادَته لَا يكلمهُ أحَدٌ بِغَيْر ضَرُورَة بعد صَلَاة الْفجْر فَلَا يزَال فِي الذّكر يُسمعُ نَفسه وَرُبمَا يُسمع ذِكْره من إلى جَانِبه مَعَ كَونه فِي خلال ذَلِك يكثر من تقليب بَصَره نَحْو السَّمَاء هَكَذَا دأبه حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس وَيَزُول وَقت النَّهْي عَن الصَّلَاة. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار صـ:36)
تواضع ابن تيمية:
(1) قَالَ عُمرُ بنُ عَليِّ البزَّارُ: مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعت بمثل تواضع ابْنِ تَيْمِيَةَ في عصره . كَانَ يتواضع للكبير وَالصَّغِير والجليل والحقير والغنى الصَّالح وَالْفَقِير وَكَانَ يدني الْفَقِير الصَّالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحَديثه زِيَادَة على مثله من الأغنياء حَتَّى أَنه رُبمَا خدمه بِنَفسِهِ وأعانه بِحمْل حَاجته جبراً لِقَلْبِهِ وتقرباً بذلك الى ربه. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار صـ:50)
(2) قَالَ عُمرُ بنُ عَليِّ البزَّارُ: ظَهَرَ لي مِن حُسْنِ أخْلَاق ابْنِ تَيْمِيَةَ تَّوَاضُعه أَنه كَانَ إِذا خرجنَا من منزله بِقصد الْقِرَاءَة يحمل هُوَ بِنَفسِهِ النُّسْخَة وَلَا يدع أحداً منا يحملهَا عَنهُ وَكنت أعْتَذر إليه من ذَلِك خوفًا من سوء الْأَدَب فَيَقُول: لَو حَملته على رَأْسِي لَكَانَ يَنْبَغِي،أَلا احْمِلْ مَا فِيهِ كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار صـ:52)
زهد ابن تيمية:
قَالَ عمرُ بنُ عَليِّ البزَّارُ:لَقَد اتّفقَ كل مَن رأى ابْنَ تَيْمِيَةَ خُصُوصاً مَن أَطَالَ ملازمته أَنه مَا رأى مثله فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا حَتَّى لقد صَار ذَلِك مَشْهُورا بِحَيْثُ قد اسْتَقر فِي قلب الْقَرِيب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وَجههَا بل لَو سُئِلَ عَامي من أهل بلد بعيد مَن كَانَ أزهد أهل هَذَا الْعَصْر وأكملهم فِي رفض فضول الدُّنْيَا وأحرصهم على طلب الآخرة لقَالَ مَا سَمِعت بِمثل ابْن تَيْمِية رَحْمَة الله عَلَيْهِ.وَمَا اشْتهر لَهُ ذَلِك إِلَّا لمبالغته فِيهِ مَعَ تَصْحِيح النِّيَّة وَإِلَّا فَمن رَأينَا من الْعلمَاء قنع من الدُّنْيَا بِمثل مَا قنع هُوَ مِنْهَا أَو رَضِي بِمثل حَالَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لم يُسمع أنه رَغِبَ فِي زَوْجَة حسناء وَلَا دَار واسعة جميلة وَلَا بساتين وَلَا شدَّ على دِينَار وَلَا دِرْهَم وَلَا رغب فِي دَوَاب وَلَا ثِيَاب ناعمة فاخرة وَلَا زاحم فِي طلبِ الرئاسات وَلَا رُئي ساعياً فِي تَحْصِيل الْمُبَاحَات مَعَ أَن الْمُلُوك والأمراء والتجار والكبراء كَانُوا طوع أمره خاضعين لقَوْله وَفِعله. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار ـ صـ:45)
إيثار ابن تيمية:
كَانَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ مَعَ شدَّة تَركه للدنيا ورفضه لَهَا وَفَقره فِيهَا وتقلله مِنْهَا مُؤثراً بِمَا عساه يجده مِنْهَا قَلِيلاً كَانَ أَو كثيراً،فقد كَانَ يتَصَدَّق حَتَّى إِذا لم يجد شَيْئاً نزعَ بعضَ ثِيَابه الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فيصِل بِهِ الْفَقِير وَكَانَ يستفضل مِن قوته الْقَلِيل الرَّغِيف والرغيفين فيؤثر بذلك المحتاجين على نَفسه. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار صـ:17)
ابن تيمية يشجع على قتال التتار:
قالَ الإمامُ ابنُ كثير(رحمه الله): تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِ هَؤُلَاءِ التَّتَارِ مِنْ أَيِّ قَبِيلٍ هُوَ، فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، وَلَيْسُوا بُغَاةً عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي طَاعَتِهِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ خَالَفُوهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا، وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِإِقَامَةِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعِيبُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ،وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَتَفَطَّنَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّاسُ لِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ(أي مَعَ التَّتَارِ) وَعَلَى رَأْسِي مُصْحَفٌ، فَاقْتُلُونِي، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ فِي قِتَالِ التَّتَارِ، وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ:14 صـ24:23)
ابن تيمية رجل المواقف الصعبة:
طَلَبَ الْأُمَرَاءُ وَنَّائِبُ السُّلْطَانِ بالشَّامِ مِنْ ابنِ تَيْمِيَةَ أَنْ يذْهَبَ إِلَى مِصْرَ ليُشَجعَ السُّلْطَانَ عَلَى الْمَجِيءِ إلى الشَّامِ لمحاربة التتار، فوافقَ ابنِ تَيْمِيَةَ في الحال،وذهَبَ إلى مِصْرَ، وَقَابَلَ السُّلْطَانَ النَّاصِرَ مُحَمَّدَ بْن قَلَاوُونَ وحثه على جمع الجيوش للدفاعِ عَن الشَّامِ. وَقَالَ ابنُ تَيْمِيَةَ للسُّلْطَانِ وأعْيَان الدولة : إِنْ كُنْتُمْ أَعْرَضْتُمْ عَنِ الشَّامِ وَحِمَايَتِهِ، أَقَمْنَا لَهُ سُلْطَانًا يُحَوِّطُهُ وَيَحْمِيهِ، وَيَسْتَغِلُّهُ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ. وَكَانَ فِيما قَالَهُ ابنُ تَيْمِيَةَ لَهُمْ: لَوْ قُدِّرَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ حُكَّامَ الشَّامِ وَلَا مُلُوكَهُ وَاسْتَنْصَرَكُمْ أَهْلُهُ وَجَبَ عَلَيْكُمُ النَّصْرُ، فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ حُكَّامُهُ وَسَلَاطِينُهُ، وَهُمْ رَعَايَاكُمْ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُمْ.وَقَوَّى ابنُ تَيْمِيَةَ جَأْشَهُمْ وَضَمِنَ لَهُمُ النَّصْرَ،فَخَرَجُوا إِلَى الشَّامِ،فَلَمَّا وَصَلَتْ الْعَسَاكِرُ إِلَى الشَّامِ فَرِحَ النَّاسُ فَرَحًا شَدِيدًا، بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ يَئِسُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ 14 صـ17)
مشاركة ابن تيمية في الجهاد:
طَلَبَ السُّلْطَانُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ (وذلك في معركة شَقْحَبٍ ضد التَّتَارِ) مِن ابنِ تَيْمِيَةَ أَنْ يَقِفَ مَعَهُ فِي المَعْرَكَةِ ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ ابنُ تَيْمِيَةَ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ مِنْ جَيْشِ الشَّامِ لَا نَقِفُ إِلَّا مَعَهُمْ، وَحَرَّضَ ابنُ تَيْمِيَةَ السُّلْطَانَ عَلَى القتال وبَشَّره بالنصر وجَعَلَ يحلفُ باللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ الْأُمَرَاءُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَيَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا. وَأَفْتَى النَّاسَ بِالْفِطْرِ مُدَّةَ قِتَالِهِمْ وَأَفْطَرَ هُوَ أَيْضًا، وَكَانَ يدور على الأجناد وَالْأُمَرَاءِ فَيَأْكُلُ مِنْ شَيْءٍ مَعَهُ فِي يَدِهِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ إِفْطَارَهُمْ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى الْقِتَالِ أَفْضَلُ فَيَأْكُلُ النَّاسُ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ r «إنكم ملاقوا الْعَدُوِّ غَدًا، وَالْفِطَرُ أَقْوَى لَكُمْ» فانتصَرَ المسْلمونَ عَلى التتار في ذلك اليوم،وللَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ 14 صـ26:25)
لقاء ابن تيمية مع ملك التتار:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْبَالِسِيُّ،وَكَانَ مَعَ الذينَ مَنْ ذَهَبوا مَعَ ابْنِ تَيْمِيَةَ لمقابلة مَعَ مَحْمُود قَازَانَ (مَلك التَّتَارِ)،قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ لِقَازان:أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ مُسْلِمٌ وَمَعَكَ مُؤَذِّنُ،وَقَاضٍ،وَإِمَامٌ،عَلَى مَا بَلَغَنَا، فَغَزَوْتَنَا،وَدَخَلْتَ بِلَادَنَا عَلَى مَاذَا؟وَأَبُوكَ وَجَدُّكَ هُولَاكُو كَانَا كَافِرَيْنِ،وَمَا غَزَوَا بِلَادَ الْإِسْلَامِ،بَلْ عَاهَدَا فَوَفَّيَا،وَأَنْتَ عَاهَدْتَ فَغَدَرْتَ،وَقُلْتَ فَمَا وَفَّيْتَ. وَقَرَّبَ إِلَى الْجَمَاعَةِ طَعَاماً فَأَكَلُوا مِنْهُ إِلَّا ابْنَ تَيْمِيَةَ،فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَأْكُلُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ آكُلُ مِنْ طَعَامِكُمْ وَكُلُّهُ مِمَّا نَهَبْتُمْ مِنْ أَغْنَامِ النَّاسِ، وَطَبَخْتُمُوهُ بِمَا قَطَعْتُمْ مِنْ أَشْجَارِ النَّاسِ؟ قَالَ: وَطَلَبَ قَازَانُ مِنْهُ الدُّعَاءَ،فَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي دُعَائِهِ:اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا مَحْمُودٌ إِنَّمَا يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَتُكَ هِيَ الْعُلْيَا،وَلِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لَكَ فَانْصُرْهُ، وَأَيِّدْهُ، وَمَلِّكْهُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَطَلَبًا لِلدُّنْيَا، وَلِتَكُونَ كَلِمَتُهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَلِيُذِلَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ،فَاخْذُلْهُ،وَزَلْزِلْهُ، وَدَمِّرْهُ،وَاقْطَعْ دَابِرَهُ. وَقَازَانُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ.فَجَعَلْنَا نَجْمَعُ ثِيَابَنَا خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَلَوَّثَ بِدَمِهِ إِذَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ.قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمُ الدِّينِ ابْنُ صَصْرَى وَغَيْرُهُ: كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنَا، وَتُهْلِكَ نَفْسَكَ، وَاللَّهِ لَا نَصْحَبُكَ مِنْ هُنَا. فَقَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ. فَانْطَلَقْنَا عُصْبَةً، وَتَأَخَّرَ هُوَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَتَسَامَعَتْ بِهِ الْأُمَرَاءُ مِنْ أَصْحَابِ قَازَانَ، فَأَتَوْهُ يَتَبَرَّكُونَ بِدُعَائِهِ، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى دِمَشْقَ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.وَاللَّهِ مَا وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ فِي رِكَابِهِ، وَكُنْتُ أَنَا مِنْ جُمْلَةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ.وَأَمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ رَفَضُوا أَنْ يَصْحَبُوهُ،فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّتَارِ،فَأخَذوا منهم أمْوَالهم وَثيَابَهم.
(البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ 14 صـ92:91)
ابن تيمية يطلق الأسرى النصارى:
قال الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله): خَاطَبْت قازان(ملك التتار) فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الأسرى الْمُسْلِمِينَ ، ثم قال قازان: مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ . فَقُلْت لَهُ : بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا ؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا ،لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ . فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ . وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ:
( الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
(مجموع فتاوى ابن تيمية جـ28صـ:618:617)
ابن تيمية و الأمر بالمعروف:
قال الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله) :لَا يَجُوزُ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ الْخُرُوجُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بِالسَّيْفِ ؛ لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ وَاجِبٍ أَعْظَمَ مِمَّا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ الْمُنْكَرَ وَالذُّنُوبَ وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ عَلَى بِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَلَوْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ أَعْظَمُ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُمْ مِنْهُ وَلَمْ
ابن تيمية والعذر بالجهل:
* روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ . ( البخاري حديث 6481 / مسلم حديث 2756 )
قال الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله): هَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ .وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ3 صـ230 : صـ231 )
وقال رحمه الله: هذا الرجل لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِجَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَبِتَفْصِيلِ أَنَّهُ الْقَادِرُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يَجْهَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ كَافِرًا . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ11 صـ411 )
* روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ؟ قال: نَعَمْ . ( مسلم حديث 974 )
قال الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ: تعليقاً على قول عائشة: ( مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ ) هَذِهِ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ كُلَّ مَا يَكْتُمُ النَّاسُ ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ مَعْرِفَتِهَا بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ يَكْتُمُهُ النَّاسُ كَافِرَةً وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَإِنْكَارِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ كَإِنْكَارِ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هَذَا مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ وَلِهَذَا لَهَزَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : أَتَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْك وَرَسُولُهُ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَلَكِنَّ تَكْفِيرَ قَائِلِهِ لَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ قَدْ بَلَغَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ11 صـ412 : صـ413 )
موقف ابن تيمية من الخوارج والشيعة:
قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ ـ وهو يتحدث عن الخوارج والشيعة ـ: كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ تَطْعَنُ بَلْ تُكَفِّرُ وُلَاةَ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُ الْخَوَارِجِ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا وَالرَّافِضَةُ يَلْعَنُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ وَلَكِنَّ الْفَسَادَ الظَّاهِرَ كَانَ فِي الْخَوَارِجِ : مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ ؛ فَلِهَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِقِتَالِهِمْ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِثْلَ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَأَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ .
(مجموع فتاوى ابن تيمية جـ13 صـ35)
ابن تيمية يحذرنا من تكفير المسلمين:
(1) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله) : لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ12 صـ466)
(2) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ أيضاً:لَا يَكْفُرُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ،َ كَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ . وَالزَّكَاةَ وَاسْتَحَلَّ الْخَمْرَ؛وَالزِّنَا. ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ7 صـ619 )
(3) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ:أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ3 صـ229 )
(4) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : إِنَّ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالتَّكْفِيرَ وَالتَّفْسِيقَ هُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ لَيْسَ لِأَحَدِ فِي هَذَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ إيجَابُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ5 صـ554 )
(5) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ يَكْفُرُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِكُفْرِهِ فَإِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ كَفَرَ حِينَئِذٍ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5صـ 306)
(6) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا أَخْطَأَ فِيهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَتَكْفِيرُ كُلِّ مُخْطِئٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ685 )
(7) قال ابْنُ تَيْمِيَةَ : مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ وُجُودُ الْعِلْمِ التَّامِّ،وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ أَنَّ الْجَهْلَ بِبَعْضِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لَا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَا جَهِلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي كُفْرُهُ .(مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ538 )
(8) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبِ وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَل. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ671 )
(9) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : الْأَقْوَالُ الَّتِي يَكْفُرُ قَائِلُهَا،قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ تَبْلُغْهُ النُّصُوصُ الْمُوجِبَةُ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فَهْمِهَا وَقَدْ يَكُونُ قَدْ عَرَضَتْ لَهُ شُبُهَاتٌ يَعْذُرُهُ اللَّهُ بِهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ كَائِنًا مَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسَائِلِ النَّظَرِيَّةِ أَوْ الْعَمَلِيَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 23صـ346 )
وصية ابن تيمية للفرق الإسلامية:
لَا يَحِلُّ لِأَحَدِى ِالطَّوَائِفِ أَنْ تُكَفِّرَ الْأُخْرَى وَلَا تَسْتَحِلَّ دَمَهَا وَمَالَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا بِدْعَةٌ مُحَقَّقَةٌ،فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ الْمُكَفِّرَةُ لَهَا مُبْتَدِعَةً أَيْضًا ؟ وَقَدْ تَكُونُ بِدْعَةُ هَؤُلَاءِ أَغْلَظَ،وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا جُهَّالٌ بِحَقَائِقِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ مُحَرَّمَةٌ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَا تَحِلُّ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَطَبَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) وَقَالَ (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ). وَقَالَ: (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ3 صـ283:282)
حرص ابن تيمية على وحدة المسلمين:
قَالَ الإمامُ ابنُ تَيْمِيَةَ :النَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ.وَأَنَا كُنْتُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبًا لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاتِّبَاعًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَأَزَلْت عَامَّةَ مَا كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَبَيَّنْت لَهُمْ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُنْتَصِرِينَ لِطَرِيقِهِ كَمَا يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ.وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ،وَأَظْهَرْت مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مَنَاقِبِ الْأَشْعَرِيِّ،أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ الْحَنَابِلَةُ وَالْأَشَاعِرَةُ مُتَّفِقِينَ إلَى زَمَنِ القُشَيْري فَإِنَّهُ لَمَّا جَرَتْ تِلْكَ الْفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَةُ. (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ:3 ـ صـ: 227)
سماحة ابن تيمية مع مخالفيه:
(1) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : أَنَا فِي سِعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخَالِفُنِي فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيَّ بِتَكْفِيرِ أَوْ تَفْسِيقٍ أَوْ افْتِرَاءٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ. فَأَنَا لَا أَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيهِ. بَلْ أَضْبُطُ مَا أَقُولُهُ وَأَفْعَلُهُ وَأَزِنُهُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ وَأَجْعَلُهُ مُؤْتَمًّا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ حَاكِمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
وَقَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) . وَقَالَ تَعَالَى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 3صـ :245)
(2) قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله):لَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ أَوْ ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، فَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْت كُلَّ مُسْلِمٍ. وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي. وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُمْ فِي حِلٍّ مِنْ جِهَتِي. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 28 صـ :55)
(3) كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابن تَيْمِيَةَ الْأَكَابِرِ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي لِأَصْحَابِي مِثْلُ ابْن تَيْمِيَةَ لِأَعْدَائِهِ وَخُصُومِهِ. (مدارج السالكين ـ لابن القيم جـ 2صـ328)
(4) قَالَ الإمامُ ابنُ القيم:مَا رَأَيْتُ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ قَطُّ،وَكَانَ يَدْعُو لَهُمْ. (مدارج السالكين ـ لابن القيم جـ 2صـ329)
(5) كَانَ قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ مَخْلُوفٍ مِن أعداء ابْنِ تَيْمِيَةَ ،ومع ذلك يقول الإمامُ ابنُ تَيْمِيَةَ:وَابْنُ مَخْلُوفٍ لَوْ عَمِلَ مَهْمَا عَمِلَ واللهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى خَيْرٍ إلَّا وَأَعْمَلُهُ مَعَهُ وَلَا أُعِينُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ قَطُّ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللهِ. هَذِهِ نِيَّتِي وَعَزْمِي، مَعَ عِلْمِي بِجَمِيعِ الْأُمُورِ. فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَنْ أَكُونَ عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 28 صـ :55)
(6) قَالَ الإمامُ ابنُ القيم: جِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لابن تَيْمِيَةَ بِمَوْتِ أَكْبَـرِ أَعْدَائِهِ،وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ. فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ. ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ،فَسُّرُوا بِهِ وَدَعَوْا لَهُ. وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ.فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. (مدارج السالكين ـ لابن القيم جـ 2صـ329)
(7) كَتَبَ الإمامُ ابنُ تَيْمِيَةَ رسالةً(وهو في السجن) إلى تلاميذه وأحبابه ـ يتحدث فيها عن خصومة الذين كانوا سبباً في دخوله السجن:قَالَ فيها:أَنَا أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَنَالُوا مِنْ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ وَالنَّعِيمِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ مَا يَصِلُونَ بِهِ إلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 28 صـ :41)
(8) قَالَ الإمامُ ابنُ كثير: اسْتَفْتَى السُّلْطَانُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ شَّيْخَ الإسلام ابنَ تَيْمِيَةَ فِي قَتْلِ بَعْضِ الْقُضَاةِ بِسَبَبِ مَا كَانُوا تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ فَتَاوَى بَعْضِهِمْ بِعَزْلِهِ مِنَ الْمُلْكِ وَمُبَايِعَةِ بَيْبَرْسَ.قَالَ السُّلْطَانُ لابنِ تَيْمِيَةَ: إنَّهُمْ قَامُوا عَلَيْكَ وَآذَوْكَ أَنْتَ أَيْضًا. وَأَخَذَ يَحُثُّهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ فِي قَتْلِ بَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ حَنَقُهُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَا كَانُوا سَعَوْا فِيهِ مِنْ عَزْلِهِ وَمُبَايَعَةِ بَيْبَرْسَ، فَفَهِمَ الشَّيْخُ مُرَادَ السُّلْطَانِ فَأَخَذَ فِي تَعْظِيمِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَيُنْكِرُ أَنْ ينال أحداً منهم بسوء، وَقَالَ لَهُ: إِذَا قَتَلْتَ هَؤُلَاءِ لَا تَجِدُ بِعْدَهُمْ مِثْلَهُمْ، فَقَالَ لَهُ إِنَّهُمْ قَدْ آذَوْكَ وَأَرَادُوا قَتْلَكَ مِرَارًا، فَقَالَ الشَّيْخُ مَنْ آذَانِي فَهُوَ فِي حِلٍّ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فاللَّه يَنْتَقِمُ مِنْهُ، وَأَنَا لَا أَنْتَصِرُ لِنَفْسِي، وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى حَلُمَ عَنْهُمُ السُّلْطَانُ وَصَفَحَ. البداية والنهاية ـ لابن كثير جـ14 صـ:54)
(9) قَالَ قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ مَخْلُوفٍ : مَا رَأَيْنَا مِثْلَ ابْنِ تَيْمِيَةَ حَرَّضْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَقَدَرَ عَلَيْنَا فَصَفَحَ عَنَّا وَحَاجَجَ عَنَّا. (البداية والنهاية ـ لابن كثير جـ14 صـ:54)
(10) قَالَ الشَّيْخ عَلَمُ الدّين البِرْزَالِيُّ:فِي الْعشْر الْأَوْسَط مِن رَجَب من سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة وَقع أَذَى فِي حق الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابن تَيْمِيَةَ بِمصْر، ظَفرَ بِهِ بعضُ المبغضين لَهُ فِي مَكَانٍ خَالٍ وأساءَ عَلَيْهِ الْأَدَب وَحضرَ جمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ من الْجند وَغَيرهم إِلَى الشَّيْخ بعد ذَلِك لأجل الِانْتِصَار لَهُ فَلم يجب إِلَى ذَلِك.وَكتبَ إِلَيَّ المقاتلي يَذْكُرُ أَن ذَلِك وَقع من فَقِيه بِمصْر يُعرفُ بالمبدي حصل مِنْهُ إساءة أدب ثمَّ بعد ذَلِك طلبَ وتوددَ وشفعَ فِيهِ جمَاعَةٌ،الشَّيْخ ابن تيمية مَا تكلم وَلَا اشْتَكَى وَلَو حصل شكوى مِن ابنِ تَيْمِيَةَ لأهين ذَلِك الرجل غَايَة الإهانة, لَكِن ابْنَ تَيْمِيَةَ قَالَ: أَنا مَا أنتصر لنَفْسي. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي ـ صـ305)
(11) قال الذَّهَبيُّ: في شعبان سنة إِحدى عشرة وسبع مائة: وصل النبأ أَنَّ الفقيه عَلي بن يعقوب البكري - أحد المبغضين لابن تَيْمِيَةَ - استفرد بابنِ تَيْمِيَةَ بمصر، ووثب عَلَيْهِ، ونتش ثيابه، وَقَالَ: احضر معي إِلَى القاضي، فلي عليك دعوى، فلما تكاثر النَّاسُ انصرف، فُطلبَ علي البكري مِن جهة الدولة، فهرب واختفى.
وذكرَ غير الذَّهَبيُّ: أَنَّهُ ثار بسبب ذَلِكَ فتنة، وأراد جَمَاعَة الانتصار من علي البكري فلم يمكنهم ابنُ تَيْمِيَةَ مِن ذَلِكَ. (ذيل طبقات الحنابلة ـ لابن رجب الحنبلي ـ جـ4 صـ517)
(12) مَرِضَ الْإِمَامُ ابنُ تَيْمِيَةَ أَيَّامًا يسيرَة في سجن القلعة بدمشق، وَكَانَ الْكَاتِب شمس الدّين الْوَزير في ذلك الوقت موجوداً بِدِمَشْق، فَلَمَّا عَلِمَ بمرضه اسْتَأْذن فِي الدُّخُول عَلَيْهِ لعيادته فَأذن الشَّيْخ لَهُ فِي ذَلِك فَلَمَّا جلس عِنْده أخذ يعْتَذر لَهُ عَن نَفسه ويلتمس مِنْهُ أَن يحله مِمَّا عساه أن يكون قد وَقعَ مِنْهُ فِي حَقه مِن تَقْصِير أَو غَيره.فَأَجَابَهُ الشَّيْخ (رحمه الله) بِأَنِّي قد أحللتك وَجَمِيع من عاداني وَهُوَ لَا يعلم أَنِّي على الْحق.
وَقَالَ ابنُ تَيْمِيَةَ أيضاً:إِنِّي قد أحْللتُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر محمد بن قلاوون مِن حَبسه إيَّايَ لكَونه فَعَلَ ذَلِك مُقَلدًا غَيره مَعْذُورًا وَلم يَفْعَله لحظ نَفسه بل لما بَلَغه مِمَّا ظَنّه حَقًا مِن مُبلِّغه وَالله يعلم أنه بِخِلَافِهِ.وَقد أحللت كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا كَانَ بيني وَبَينه إِلَّا من كَانَ عدواً لله وَرَسُوله. ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار ـ صـ:82:81)
احترام ابن تيمية لفقهاء أهل السُّنة:
قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ : تَجُوزُ صَلَاةُ المأموم خلْف إمامٍ يخالفه في المذهب الفقهي المعتبر، وهي صلاة صحيحة . كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ مَعَ تَنَازُعِهِمْ في المسائل الفقهية.وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا . وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ : مِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْرَؤُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْهَرُ بِهَا وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْنُتُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ وَالْقَيْءِ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ بِشَهْوَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ : مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَصَلَّى أَبُو يُوسُفَ خَلْفَ الرَّشِيدِ وَقَدْ احْتَجَمَ وَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُعِدْ . وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ فَقِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ . تُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ فَقَالَ : كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 23صـ 373:صـ 375)
أسباب اختلاف الفقهاء في قبول الحديث عند ابن تيمية:
قَالَ الإمامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله): إِذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْ الفُقَهَاءِ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ.ويرجعُ عدم قبول الفقيه لرواية الحديث لأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وهي:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: أَلَّا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَ الفقيه. وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ: فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى. وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ ؛ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ .
السَّبَبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغ الفقيه لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ .
السَّبَبُ الثَّالِثُ: اعْتِقَادُ الفقيه ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِاجْتِهَادٍ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ .
السَّبَبُ الرابِع: اشْتِرَاطُ الفقيه فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ الْحَافِظِ شُرُوطًا يُخَالِفُهُ فِيهَا غَيْرُهُ.
السَّبَبُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَ الفقيه وَثَبَتَ عِنْدَهُ لَكِنْ نَسِيَهُ.
السَّبَبُ السَّادِسُ: عَدَمُ مَعْرِفَة الفقيه بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ.
السَّبَبُ السَّابِع: اعْتِقَادُ الفقيه أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَعْرِفْ جِهَةَ الدَّلَالَةِ وَالثَّانِي عَرَفَ جِهَةَ الدَّلَالَةِ لَكِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَلَالَةً صَحِيحَةً.
السَّبَبُ الثَّامِنُ : اعْتِقَادُ الفقيه أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ قَدْ عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً مِثْلَ مُعَارَضَةِ الْعَامِّ بِخَاصِّ أَوْ الْمُطْلَقِ بِمُقَيَّدِ أَوْ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِمَا يَنْفِي الْوُجُوبَ أَوْ الْحَقِيقَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ إلَى أَنْوَاعِ الْمُعَارَضَاتِ. وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ أَيْضًا ؛ فَإِنَّ تَعَارُضَ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَحْرٌ خِضَمٌّ .
السَّبَبُ التَّاسِع : اعْتِقَادُ الفقيه أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ ؛ أَوْ نَسْخِهِ ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ مِثْلَ إجْمَاعٍ.
السَّبَبُ الْعَاشِر : مُعَارَضَةُ الفقيه للحديث بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَوْ نَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ غَيْرُهُ أَوْ جِنْسُهُ مُعَارِضٌ ؛ أَوْ لَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارِضًا رَاجِحًا ؛ كَمُعَارَضَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْكُوفِيِّينَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مِنْ الْعُمُومِ وَنَحْوُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 20 صـ 239:صـ 250)
صبر ابن تيمية على البلاء:
كَتَبَ الْإِمَامُ ابنُ تَيْمِيَةَ رسالةً إلى تلاميذه (وهو في سِجن قلعة دمشق) يُعبر فيها عن رضاه بقضاء الله تعالى،قَالَ فيها:أَنا طيبٌ وعيناي طيبتان أطيب مَا كَانَتَا.وَنحن فِي نِعم عَظِيمَة لَا تحصى وَلَا تعد وَالْحَمْد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ.كل مَا يَقْضِيه الله تَعَالَى فِيهِ الْخَيْر وَالرَّحْمَة وَالْحكمَة إِن رَبِّي لطيف لما يَشَاء إِنَّه هُوَ الْقوي الْعَزِيز الْعَلِيم الْحَكِيم، وَلَا يدْخل على أحدٍ ضَرَر إِلَّا من ذنُوبه .قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (النساء:79) فَالْعَبْد عَلَيْهِ أَن يشْكر الله وَيَحْمَدهُ دَائِما على كل حَال ويستغفر من ذنُوبه. فالشكر يُوجب الْمَزِيد من النعم وَالِاسْتِغْفَار يدْفع النقم وَلَا يقْضِي الله لِلْمُؤمنِ قَضَاء إِلَّا كَانَ خيراً له إِن أَصَابَته سراء شكر وَإِن أَصَابَته ضراء صَبر فَكَانَ خيرا لَهُ. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي ـ صـ383)
* حفظَ اللهُ تعالى ابنَ تَيْمِيَةَ خلال مدة بقائه في السجن،فقد كَان مُعظماً مُكَرَّماً يُكرمهُ المسئولُ القلعة ونائبها إِكْرَاما كثيراً ويسألانه عَن حَوَائِجه ويبالغان فِي قَضَائهَا.وَكَانَ مَا صنفه مِن كتبٍ فِي هَذِه الْمدَّة قد خرج بعضه من عِنْده وَكتبه بعضُ أَصْحَابه واشتهر وَظهر بفضل الله تعالى. (العقود الدرية ـ لابن عبد الهادي ـ صـ379)
قبس من كلام ابن تيمية:
قال االْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ (رحمه الله):
(1) مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ: أَنَّهُ إذَا أَرَادَ إظْهَارَ دِينِهِ أَقَامَ مَنْ يُعَارِضُهُ فَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ:28 صـ:57)
(2) إنَّ في الدُّنيا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَنْ يَدْخُلَ جَنَّةَ الآخِرَةِ . (مدارج السالكين لابن القيم جـ 1صـ452)
(3) بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ. قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24) (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ:3صـ: 358)
(4) الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ لِلْجَسَدِ فَكَمَا لَا يَجِدُ الْجَسَدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ مَعَ السَّقَمِ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الذِّكْرِ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ:9 صـ: 312)
(5) ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. (الوابل الصيب لابن القيم صـ42)
(6) المحبوس مَن حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور مَن أسره هواه" (الوابل الصيب لابن القيم صـ48)
(7) ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين وثبت في أمره. (الوابل الصيب لابن القيم صـ112)
(8) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تَدْفَعُ الرِّيَاءَ (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تَدْفَعُ الْكِبْرِيَاءَ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 1صـ78)
(9) مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ، فَلْيَلْزَمْ عَتَبَةَ الْعُبُودِيَّةِ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 1صـ429)
(10) الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مَا حَجَزَكَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 1صـ511)
(11) الْعَارِفُ لَا يَرَى لَهُ عَلَى أَحَدٍ حَقًّا، وَلَا يَشْهَدُ عَلَى غَيْرِهِ فَضْلًا، وَلِذَلِكَ لَا يُعَاتِبُ، وَلَا يُطَالِبُ، وَلَا يُضَارِبُ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 1صـ519)
(12) الزُّهْدُ تَرْكُ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ. وَالْوَرَعُ تَرْكَ مَا تَخَافُ ضَرَرُهُ فِي الْآخِرَةِ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ12)
(13) غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ:11 صـ: 298)
(14) التَّكَبُّرُ شَرٌّ مِنَ الشِّرْكِ فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَتَكَبَّرُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُشْرِكَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَغَيْرَهُ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ316)
(15) مَن فَارقَ الدَّلِيل ضَلَّ السَّبِيل وَلَا دَلِيل إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى اللهُ عليه وسلم. (مفتاح دار السعادة جـ1 صـ83)
(16) الْعَوَارِضُ وَالْمِحَنُ هِيَ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنْهُمَا لَمْ يَغْضَبْ لِوُرُودِهِمَا، وَلَمْ يَغْتَمَّ لِذَلِكَ وَلَمْ يَحْزَنْ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 3صـ361 )
وفاة ابن تيمية:
تُوُفِّيَ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي القعدة سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِن الهجرة،وذلك بقلعة دمشق الَّتِي كَانَ مَحْبُوسًا فِيهَا. عاش ابْنُ تَيْمِيَّةَ سبعاً وَسِتِّينَ سَنة وأَشْهراً. (البداية والنهاية لابن كثير جـ14 صـ:141)
جنازة ابن تيمية:
أُخرجت جنازة الْإِمَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ إلى جامع دمشق، وصلّوا عليه الظّهر، وكان يوماً مشهوداً لم يُعهد بدمشق مثله، وقَالَ رجلٌ بصوتٍ مرتفعٍ: هكذا تكون جنائز أئمة السُّنَّة، فبكى الناس بكاء كثيراً، واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم، وصار النّعش على الرؤوس يتقدم تارة ويتأخر أخرى، وخرجت جنازته من باب الفرج، وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج، وعظم الأمر بسوق الخيل، وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن، ودُفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدّين عبد الله بمقابر الصّوفية. (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ـ جـ 8صـ150)
بلغَ عَدَدُ الذين حضروا جنازة الْإِمَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ (رحمه الله) أكثر مِن خمس مائة ألف شخص.
قَالَ العارفون بالتاريخ: لم يُسْمَع بِجنَازَة بِمثل هَذَا الْجمع إِلَّا جَنَازَة الْإِمَامِ أحْمَد بن حنبل(رحمه الله).
( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ـ للبزَّار ـ صـ:84)
ختاماً:
أسألُ اللهَ تعالى أن ينفعَ بهذه الرسالة طلابَ العِلْمِ الكرام،وأرجو مَنْ يقرؤها أن يدعوَ اللهَ سُبحانه لي بالإخلاصِ،والتوفيقِ، والثباتِ على الحق، وحُسْنِ الخاتمة، فإن دعوةَ المسلمِ لأخيه بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتجَابةٌ. وأختِمُ بقولِ الله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (الحشر: 10)
وآخرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد