بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال تعالى: (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)(الحجر:65)، أرجع واقرأ هذه الآية مرة أخرى، حيث إن هذه الآية قد ابتدأت بأن الله أخبر إنه أنزل من السماء ماء، وأن هذا الماء يحيي به الله الأرض بعد موتها، وعجبنا انه سبحانه ختم الآية بقوله: "لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"، إن المتدبر في قراءة القرآن يجد أن الآيات من هذا النوع عادة ما تنتهي بقوله يتفكرون أو يعقلون، لأن الأمر يحتاج في البداية إلى نظر وتفكر، ولعل سائل يسأل لماذا قال سبحانه يسمعون وكيف نسمع إنزال الماء وإحياء الأرض مع بعد هذا عن الرؤية البصرية والفكرية؟
هنا نقول إن الحواس كما هو معلوم إرادية وغير إرادية، والسمع حاسة غير إرادية، فالمستمع لا يستطيع أن يمنع نفسه من سماع المتكلم، لكنه يستطيع أن يمنع نفسه من النظر إليه بمجرد إغلاق عينيه. والحواس جميعها تنام مع الإنسان إلا حاسة السمع تبقى مستيقظة ولو بشكل جزئي، ونستطيع أن نوقظ النائم بمجرد مناداته، ولذلك استخدم سبحانه حاسة السمع لأنها هي الحاسة التي تعمل طوال الوقت، فحينما يستخدم القرآن السمع فهو لا يحتاج إلا لهذه الصفحة لأنها كافية في إيقاظ القلب، فالقرآن نزل على النبيّ الأميّ وكان السماع كافٍ لتبليغ الرسالة. ومن ذلك تجد بعض العلماء من هو أعمى ولكنه مبصر بنور الله.
إن مثل هذه الإشارات إنما هي لإيقاظ قلب القارئ إلى التدبر والتأمل في كتاب الله العزيز، لأنه هو المقصود بالسماع، والسماع هو الآلة الموصلة للقلب ما يخاطب به القرآن المخلوقين، وقوله: "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً" إنما هو إشارة إلى الآية التي سبقت هذه الآية في قوله تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(النحل:64)، فإن هذا الكتاب هو الذي يحتاج إلى السماع، وكأن الآية تقول إن الحقيقة الماثلة أمام أعينكم من الماديات وهو نزول الماء من السماء وإحياء الأرض بالنبات بعد أن كانت صعيداً جرزا هي حقيقة مادية ترى بالعين والحس والإدراك.
ولكن الحقيقة الأولى هي أن القرآن يحيي القلوب وينشر فيها نور الإيمان، ويقوّم فيها اعوجاج الفطرة من كيد الشياطين. وهذه الحقيقة تحتاج إلى السماع ليس إلا، قال سبحانه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)(فصلت:26)، وذلك لتأثر القلوب بمجرد السماع.
إذاً هنا حقيقتين اثنتين؛ الأولى هي أن القلوب تحيا بالقرآن إذا استمعت إليه وأحسنت الاستماع. والثانية هي أن الأرض تحيا بنزول الماء من السماء بما تُنبته، فذكر سبحانه ما تحتاجه الحقيقة الأولى بعد ذكر الحقيقة الثانية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد