بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه مجموعة من الفوائــــــــــد انتقيتها واستفدتها من تفريغ شرح شيخنا الشيخ وليد بن راشد السعيدان حفظه الله للعقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي رحمه الله, وشرح الشيخ حفظه الله في اكثر من 1700 صفحة وهو لم يتم شرح العقيدة الطحاوية بعد فهو لا يزال يشرحها في دروس متوالية نسأل الله أن ييسر له تمام ذلك .
وهذه الفوائد بلغ عددها (657) فائدة , جاءت فيما يقارب (70 ) صفحة , جمعتها على مراحل وفي ملفات متعددة وبعد أن يسر الله انهاء الشرح جمعتها في هذا الملف جميعها ليسهل الرجوع اليها والاستفادة منها وأنا أقول لكل من قرأ هذه الفوائد إن اردت الفائدة فدونك شرح الشيخ فإن ما ستقرأه في هذا الملف من الفوائد لا تغني عن شرح الشيخ وكيف يغني الفرع عن الأصل ففي شرح الشيخ من نفيس العلم ومن التقعيد ما قد لا تجده عند غيره وانما اخترت ما قد رأيت وما أحسب أنه قد يكون مهماً هذا والله أسال أن يرزقنا واياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يبارك في عمر شيخنا وفي عمله والله المستعان وعليه التكلان .
(الفوائد)
1) هذه العقيدة في مجملها من عقائد أهل السنة والجماعة إلا في بعض مباحث الإيمان ؛ فإن الإمام أبا جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى – قيد بعض مسائل الإيمان على ما يقتضيه مذهب المرجئة، وهذه من جملة المؤاخذات على هذه العقيدة، وإلا فهذه العقيدة في مجملها تتكلم عما يقرره أهل السنة والجماعة في أبواب الاعتقاد ومسائل أصول الدين - العمل-.
2) أفضل شرح لهذا المتن على الإطلاق؛ شرح ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى؛ وهو الشرح المتداول المشهور بين طلبة العلم –عفا الله عنا وعنهم– وهو في مجلدين،
3) من أحسن الطبعات الطبعة التي أشرف على تحقيقها الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي بتحقيق شعيب الأرناؤوط؛ هذه الطبعة مفيدة ففيها تخريج للأحاديث والحكم عليها، ورد لكلام أبي العباس بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم إلى مصادرهما.
4) ممايتميز به شرح ابن أبي العز الحنفي على العقيدة الطحاوية؛ أنه أكثر كثرة لا مزيد عنها من النقل عن شيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة الإمام ابن القيم، ولكنه لم يكن ينص على أسمائهما إذا نقل كلامهما حتى ينتشر كتابه؛ لأن كثيرًا من الحنفية ماتريدية وهم يبغضون أبا العباس بن تيمية رحمه الله، وابن القيم، ولا تتسع صدورهم لقراءة كتاب فيه اسم هذين الرجلين، أو أنه ينقل عن هذين الرجلين؛ فكان من باب المصلحة العامة أن يخفي أسماءهما، وينقل كلامهما على أنه من كلامه حتى ينتشر ذلك الكتاب فتعم الفائدة، وكما هو معلوم أن هذا من جملة المصالح المرسلة التي يراعى فيها تحقيق المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
5) ومما يؤخذ على هذه العقيدة أيضًا – أيها الإخوان- بعض العبارات المجملة التي لا يرتضيها أهل السنة في سياق أمور الاعتقاد، بعض المسائل، بعض الألفاظ المجملة التي لا يرتضيها علماء الاعتقاد؛ مثل قول الإمام الطحاوي "قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا تحويه الجهات، ولا.."
6) قوله (حجة الإسلام) .
هذه من الألفاظ التي لا نرتضيها -معاشر أهل السنة والجماعة - أن تطلق على بشر غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس أحد من العلماء مهما بلغ علمه حجة من الله على عباده، وإنما حجة الله قامت بإنزال الكتب، وإرسال الرسل فإطلاق حجة الإسلام لا يجوز إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة من الله جل وعلا على عباده، وأما غيره من آحاد العلماء فإنه لا يكون حجة أبدًا على الناس.
7) الإيمان عند أهل السنة ثلاثة أركان؛ اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح.
8) أهل البدع يطلقون على علم العقيدة ألفاظًا بدعية لم يرتضيها أهل السنة والجماعة، فمثلاً عندكم علماء أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والكُلابية والكرامية يطلقون على علم العقيدة علم الكلام، وهذه تسمية بدعية لا تجوز، ولا ينبغي إطلاقها ولا تعويد اللسان عليها، فإن أول من أطلقها على علم العقيدة هم أهل البدع، ولذلك لم يرتضيها أهل السنة وأبَوْها.
9) أعظم مسألة عقدية اختلف فيها أهل القبلة هي مسألة كلام الله جل وعلا إثباتًا ونفيًا، فالعلماء مختلفون - أهل السنة- أهل القبلة مختلفون في ذلك اختلافًا كبيرًا.
10) ومن الإطلاقات البدعية على علم العقيدة أيضًا ما انتشر في هذه الأزمنة بتسمية علم العقيدة بــــ : علم الإلهيات، وهذه من التسمية البدعية التي لا يجوز إطلاقها.
11) أجمع العلماء على أن الله لا يثيب في الآخرة كافرًا على عمل من أعمال الطاعات إذا مات على كفره، وهذا بالإجماع أما في الدنيا فقد يثيبه تعالى وقد لا يثيبه
12) إذا كان يقصد بمسائل الأصول المسائل المجمع عليها سواءً كانت من مسائل العقيدة أو من مسائل الأمور الفقهية ؛ فإن هذا تقسيم مقبول لا حرج فيه، وكان يقصد بالفروع المسائل المختلف فيها؛ فكل مسألة متفق عليها فيسميها الأصول، وكل مسألة ثبت خلاف العلماء فيها فيسميها الفروع؛ فهذا تقسيم مقبول عند أهل السنة ولا حرج فيه.
13) المسائل الظاهرة الجلية تسمى أصولا، والمسائل الخفية الدقيقة تسمى فروعا، وهذا تقسيم صار عليه أبو العباس بن تيمية، وجمع من أهل العلم وارتضوه وقبلوه.
14) أهل السنة والجماعة لا يأخذون معتقداتهم إلا من الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رحمهم الله.
15) كل فهم خالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فإنه باطل.
16) العقل وسيلة لفهم النقل.
17) لا مدخل للعقول في مسائل الغيب.
18) لا يتعارض نص صحيح مع عقل صريح.
19) العقل متفق مع النقل كل الاتفاق لكن لابد من اشتراط شرطين : شرط في النقل، وشرط في العقل
أما شرط النقل : أن يكون صحيحًا لأن العقل قد يتعارض أحيانًا مع بعض النقول الواهية والمكذوبة أو الضعيفة والشرط الثاني في العقل: وهو أن يكون عقلاً صريحًا، والمراد به العقل السليم السالم عن آفات أهل الكلام، وعلم الكلام، والسالم من البدعة، والسالم من المخالفة الشرعية، فالعقول السليمة الصافية عقول أهل السنة والجماعة لا يمكن أبدًا أن يتعارض فيها نقل صحيح مع عقل صريح.
20) العقائد قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم البيان الشافي الكافي.
21) العقائد مبناها على التسليم لا المجادلة.
22) لا نسخ في العقائد.
23) التعبير عن المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى.
24) كل مسألة عقدية ثبت خلاف السلف فيها فليست من مسائل العقيدة الكبار التي يوالى ويعادى عليها وأما تلك المسائل الكبار التي هي مصب الولاء والبراء ومحط الولاء والبراء فإن السلف متفقون فيها ولم يختلفوا فيها أبدًا؛ مثال ذلك: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة أسري به أم لم يره؟ فهنا ثمة خلاف بين الصحابة فيها؛ فمنهم من قال رآه، ومنهم من قال لم يره، وعلى خلاف الصحابة اختلف السلف رحمهم الله تعالى ولكن الأكثرون على أنه لم يره فهذه المسألة وإن كانت عقدية لكنها ليست من مسائل العقيدة الكبار التي يوالى ويعادى عليها، لأن خلاف السلف ثابت فيها. ومن الأمثلة كذلك: رؤية الله جل وعلا في العرصات يوم القيامة، فمنهم من قال: إن جميع من في الموقف يرونه؛ مؤمنهم ومنا فقهم، وكافرهم -وهذا الذي يميل له أبو العباس بن تيمية رحمه الله- ، ثم يحتجب الله عن المنافقين والكافرين، ويبقى يراه المؤمنون إلى أن يدخلوا الجنة.
25) المسائل المتفق عليها بين أهل العلم رحمهم الله والتي يخالفنا فيها أهل البدع فنوالى ونعادى عليها.
26) إذا أردت أن تعرف المسائل الإجماعية في العقيدة فلى رسالة عن الإجماع العقدي بعنوان (تمام المنة ببعض ما اتفق عليه أهل السنة)، ذكرت فيها ست مائة مسألة إجماعية.
27) أهل السنة والجماعة :هم الذين اجتمعوا على الأخذ بسنة رسول الله بالكتاب والسنة، وهم الذين اجتمعوا على الأخذ بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة باطنًا وظاهرًا في الأقوال، والأعمال، والاعتقادات؛ فهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
28) أهل السنة والجماعة لا ينتسبون إلا إلى اسم الإسلام أو الإيمان، أو ما ثبت به النص، أو كان صفة راسخة انعقد عليها إجماعهم
29) من أهل البدع -وهم أكثرهم– من ينتسب إلى مؤسس الفرقة، مثل:
الأشعرية نسبة إلى أبي الحسن الأشعري ، والماتريدية نسبة إلى أبي منصور الماتريدي، والكلابية نسبة إلى محمد بن سعيد بن كلاب، والكرامية نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني والزيدية نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -وهو منهم براء-، لكنهم ينتسبون له ، والجبائية نسبة إلى الجبائي المعتزلي ، والهشامية نسبة إلى ابنه هشام الجبائي.
30) ومن الفرق الضالة من تنتسب إلى بدعتها التي عرفت بها، من الفرق الضالة من تنتسب إلى بدعتها التي عرفت بها؛ كقولهم مثلا:
القدرية نسبة إلى بدعتهم وهي إنكار القدر.
الجبرية: نسبة إلى بدعتهم وهي سلب العبد مطلق القدرة ومطلق الاختيار.
المرجئة: نسبة إلى بدعتهم وهي إرجاء وتأخير العمل عن الإيمان.
الوعيدية: نسبة إلى تغليب نصوص الوعيد، والقول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار.
فالفرق الضالة إما أن تنتسب إلى مؤسس فرقتها وهذا كثير، وإما تنتسب إلى بدعتها.
وأما المعتزلة :فإنها تنتسب إلى صفة في مؤسس الفرقة؛ فإنه لما اعتزل حلقة الحسن البصري رحمه الله تعالى سماه أهل العلم معتزلي أي أنه اعتزل حلقة الحسن؛ فكل من انتسب إليه صار معتزلي وهو واصل بن عطاء.
31) مصطلح (التعايش مع الآخر) الذي يدعون إليه: ما هو إلا إذابة لعقيدة الولاء والبراء، وإبعاد لعقيدة الولاء والبراء عن معتقد أهل السنة والجماعة حتى يعيش المسلم مع الكافر، والبر مع الفاجر، واليهودي والنصراني مع المسلم، حتى جاء في آخر اقتراحاتهم أن يبنى مسجد وكنيسة وبيعة في مكان واحد؛ المسلم يذهب إلى مسجده، والنصراني يذهب إلى كنيسته، واليهودي يذهب إلى بيعته، إخوة متحابون متآلفون في ما بينهم ، وهذا ردة وكفر والعياذ بالله تعالى.
32) قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى (على مذهب فقهاء الملة).
والمراد بالملة: أي الطريقة والمراد بفقهاء الملة أئمة الحنفية وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي الحسن الشيباني، وأبو الحسن الشيباني، وهؤلاء هم أستاذة، هم قادة مذهب الأئمة الحنفية رحمهم الله, فالإمام الطحاوي يذكر عقيدة أهل السنة والجماعة على وجه الإجمال، ولكنه يخص ذكر عقيدة هؤلاء الأئمة، وقد صدق رحمه الله لأنه ذكر في هذه العقيدة جملاً من العقائد ليست من عقائد أهل السنة والجماعة، ولكنها عقائد فقهاء الملة الحنفية رحمهم الله.
33) الطحاوي رحمه الله ذكر جملاً من كلام وعقيدة هؤلاء الذين ذكرهم وهم فقهاء الملة، وسماهم فقهاء لأن جانب الفقه يغلب عليهم ، وقد وافقوا أهل السنة والجماعة في جمل كبيرة من مسائل الاعتقاد ، ولكنهم خالفوا أهل السنة في أصل عظيم من أصول أهل السنة، وهي: (مسألة الإيمان)، ولهذا أطلق عليهم العلماء رحمهم الله أنهم مرجئة الفقهاء؛ أي المرجئة من المشهورين بالفقه، فهم مرجئة لأن كلامهم هو عينه كلام المرجئة، فقد أرجئوا العمل عن مسمى الإيمان، وقالوا: إن أهل الإيمان في أصله سواء، فيخرجون العمل عن دائرة الإسلام.
34) قال الإمام الشافعي : الناس في الفقه عِيال على أبي حنيفة.
35) توحيد الربوبية هو: توحيد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والرزق وغيرها، ويندرج تحته جمل من القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة:
36) القاعدة الأولى: توحيد الربوبية فطري ؛ والمراد بهذه القاعدة أي أن الاعتراف بربوبية الله جل وعلا أنه مركوز في الفطرة، فهو من العلوم الفطرية الضرورية التي لا تحتاج إلى تقرير، ولكنها تحتاج إلى تذكير فقط
37) القاعدة الثانية: لا يعرف عن أحد من بني آدم إنكاره باطنًا، فالجميع مقرون به في الباطن لكن عرف إنكاره ظاهرًا عن فرعون؛ ففرعون إنما أنكره ظاهرًا فلم يعرف إنكار توحيد الربوبية باطنًا عن أحد، أما في الظاهر فقد أنكره طائفة منهم فرعون ، ومنهم كذلك الدَهرية، -أو الدُهرية- المنتسبون للدهر ومنها كذلك طائفة من الصوفية الذين ينسبون تصريف أمور العالم إلى الأقطاب والأغواث والأبدال والأولياء والصالحين؛ فهؤلاء ينسبون تصريف الأمر وتدبير أمور هذا الكون إلى الأولياء والأغواث والأقطاب والأفلاك السبعة وغيرها ومنهم كذلك الفلاسفة الصابئة الذين يعتقدن أن النجوم والأفلاك والكواكب هي التي تدبر أمر هذا العالم وليس هو الله جل وعلا ومنهم كذلك من المعاصرين الشيوعية المعاصرة فإنها تنكر وجود الله وربوبيته.
38) القاعدة الثالثة: لا يعرف عن أحد من بني آدم أنه اتخذ إلهين متساويين في جميع الصفات
39) القاعدة الرابعة: الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي للحكم بالدخول في الإسلام.
40) القاعدة الخامسة: الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية .
41) القاعدة السادسة: لا يملك النفع والضر على الحقيقة إلا الله جل وعلا.
42) القاعدة السابعة: لا خالق على الحقيقة إلا الله جل وعلا.
43) القاعدة الثامنة: الإقرار بتوحيد الربوبية لا يعصم الدم، ولا ينجي من الخلود في النار.
44) القاعدة التاسعة: من اعتقد في أحد من المخلوقين أن له تصرفًا خفيًا في الكون فقد وقع في شرك الربوبية .
45) القاعدة العاشرة: كل شرك في الربوبية مفض إلى شرك الألوهية .
ثانيا : توحيد الألوهية:
46) توحيد الألوهية: هو توحيد الله جل وعلا بأفعال العباد الصادرة منهم.
47) توحيد الألوهية هو أول دعوة الرسل.
48) الأصل الثاني: أن توحيد الألوهية هو التوحيد الذي حصلت فيه الخصومة بين الأنبياء وأممها.
49) الأصل الثالث: توحيد الألوهية هو أول واجب وآخر ما يخرج به العبد من الدنيا.
50) أجمع أهل السنة على أن العبد لا يدخل في مسمى الإسلام إلا إذا أقر بهذا التوحيد وشهد أن لا إله إلا الله وأيضاً : قرر أهل السنة أيضًا أن توحيد الألوهية هو آخر ما يخرج به العبد من الدنيا ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نلقن موتانا لا إله إلا الله حتى يكون التوحيد هو أول واجب وآخر ما يخرج به العبد من الدنيا.
51) الأصل الرابع: توحيد الألوهية حرز من الدخول في النار ابتداءً أو الخلود فيها.
52) الأصل الخامس: العبادة التي خلقنا الله لها سواء كانت من عبادات القلوب أو من عبادات اللسان أو من عبادات الجوارح فيجب علينا أن نوحد الله جل وعلا بها.
53) الأصل السادس : التوحيد مبني على النفي والإثبات التوحيد.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات:
54) وخلاصة هذا التوحيد أنه يجب علينا جميعًا أن نثبت لله جل وعلا ما أثبته لنفسه في كتابه من الأسماء والصفات، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته من غير تحريف ولا تمثيل ، ومن غير تكييف ولا تعطيل؛
55) الواجب علينا في نصوص الأسماء والصفات ثلاثة أمور.
56) والواجب علينا في نصوص الأسماء والصفات ثلاثة أمور:
الأمر الأول : أن نؤمن بالاسم أو الصفة التي يتضمنها هذا النص.
الأمر الثاني: أن نعتقد أن الله لا يماثله شيء لا في هذا الاسم ولا في هذه الصفة.
الأمر الثالث: أن نقطع الطمع في التعرف على كيفية هذه الأسماء أو هذه الصفات لأنه لا يعلم كيف الله إلا الله.
57) قوله رحمه الله: (أن الله واحد لا شريك له).
اعلم رحمك الله تعالى أن الشرك ينظر إليه أهل السنة بجمل من القواعد والأصول المقررة في هذا الباب، ونذكرها هنا حتى تتجلى لك حقيقة الشرك وتعرف معناه.
58) القاعدة الأولى: من سوى غير الله بالله فيما هو من خصائصه فقد أشرك.
59) القاعدة الثانية: كل وسيلة تفضي إلى الشرك الأكبر فشرك أصغر إن وصفها الدليل بأنها شرك.
ويدخل في ذلك الحلف بغير الله من غير تعظيم، فقد وصفته الأدلة بأنه شرك أصغر؛ لأنه وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، ويكون شركًا أكبر إذا صاحبه تعظيمٌ كتعظيم الله جل وعلا.
وكذلك : يدخل في هذا باب الطيرة فإن الطيرة نوع من أنواع الشرك الأصغر لأنها وسيلة إلى الوقوع في الشرك الأكبر ، وقد وصفها الدليل بأنها شرك.
وكذلك: من هذا الباب أيضًا التمائم، وقد وصف الشارع التمائم بأنها شرك، فالتمائم شرك أصغر بالأصالة لأنها وسيلة من وسائل الشرك الأكبر ، وتكون شركا أكبر عند الاعتقاد بأن هذه الأشياء والمعلقات تدفع الشر بذاتها أو تجلب الخير بذاتها بدون قدر الله جل وعلا.
وكذلك: يدخل في ذلك أيضًا قول "ما شاء الله وشئت" فهو من الشرك الأصغر لأنه طريق موصل ومفضي إلى الشرك الأكبر.
وكذلك :يدخل في ذلك أيضًا التعبد لله جل وعلا بالطواف حول قبور الأولياء والصالحين، فإن الطواف حول قبورهم يكون شركًا أصغر إذا كان المقصود بالطواف وجه الله جل وعلا وليس المقصود التعبد لصاحب القبر ، وأما إذا كان المقصود بالطواف هو التعبد وتعظيم صاحب القبر فإن هذا شرك أكبر .
60) ويوصف الشيء بأنه شرك أصغر بشرطين:
الشرط الأول: أن يشهد الدليل بأنه شرك كما تقدم معنا ذكر طرفا منها كالحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، والطيرة والتمائم وغيرها من الأمثلة التي وصفها الشارع بأنها شرك .
الشرط الثاني: أن لا يصل الشرك فيها إلى حد الشرك الأكبر فهذه شرك أصغر، فكل ذنب وصف في الشرع بأنه شرك وكان وسيلة إلى الشرك الأكبر فإنه حينئذ يكون شركًا أصغر.
61) ليس كل وسيلة للشرك الأكبر توصف بأنها شرك أصغر: فتجصيص القبور وسيلة من وسائل الشرك الأكبر ، لكن لا يوصف بأنه شرك أصغر ولكن يقال هو حرام، ولم نقل أنه شرك أصغر لأن الأدلة التي حرمته ما وصفته بأنه شرك وكذلك : الكتابة على القبور .
62) القاعدة الثالثة :الشرك الأكبر يحبط الأعمال إن مات صاحبه عليه.
63) وأما الشرك الأصغر فإنما يحبط العمل الذي وقع فيه فقط ، وأما بقية الأعمال التي لم يقع فيها الشرك الأصغر فإنها باقية على حالها.
64) فإن قلت : وهل الشرك الأصغر يخلّد صاحبه في النار؟
نقول : لا، باتفاق أهل السنة؛ لأن الشرك الأصغر لا يوجب خروج العبد من الملة بالكلية فيبقى من جملة أصحاب الكبائر في الآخرة .
65) فإن قلت: وهل يدخل الشرك الأصغر في حدود ما يُغفر يوم القيامة؟
نقول : فيه قولان لأهل السنة والجماعة ، فذهب شيخ الإسلام وجمعٌ من أهل العلم إلى أنه لا يدخل في حيز المغفرة ولكن أكثر أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى على أنه من جملة الذنوب التي تدخل تحت حيز المغفرة -وهذا هو الأقرب عندي- كما بيّنته في شرح الأرجوزة المفيدة في العقيدة -، والأقرب إن شاء الله من خلاف أهل العلم أن الشرك الأصغر داخل في حيز المغفرة.
66) وأما إطلاق الأدلة بأن من أشرك فهو خالد في النار وأنه من الذنوب التي لا تغفر، فإن أهل السنة يفهمونها أنها واردة في الشرك الأكبر لا الشرك الأصغر فبما أن معه أصل الإسلام فإن ذنوبه آهلة بأن يغفرها الله جل وعلا، وهذا في أصح قولي أهل العلم رحمهم الله.
67) فإن قيل: إذا كان الإنسان مسلمًا ثم وقع في شيء من الشرك –ارتد- فهل يحبط عمله بمجرد الشرك؟
نقول: فيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله والقول الصحيح أن المرتد لا يحبط عمله بمجرد وقوعه في الشرك ، وإنما يحبط عمله بأمرين الأمر الأول: بوقوعه في الشرك، والأمر الثاني: بالموت على الشرك
68) القاعدة الرابعة: الشرك الأكبر موجب للعداوة والبغضاء المطلقة.
وهذا هو معنى الولاء والبراء ، فالواجب علينا أن نتبرأ من الكفار وما يعبدونه من دون الله البراءة المطلقة، ويدخل في ذلك عدم موالاة المشركين وعدم محبتهم وعدم الرضا بشركهم فكل ذلك يدخل في باب الولاء والبراء والعداوة والبغضاء ، فيجب علينا أن نتبرأ من المشركين ومعبوداتهم البراءة المطلقة، وأن نعاديهم ونبغضهم ومعبوداتهم العداوة والبغضاء المطلقة .
وأما من معه أصل الإسلام فإننا نتبرأ منه بقدر ما معه من الذنوب والعصيان ونبغضه ونعاديه بقدر ما معه من المخالفة الشرعية، أما البراءة المطلقة والبغضاء والعداوة المطلقة فإنها في حق من وقع في الشرك الأكبر.
69) القاعدة الخامسة: أصل الشرك كان بسبب الغلو في الصالحين وتصوير تماثيلهم.
70) فإن قلت وما العلاقة بين الكفر والشرك؟
نقول: العلاقة بينهما أنهما إن اجتمعا افترقا وإن افترقا اجتمعا، فإذا ذكرت الأدلة الشرك وحده دخل معه الكفر تبعًا في المعنى، وإذا ذكرت الأدلة الكفر وحده دخل معه الشرك تبعا في المعنى ، وأما إذا قيل كفر وشرك كقولك احذر من الكفر والشرك؛ فإن الشرك يكون معناه التنديد، والكفر معناه جحد معلوم من الدين بالضرورة، فيفترق الشرك عن الكفر إذا افترقا ومن هنا يتبين أن : الشرك ما كان متضمنا للتنديد والمساواة، والكفر ما حصل فيه جحد أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة، مثاله :من ترك الصلاة وجحد وجوبها هذا كافر ولكن لم يقع في الشرك، لكن يصح أن يوصف بالشرك بالمعنى العام ، لكن إذا قيل لك أهو كافر أم مشرك؟ فقل هو كافر لأنه لم يقع في التنديد الآن ، بل هو جحد معلومًا من الدين بالضرورة ، وكذلك من استهزئ بالله أو سب الله أو سب دينه ونبيه أو غير ذلك أو أنكر وجوب الزكاة والحج والصيام وغيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة فهذا كافر
71) والقاعدة في الكفر عندنا تقول: من جحد معلوم من الدين بالضرورة فقد كفر، فهذه هي أم القواعد في باب فهم الكفر، ويقال بهذا الفرق إذا اجتمعا.
72) القاعدة السادسة: من اتخذ واسطة بينه وبين الله في العبادة فقد أشرك.
73) من اتخذ واسطة بينه وبين الله في أمور العبادة فقد أشرك فيدعوها من دون الله، أو يذبح وينذر لها من دون الله، أو يرجوها، ويستغيث بها، ويتوكل عليها من دون الله فقد اتخذها آلهة مع الله جل وعلا وهذا متفق عليه بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.
74) القاعدة الأولى: الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات.
75) القاعدة الثانية: الاتفاق في الاسم الكلي المطلق لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة.
76) القاعدة الثالثة: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.
وهو قول أهل السنة رحمهم الله تعالى : الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكل شيئين اختلفا في ذواتهما فلابد وأن يختلفا في صفاتهما،
77) القاعدة الرابعة: السلف يثبتون صفات الكمال على وجه التفصيل وينفون صفات النقص على وجه الإجمال.
78) فإن قلت القرآن ليس فيه إثبات لصفات الكمال على وجه الإجمال ولا نفي لصفات النقص على وجه التفصيل؟
نقول : لا، بل هو موجود في القرآن، ولكن قاعدتنا هذه أغلبية لا كلية، فنحن نجد في القرآن أربعة أشياء : إثباتًا مفصلاً وإثباتًا مجملاً، ونجد في القرآن نفيًا مفصلاً ونفيًا مجملاً، لكن غالب ما يمر عليك في القرآن والسنة إنما هو الإثبات المفصّل والنفي المجمل
79) القاعدة الخامسة: أهل القبلة انقسموا في باب أسماء الله جل وعلا وصفاته على ثلاثة أقسام إلى طرفين ووسط.
وإذا قلنا أهل القبلة أي من معه أصل الإسلام، فهؤلاء انقسموا في باب أسماء الله جل وعلا وصفاته على ثلاثة أقسام على طرفين ووسط:
الطائفة الأولى: طائفة يقال لهم الممثلة، وهؤلاء في مذهبهم حق وباطل، فقالوا نحن نثبت لله الأسماء والصفات، ولكن على وجه يماثل صفات المخلوقات، فعندهم في مذهبهم جزئيتان الجزئية الأولى : إثبات الأسماء والصفات، ولكن المشكلة عندهم هي قولهم: على وجه يماثل صفات المخلوقات، فإثبات الأسماء والصفات هذا حق، وتمثيلها بصفات المخلوقات المحدثات هذا باطل.
الطائفة الثانية: طائفة يقال لهم المعطلة، وإذا قلنا المعطّلة فنقصد بهم الأشاعرة والجهمية والمعتزلة والماتريدية فإن هؤلاء في باب الأسماء والصفات نصفهم بأنهم معطلة، فقالوا نحن ننزه الله عن مماثلة المخلوقات تنزيهًا ننفي معه الأسماء والصفات، فهؤلاء أيضًا في مذهبهم حق وباطل، فالحق الذى في مذهبهم هو تنزيه الله تعالى ، والباطل عندهم هو نفي الأسماء والصفات عن الله تعالى .
وإذا جمعت الحق لدى هؤلاء الطائفتين تبين عنه مذهب أهل السنة والجماعة وحقيقته ، فالحق الذي مع الممثلة هو إثبات الأسماء والصفات فنقول نحن معاشر أهل السنة نحن نثبت لله الأسماء والصفات، والحق الذي مع المعطّلة تنزيه الله عن مماثلة المخلوقات، ونحن معاشر أهل السنة نقول وننزه الله عن مماثلة المخلوقات، فالعيب الذي وقع فيه الممثلة هو أنهم جعلوا إثباتهم يقتضي التمثيل، وأما إثباتنا معاشر أهل السنة فإنه لا يقتضي التمثيل فإثباتنا لا تمثيل فيه، والعيب الذي مع المعطلة هو أنهم غلوا في جانب التنزيه حتى عطلوا الله جل وعلا عن أسماءه وصفاته، ونحن ننزه الله ولكن تنزيهنا لا تعطيل فيه، فنحن نثبت لله الصفات والأسماء إثباتًا بلا تمثيل، وننزه الله جل وعلا عن مماثلة المخلوقات تنزيهًا بلا تعطيل،
80) القاعدة السادسة: كل ممثل فهو معطل، وكل معطل فهو ممثل.
81) قال العلماء رحمهم الله تعالى إن المعطل ممثل من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه لم يصل إلى درجة التعطيل إلا بعد أن صعد درجة التمثيل، ولذلك لما قام محظور التمثيل في ذهنه أراد أن يتخلص مما قام في ذهنه فلم يجد طريقًا للتخلص من هذا الأمر إلا بتعطيل أسماء الله وصفاته، فعطل حتى يفر من التمثيل.
الوجه الثاني: أنه لما عطل الله عن أسماءه وصفاته تضمن هذا تمثيل الله بالمعدومات والممتنعات، فهو أراد أن ينزه الله عن مماثلة المخلوقات فوقع في شر من ذلك وهو تمثيل الله بالمعدومات الممتنعات،
ولذلك قال العلماء إن كل معطل فهو ممثل، ويقول العلماء رحمهم الله في هذا الصدد أيضا: المعطل يعبد عدما ،ما معنى المعطل يعبد عدم، وذلك لأنهم لما نفوا أسماءه وصفاته فكأنهم جعلوه عدمًا فهم يسجدون لعدم، ويركعون لعدم ؛ لأنه لو كانوا يؤمنون بأن الله موجود لاقتضى وجوده إثبات الصفات ولكنهم ينفون أسماءه وصفاته ، فلو قلت لك صف لي عدمًا قلت ما لا أسماء ولا صفات له، وهذا هو صفة العدم ما لا أسماء ولا صفات له، فصدق كلام العلماء لما قالوا هم يعبدون عدم.
وغلاة الفلاسفة من القرامطة والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم يسلبون عن الله جل وعلا النقيضين فيقولون : لا نقول هو حي ولا نقول ميت، لأنه وقع في ذهنهم لو قالوا أنه حي لشبهوه بالأحياء، ولو قالوا إنه ميت لشبهوه بالأموات ، فينفون صفتي النقيض، فوقعوا في تشبيهه سبحانه بالممتنعات، وكذلك يقولون إننا لا نقول إن الله موجود ولا معدوم لأننا لو قلنا بأنه موجود لشبهناه بالموجودات ، ولو قلنا إنه معدوم لشبهناه بالمعدومات والفرار أن ننفي صفتي النقيض ؛ وهذا من ألحد المذاهب على الإطلاق لأنه يتضمن وصف الله جل وعلا بالممتنعات
82) وأما الجزء الثاني من القاعدة: كل ممثل فهو معطل من عدة أوجه:
هم يزعمون أن صفات الله كصفات المخلوقات فعطلوا الله عن كماله الواجب؛
التعطيل الثاني: تعطيل الآيات العامة التي تنفي مماثلة الله بمخلوقاته،
التعطيل الثالث: وهو تعطيل كل نص خاص - يثبت صفة - عن دلالته الصحيحة
83) القاعدة السابعة : التعبير عن المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى .
84) فإن قيل : وما حكم من مثل الله بخلقه؟
نقول : هو كافر مرتد، إذا كان ليس ثمة شبهة عنده، فمن مثّل الله بخلقه كفر، والقاعدة عند أهل العلم في هذا ذكرها الإمام نعيم بن حماد شيخ البخاري رحمه الله حيث قال :من مثل الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وهذا من باب التكفير العام ، والتكفير العام لا يستلزم تكفير كل فرد إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع، لكن الحكم العام أن : من مثّل الله بخلقه كفر.
85) اعلم رحمك الله تعالى أن العلماء مجمعون على أن من صفات الله الصورة، فالله له صورة تليق بجلاله وعظمته، وقد تقرر لنا سابقًا أن ما أضافه الله لنفسه ولا يقوم بذاته فإنه من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، فالعلماء مجمعون على أن الله له صورة ؛ أي له كيفية وهيئة معينة لكننا لا نعلم هذه الصورة ولا هذه الهيئة ولا هذه الكيفية، فإذا قلنا أننا نثبت لله الصورة فلا يستلزم من ذلك أن تكون كصور المخلوقين ، لأننا نثبت له وجهًا ليس كوجوه المخلوقين ولأننا نثبت أن له عينًا ليست كأعين المخلوقين ، ولأننا نثبت له استواءً وعلوًا وسمعًا وبصرًا ليس كما يخص المخلوقين ، فكذلك نثبت له صورة لا تماثل صور المخلوقين ، والاتفاق في اسم الصورة لا يستلزم أن تكون الصورة ككيفية الصورة؛ لأن الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات،
86) مسألة: في قول الشيخ رحمه الله "ولا شيء مثله" ؛ اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل يُرى الله في المنام أم لا؟
87) جماهير الأئمة والأمة على أن الله يُرى في المنام بعيني القلب ، وليس بعيني الرأس في اليقظة فالله تعالى يُرى في المنام لكن الرؤية المنامية تختلف عن رؤية اليقظة.
88) مسألة : في معنى الكاف (ك) والمراد بها في قول الله جل وعلا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. اختلف العلماء رحمهم الله تعالى من المفسرين واللغويين وغيرهم في معنى الكاف على قولين :القول الأول: أن الكاف هنا بمعنى مثل، والمعنى الثاني وهو الأقرب للآية ولمذهب أهل السنة إن شاء الله هي أن الكاف هنا بمعنى صلة أي أنها كاف زائدة، انتبهوا وإذا سمعتم أحدًا من أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يقولون هذا الحرف زائد فإياك أن تفهم منه أن وجوده كعدمه، هذا ليس في القرآن أبدًا بل ليس ثمة حرف في كتاب الله جل وعلا إلا وله معناه وله دلالته الخاصة، لكنهم يقصدون أنه زائد على فهم أصل المعنى، يقصدون بذلك أن أصل المعنى يفهم بدونه، ولكن المقصود هنا في هذه الآية ليس أن تفهم أصل المعنى وهي نفي المماثلة لا، وإنما الله يريد أن تفهم كمال المعنى، فالكاف هنا يراد بها التأكيد.
89) قول الإمام الطحاوي رحمه الله "ولا شيء يعجزه" هذا من النفي، والقاعدة المتقررة عند العلماء أنه ليس هناك ثمة نفي محض ، وإنما القاعدة تقول كل نفي في النصوص فإنه لابد وأن يتضمن ثبوتًا ، والثبوت الذي يتضمنه هذا النفي هو كمال القدرة، وكمال العلم، فنقول لا يعجزه شيء لكمال قدرته ولكمال علمه جل وعلا.
90) مسألة: أجمع أهل السنة رحمهم الله تعالى على أن من أسماءه جل وعلا القدير فالقدير اسم من أسماء الله جل وعلا بالإجماع، وقد أجمع أهل السنة كذلك على أن من صفات الله القدرة، وأجمعوا رحمهم الله تعالى على أن القدرة من صفات الله الذاتية التي لا تنفك عن الله جل وعلا لا أزلاً ولا أبدًا.
91) مسألة أصولية عند علماء الأصول رحمهم الله تعالى تقول : إن دلالة العام على أفراده ظنية لا قطعية ، فدلالة اللفظ العام على دخول أفراده تحته دلالة ظنية، لكن هناك بعض التركيبات في الألفاظ العامة إذا وجدت دل على أن النفي ينقلب من كونه ظنيًّا إلى كونه قطعيًا، ومن ذلك تأكيد النفي قبل النكرة بمن؛ فإن قلت : أيهما أبلغ قول ما رجل في الدار، أم ما من رجل في الدار؟ نقول: قول ما رجل في الدار تنفي وجود الرجال لكن نفي ظني فقط فقد يوجد رجل لكن لم انتبه له ، لكن ما من رجل في الدار هذا نفي قطعي، وكذلك قول الإمام الطحاوي "ولا شيء يعجزه" هذا نفي، وصدق رحمه الله لكنه نفي يفيد الظن على ما تقرر في قواعد الأصول لكن الله لم يرتضي في نفي عجزه عن أي شيء في السموات أو في الأرض بالعموم الذي لا يفيده إلا الظن، بل أكد النكرة بمن فقال "وما كان الله ليعجزه من شيء" .
92) والعجيب أن علماء الأصول اختلفوا في النكرة في سياق النفي هل تفيد العموم أم لا، فذهب جمهور الأصوليين إلى أنها تفيد العموم، وذهب العكبري وغيره من أئمة الأصول إلى أنها لا تفيد العموم إلا إذا كانت مؤكدة بمن، فإذا أكدت النكرة المنفية بمن فقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أنها تفيد العموم ؛ فالله لم يرضى أيضًا في نفي عجزه عن شيء بصيغة مختلط فيها وإنما أكدها بصيغة من صيغ العموم المتفق عليها بين أهل العلم رحمهم الله تعالى .
93) فإن قيل : وما معنى كلمة "شيء" وكيف أعرف أن هذا شيء وهذا ليس بشيء؟ نقول : اعلم رحمك الله أن الشيء عند المحققين هو ما توفر فيه أمران : هو ما يصح أن يعلم أو يؤول إلى العلم، فكل ما يصح أن يعلم أو يؤول إلى علم فهو الذي يقال له شيء، وقولهم "كل شيء يعلم" أي كل شيء يحس بأحد الحواس الخمس، هذا الكرسي شيء لأنني علمته ، فعلمي له صحيح، فأحسسته بعيني ومسسته بيدي إذًا هذا شيء، الليل شيء، النهار شيء، هذا الماء شيء ؛ فكل شيء يصح أن يعلم و يحس بأحد الحواس الخمس فهو شيء، قولهم " أو يؤول إلى العلم " : وهي الأشياء التي لم توجد إلى الآن معدومة لكن القدر أخبرنا بأنها موجودة أو كانت مكتوبة في قضاء الله وقدره مما سيوجد في المستقبل، فكل ما هو موجود الآن فهو الذي نقول في حقه يصح أن يعلم، وكل ما ليس بموجود وهو المعدوم مما كتب في القدر، هذا يقولون يؤول إلى العلم يؤول أي يرجع أو نهايته وحقيقته إلى أنه سيوجد في وقت من الأوقات، لأن الله كتبه في قضاءه وقدره، وبناء على تحديد الشيء نستفيد من هذا أن الشيء يدخل في حيز الأشياء إذا كان موصوفًا بأحد شيئين : إما أنه يصح أن يعلم أو يؤول إلى العلم، وبناء على ذلك فالله جل وعلا قادر على الموجودات وعلى المعدومات- الموجودات التي تصح أن تعلم، والمعدومات التي تؤول إلى العلم مما كتب في القدر - ؛ وبناء على ذلك ما لا يوصف بأنه يصح أن يعلم ولا يؤول إلى العلم فليس بشيء.
94) إذا آمنا بأن الله هو القدير القادر المقتدر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فإن هذا الإيمان لابد وأن يثمر لنا جملاً من الثمرات وذلك لأن الإيمان عند أهل السنة اعتقاد باللسان وقول بالجنان وعمل بالجوارح والأركان ، فلابد أن يثمر لنا الإيمان بأن الله قادر على كل شيء وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء جملاً من الثمرات وهي ثمار كثيرة منها :
95) الثمرة الأولى: أن يؤمن العبد بكمال قدرة الله جل وعلا على كل شيء، وأنه لا يعجز الله جل وعلا شيء لا في الأرض ولا في السماء جل وعلا.
96) الثمرة الثانية: أن يطمع العبد في فضل هذا الرب العظيم الذي لا يعجزه شيء.
97) الثمرة الثالثة: من ثمرات هذا الإيمان تعليق أمور المستقبل كلها بمشيئة الله جل وعلا، بمعنى أنك لا تجزم بشيء من أمورك المستقبلية جزمًا أنه سيقع أو أنك ستفعله، بل لابد أن تقرن أمورك دائمًا بمشيئة الله.
98) الثمرة الرابعة: الاعتصام في كل أحوال العبد واللجأ إلى الله دائمًا في السراء والضراء ، فإذا حل عليك أمر من الأمور المخوفة فإنما تعتصم بمن قدرته القدرة الكاملة فتستعيذ به جل وعلا، فالعبد إذا آمن بأن الله هو القادر الذي لا يعجزه شيء فعليه أن يعتصم في كل أحواله ويلتجأ ويستعيذ في أموره بالله جل وعلا.
99) الثمرة الخامسة: عدم اليأس من وجود الفرج مهما تحلقت حلقات المصيبة والكرب، فمهما تحلقت حلقات المصيبة والكرب بك فإياك أن تيأس من فرج الله وإياك أن تقنط من روح الله جل وعلا.
100) الثمرة السادسة: الإيمان الجازم بكل ما أخبر الله بوقوعه مما يكون في اليوم الآخر، والإيمان بكمال قدرة الله وأنه لا يعجزه بوقوع هذه الأمور الهائلة شيء ،فقدرة الله أعظم وأكبر ، ولأننا نؤمن بكمال قدرته فنحن نؤمن بالبعث وبقيام الناس وبالميعاد، وهذا الأمر الذي أعجز الكفار أن يؤمنوا به لشكهم في قدرة الله جل وعلا.
101) الثمرة السابعة: أن يعلم العبد عجزه وفقره أمام قدرة الله جل وعلا فإن العبد مهما عظمت قوته ومهما عظم سلطانه ومهما كان من أشد الناس عافية في صحته فإنه لا يزال ذلك العبد هو الفقير الفقر الذاتي إلى الله جل وعلا، فإياك أن تغتر بصحتك أو تغتر بقوتك أو تغتر بمالك أو عزك أو جاهك أو تغتر بسلطانك، أو تغتر بكرسيك أو تغتر بحسبك وخدمك فإنك لا تزال ذلك العبد الفقير المنطرح العاجز أمام قدرة الله جل وعلا الهائلة ، فالذي يؤمن بقدرة الله يوجب له ذلك انكسار القلب والتواضع للحق وللخلق.
102) الثمرة الثامنة: أن لا يقع العبد في ظلم الناس ،فإن الملوك الجبابرة الظلمة هؤلاء نسوا قدرة الله عليهم، لما نسوا قدرة الله عليهم تسلطوا على عباد الله.
103) مسألة: في قول الشيخ رحمه الله تعالى "ولا شيء يعجزه". ورد في "الدرر السنية في الفتاوى النجدية" تنبيه لطيف وهي أن بعض تلامذة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله كتب كتابًا وفي آخره كتب للشيخ "إن الله على ما يشاء قدير" فكتب الشيخ لهذا التلميذ وقال : هذه كلمة -إن الله على ما يشاء قدير- اشتهرت على الألسن من غير قصد وهو قول الكثير إذا سأل شيئًا قال وهو القادر على ما يشاء وهذه الكلمة يقصد بها أهل البدع -القدرية من المعتزلة،- شرًا وليس في القرآن ولا السنة ما يخالف ذلك أصلاً لأن القدرة شاملة كاملة، أي قادر سبحانه على الأشياء التي يريدها أو الأشياء التي لا يريدها، وهي القدرة والعلم فهما صفتان شاملتان يتعلقان بالموجودات والمعدومات ، وقد قصد أهل البدع بقولهم : وهو القادر على ما يشاء أي أن القدرة لا تتعلق إلا بما يشاءه الله جل وعلا .
104) الأصل أن نقول {إن الله على كل شيء قدير}[النحل:77] فلا نعلق قدرته بمشيئته فإن تعليق القدرة بالمشيئة هو مذهب القدرية من المعتزلة ، فالمعتزلة لا يؤمنون بكمال قدرة الله على كل شيء وإنما يعلقون قدرته على الأشياء التي يريدها الله ، وأما الأشياء التي لا يريدها فهو عاجز غير قادر عليها، وهذا مذهب أهل البدع.
105) قاعدة: قدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات لذاتها. قال العلماء من أهل السنة رحمهم الله قدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات لذاتها، والمراد بــــــ(بالمستحيل لذاته ) هو ضد تعريف الشيء، فالشيء عند أهل السنة ما يصح أن يُعلم أو يؤول إلى العلم – كما مر معنا - إذًا المستحيل لذاته هو ما لا يصح أن يُعلم ولا يؤول إلى العلم، فالله جل وعلا لا يوجد المستحيلات لذاتها لا عجزًا وإنما لأن قدرته لا تتعلق بهذه الأشياء أصلاً وإذا قلنا إن الله لا يوجد المستحيلات لذاتها لا نقصد أنه يعجز إيجادها، وإنما لأنها ليست بشيء حتى تتعلق بها قدرة الله .
106) قول الإمام الطحاوي رحمه الله: "ولا إله غيره". الكلام على هذه الكلمة العظيمة في جمل من المسائل وهذه أعظم جملة في العقيدة الطحاوية ستمر عليك من مسائل العقيدة مطلقًا ، وجميع ما قرره الإمام الطحاوي رحمه الله قبلها وبعدها إنما هو خادم لها وفرع عنها، فهذه أعظم كلمة ؛ والكلام عليها سيكون إن شاء الله في مسائل:
107) المسألة الأولى: كلمة التوحيد هي الكلمة التي من أجلها خلق الله جل وعلا الخليقة فالله جل وعلا ما خلق الجن والإنس إلا لتحقيق مدلول هذه الكلمة والإيمان بمقتضاها والعمل بما دلت عليه هذه الكلمة.
108) هذه الكلمة أجمع العلماء رحمهم الله تعالى أنه لا عصمة للدم والمال إلا بالنطق بها فمن جاء بها فقد عصم ماله ودمه ، وأما من لم يأتي بها فإنه حلال الدم والمال وهذا متفق عليه بين أهل العلم رحمهم الله تعالى فالذي يعصم دم العبد وماله ليس إقراره بأن الله لا رب إلا هو أو لا خالق إلا هو، وإنما الذي يعصم الدم والمال حقيقة إنما هو الإيمان بأنه هو المستحق للعبادة وحده دون ما سواه جل وعلا .
109) وأجمع علماء أهل السنة والجماعة أنها أعظم شيء يثقل به ميزان العبد يوم القيامة، فما وضع شيء في ميزان العبد أثقل ولا أعظم ولا أبرك ولا أنفع من أن توضع هذه الكلمة في ميزانه؛ ففي صحيح ابن حبان قال النبي ﷺ قال: «قال موسى يا ربي علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال يا ربي كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السماوات سبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ولا يثقل مع اسم الله جل وعلا شيء » .
110) وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أن هذه الكلمة العظيمة هي الكلمة المانعة من الخلود الأبدي في النار ، فإن جملة من أصحاب الكبائر ضعف تحقيقهم لهذه الكلمة – كلمة التوحيد- ولم يريد الله جل وعلا بحكمته وعدله أن يغفر لهم فيدخلهم النار ابتداءًا وهم من أهل التوحيد والإيمان لكن بما أن معهم أصل لا إله إلا الله فإنها تعصمهم بإذن الله جل وعلا من الخلود الأبدي في النار كخلود الكفار.
111) وهذه الكلمة أيضًا هي الكلمة التي توجب دخول الجنة إما ابتداءًا وإما انتقالًا فلا يمكن أبدًا أن تفتح أبواب الجنة لمن ليس معه هذه الكلمة لقول النبي ﷺ "وإن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة "، وفي رواية "مؤمنة .
112) وقد اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أنه يستحب أن يلقنها من في سكرات الموت، وأجمعوا رحمهم الله تعالى على أن من جملة ما يعرف به حسن الخاتم أن يموت العبد على لا إله إلا الله فتكون كلمة التوحيد هي آخر كلماته.
113) وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أن هذه الكلمة هي الكلمة التي جاءت الكتب بتقريرها والرسل للدعوة إليها وإلى مقتضياتها ، فما أرسل الله الرسل وما أنزل الكتب إلا لتقرير هذه الكلمة العظيمة.
114) وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى أيضًا على أن شفاعة النبي ﷺ لا تكون إلا لأهل لا إله إلا الله فالذي لا يأتي بهذه الكلمة يوم القيامة يحرم من شفاعة محمد عليه الصلاة والسلام.
115) وهذه الكلمة هي التي تخرج الإنسان من دائرة الشرك إلى دائرة الإسلام، وهي أحب الكلام إلى الله على الإطلاق.
116) وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أنها مفتاح الجنة ، وأما أسنان المفتاح فهي الأعمال الصالحة .
117) وأجمع العلماء على أن أعظم مطلوب لله وأفخم حقوق الله على العباد هو تطبيق مقتضي هذه الكلمة والإيمان بمدلولها.
118) المسألة الثانية: أجمع أهل العلم على أن هذه الكلمة مبنية على ركنين: - ولا يتم توحيد العبد ولا يصح إلا بهما وهما : النفي والإثبات ، فالنفي في قولك لا إله ، والإثبات في قولك إلا الله.
119) ومعني النفي أي لا معبود في هذا الوجود أبدًا بحق ، فقولك لا إله نفي لجميع أحقية هذه الآلهة للعبادة فهذا ركن النفي ولابد منه ، ولا يكمل ركن النفي إلا بالركن الآخر وهو ركن الإثبات (إلا الله )، وهو إثبات العبادة بحقها لله جل وعلا .
120) وبهذا يتبين لنا أن حقيقة التوحيد لابد أن تكون مبنية على النفي والإثبات لأن الإثبات وحده لا يمنع المشاركة وليس بتوحيد ، والنفي وحده تعطيل محض ، وحقيقة التوحيد أن تجمع بين النفي والإثبات فتقول لا إله إلا الله.
121) المسألة الثالثة: اعلم رحمك الله تعالى أن معنى كلمة التوحيد الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة ولا يجوز القول بغيره مطلقًا هو أن تقول: لا معبود بحق إلا الله.
122) من عجائب هذه الدنيا وما أكثر عجائبها أن عامة المشركين السابقين قبل مشركي هذه الأمة كانوا يعرفون حقيقة لا إله إلا الله ،ولكن كثيرًا من مشركي زماننا أو ممن ينتسبون إلى الإسلام في زماننا ينطقونها ليلًا ونهارًا وتجدهم يتقحمون ليلًا ونهارًا في نواقضها ظنًا منهم أنها لا تنقض هذه الكلمة ؛فمنهم من يقول لا إله إلا الله ويسجد للأصنام ويدعوا الأولياء ويستغيث بالصالحين من دون الله جل وعلا ويطوف حول الأضرحة ويستعين بهم ويطلبهم المدد والعون ويذبح لهم ويدعوهم ويرجوهم ويتوكل عليهم ظنًا منه أن هذه الأفعال لا تناقض أن لا إله إلا الله لأنه يظن أن معني لا إله إلا الله لا رب إلا الله وهذه الأشياء لم يتخذها ربًا من دون الله وإنما يجعلها واسطة بينه وبين الله فبما أنه يعتبر أنه لا رب إلا الله فقد قام بمقتضي لا إله إلا الله فيظن أن هذه الأفعال لا تناقض هذه الكلمة ، ولذلك كما قال الإمام رحمه الله : فتبًا لمن أبو جهل وأبو لهب أعلم منه بمدلول هذه الكلمة وهو يدعي الإسلام .
123) العجب أن الشيخ محمد رحمه الله لما كان يحكم بالكفر على هؤلاء الذين يدعون غير الله و يستغيثون بغير الله ويسجدون للأضرحة ويبنون الهياكل ويعبدونها ويذبحون لها فكان من العلماء في زمانه من أهل البدع من ينكرون عليه ويقولون كفر المسلمين ، وإنما ذلك لأنهم يظنون أن لا إله إلا الله إنما تدل على وحدانية الله في ربوبيته فقط - وهذا خطأ – بل هي تدل على وحدانية الله في ألوهيته .
124) قد تقرر عند أهل العلم أنه لا يتم الانتفاع بهذه الكلمة إلا إذا حقق الإنسان شروطها وهي ثمانية شروط:
125) الشرط الأول: العلم بمدلولها وكما تقدم الكلام على معناها أنه : لا معبود بحق إلا الله ، فالذي يقولها وهو لا يعلم مدلولها فإنها لا تنفعه ، وضد العلم الجهل .
126) الشرط الثاني: الإخلاص : فإذا خالف الإنسان ولما يزل يقع في شيء من أمور الشرك الأكبر فإنها لا تنفعه هذه الكلمة كأكثر أحوال المشركين في زماننا ممن يدعي أنه مسلم فإنهم يقولونها ومع ذلك يقعون في أمور شركية كبيرة تخرجهم من دائرة لا إله إلا الله ودائرة الإسلام بالكلية.
127) الشرط الثالث: اليقين المنافي للشك وضد اليقين الريب والشك والتردد، ومعناه : أن تتيقن أن هذا هو معناها وهو مدلولها ولا يمكن أبدًا أن يتطرق إلى قلبك شيء من الريب أو الشك في ذلك أبدًا لأن العقيدة في لا إله إلا لله مبنية على القطع والجزم واليقين ، فمتى ما دخل الشك والتردد والاغتراب انتقضت لا إله إلا الله وصرت كافرًا ومن أوجه الشرك: الشرك باللسان وبالجوارح وبالقلب وهو الشك والريب والعياذ بالله.
128) الشرط الرابع : القبول والانقياد المنافيان للرد , أما القبول فالمراد به : قبول القول واللسان ، والانقياد فالمراد به انقياد الجوارح، والانقياد أمر يتفرع على القبول ، فأعظمنا انقيادًا لهذه الكلمة أتمنا قبولًا لها ، فكلما ازداد قبول القلب لمدلول هذه الكلمة كلما خضعت الجوارح للعمل بمقتضياتها.
129) الشرط الخامس : الصدق والصدق : أن يكون الإنسان صادقًا حذرًا كل الحذر من أن يخالف قول اللسان نطق قلبه كالمنافقين الذين يقولون لا إله إلا الله بألسنتهم وأفواههم فقط ، وأما قلوبهم فإنها لم تؤمن بهذه الكلمة فقلوبهم ليست صادقة.
130) الشرط السادس : المحبة , فالمحبة : أن يقولها الإنسان وهو محب لله ومحب لرسوله ومحب لأوليائه ومحب لجميع شريعته ، فمن أبغض شيئًا مما جاء به رسول الله ﷺ فقد نقض إقرار لسانه بأن لا إله إلا الله ,يقول الله جل وعلا " ذلك بأنهم كرهوا ما نزل الله فأحبط أعمالهم ".
131) الشرط السابع: إذا جمعنا الانقياد والقبول أو نقول الشرط الثامن إذا فصلناهما: الكفر بالطاغوت .
132) وقد أجمع علماء الإسلام على أن من لم يكفر بالطاغوت فإنه لا ينفعه قول هذه الكلمة وإن قالها ملايين المرات لأنه من شروط الانتفاع بها الكفر بالطاغوت ؛ يقول الله جل وعلا " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " . فاشترط الله للاستمساك والاعتصام والإيمان بهذه الكلمة التي هي العروة الوثقى أن يكفر بالطاغوت.
133) مسألة : في قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى "ولا إله غيره".
هذه الكلمة تدل على أنه ليس ثمة من يستحق العبادة في هذا الوجود إلا الله جل وعلا، والبراهين على صدق هذه الكلمة وهي براهين كثيرة ومنثورة في كتاب الله جل وعلا –
134) وقد جمعت طرفًا كبيرًا منها في كتاب لي اسمه القول المفيد في شرح قاعدة التوحيد - وهذه البراهين من أعظم ما ينبغي للمسلم تعلمه لا سيما في مقام الدعوة لأن دعوة القرآن إلى التوحيد قامت على هذه البراهين و من هذه البراهين الدالة على وحدانيته :
135) البرهان الأول : الاستدلال على وحدانيته في ألوهيته بوحدانيته في ربوبيته وهذا من أعظم البراهين وأكبرها وأكثرها تكرارًا في كتاب الله جل وعلا، فالله يستدل على أنه لا إله إلا هو بمقتضيات ربوبيته.
136) البرهان الثاني : التصريح بأحقيته للعبادة وبطلان عبادة ما سواه تصريحًا لا نقاش ولا جدال فيه .
137) البرهان الثالث : الاستدلال على أحقيته في العبادة ببطلان ألوهية ، والنصوص في ذلك كثيرة.
138) البرهان الرابع : من البراهين العظيمة للتوحيد : ضرب الأمثلة الحسية على توحيده.
139) من طريف ما يذكر : أن الباقلاني ذهب ليناظر أحد النصارى ، فجمعوا له علماء النصارى من الرهبان ليناظروه ، فلما دخل عليهم أخذ يسلم عليهم واحدا تلو الأخر ، وكلما سلم على واحد منهم قال له : كيف حال أبناءك وزوجتك ، فغضبوا منه وقالوا له : أنت تعلم أن الرهبان فينا لا يتزوجون والراهب يترفع أن يكون له زوجة أو ولد ، فقال لهم : إذا كنتم لا ترضون هذا لأنفسكم وتنفونه عنكم ، فكيف ترضونه وتنسبونه لله تعالى ربكم !!؟
140) البرهان الخامس من براهين التوحيد : الإخبار الصريح بأن هذه المعبودات ممن يعبدوها لو كانت آلهة حقًا لما دخلت النار، وانها ستتبرأ منهم يوم القيامة .
141) البرهان السادس من براهين التوحيد : الإخبار الصريح بأن هذه المعبودات لا تملك نفعًا ولا ضرا .
142) البرهان السابع من براهين التوحيد : الإخبار بأن ما يعبدونهم من دون الله عباد أمثالهم .
143) البرهان الثامن : الاستدلال على ألوهيته بأسمائه الحسني وصفاته العليا ؛ وهي كثيرة منثورة في كتاب الله .
144) قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء وفيه مسائل: المسألة الأولى: أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الأول والآخر من جملة أسماء الله جل وعلا الحسنى.
145) فمن أسمائه سبحانه الأول ومن أسمائه الآخر ، وأجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الأول يتضمن صفة الأولية ، وأن الآخر يتضمن صفة الآخرية ، وقد وردت الأدلة التي تثبت هذين الاسمين وهاتين الصفتين لله جل وعلا في الكتاب والسنة
146) المسألة الثانية: قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى قديم بلا ابتداء هو ما أيده اسم الله جل وعلا الأول , فنحن نؤمن أن الله جل وعلا هو الأول قبل كل شيء، وفي معنى اسم "الله الأول": نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن معناه الصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه ، وهو ما فسر ه به النبي ﷺ من قوله " أنت الأول فليس قبلك شيء"، فالأول هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء أبدًا من المخلوقات .
147) المتقرر عند العلماء رحمهم الله تعالى أن : كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على صفة من صفاته جل وعلا.
148) واعلم رحمك الله تعالى أن اسم الله الأول يدل على الذات والصفات ، وصفة الأولية دلالة مطابقة فاسم الله الأول يدل على ذات الله وعلى صفة الأولية بدلالة المطابقة، ويدل بدلالة اللزوم على جمل كثيرة من الصفات ، فإذا كنت تؤمن بأن الله من أسمائه الأول فلا بد أن تؤمن بكمال حكمته ، ولا بد أن تؤمن بكمال علمه ، ولابد أن تؤمن بكمال مشيئته وقدرته ، ولا بد أن تؤمن أيضًا بكمال علوه وغناه جلا وعلا عن كل أحد ؛ فكل هذه الأشياء تدل باللزوم من اسم الله جل وعلا الأول .
149) فإن قلت : وما معنى اسم الله جل وعلا الآخر؟
معناه قد ذكره الإمام الطحاوي رحمه الله بقوله : دائم بلا انتهاء ، وأحسن من ذلك قول النبي ﷺ: «وأنت الآخر فليس بعدك شيء» ، فمعني اسم الله الآخر أي : الذي ليس بعده شيء ، فهو الباقي بلا فناء جل وعلا ، فالله جل وعلا لا يموت ولا يفنى شيء لا من ذاته ولا من صفاته ولا من أسمائه جل وعلا ، فهو الآخر بعد كل آخر ، فالآخر هو الذى لا يفنى؛ ولا يفنى شيء من آثار أسمائه أو من آثار صفاته ولا من مقتضيات أسمائه وصفاته ، ولا يفنى شيء من ذاته جل وعلا ، وهذا خلافًا لبعض طوائف أهل البدع الذين يقولون بأن الله تفنى بعض أسمائه أو بعض آثار صفاته ، وأما نحن معاشر أهل السنة فنحن نؤمن بأنه الآخر بذاته والآخر بأسمائه والآخر بصفاته ليس بعده شيء.
150) هناك معنى آخر من معاني اسم الله الآخر أيضًا وهو : أن الله جل وعلا هو الذي تنتهي إليه أمور الخلائق ؛ في دعائهم وفي خلقهم وفي رزقهم وفي نصرهم وفي غير ذلك من أمور الخلق فكلها تنتهي إليه الله جل وعلا.
151) لو جمعت بين هذين الاسمين : الأول والآخر لوجدت أن الله أحاط بخلقه الإحاطة الزمنية ، كما أنك لو جمعت بين اسميه الظاهر والباطن لوجدت أن الله أحاط بخلقه الإحاطة المكانية، فهي من الأسماء المتلازمة ، يقول ابن القيم رحمه الله : فالأول قدمه والآخر دوامه وبقاؤه فسبق بأوليته كل شيء وبقي بآخريته بعد كل شيء ، فهو الأول في آخريته والآخر في أوليته جل وعلا.
152) مسألة : عبر الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى عن الأول باسم القديم فقال: قديم بالابتداء، فهل هذا التعبير صحيح أم لا؟ ولماذا؟ نقول : قبل أن نبحث في التعبير لابد أن ننظر في قاعدتين :
153) القاعدة الأولى: المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى فعبر دائمًا عن المعاني الشرعية سواء عقائد أو شرائع باللفظ الذي جاء به النص ،فإنك مهما بحثت عن ألفاظ أنت تأتي بها وتصطنعها لن تكون وكلامك وتعبيرك وألفاظك خيرًا من ألفاظ الله جل أو كلام رسوله صلي الله عليه وسلم , فبما أن الله عبر عن هذا الاسم بأنه الأول فاحذر أن تعبر عنه بلفظ القديم ، فلا تنتقل عن هذا التعبير القرآني والتعبير النبوي لأنه ورد في القرآن وفي السنة ثم تستبدله بعبارة أخرى لا تعرف عن السلف ، وإنما أول من عرفت عنهم أهل البدع .
154) إطلاق القديم على الله لا يعرف عن السلف الأوائل وإنما كانوا يسمون الله جل وعلا بالأول ، و لما خرجت هذه الفرق أصبحوا يطلقون على الله القديم وهم يقصدون بإطلاق القدم على الله شيئًا آخر .
155) وأما عن كون تعبير الإمام الطحاوي خطأ أم صواب ، نقول : يتضمن ذلك فهم القاعدة الثانية وهي : أن الأشياء التي تطلق على الله جل وعلا ثلاثة أشياء : إطلاق أسماء ، وإطلاق صفات ، وإطلاق أخبار .
156) أما إطلاق الأسماء : فمبناه على التوقيف على دلالة الكتاب والسنة ، فلا نسمي الله جل وعلا إلا بما سمي به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله ﷺ في صحيح سنته ، فإطلاق الأسماء لا اجتهاد فيه .
157) وأما إطلاق الصفات : فإنه أيضًا كإطلاق الأسماء توقيفي على دلالة النصوص من الكتاب والسنة ، فلا نصف الله جل وعلا إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه صلي الله عليه وسلم في صحيح سنته، فإطلاق الأسماء توقيفي على الأدلة ، وإطلاق الصفات توقيفي على الأدلة .
158) وأما إطلاق الأخبار: فإنه ليس توقيفيًا على الأدلة بل هو توقيفي على صحة إطلاق ذلك الخبر على الله جل وعلا.
159) فأوسع هذه الإطلاقات باب الأخبار ، فأطلق على الله تعالى من الأخبار ما شئت لكن بشرط أن تكون لائقة بجلاله وعظيم جماله وجلاله جل وعلا ومثال ذلك : إطلاق الشيء على الله هل يجوز إطلاقه أم لا؟ نقول: نعم كما قال الله جل وعلا "قل أي شيء أكبر شهادة"، فإطلاق الشيء على الله ليس إطلاق اسم ولا إطلاق وصف، وإنما إطلاق خبر وإطلاق الأخبار أوسع ,كذلك : إطلاق الدليل على الله ، فتقول : يا دليل الحائرين هل هذا الإطلاق صحيح أم لا؟ نقول: من باب الأخبار نعم لأنه هو الذي يدل الحائرين ويهدي التائهين سواء الدلالة الحسية أو الدلالة المعنوية, وكذلك: قول البعض في دعاء القنوت وغيره "يا كاسر الأكاسرة" ، و"يا قاصم الأقاصرة"، وهكذا فهذه كلها إطلاقات صحيحة، ولا يطلب لها دليل من الكتاب والسنة، وإنما يطلب صحة إطلاقها على الله جل وعلا.
160) فإن قلت: ألا يدخل إطلاق الإمام الطحاوي القديم على الله تعالى من هذا القبيل؟ نقول: إن كان إطلاقه عليه من باب الاسم فهو إطلاق ممنوع وإن كان إطلاقه إطلاق وصف فهو إطلاق ممنوع كذلك وأما إذا كان إطلاقه إطلاق خبر فهو إطلاق معروف عند العلماء رحمهم الله تعالى فجائز ولا حرج فيه.
161) فإن قلت: وكيف نعرف مقصود الإمام الطحاوي وقد مات؟ نقول: هنا يأتي إحسان الظن بالعلماء رحمهم الله تعالى ، فالإمام الطحاوي له قدم الصدق في عقيدة أهل السنة - إلا في بعض المسائل التي نوهت عليها في شرح مقدمة هذه العقيدة - كمسائل الإيمان والإرجاء فقط ، وإلا فالأصل أنه منبثق من أصول أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى ، فالشاهد أننا نحسن الظن بالإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله ونقول إنه قد قصد بقوله:" قديم بلا انتهاء "إطلاق خبر وقد أطلقها على الله تعالى غيره من الأئمة كشيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه العلامة بن القيم فهم يطلقون اسم القديم على الله تعالى ، لكن ليس إطلاق اسم ولا إطلاق وصف وإنما إطلاق خبر عن الله جل وعلا.
162) قول الإمام الطحاوي رحمه الله: دائم بلا انتهاء فنقول هل من أسماء الله تعالى الدائم؟ نقول: لو أنك نظرت في الكتاب أو السنة الصحيحة لم تجد مطلقًا إضافة هذا الاسم بعينه على الله إطلاق أسماء ولا إطلاق أوصاف ، لكن يصح إطلاقه إطلاق أخبار، فيصح إطلاق الإمام الطحاوي هنا على أنه خبر لا على أنه اسم ولا على أنه صفة، لكن الأفضل والأجمل بأهل العلم أن يستبدلوا كلمة دائم بكلمة الآخر، وذلك لأن التعبير عن المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى.
163) فإن قلت: وما هي ضوابط الأسماء الحسنى؟
نقول : حتى تتعرف على أن هذا الإطلاق إطلاق اسم أم لا ، لهذا ضوابطه عند أهل السنة والجماعة: واعلم أن ما أضافه الله إلى نفسه إذا توفرت فيه ثلاث شروط فهي إضافة اسم:
164) الشرط الأول: أن يكون قد ورد به الدليل من القرآن أو السنة الصحيحة ، فإذا لم يرد به دليل فلا يجوز إدخاله في أسماء الله الحسنى ، فالدهر لا دليل عليه فلا يدخل في الأسماء ، والموجود لا دليل عليه فلا يدخل في الأسماء ، الساتر لا دليل عليه فلا يدخل في الأسماء ، وإنما الذى ورد الستير وليس الساتر .
165) الضابط الثاني: أن يكون مما يدعى الله جل وعلا به ويصح دعاء الله جل وعلا بها؛ لقول الله جل وعلا "ولله الأسماء الحسني فادعوه بها"، فما لا يصح دعاء الله جل وعلا به فإنه لا يصح أن يكون من أسمائه .
166) الضابط الثالث: أن يكون متضمنًا لمدح مطلق غير مخصوص كاسم الله الأول فهو يتضمن لمدح مطلق، واسم الله الآخر فهو متضمن لمدح مطلق، والعليم فيه صفة العلم وهو متضمن للمدح المطلق .
167) القدم عند أهل البدع: فهو من أخص خصائص صفاته تعالى عندهم، فهم يحرفون صفات وردت بها الكتاب والسنة، ولكنهم متفقون على إثبات صفة القدم لله جل وعلا، ويقصدون بالقدم الذي يضيفونه إلى الله قدم الذات للصفات أي كان الله جل وعلا وليس له إلا ذات فقط، ثم بدأ يكتسب الصفات ، وهذا قول من أخطر ما يكون من المعتقدات ، وهذا عند المعتزلة وعند غيرهم .
168) الوجود قسمان: وجود واجب , ووجوب ممكن.
169) فالوجود الواجب: هو الذي لا أول له ولا آخر له، وجوده يجب ، فلا يمكن أن تنفرد لحظة من لحظات الزمان عن وجود هذا الشيء؛ وهذا وجود من وجود الله.
170) وأما الوجود الممكن: بمعنى أنه وجود له بداية وله نهاية.
171) قول المؤلف رحمه الله تعالى: لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام.وقول الإمام الطحاوي – رحمه الله تعالى – "لا يفنى ولا يبيد"، في هذه الجملة جمل من المسائل:
172) المسألة الأولى:- لقد تقرر عندنا أن قاعدة أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى في النفي عن الله أنهم ينفون النفي الذي يتضمن ثبوتًا.
173) كل نفي نفاه أهل السنة والجماعة عن الله جل وعلا من صفات النقص فإنهم ينفونها ويعتقدون كمال ضد الصفة المبنية في قلوبهم، وعلى هذا فهل قول الطحاوي –رحمه الله تعالى- لا يفنى ولا يبيد جار على هذه السنة؟ نقول : نعم، فالإمام الطحاوي –حمه الله تعالى– نفى الفناء عن الله جل وعلا ، وقوله "لا يبيد" هذا من باب تأكيد العبارة فقط.
174) فإن قلت :وما الثبوت الذي يتضمن نفي الإمام الطحاوي له بقوله" لا يفنى ولا يبيد ؟ نقول : يتضمن كمال حياة الله جل وعلا وقيوميته وهذا مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة ، بل إن من شكك في هذا الأمر فإنه كافر من زعم أن الله يفنى أو يبيد- فقد كفر وخلع ربقة الإسلام من عنقه بالكلية.
175) قوله -رحمه الله تعالى– "ولا يكون إلا ما يريد". الكلام على هذه الجملة في مسائل:
176) الأولى:- ما المراد بالإرادة المذكورة في قول الإمام الطحاوي هنا؟ نقول : يريد بذلك الإرادة الكونية، وبناء على ذلك فيكون معنى كلامه – رحمه الله تعالى – أن كل شيء حاصل في الكون وكائن فيه إنما كان بإرادة الله جل وعلا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فالإرادة المرادة في كلام الطحاوي هنا إنما الإرادة الكونية .
177) الثانية : ما الذي يرادف الإرادة الكونية؟ نقول مرادفها المشيئة ، فمن صفات الله جل وعلا الذاتية أنه يشاء المشيئة، كما أن الإرادة من صفاته جل وعلا، ، وكل ذلك ثابت بإجماع أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى، وهذا هو معنى الإرادة في كلام الإمام الطحاوي.
178) وقد أجمع أهل السنة رحمهم الله تعالى على تقسيم إرادة الله جل وعلا إلى قسمين:-إلى إرادة كونية ، وإلى إرادة شرعية .
179) الإرادة الكونية فإنها تكون بمعنى المشيئة ، وأما الإرادة الشرعية فإنها بمعنى المحبة.
180) إن من أهم ما ينبغي لطالب العلم أن يتعلمه في باب القدر أن يتعرف على الفرق بين الإرادتين ، وقد فرق أهل السنة والجماعة بين الإرادتين بجلمة من الفروق :
181) الفرق الأول:- أن الإرادة الكونية تقع لا محالة فلا راد ولا دافع لما شاء الله أن يقع في كونه، ولا راد لحكمه ولا معقب لأمره جل وعلا فإرادة الله ومشيئته بهذا المعنى نافذة ,وأما الإرادة الشرعية فإنها قد تقع أحيانا وقد لا تقع أحيانا أخرى ، فليس كل شيء يريده الله شرعًا لا بد أن يقع، ولذلك الله جل وعلا يريد شرعًا أن يؤمن الناس جميعا ولكن هذا لم يقع، والله جل وعلا يريد الإيمان لمن مات على كفر، ولكنها إرادة شرعية، ولذلك إذا تخلف الوقوع عن الإرادة الشرعية فليست بعيب ولا نقص في إرادة الله جل وعلا، فإذا الإرادة الكونية واقعة لا محال، وأما الأخرى – الشرعية - فقد تقع وقد لا تقع وهذا فرقان مهمان جدًا.
182) الفرق الثاني: أن الإرادة الكونية لا تستلزم محبة الله جل وعلا، فقد يريد الله جل وعلا شيئا وهو كونا لا يحبه ولا يرضاه، وأما الإرادة الشرعية فإنها لا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه .
183) يقول العلماء رحمهم الله تعالى إنه قد تجتمع الإرادتان في شيء، وقد تنفرد الإرادتان في شيء، وقد تنفرد إحداهما في شيء دون الأخرى:
184) القسم الأول : اجتماع الإرادتين في الطاعة التي وقعت، مثل إيمان أبي بكر وإيمان عمر وقع فوقوعه دليل على مراد الله له كونه، ومحبة الله للإيمان للعبد دليل على أن الله يريدها شرعًا .
185) القسم الثاني : الشيء الذى انفردت فيه الإرادة الكونية فقط مثل المعصية والكفر ووجود إبليس والشياطين فهذا موجود في كون الله وهذا يريده الله ولكن يريده بإرادته الكونية.
186) القسم الثالث: شيء انفردت فيه الإرادة الشرعية كالطاعة التي لم تقع كإيمان أبي لهب، فإيمانه لم يقع وهذا ليس كونيًا ولكن الله يحب ذاك الإيمان من أبي لهب فعدم إيمان من لم يؤمن بعد مراد الله تعالى بالإرادة الشرعية، فالله يحب ممن كان كافرا الإيمان ولكنه لم يقع منهم .
187) القسم الرابع : شيء ليس مرادًا لله لا كونًا ولا شرعًا كمعصية لم تقع ، وهذا مثل كفر أبي بكر رضي الله عنه فهو لم يقع فليس بكوني ، وهو لا يحبه الله ولا يرضاه.
188) الفرق الثالث من الفروق بين الإرادتين :أن الإرادة الكونية مرادة لغيرها، وأما الإرادة الشرعية فهي مرادة لذاتها.
189) مسألة : فقهية مفرعة على قضية الإرادة من عدمها وهي : لو قال قائل : والله لأفعلن كذا إن شاء الله، فهل يكون قد علق يمينه بالإرادة الشرعية أم بالإرادة الكونية ؟ نقول : اتفق علماء الإسلام على أن اليمين المعلقة بالمشيئة تقع ولا يحنث الحالف فيها بالمخالفة، فلو قال الحالف : والله لأفعلن هذا الشيء إن شاء الله، فلا كفارة عليه ، إن لم يفعله، ولذلك يستحب عند أهل العلم تعليق الأيمان المستقبلة بالمشيئة.
190) من المسائل المهمة : أن من أسباب الهداية في أبواب العقيدة معرفة التقاسيم والتفاصيل بين المسائل العقدية فالأمر الصادر من الله قسمان: أمر كوني، وأمر شرعي باتفاق أهل السنة.
191) قوله - رحمه الله تعالى- " لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام " وفيه مسائل : المسألة الأولى:- أجمع أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى على حرمة التفكير في ذات الله وكيفية صفاته جل وعلا.
192) أهل السنة والجماعة اتفقوا على تبديع من بحث ونقب وطمع على أن يطلع على شيء من كيفيات صفاته جل وعلا، وهذا مجمع عليه بينهم ، فيجب عليك أن تقطع الطمع في التعرف على كيفية شيء من صفات الله جل وعلا.
193) المسألة الثانية: إن قيل : لماذا لا نفكر في الكيفية؟
نقول : ذلك لأن المعروف عند عامة العقلاء أن كيفية الشيء لا تعرف إلا بثلاث طرق ، وإذا حجب عنك واحدة منها فإنك والله مهما بحثت وفكرت وقدرت ونظرت فإنك لن تصل إلى نتيجة أبدًا، وهي: الطريق الأول من طرق معرفة كيفية الشيء: أن تراه بعينيك وقد أجمع العلماء على أن الله لا يرى في الدنيا بعين اليقظة أبدًا وهذا متفق عليه بين أهل العلم جميعًا، لا جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل ولا من دونهم من ملائكة السموات والأرض ولا الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من الأولياء ولا الصالحين رأى الله في الدنيا بعين اليقظة.
194) اختلفوا في النبي –صلى الله عليه وسلم- هل رأى ربه ليلة أسري به أم لا؟ والقول الحق الذي جرى عليه أكثر أهل السنة والجماعة أنه لم يرى ربه ليلة أسري به ، وعلى ذلك أكثر صحابة النبي –صلى الله عليه وسلم–، وذلك لما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي ذر: لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال "نور أنى أره"، أي حجبني عن رؤيته ذلك النور الساطع الذي لا تقوى عليه العين البشرية في هذه الدنيا.
195) الطريقة الثانية لمعرفة الكيفية: أن ترى شيئاً يوازيه ويماثله ويشابهه.
196) الطريق الثالث لمعرفة الكيفية: إخبار الصادق عن كيفية شيء من صفات الله.
197) والمراد بالصادق هنا النبي –صلى الله عليه وسلم-، فهل ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في صحيح سنته قد أخبرنا عن شيء من كيفية صفات ربنا؟ نقول: لا. فقد أخبرنا أن لربنا وجهًا معينا، ولم يخبرنا عن كيفية هذا الوجه، وأخبرنا أن لربنا استواء ويدًا وساق وأصابع ورحمة -وغيرها من صفات الله جل وعلا الذاتية والفعلية -، ولكن لم يخبرنا –صلى الله عليه وسلم- عن شيء من كيفية هذه الصفات ، فيجب علينا أن نؤمن بما وصل إلينا علمه ، ويجب علينا أن نكف عقولنا وألسنتنا وتفكيرنا وطمعنا عما حجب عنا علمه.
198) فاعلم أن الله في ذاته وصفاته وأسماءه لا يمكن للظنون أو للأوهام أن تدركه ولا تصل إلى شيء من ذلك، فاقطع الطمع في ذلك.
199) المسألة الثالثة: إن قيل: وما الفرق بين الوهم والفهم؟
wالوهم هو: الظن والتخمين، فالظن يرجع إلى تخمين وخيال، ولا يكون مربوطا بشيء محسوس،
wوأما الفهم: فهو استنباط النتائج من النظر في الأقيسة والمقارنات بين الأشياء، فإذا حصلت النتائج بمجرد الخيال والظنون فهو وهم، وإذا حصلت النتائج بالمقابلات والأقيسة والنظر في الأشياء المحسوسة فهو فهم، فمهما توهمت فإنه لن يبلغ وهمك حقيقة كيفية شيء من صفات الله، ومهما عظم فهمك وعظم قياسك وعظمت مقارناتك فلن تصل ولن تدرك أبدًا شيء من كيفية صفات الله جل وعلا.
200) أجمع أهل السنة على أن آيات الصفات يجب فيها ثلاثة أمور :
wأن تؤمن بالصفة التي يدور حولها النص .
wوأن تعتقد أن الله ليس كمثله شيء من هذه الصفة.
wوأن تقطع الطمع بالتعرف على كيفية هذه الصفات .
201) المسألة الرابعة: يقول أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى: من سألك عن كيفية شيء من صفات الله فقل له: أخبرني أنت أولاً عن كيفية ذات الله.
202) العلماء –رحمهم الله تعالى– يقولون: إن معرفة كيفية الصفة فرع عن معرفة كيفية الذات، فإذا كنت أنت أصلا تجهل كيفية ذات الله فكيف تريد أن تتعرف على كيفية صفاته سبحانه ، فالمتقرر أن :القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا كنت أنا وأنت لا نفقه ولا نعرف كيفية ذات الله فكيف تريد مني أن أبين لك كيف وجهه، وكيف استواءه ، وكيف نتكلم في كيفية صفة ذات مجهولة لنا أصلا.
203) أجمع أهل السنة –رحمهم الله تعالى– على ثلاث كلمات في الرد على من سألك على كيفية استوائه فترد عليه بثلاثة ردود:
w الرد الأول: قل له أنت الذي تكلمت وسألت عن المعنى، وأما كيفيتها على ما هي عليه في الواقع فهي مجهولة ، والإيمان بها واجب، لأن الله أخبرنا به في القرآن وأخبرنا به نبيه –صلى الله عليه وسلم- في صحيح السنة، والسؤال عن الكيفية بدعة ؛ وهذا أول رد ويروى هذا الرد عن الإمام مالك وعن ربيعة ، ويروى مرفوعًا للنبي –عليه الصلاة والسلام– ولكن لا يصح لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولا عن أم سلمة وإنما يصح عن ربيعة وعن مالك، رحم الله جميع أمة المسلمين ,
wالرد الثاني: ما قرره أهل السنة والجماعة بقولهم أمروها كما جاءت ، فنحن نثبت الصفات إثبات معاني وإثبات وجود ليس إثبات تكييف، فالكيف لا نتكلم فيها أبدا لا نتكلم في الكيفية أبداً ، وإنما الحدود عندنا هو إيجاد معاني تلك الصفات على المعاني المتفرقة في لسان العرب فقط ، فلا ندخل في هذا الباب متأولين بآرائنا ولا متوهمين,
wالرد الثالث: أن تلزمه أولاً بأن يفسر لك كيفية ذات الله ، فإذا عجز عن تفسيره -وسيعجز- تقول له: كيف تريدني أن أفسر لك عن صفة شيء ذاته مجهولة بيني وبينك.
204) في قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: (لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام) ردًا على الممثلة المجسمة والنفاة المعطلة.
205) ومن مسائل قول الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: (لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام)أيضًا: أن فيها دليلًا على بطلان قاعدة لا يجوز استخدامها في مسائل الغيب وهي: قياس الغائب على الشاهد ، فهذه قاعدة اعتمدها علماء أهل الكلام أو حمقى أهل الكلام ، فلديهم شيء اسمه (قياس الغائب على الشاهد)، فلما أخبرنا الله جل وعلا أن له وجهًا ووجه الله غائب ، فأخذوا هم يقيسون هذا الغائب -وهو وجه الله -على الشاهد- وهو وجه المخلوق - ، ولما أخبرنا الله جل وعلا أن له يد وعين وهما غائبتان عن مدركات حواسنا ، قالوا إذًا لابد أن نقيس هذا الشيء الغائب على الأشياء المحسوسة فوقعوا في تمثيل الخالق بالمخلوق بسبب هذا القياس وقد أجمع علماء الإسلام على بطلان هذا النوع من القياس فيما بين الخالق والمخلوق ، وأنه لا يجوز استعمال نوع شيء من الأقيسة في حق الله جل وعلا إلا ما يسمى بقياس الأولى فقط.
206) ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن القياس له ثلاثة أقسام :
w القسم الأول: قياس الشمول وهو : تأصيل أصل تستوي تحته أفراده ، مثل القاعدة الفقهية فنحن نقعد قاعدة وندخل تحتها فروعًا كثيرة فهذه القاعدة هي قياس الشمول، أي أن هذه القاعدة شاملة لما تحتها من الجزئيات ويحكم على جميع الجزئيات بحكم واحد ، وإذا علمت هذا فاعلم أن أهل السنة مجمعون على بطلان استعمال هذا القياس فيما بين الخالق والمخلوق فالله جل وعلا لا يجوز استعمال الشمول في حقه.
wالقياس الثاني: قياس التمثيل وهو : القياس الذي يستعمله الأصوليون ، وهو مركب من أربعة أركان : من أصل ، وفرع ، وعلة جامعة ، وحكم , وهذا النوع من القياس لا يجوز استعماله كذلك فيما بين الخالق والمخلوق إجماعًا ، ومن عجائب أهل البدع أن عامة أهل البدع إنما استعملوا في حق الله هذين القياسين ولذلك صارت النتائج من هذه الأقيسة فيما بين الخالق والمخلوق نتائج باطلة بالإجماع ولا يجوز اعتقادها في الله جل وعلا ,
wالقياس الثالث: قياس الأولى ومعناه عند أهل السنة هو : أن كل كمال في المخلوق لا نقص فيه فالله أحق أن يوصف به ، وكل نقص في المخلوق لا كمال فيه فالله جل وعلا أحق أن ينزه عنه ، وبإجماع أهل السنة هذا القياس هو الذي يستعمل في حق الله جل وعلا فقط .
207) ومن المسائل في هذا الباب نقول : قد نفى الله جل وعلا عن نفسه الإحاطة من جهتين فقال الله جل وعلا "ولا يحيطون به علمًا" ، أي مهما أعملت الخليقة عقولها فإنها لا تستطيع أن تحيط بكل ما يتعلق بالله جل وعلا، فعلم الكيفية لا يمكن أن يحيط به الخلق أبدًا ولا أن تبلغه لا أفهامهم ولا أن تدركه أوهامهم ، وذلك لأن الله جل وعلا نفى الله الإحاطة به ، فنحن نعلم أسماء صفاته ، ونعلم أسماء أفعاله ، ونعلم معاني الصفات ، لكننا لا نستطيع أن نحيط بكل علم يتعلق بأسمائه وصفاته جل وعلا , الجهة الثانية إحاطة الأبصار به جل وعلا قال الله جل وعلا فإذا رأى المؤمنون ربهم يوم القيامة فرؤيتهم له سبحانه من غير إحاطة ، وذلك لكبره وعظمته جل وعلا ، فالقلوب لا تحيط به إدراكا ،والأفهام لا تحيط به علمًا والأبصار لا تحيط به رؤية ، ولا يفهم من قوله جل وعلا " لا تدركه الأبصار " ،أي لا تراه الأبصار وحسب، بل الإدراك درجة بعد الرؤية ، فإنك ترى السماء ولا تستطيع أن تدرك كل أطرافها ،وترى الجبل العظيم ولا تستطيع أن ترى ما خلفه ،ولا تستطيع أن ترى أطرافه ، فأنت ترى الشيء ولا تدركه ، فالإدراك بمعنى الإحاطة ، فالمؤمنون إذا رأوا ربهم يوم القيامة فإنهم لا يحيطون به رؤية لأنه سبحانه لا تدركه الأبصار لكبره وعظمته جل وعلا، فإذا كانت الأبصار لا تحيط به رؤية والعقول والأفهام لا تدركه علمًا فصدق كلام الطحاوي " لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام".
208) ومن المسائل في هذا الباب نقول: في هاتين الجملتين رد على غلاة المتصوفة وهم الذين يزعمون أن العبد بالرياضة والتمارين –رياضة القلوب لا رياضة الأبدان - قد يبلغ مرتبة يرى فيها الرب في هذه الدنيا، ، فغلاة المتصوفة يزعمون أن العبد بالرياضة وتمرين الذهن قد يبلغ مرتبة يرى فيها الرب وذلك في حالة واحدة عندهم وهو إذا فنى عقله عن المحسوسات المبصرة المدركة فقد يدرك بوهمه غير المحسوسات -الغيبيات من صفات الله جل وعلا-، ففي قول الإمام الطحاوي رد على هذه الطائفة الفاجرة الكافرة ، وهذا هو الذي يسميه الصوفية الفناء بالدرجة العليا عندهم وهو أن يفنى العبد عن المخلوق ويبقي في رؤية الخالق، ولذلك تجد الواحد منهم بينما هو يحدث أصحابه إذ شخص ببصره إلى السماء فيسكت هؤلاء ويسبحون ماذا حدث؟ ويسكتون ويطأطؤون رؤوسهم معتقدين أن شيخهم الآن فنيت مدركاته عن رؤية المحسوسات ، وصارت تطالع من ما وراء الغيب من الجنة والنار والملائكة تتنزل والله فوق العرش مستوي، وهذا كله من الدجل والخرافة.
209) ومن مسائل هذا الباب أيضًا: في قول الإمام الطحاوي "لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام" فأهل السنة يجهلون معاني الصفات ، وليس معنى هذا أن أفهامنا لا تدرك المعنى ، لا ، بل المقصد إدراك الكيفية والحقيقة فقط ، وإنما إدراك المعنى وفهم المعنى فإن علماء أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى مجمعون على العلم به والإحاطة به وإدراكه ، فهم يعلمون معنى الوجه لغة ولكنهم يسكتون عن كيفية هذا الوجه ، ويعلمون معني العين لغة ولكنهم يكلون علم كيفيتها إلى الله ، ويعلمون معنى الاستواء المعدى بعلى، لغة ولكن كيفية استواء الله على ما هو عليه في الحقيقة والواقع هذا لا يتكلم فيه أهل السنة ؛ وعلى ذلك قاعدة نرددها دائمًا تقول : أهل السنة يعلمون المعاني ، ويجهلون الكيفيات ويكلون علم الكيفية إلى الله جل وعلا.
210) من نسب الى أهل السنة والجماعة القول بجهل المعنى فقد أخطأ -أو كذب - لأن الذين يجهلون المعاني هذه طائفة من أخبث فرق أهل البدع وهي طائفة المفوضة ، وهم عكس الممثلة ، فالمفوضة يقولون لا نعلم المعاني فضلًا عن علم الكيفيات ، وقابلهم الممثلة الذين قالوا نعلم المعنى ونعلم الكيفيات ، فجاء أهل السنة وتوسطوا بين الطائفتين فقالوا : أما العلم بمعناها فنعرفه لأن الله خاطبنا في القرآن والسنة والأدلة الشرعية باللسان العربي المبين ، فوجب علينا حمل تلك الألفاظ على اللسان العربي المتقرر في اللغة عندنا , وأما الكيف فإننا نفوض علمه إلى الله ولا ندخل في علم الكيفية ولا في تفاصيلها ولا في بيانها ولا في تحريفها أو تعطيلها.
211) ومن المسائل في هذا الباب: قاعدة مقررة عند أهل السنة رحمهم الله: العقيدة لا تأتي بمحالات العقول ولكنها تأتي بمحارات العقول فما جاء في الوحي من الكتاب والسنة لا تأتي بمحالات - بالشيء المستحيل - وإنما تأتي بشيء يحار به العقل الضعيف عقل الإنسان.
212) ثم قال الإمام الطحاوي: ولا يشبه الأنام والمراد بالأنام : أي الخلق ، ولا يقصد بها الناس فقط ، بل جميع الخلق، وفي بعض النسخ " ولا يشبه " ، وفي نسخة أخرى " ولا يشبهه الأنام "، وكلاهما صحيح ، والكلام على هذه الجملة في مسائل :-
213) المسألة الأولى : في هذه الجملة رد على الممثلة الذين يزعمون أن الأنام يشبهون الله جل وعلا فأهل التمثيل يقولون إن صفة الخالق مثل صفة المخلوق ، فرد عليهم الإمام الطحاوي رحمه الله بقوله : ولا يشبهه الأنام .
214) المسألة الثانية : لقد دلت الأدلة الكثيرة المتواترة على صحة ما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله ، فمن هذه الأدلة : قول الله جل وعلا : " ليس كمثله شيء " رد على الممثلة، وقوله " وهو السميع البصير " ، رد على المعطلة , ومن الأدلة : قول الله جل وعلا " فلا تجعلوا لله أندادًا "، والند هو: المثيل والنظير ، وهذا نهي ، والنهي يفيد التحريم ، فالله ليس له ند لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله جل وعلا .
215) انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على وجوب إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا إثباتًا بلا تمثيل ، وأجمعوا على تنزيهه عن مماثلة خلقه تنزيهًا بلا تعطيل .
216) المسألة الثالثة : في قول الإمام الطحاوي "ولا يشبه"، أيهما أفضل أن نعبر بنفي التشبيه أو بنفي التمثيل ولماذا؟ نقول : التعبير بنفي التمثيل أولى لأنه التعبير الوارد في القرآن والسنة ، وقد تقرر عندنا في قواعد العقيدة أن : التعبير عن المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى وهناك وجه آخر وهو : أن نفي التشبيه لا يخلو من حالتين:
217) إما أن يراد به نفي التشبيه المطلق بين الخالق والمخلوق ، وإما أن يراد به مطلق التشبيه في قوله "ولا يشبهه"، فلو قلنا إن المراد بنفي التشبيه هو نفي التشبيه المطلق فإن هذا خطأ فما من شيئين موجودين إلا وبينهما اتفاق واشتراك في الاسم الكلي العام المطلق ؛ مثل كلمة (يد الله و يد المخلوق) فبينهما اشتراك ومشابهة في أصل المعنى - في الاسم العام الكلي المطلق - ، فلو نفينا أصل وجود المشابهة للخالق والمخلوق ففيه تعطيل الله جل وعلا عن صفاته ، ونكون قد عطلنا وجود الله جل وعلا، وإذا نفينا أصل المقدار المشترك في الاسم الكلي العام المطلق بين الخالق والمخلوق فقد عطلنا علم الله جل وعلا وعطلنا حياة الله جل وعلا إذ ما من حيين إلا وبينهما قدر مشترك في الاسم الكلي العام ففيهما نوع تشابه ، وما من عالمين إلا وبينهما شيء من القدر المشترك في الاسم الكلي العام المطلق ، لكن ننتبه لقول أهل السنة : الاتفاق في الاسم الكلي العام المطلق لا يستلزم الاتفاق بعد الإضافة والتقييد والتخصيص ، فنفي التمثيل لا شأن له بالمشابهة في الاسم الكلي العام المطلق وإنما نفي التمثيل ينصب على نفي التمثيل بين الخالق والمخلوق في ما بعد الإضافة والتقييد والتخصيص .
218) نفي التشبيه باطل من الجهتين : من جهة نفي مطلق التشبيه لأن نفي مطلق التشبيه يتضمن تعطيل الله جل وعلا ، وباطل من جهة التشبيه المطلق لأننا لا نجد أحدًا من طوائف بني آدم قالوا بأن بين الخالق والمخلوق تشبيه من كل وجه ، فصار الأصح والأفضل والأحق في مسائل العقيدة أن تقول :لا يماثله شيء .
219) فإن قيل: وما الفرق بين التمثيل والتشبيه؟ نقول : إن المشابهة هي الاتفاق في بعض الصفات ، وأما المماثلة فهي الاتفاق في كلها أو أغلبها ،
220) فإن قيل: وما الفرق بين التمثيل والتكييف؟ نقول: يقول العلماء رحمهم الله إن التكييف هو التمثيل ،والتمثيل هو التكييف عند الافتراق ، فإذا ذكر التكييف وحده دخل معه التمثيل تبعًا ، وإذا ذكر التمثيل وحده دخل معه التكييف تبعًا ، لكن إذا قيل تكييف وتمثيل، فيختلف معناهما حينئذ.
221) حكم من شبه الله بخلقه عند أهل السنة والجماعة فهو كافر ، وعلى هذا قول عامة أهل العلم من أهل السنة رحمهم الله تعالى أن من شبه الله بخلقه فقد كفر؛ وعلى ذلك قول نعيم بن حماد رحمه الله تعالى شيخ البخاري حيث قال : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر- فهما كفران كفر تشبيه ، وكفر تعطيل-.
222) وخلاصة الكلام أننا نكفر الممثل أو المشبه لوجهين : لأنهم ينكرون المعلوم من الدين بالضرورة ، ولأنهم يخالفون ويناقضون المتواترات ،ومن خالف المعلوم من المتواترات القطعي فإنه كافر ، ولأنهم قد خالفوا الإجماع القطعي عند أهل السنة والجماعة لأن أهل السنة والجماعة مجمعون إجماعًا قطعيًا على أن الله ليس كمثله شيء، ومن خالف الإجماع القطعي فقد كفر - أفاد ذلك أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى -.
223) فإن قلت : وهل كل من جاءنا يمثل شيئًا من صفات الخالق بالمخلوق نبادر إلى تكفيره؟ نقول : لا ، ولا شك في ذلك لأن أهل السنة يطلقون التكفير بالوصف العام على الأفعال والأقوال ويقولون : من قال كذا فقد كفر ، ومن فعل ذلك فقد كفر ، لكن إذا أرادوا رحمهم الله تعالى أن يعدوا الحكم من العام إلى الفرد المعين فإنهم يشترطون شروطًا وينظرون في موانع.
224) والقاعدة عندهم في هذا تقول: التكفير بالوصف العام لا يستلزم تكفير المعين إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع ، وقد شرحت في الأرجوزة تلك الشروط وتلك الموانع- .
225) مسألة : هل يصح إطلاق لفظ الجسمية على الله جل وعلا؟ نقول : المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن : الألفاظ المجملة التي تحتمل الحق والباطل فإنها لا تثبت مطلقة ولا تنفي مطلقًا ، وإنما ُتوقف على الاستفصال، حتى يتميز حقها فيقبل ومن باطلها فيرد ، وأهل السنة والجماعة نظروا إلى لفظ الجسم فلم يجدوه مثبتًا لله جل وعلا لا في الكتاب ولا في السنة ،ولا في كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى ، ولم يجدوه في المقابل منفيًا فلو أنك قلبت طرفك في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وكلام أهل السنة والجماعة لم تجد لفظ الجسم مضافًا إلى الله جل وعلا إثباتًا ولا نفيًا ، فليس هناك دليل يقول إن الله له جسم وليس هناك دليل يقول إن الله لا جسم له ، فهذا اللفظ لم يرد لا إثباتاً ولا نفياً ، فندخله تحت قاعدة المدخلات المذكورة آنفًا وهي قاعدة عظيمة عند أهل السنة تقول: أن الألفاظ التي لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها فإننا لا نثبت لفظها ولا ننفيها بل نستفصل في معناها ، فإن أريد به الحق قبلناه وإن أريد به الباطل رددناه ، وبناء على ذلك فلابد أن نذكر التفصيل ، ففي هذه المسألة نقول:
226) الجسم لنا فيه نظران : نظر باعتبار لفظه ، ونظر باعتبار معناه ، فأما لفظ الجسم باعتبار لفظه فإننا نتوقف فيه فلا نثبته ولا ننفيه ، لا نثبته أي لا نقول الله له جسم ، ولا ننفيه أي لا نقول إن الله لا جسم له ، وذلك لأن لفظ الجسمية ، لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام أهل العلم إثباته لله ولا نفيه ، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فنحن نتوقف في لفظه فلا نثبته ولا ننفيه.
227) وأما النقطة الثانية : فهي في معناها ، فإذا نظرنا إلى معنى الجسمية فإننا ننظر فيه حقًا وباطلًا لأنه لفظ مجمل، واللفظ المجمل هو ذلك اللفظ الذي يحتمل الحق من طرف والباطل من طرف آخر ، فلفظ الجسمية لا نثبته لله جل وعلا مطلقًا ولا ننفيه عن الله جل وعلا مطلقًا ، بل نستفصل فيه، فإن أراد بإثبات الجسمية لله أي تلك الجسمية المماثلة والمشابهة لأجسام المخلوقين فإن هذا هو حقيقة التمثيل والتشبيه وهي منفية عن الله جل وعلا ، فمن قال إن الله له جسم ويريد بهذه الجسمية حقيقة مماثلة صفاته لصفات المحدثات المخلوقات فإن هذا معنى باطل لأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير جل وعلا وإن كان يقصد بلفظ الجسمية تلك الذات العلية الموصوفة بصفات الجمال والمنعوتة بنعوت الجلال والكبرياء والعظمة فهذا معنى حق ، ولكن لا نسمي هذا المعنى الحق باسم بدعي (جسم), بل نسميه بما أطلقه أهل السنة والجماعة إن الله له ذات وصفات.
228) فإن قيل : وهل ورد إطلاق الذات على الله في الأدلة؟ نقول : نعم ، ففي الحديث الصحيح: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله.... الحديث»، والمراد بالكذب هنا التعريض، وكما قال عبد الله بن رواحة : وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أجزاء شلو ممزع " ، فهذا لفظ قد ورد .
229) وإطلاق الصفات على الله قد ورد بإجماع أهل السنة وعلى ذلك ما في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي ﷺ بعث رهطًا وأمر عليهم رجلًا فكان يقرأ في صلاته (قل هو الله أحد) ويختم بها، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال "سلوه لأي شيء يفعل ذلك"، فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال: "أخبروه بأن الله عز وجل يحبه", فإثبات الصفات والذات هذه هي الألفاظ الواردة عن أهل السنة والجماعة ، وأما الجسم فإنه لم يرد عن أهل السنة لا نفيه ولا إثباته .
230) طريقة أهل السنة إتباع المحكمات وترك المتشابهات ، إتباع الصريحات وترك المحتملات ، إتباع الواضحات وترك الخفيات.
231) ويدخل في ذلك أيضاً : لفظ المكان والحيز والجهة فكلها من الألفاظ المجملة التي تطبق عليها قاعدة أهل السنة أن : الألفاظ المجملة لا تقبل مطلقًا ولا تنفي مطلقًا ، بل يستفصل في معناها فإن أريد بها الحق قبلناه ، وإن أريد بها الباطل رددناه ، ولي رسالة مختصرة في شرح قاعدة المجملات عند أهل السنة والجماعة.
232) مسألة: ومن هم أول من عرفوا بالتشبيه من الطوائف والفرق والملل؟
أقول : اعلم أن أول من عرف بتشبيه الخالق بالمخلوق هم اليهود لعنهم الله، فاليهود هم الملة التي تشبه الخالق بالمخلوق ولذلك ذكر الله جل وعلا عنهم أشياء تدل على أنهم يعتقدون هذه العقيدة الخبيثة أن الله مثل خلقه يقول الله جل وعلا " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير " ، فشبهوه بخلقه في الفقر ، وقال الله عنهم " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " فشبهوه بخلقه بأن له يد كالمخلوق.
233) وهناك طائفة تنتسب إلى الإسلام وهم الرافضة ،فأول من عرف بتمثيل الخالق بالمخلوق باعتبار فرق المسلمين هم الرافضة لعنهم الله ، وأول من قال بالتمثيل من الرافضة هو رجل يقال له هشام بن الحكم الرافضي لعنه الله ، ومما قاله هذا الرافضي الخبيث قال: إنني أثبت في الله جميع ما في ، وأتوقف في الذكر واللحية- أعوذ بالله من هذا الكلام - وهذا قد بلغ من الكفر مبلغه.
234) فإن قيل : ومن أين دخل على الرافضة التمثيل؟
نقول : لأن مؤسس فرقتهم هو عبد الله بن سبأ اليهودي ، وهو يهودي تظاهر بالإسلام ونصرة آل البيت والتشيع لعلي وطائفته حتى ُيدخل الفساد على المسلمين كما أدخله بولس اليهودي على النصارى ، فأول من أدخل التمثيل والتشبيه في دين النصارى هو بولس اليهودي، وأول من أدخل التمثيل والتشبيه في دين المسلمين هو عبد الله بن سبأ اليهودي.
235) فإن قلت : وهل ثبت الرافضة على تمثيلهم؟
فأقول لا، فالرافضة في أول أمرهم ممثلة ولكن بعد فتنة القول بخلق القرآن ومحنة الإمام أحمد رحمه الله وانتصار المعتزلة في أول الأمر انقلب الرافضة من كونهم ممثلة - وتابعوا المعتزلة - على تعطيل الصفات ، فالرافضة في أول أمرهم ممثلة متشبهة وفي آخر أمرهم مؤولة معطلة محرفة معطلة وأحسن ما نقول مؤولة محرفة معطلة.
236) ومن مسائل في قول الإمام الطحاوي "ولا يشبه الأنام" أيضًا:
أنه لما تولى شرح هذه العقيدة بعض الماتريدية من الحنفية حرفوا هذه النقطة عند الإمام الطحاوي رحمه الله - فقد توالى على شرح هذه العقيدة جمل من الشراح ومن أفضل شروحها السنية شرح بن أبي العز الحنفي وهو شرح سلفي لكن هناك شروح كثيرة تولاها أتباع أبي منصور الماتريدي رحمه الله – ، فلما تولوها وجاءوا إلى شرح قول الإمام الطحاوي : " ولا يشبه الأنام " ، قالوا : ويقصد بذلك رحمه الله نفي صفات الله جل وعلا ، فإذا مررت على شيء من ذلك فاعرف أن هذا من إفساد هؤلاء الشراح لتلك العقيدة السلفية وتلك الجوهرة المشرقة في عقائد أهل السنة والجماعة ، وما أقربها من إفساد بعض المالكية لعقيدة بن أبي زيد القيرواني رحمه الله ، فإن هذه العقيدة عقيدة بن أبي زيد القيرواني توالى على شرحها جمل من المالكية الأشاعرة فصاروا يسخرون هذا المتن ويلوون عنقه حتى يوافق مذهبهم ، فالماتريدية أفسدوا كثيرًا في عقيدة الإمام الطحاوي ، وبعض المالكية أفسدوا كثيرًا في عقيدة أبي زيد القيرواني - مع أن كلا العقيدتين سنية سلفية - فرحم الله الإمام بن أبي العز الحنفي لما استخرج هذا الشرح العظيم ونقل من كتابات ابن تيمية رحمه الله وتلميذ العلامة ابن القيم وشرحه شرحًا سنيًا سلفيًا إلا في بعض المواضع التي لا يضر تلك العقيدة .
237) الماتريدية وإن كانوا أخف من الأشاعرة في مسألة الصفات لكنهم يتفقون معهم في تحريف الصفات الخبرية .
238) فإن قلت: ولماذا صار كثير من الشافعية أشاعرة؟ نقول : لأن أبا الحسن الأشعري شافعي المذهب ، وهذا من اختلاط المذاهب الفقهية بالمذاهب العقدية .
239) ومن مسائل في قول الإمام الطحاوي "ولا يشبه الأنام" أيضًا: إن قلت: وما علة من قال بتمثيل صفات الله بصفات خلقه؟
نقول : علتهم ثلاث قواعد إبليسية التأصيل آدمية التنفيذ :
wالقاعدة الأولى: الاتفاق في الأسماء يستلزم الاتفاق في الصفات وهذه القاعدة ينقصها شيء واحد حتى تكون سنية سببية ، وهو " لا"، فصواب هذه القاعدة : الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات ، أي ليس كل شيئين اتفقا في اسمهما فلا بد لزامًا أن يتفقا في صفاتهما وتقدم شرحها ولله الحمد والمنة.
wالعلة الثانية قاعدة أيضًا إبليسية عندهم تقول : إن الاتفاق في الاسم الكلي العام يستلزم الاتفاق فيها بعد الإضافة والتقييد والتخصيص وقلنا إن هذه القاعدة لو أضيف فيها حرف لصارت سنية سلفية وهو " لا "، فصوابها أن نقول : الاتفاق في الاسم الكلي العام لا يستلزم الاتفاق بعد الإضافة والتقييد والتخصيص - وقد شرحناها في أول هذا الكتاب -.
wالعلة الثالثة: وهي قاعدة إبليسية أيضًا يقولون: إن هذا من باب قياس الغائب على الشاهد ، فعندهم أنه لا بد من قياس الغائب على الشاهد.
240) أهل السنة والجماعة يمنعون دخول الله جل وعلا مع خلقه في قياس الشمول وفي قياس التمثيل ، وإنما القياس الذي يجوز في حقه جل وعلا هو قياس الأولى فقط - وقد تكلمنا عن ذلك فيما مضي شرحه -.
241) ومن مسائل في قول الإمام الطحاوي " ولا يشبه الأنام " أيضًا : فإن قلت : وما هي العلامة التى يعرف بها الجهمية من غيرهم ؟ نقول : أنهم إذا جاءوا في باب الأسماء والصفات يسموننا مشبهة لأننا نثبت لله الصفات على الوجه اللائق به ليس كمثله شيء فقالوا : بما أنكم أثبتم الصفات فأنتم مشبهة.
242) إثبات أهل السنة والجماعة للصفات على الوجه اللائق بالله حق ، لكن هؤلاء يصفون هذا الحق بأنه تشبيه، لأن القاعدة عندهم أن من أثبت لله ولو صفة واحدة موجودة في المخلوق فقد شبه الخالق بالمخلوق، وفي الحقيقة أنهم هم المشبهة لأنهم ما نفوا الصفات وعطلوها إلا بعد أن قام محظور التمثيل في إثبات الصفات في أذهانهم فأرادوا أن يفروا مما قام في أذهانهم من محظور التمثيل ،ففروا من التمثيل إلى التعطيل ، فالتمثيل أخف درجة من التعطيل وهو عند التحقيق تعطيل والتعطيل عند التحقيق تمثيل.
243) ومن مسائل في قول الإمام الطحاوي "ولا يشبه الأنام" أيضًا: اعلم رحمنا الله وإياك أن المتقرر بإجماع أهل السنة والجماعة أن : صفات الله جل وعلا مباينة لصفات المخلوقات من عدة أوجه:
244) إذا أردت أن تعرف مباينة صفات الخالق لصفات المخلوق فانظر إلى هذه الأوجه حتى تعرف الفرق بين ما يضاف إلى الله من الصفات وما يضاف إلى المخلوق من الصفات، وحتى يرسخ قول الإمام الطحاوي في قلبك "ولا يشبه الأنام":
245) الوجه الأول: أن الله متصف بتلك الصفات في الأزل ومستمرة إلى الأبد فالله متصف بصفاته أزلًا وأبدًا وأما المخلوق فإن صفاته مستجدة ويطرأ عليها النقص.
246) الوجه الثاني: أن الله عز وجل متصف بهذه الصفات على وجه الكمال المطلق ، وأما المخلوق فهو متصف بها على وجه النقص ، فالله له العلم الكامل المطلق الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه ، والمخلوق له مطلق العلم – علم ناقص -.
247) الوجه الثالث : أن اتصاف الله جل وعلا بالصفات ليس على وجه الحاجة لها أبدًا، فالله متصف بها على وجه الكمال لا على وجه الحاجة، فهو لا يحتاج إلى آثار هذه الصفات، فلا يحتاج إلى أثر القوة ولا إلى أثر القدرة وذلك لكماله جل وعلا بذاته وصفاته عن كل أحد وأما المخلوق فإنه متصف بتلك الصفات لحاجة المخلوق، فقد يعطي ولكنه يرجوا من وراء هذا العطاء مقاصد أخرى.
248) يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إنه لا يجوز لمعلم الصم أن يمثل صفات الله جل وعلا بصفات خلقه ولو من باب الإفهام، وإنما يكتفي في تعليمه الصفات بالمعاني العامة بمعنى أن الله له أسماء حسنى وصفات عليا من غير دخول في تفاصيلها ولا تفاصيل دقائق الأسماء والصفات ، وأن كل صفة يثبتها الله له فالواجب علينا أن نثبتها على الوجه اللائق به وهكذا لكن من غير دخول في تفاصيل لا يعرفها ، وربما من يسمع ويبصر ربما تشكل عليه فكيف إذا كان الإفهام بالإشارات التي قد يكون فيها نوع من الإجمال، ونوع من التمثيل ، وسدًا لذريعة وقوعهم فيما لا تحمد عقباه.
249) مسألة: وهل تصح قاعدة لا قياس في التوحيد؟
نقول : كلمة لا قياس في التوحيد لفظة مجملة ، وذلك لأن القياس هل هو نوع واحد أم أنواع متعددة ؟فإن كنت تقصد بقولك : لا قياس في التوحيد ؛ تقصد قياس الشمول الذي تستوي فيه أفراده فهذا نعم مقرر ونقره أنه لا يدخل هذا القياس في التوحيد مطلقًا , وإن كنت تقصد بقولك لا قياس في التوحيد أي قياس التمثيل - وهو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة فهذا فهم صحيح وقياس صحيح ، وهذا القياس والذي قبله لا يدخلان في مسائل التوحيد مطلقًا ، فالتوحيد ليس فيه قياس شمول ولا قياس تمثيل.
الحالة الثالثة : إن كنت تقصد بقولك لا قياس في التوحيد أي قياس الأولى فهي كلمة باطلة وقاعدة ليست بصحيحة ، لأن قياس الأولى يدخل في مسائل التوحيد فكل صفة يتصف بها المخلوق لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالله أحق أن يوصف بها ، وكل صفة نقص ينزه عنها المخلوق فالله أحق بالتنزيه عنها.
250) مسألة: تسلسل الحوادث حتى نفهم هذه المسألة التي ذكرها الإمام الطحاوي لابد أن نفهم أولًا جملًا من القواعد السلفية السنية، وإذا فهمنا هذه القواعد السلفية السنية المنبثقة من الكتاب والسنة فإننا سنفهم مسألة تسلسل الحوادث وما المقبول منه وما المردود ، وما الحق فيه وما الباطل.
251) القاعدة الأولى: لم يزل الله متصفًا بصفات الكمال في الأزل والأبد.
وهذا متفق عليه بين أهل السنة والجماعة ، فيجب عليك أن تؤمن إيمانًا جازمًا بأن الله متصف بصفاته في الأزل الذي لا أول له، وفي الأبد الذي لا نهاية له ، لأنه الأول بصفاته قبل كل شيء، فليس قبله شيء، وهو الآخر بصفاته فليس بعده شيء، كما قال النبي ﷺ في الصحيح: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء» ، وهي أولية الذات بالصفات ، فليست ذاته متقدمة على صفاته، وليست صفاته متقدمة على ذاته، وإنما هو الأول بذاته وصفاته ليس قبله شيء، وهو الآخر ذاتًا وصفاتًا ليس بعده شيء.
252) القاعدة الثانية: صفات كماله -عز وجل- ذاتية وفعلية.
أما الصفات الذاتية فقد عرفنا أنها التي لا تنفك عنه لا أزلًا ولا أبدًا.
وصفاته الفعلية أيضًا هي لا تنفك عنه لا أزلًا ولا أبدًا، فأما آحادها فإنه حادث مثل صفة الكلام، فهو باعتبار أصله صفة ذاتية، وباعتبار أفراده وآحاده صفة فعلية، وكذلك الغضب، هو باعتبار أصله صفة ذاتية، وباعتبار وقوع غضب الله صفة فعلية ، وكذلك فرحه هو باعتبار أصله صفة ذاتية، أي: أن الله قادر أن يفرح متى شاء، فلم يكن عاجزًا عن الفرح ثم قدر على الفرح، بل هو قادر على أن يفرح متى شاء، فقدرته على الفرح قديمة ذاتية، لكن كونه يفرح في هذا الوقت مثلاً، أو كونه يفرح بدخول أهل الجنة الجنة، وكونه يفرح بتوبة عبده هذه فعلية، ففعل الله تعالى لها لا يدل على أنه الآن قدر عليها، بل قدرته عليها سابقة على فعله لها، فخذوها قاعدة "صفات الفعل قديمة النوع حادثة الآحاد"، وهذا كما قلناه تمامًا في صفة الكلام.
253) القاعدة الثالثة: صفات الفعل لله -عز وجل- قديمة النوع حادثة الآحاد وقولنا " قديمة النوع" أي: أن الله تعالى قادر على فعلها متى شاء، ليس بعاجز أن يفعلها، لكن متى ما وقع فعل الله تعالى لها وأراد فعلها بحكمته فعلها، ففعله لها الآن ليس دليلًا على أنه عاجزًا عنها سابقًا , فهذا ينطبق على جميع صفات الله تعالى الفعلية، فالاستواء الله قادر على أن يستوي قبل أن يستوي، فقدرته عليه باعتبار الأصل ذاتي، لأنها تتعلق بقدرة الله , وكذلك يقال في صفة : القبض، النزول إلى السماء الدنيا، الفرح، الغضب، الرضا، الرحمة، كلها باعتبار آحادها فعلية، وباعتبار أصل القدرة عليها ذاتية.
254) القاعدة الرابعة: من عطَّل –أنكر- الله عن شيء من صفات كماله الذاتية أو الفعلية فهو ضال مبتدع.
وقد وقع في مخالفة هذه القاعدة جميع أهل البدع الذين يعطلون الله تعالى في الأزل عن صفاته الفعلية، فيقولون: لم يكن ربنا قادرًا على الكلام ثم حدثت له القدرة فيما بعد، ولم يكن ربنا قادرًا على أن يفعل ثم حدثت له القدرة على الفعل فيما بعد ، ولم يكن ربنا قادرًا على الخلق ثم حدثت له القدرة على الخلق فيما بعد، وهل هذا صحيح؟ نقول : لا، – وأعوذ بالله من هذا الكلام – وهذا باطل بالإجماع بدلالة الكتاب والسنة فهؤلاء المبتدعة يزعمون أن ربنا الذي نعبده ونركع ونسجد له كان معطلًا عن بعض صفات كماله عاجزًا عنها غير قادرٍ عليها ، ثم حدثت له القدرة فيما بعد، - وهذا متفق عليه بين جميع أهل البدع- ، بين الجهمية والمعتزلة وبين الكرَّامية وبين الأشاعرة وغيرهم من طوائف أهل البدع، لكن منهم من يعطل الله عن صفات كماله في طرفي الزمان، فيعطله عن بعض صفات كماله في الأزل ويعطله عن بعض صفات كماله في الأبد، ومنهم من زاد احترامه لله قليلًا فيعطله عن بعض صفات كماله في الأزل، ولكنه لا يعطله عن صفات كماله في الأبد، لكن كلهم متفقون على أن الله كان معطلًا عن بعض صفات كماله ثم حدث له القدرة بعد ذلك.
255) أهل السنة يقولون: الله سبحانه وتعالى لا يزال متصفًا بصفات الكمال ومنعوتًا بنعوت الجمال والجلال والكبرياء والرحمة والإكرام والإجلال في الأزل الذي لا أول له، وفي الأبد الذي لا نهاية له، ولم يمر زمن من الأزمنة كان الله تعالى معطلًا عن شيء من صفات كماله المطلقة.
256) القاعدة الخامسة: الله تعالى هو الفعال لما يريد.
الله فعال لما يريد، فالذي يقدر على أن يفعل في الأبد ما يشاء فهو قادر على أن يفعل في الأزل ما يشاء ، وليس ثمة زمنٌ أو فترة أو جزء من أجزاء الثانية يكون الله U معطلًا فيها عن القدرة عن فعل ما يريد، فالله الذي نعبده فعال لما يريد
257) القاعدة السادسة تقول : الله هو الأول بصفاته وهو الأخر بصفاته.
ولينتبه لحرف الباء – " بصفاته" ولا يقال: الله هو الأول وصفاته ، وإنما قل: بـ "صفاته" ؛ وهذا هو تعبير أهل السنة كما ثبت ذلك عن الإمام أحمد - رحمه الله – وجمع من أهل العلم – رحمهم الله -.
258) القاعدة السابعة تقول: الله هو الخالق وما سواه فمخلوق.
جميع العوالم العلوية والسفلية، الملائكة والإنس والجن، السماوات والأرض، بل قبل أن يخلق الله هذا العالم أوليس هناك عوالم غير هذا العالم؟ نقول : نعم , فجميع هذه العوالم التي قبل عالمنا وعالمنا وما سيأتي بعد عالمنا من عالم البرزخ، وعالم الجنة، وعالم النار، فكل هذه العوالم كلها مخلوقة لله تعالى ، فالله هو الخالق وما سواه فمخلوق، وسواء قلنا: إن المخلوقات قديمة أو قلنا: إنها أبدية آخرية، أي : أنها طويل زمنها، فاعلم أن كل مخلوق فهو مسبوق بعدم نفسه، والذي هو موجود ولم يُسبق بعدم أبدًا هو الله تعالى.
259) القاعدة الثامنة : كل فردٍ من أفراد المخلوقات فهو مسبوق بالعدم.
أي: مسبوق بعدمه لا بعدم الصفة التي توجده ، وهذا هو المحك الدقيق الذي نريد بيانه ، فكل مخلوق تصورته ولو قبل بلايين السنين، لا دخل لنا في الزمن السابق ولا في الزمن اللاحق، فكل مخلوق يجب علينا أن نعتقد أنه مسبوق بفترة عدم، فقد كان معدومًا ثم وجد، وهذا الذي يقول عليه أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله– أن : كل مخلوق وإن قدم زمنه فهو لابد أن يكون مسبوقًا بعدم نفسه، وقبله مخلوق آخر، فلا يمكن أبدًا أن يُعطل فعل الله عن إيجاد مخلوقات، ولا أن تعطل ربوبيته عن وجود مربوبات ، ولا أن يعطل خلقه عن وجود مخلوقات، لكن من مخلوقاته ما نعلمها ومن مخلوقاته ما اختص بعلمه بها سبحانه.
260) إذا كنا نتكلم عن جنس المخلوقات فلا أول لها، فالذي يثبته ابن تيمية والذي دل عليه القرآن والسنة وإجماع السلف أن :الحوادث باعتبار الجنس والنوع لا أول لها، وأما باعتبار الأعيان والأفراد فلها أول.
261) القاعدة التاسعة: العالم حادث ممكن الوجود لا واجب الوجود.
سواء كان هو عالمنا هذا أو العوالم التي قبله، فكل ما يسمى عالَم فإنه ممكن الوجود، فعالم الجن ممكن الوجود، وعالم الملائكة ممكن الوجود فإن قيل : وما المراد بممكن الوجود ، وواجب الوجود؟ نقول : هذه عبارات منطقية فلسفية لا نريد أن نشغل الأذهان بها، لكن لابد من فهمها ، فالموجود عندنا قسمان: موجود واجب ، وموجود ممكن.
فالموجود الواجب هو واحد لا ثاني له وهو الله جلا وعلا ، فهو سبحانه الوجود الذي لا عدم قبله ولا عدم في آخره، هو أول لا أول قبله، وآخر لا آخر بعده، فلا يجوز بناء على ذلك أن نصف أحدًا من المخلوقات بأنه واجب الوجود لأننا نزعم أنه صار شريكًا مع الله تعالى فهذا هو الوجود الواجب ، ولكننا نحن لا نسميه الوجود الواجب في مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن هذه التسمية إنما جاءتنا من علماء الكلام وأهل البدع، لكنها كلمة صحيحة ونحن لا يهمنا الكلام إذا كان معناه صحيحًا مقبولًا، وإلا فالقرآن سماه الأول والآخر، والسنة قالت: «هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء». وأهل البدع قالوا: هو واجب الوجود، معناها: الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.
262) أهل السنة يقولون: إن هذا العالم حادث أي : ممكن الوجود لا واجب الوجود، لأننا لو وصفنا العالم بأنه واجب الوجود لكان مثل وجود الله، فجعلناه شريكًا مع الله تعالى كما يقوله الفلاسفة من كفار اليونان وحمقى علماء الكلام الذين يقولون: إن الأفلاك السبعة أو هذا العالم قديم، قديم الأفراد، فالسماوات قديمة لا أول لها، والأرض قديمة لا أول لها، والأفلاك والمجرات والنجوم قديمة لا أول لها، ولذلك هؤلاء هم الصابئة قوم إبراهيم الذين يزعمون أن المتصرف في هذه العالم هي النجوم والأفلاك.
263) القاعدة العاشرة: أهل السنة يقولون: الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل.
وقبل أن نبدأ في شرح قاعدة أهل السنة والجماعة أولًا لابد من القسمة الرباعية العقلية: أن عندنا الحوادث متسلسلة، فعندنا الماضي الذي هو الأزل، وعندنا الأبد الذي هو المستقبل , فقول أهل السنة والجماعة أن الحوادث متسلسلة في الماضي ومتسلسلة في الأبد، أي : أن كل مخلوق فهو مسبوق بعدم نفسه وقبله مخلوق، والمخلوق الثاني مسبوق بعدم نفسه وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا نهاية وكذلك في المستقبل نعيم الجنة إذا فني بأكل بعض النعيم كالطيور إذا أُكلت، اللحم إذا أُكل، والخمر إذا شُرب، هل ينقص أم يزداد ؟ نقول : لا تزال الحوادث متسلسلة تخلق إلى ما لا نهاية، لأن أهل الجنة لن يأتي يوم من الأيام ينقطع عنهم النعيم.
264) الحوادث متسلسلة في الأبد، وكذلك هي متسلسلة في الماضي، لكن مع القواعد السابقة أن كل حادثٍ فهو مسبوق بعدم نفسه وقبله مخلوق، وهذا المخلوق الثاني أيضًا مسبوق بعدم نفسه وقبله مخلوق، وهذا المخلوق الثالث مسبوق بعدم نفسه وقبله مخلوق فهي متسلسلة في الماضي ومتسلسلة في المستقبل، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة، هذا هو القول الأول , والقول الثاني – ضد القول الأول -: أن الحوادث ليست بمتسلسلة لا في الماضي ولا في المستقبل : وهذا قول الجهم بن صفوان، وقول أبي الهذيل العلاف من المعتزلة، فهؤلاء يقولون: في الماضي لابد من زمن يكون الحوادث فيه منقطعة والله عاجز عن أن يحدث شيئًا وفي الأبد لابد أن ينقطع نعيم الجنة ونعيم النار، ولذلك يقولون هؤلاء بفناء الجنة وفناء النار، لأنهم لا يتصورون حوادث في الأبد ما لها نهاية، فقالوا: ونعيم الجنة يتنعمون فيها أحقابًا ثم ينقطع نعيمهم فتبرد أعضاؤهم وتتصلب أجسادهم ويفنون فلا يستطيعون أن يتنعموا بعد ذلك بشيء، وتنقطع الحركة عنهم ، وكذلك النار عندهم .
265) أما نحن معاشر أهل السنة فنعتقد أن الله لا يزال يحدث من أنواع العذاب والسلاسل والأغلال لأهل النار إلى ما لا نهاية له وايضا إذا كانت عقولنا تقر بأن أهل الجنة ونعيمهم وأهل النار وعذابهم لا يفنى، فالتسلسل في الأبد متصور، فإذا كان الله قادرًا على التسلسل في الأبد فما الذي يمنعه من التسلسل في الأزل؟ مع أن الكتاب دل على ذلك والسنة ، فقول أهل السنة دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة الصحيحة، لأن الفطرة تقتضي بأن الله فعال لما يريد ويخلق ما يشاء متى شاء.
266) القول الثالث: قالوا: إنها ليست متسلسلة في الماضي ، ولكنها متسلسلة في المستقبل، هذا قول أهل البدع أيضًا، ولم يقل به أحد من أهل السنة أبدًا، وهو قول الأشاعرة وقول الكرامية، وقول بعض المعتزلة غير أبي الهذيل العلاف المعتزلي، فقالوا: أما في الماضي فلا يتصور حوادث لا أول لها، وأما في المستقبل فيتصور حوادث لا أول لها.
267) والقول الرابع يقولون: إنها متسلسلة في الماضي، وغير متسلسلة في الأبد، وهذا قول لم يقل به أحد من أمة محمد r فليس هناك أحد من أهل البدع قال: إنها متسلسلة في الماضي وغير متسلسلة في الأبد ، كما قال شارح الطحاوية: (وهذا قول لم يقل به أحد).
268) فالقول الحق في هذه الأقوال الأربعة: هو القول الذي قال به عامة أهل السنة وهو القول الأول، وهي: أن الحوادث ممكنة الوقوع والتسلسل- ممكنة لا واجبة - في الماضي ، وممكنة التسلسل في الأبد إلى ما لا نهاية له كما مثلنا بنعيم الجنة وعذاب النار.
269) فإن قيل : هل إذا قلنا إن الحوادث لا أول لها ولا نهاية لها كما قال أهل السنة هل يلزم مشاركتها مع أولية الله أو مشاركتها في آخرية الله؟
270) نقول : لا، لأننا قلنا: إن كل مخلوق فهو مسبوق بعدم نفسه ، والله وجوده ليس مسبوقًا بعدم، وكل آخرية من المخلوقات فهي ملحوقة، أي : يلحقها العدم ثم يوجد خلق آخر، وأما آخرية الله فإنها لا نهاية لها , إذًا أوائل المخلوقات لا تشارك أولية الله، لأن الله لم يكن له كفوًا أحد في أوليته ولا في آخريته، فليس كمثله شيء لا في أوليته ولا في آخريته فأولية المخلوقات وإن اتفقت مع أولية الله فاتفاقها في الاسم فقط ، لكن في الكيفية والحقيقة تخالفها، وآخرية المخلوقات وإن اتفقت مع آخرية الله في الاسم فقط لكنها في الكيفية والحقيقة تخالفها، والقاعدة تقول : أن الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات والحقائق والكيفيات.
271) وهذا هو الذي يقوله أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله – وهو الذي شنع عليه أهل البدع حتى أن البوطي - رحمه الله – قد شنع على أبي العباس تشنيعًا عظيمًا، وقد أنكر أيضًا عليه الإمام الألباني، وخطَّأ أبا العباس في هذه النظرة، ولكن أبي العباس أقعد وأعرف من الجميع في هذه المسألة، لا يماثلهما في فهمها لا الإمام الألباني ولا البوطي ولا غيره – مع توقيرنا لأهل العلم - ، فإذا جئنا لأبي العباس وجئنا في المقارنات فلا والله، فأبو العباس يحكي هذا الأمر عن إجماع أهل السنة والجماعة، وعليها دل القرآن والسنة؛ قال: (وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا، كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا)، أي : الأول الذي لا أول قبله، والآخر الذي لا آخر بعده.
272) القاعدة الحادية عشر: العجز صفة نقص مطلق منزه الله عنها.
فجميع الأقوال التي تُنسب الله تعالى إلى أنه يفقد شيئًا من صفاته في الأزل أو يفقدها في الأبد فإنها أقوال باطلة، لأنها توجب وصف الله بالعجز، والله ليس بعاجز عن أن يفعل شيئًا أو يخلق شيئًا في وقت من الأوقات، فسبحانه يفعل ما يشاء ويخلق ما يريد.
273) القاعدة الثانية عشر: الألفاظ المجملة لا تقبل مطلقًا ولا تُرد مطلقًا وإنما هي موقوفة على الاستفصال حتى يتميز حقها فيقبل من باطلها فيُرد.
إن كثيرًا من أهل القبلة ممن زلت قدمه وضل فهمه عن الطريق الصحيح في فهم مسألة قدم الحوادث أو قدم العالم أو عدم قدمه، إنما سببه الإشكال عنده بوجود بعض الألفاظ المجملة التي لم تأت في القرآن بأعيانها وألفاظها ولا في السنة ولم يتكلم بها الصحابة –رضوان الله عليهم-، فمثل هذه الألفاظ هي التي أوجبت لديهم إشكالًا، ولذلك لابد أن نقرر هذه القاعدة حتى نبين لطالب العلم كيف يتعامل مع هذه الألفاظ المجملة، وهل الواجب على الطالب أن يردها مطلقًا؟نقول : لا، فإن قيل لك: لماذا؟ تقول: لأن فيها حقًّا والحق لا يُرد، بل لابد أن نوقفها على الاستفصال حتى يتميز حقها فنقبله من باطلها فنرده ، وهذا هو المتقرر عند أهل السنة والجماعة –رحمهم الله-.
274) التسلسل الواجب الذي يجب اعتقاده، وهو التسلسل الذي لا انقطاع له ولا ابتداء له.
وهذا تسلسل صحيح حق بإجماع أهل السنة والجماعة في حق الله تعالى وقد دل عليه العقل والشرع، وذلك كالتسلسل في أفعال الله تعالى فإن الله لا يزال هو الفعَّال لما يريد، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم – رحمهم الله – فكما أنه الفعال لما يريد في الأزل بلا أول فكذلك هو الفعال لما يريد في الأبد بلا آخر.
275) التسلسل الممكن وهو: التسلسل في الآثار. وهذا التسلسل الممكن بإجماع أهل السنة والجماعة أنه ممكن في الأزل وممكن في الأبد فالحوادث متسلسلة في الأزل ومتسلسلة في الأبد، لكن تسلسلها تسلسل تسلسل ممكن؛ لأن كل مخلوق منها مسبوق بعدم نفسه.
276) هناك تسلسلان مقبولان عند أهل السنة والجماعة، وتسلسل ممنوع :
أما التسلسل الممنوع فهو التسلسل في الخالقين المؤثرين المدبرين المتصرفين - لأن هذا الكون كله ينتهي عند خالق واحد، ومدبر واحد، ومتصرف واحد، وموجد واحد، ومؤثر واحد وهو الله - تعالى.
الثاني: التسلسل الذي يجب في حق أفعال الله تعالى، فالله تعالى هو الفعال لما يريد أزلًا وأبدًا، وهو الخلاق أزلًا وأبدًا، وهو المتكلم أزلًا وأبدًا وهكذا.
وأما التسلسل الثالث : فهو التسلسل الممكن، وهو التسلسل في الآثار.
277) لفظ الحلول من الألفاظ المجملة، والألفاظ المجملة التي تحتمل الحق والباطل مذهبنا فيها أننا لا نقبلها مطلقًا ولا نردها مطلقًا، بل هي موقوفة عندنا على الاستفصال حتى يتميز حقها فيقبل من باطلها فيُرد، فنقول له: ماذا تعني بالحلول؟ هل تقصد أن الله كان عاجزًا عن شيء من صفات الكمال كالفعل والقدرة والكلام والخلق ثم قدر عليه بعد ذلك؟ إن كنت تقصد بالحلول هذا فإنه باطل عقلًا وشرعًا وإجماعًا ؛ لأننا قررنا في القاعدة أن الله لم يزل بصفاته أولًا بـلا ابتداء وآخرًا بلا انتهاء.
وهذا القول باطل بهذا الاعتبار وهو الذي يريده المعتزلة في قولهم: إن الحوادث حالة في الله و يريدون بالحلول أنه كان عاجزًا عن الخلق فقدِر، وكان عاجزًا عن الفعل ففعل، وكان عاجزًا عن الكلام فتكلم، وهل يُظن هذا في الله تعالى؟ فهذا والله من ظن السوء، وكذبوا، وخابوا، وخسروا، وضلوا في هذا الاعتقاد - فهذا الأول باطل -.
الثاني: إن كنت تقصد بلفظ الحلول -بحلول الحوادث في الله- أنه يفعل ما يشاء متى شاء كيفما شاء على الصفة التي يشاء، فإن هذا معنًى حق، فإن الله لم يزل فعالًا لما يريد، فإن كنت تقصد بالحلول أنه يفعل ما شاء متى يشاء كيفما شاء، فهذا حق، ولكن هذا المعنى الحق لا نسميه بهذا الاسم البدعي المجمل أن الحوادث حلت في الله، وإنما نُطلق عليه العبارة القرآنية التي لا تحتمل إلا الحق، نقول: إن ربنا فعال لما يريد.
278) إذا أطلقت المشيئة والقدرة أو كان السؤال والكلام على شيء معين مخصوص فلا بأس أن تقول: إن الله عليه لقادر، أو على ما يشاء قادر وتقصد هذا الشيء المخصوص المعين وأما في باب الإطلاق وإثبات كمال قدرة الله U فلا يجوز أن تقيدها بالمشيئة وإنما تطلقها فتقول: إن الله على كل شيء قدير.
279) القاعدة تقول: "قدرته على ما يشاء لا تنفي قدرته على ما لم يشأ، فهو قادر على ما يشاء وعلى ما لم يشأ".
280) المعتزلة يخرجون أفعال العباد عن كونها مقدورة لله تعالى - تعالى الله عما يقول الظالمون عُلوًّا كبيرًا – بل الحق في هذا ما قرره أهل السنة: أن أفعال العباد داخلة في الأشياء التي يقدر الله تعالى عليها.
281) ومن المسائل أيضًا : هل المعدوم يُطلق عليه شيء؟
نقول: في هذا خلاف طويل بين أهل العلم – رحمهم الله – وأصح الأقوال في هذا ما قاله أهل السنة والجماعة من أن المعدوم يُطلق عليه شيء في الذكر والكتاب، ولكن ليس بشيء في الوجود ، فالصحيح – إن شاء الله – في هذه المسألة هو أن المعدوم شيء في الذكر وفي العلم وفي الكتاب، ولكنه ليس بشيء في الخارج، حتى يوجد ثم يكون شيئًا في الوجود , كقول القائل منا: سأشتري بيتًا في مكان كذا وكذا ، فهو الآن لم يتملكه ، لكن إذا وقع الشراء عليه تملكه حقيقة فالشيء يعلم من جهة فيكون شيئًا يطلق عليه شيء، ولكنه ليس بشيء باعتبار آخر .
282) الوجود وجودان: وجود في العلم والذكر والقدرة والعزيمة، ووجود في الواقع وعلى أرض المحسوس.
283) قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ)، الكلام على هذه الجملة في جمل من المسائل:
284) لقد أثبت الله - عز وجل - غناه وفقر المخلوقات في جمل من الآيات.
285) أجمع أهل السنة – رحمهم الله – على أن من أسماء الله "الغني" وعلى أن من صفاته "الغِنى" وقد ذكر الله تعالى اسمه الغني في كتابه الكريم قرابة ثماني عشرة مرة، كلها يثبت فيها غناه تعالى.
286) أجمع العلماء –رحمهم الله– على أن الله هو الغني الغنى المطلق بذاته، فهو الغني الغنى الذاتي الذي لا يمكن أبدًا ولا أزلًا أن ينفك عن الله تعالى.
287) وأجمع العلماء – رحمهم الله – على أن المخلوق هو الفقير إلى الله تعالى ، الفقر الذاتي الذي لا يمكن أن ينفك عنه وإن كان من أغنى الناس مالًا، وأوفر الناس صحة، فلا يزال هو ذلك العبد المفتقر إلى الله تعالى الفقر الذاتي في كل أموره ومصالحه الدينية والدنيوية .
288) اعلم - رحمك الله - أن فقر العباد ينقسم إلى قسمين: فقر لازم، وفقر منفك. فأما الفقر المنفك؛ فهو: الفقر إلى المخلوقين - أعاذنا الله وإياكم منه - ، وأما الفقر اللازم؛ فإنه: الافتقار إلى الله تعالى
289) الفقر اللازم إلى الله تعالى فهو فقر يتوسل به إلى الله، من جملة ما يتوسل به إلى الله الافتقار إليه.
290) اعلم - رحمك الله - أنه لا يمكن أن يستغني عن الله - عز وجل - شيء من مخلوقاته علوية كانت أو سفلية.
291) جميع المخلوقات مفتقرة إلى الله تعالى فلا يمكن للعرش أن يستغني عن الله، ولا يمكن لحملة العرش ولا كافة الملائكة ولا السماوات ولا الأرض ولا الجبال ولا الجن ولا الإنس ولا الجامدات ولا البحار أن تستغني عن الله تعالى طرفة عين، فكل شيء من مخلوقاته فقير إليه تعالى من كل وجه.
292) اعلم - رحمك الله - أنه لا يمكن أن يستغني عن الله - عز وجل - شيء من مخلوقاته علوية كانت أو سفلية.
293) جميع المخلوقات مفتقرة إلى الله تعالى فلا يمكن للعرش أن يستغني عن الله، ولا يمكن لحملة العرش ولا كافة الملائكة ولا السماوات ولا الأرض ولا الجبال ولا الجن ولا الإنس ولا الجامدات ولا البحار أن تستغني عن الله تعالى طرفة عين، فكل شيء من مخلوقاته فقير إليه تعالى من كل وجه.
294) الافتقار إلى الله تعالى قسمه العلماء إلى قسمين: افتقار اضطرار وافتقار اختيار.
295) اعلم - رحمك الله - أن الله - عز وجل - قد قرن غناه بجمل من الصفات العظيمة لا ينتفع العبد بحقيقة الغنى إلا مع هذه الصفات. فمنها أنه قرن غناه بالرحمة ومن الصفات أيضًا: أن الله تعالى قرن غناه بالحمد ومن الصفات كذلك: أن الله تعالى قرن غناه بالحلم ومن الصفات أيضًا: أن الله تعالى قرن غناه بالكرم .
296) اعلم – رحمك الله - أن توزيع الحظوظ في الدنيا بين العباد توزيع ابتلاء وتمحيص.
297) وصيتي في حياتي وبعد مماتي: ألا تتعلقوا بغير الله، فتعلقوا بالله تعالى في كل أمر من أموركم، ولا تتعلقوا في حاجياتكم وطلبها بملك من ملوك الدنيا، ولا بأمير من أمرائها، ولا بتاجر من تجارها أو غني من أغنيائها ، أو صاحب جاه من أهل جاهها فيغضب الله تعالى عليكم، فمن أعظم ما يُضعف سير القلب إلى الله تعليقه بالمخلوقين
298) القلوب خُلقت لله لم تخلق لعباد الله .
299) القاعدة المتفق عليها بين المسلمين أن الله لا يُدعى له، وإنما يُدعى هو عز وجل.
300) قرر أهل السنة والجماعة أن النفي يستعمل فيه الإجمال ، والإثبات يستعمل فيه التفصيل، وهذا أصل مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة.
301) المتقرر عند العلماء – رحمهم الله – أن من شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، كما أن المتقرر عند العلماء أن من أنكر أو جحد أو كذب بمعلوم من الدين بالضرورة فإنه يكفر، ولكن هذا من التكفير العام المطلق، وأما إذا أردنا تطبيقه على الأعيان فلابد من تحقيق الشروط وانتفاء الموانع.
302) المتقرر بإجماع العلماء أن صحة النتائج دليل على صحة المقدمات، وصحة اللازم دليل على صحة الملزوم، والعكس بالعكس.
303) قال ابن القيم – رحمه الله – في "شفاء العليل": وأما ابن سينا فهو أبو الملاحدة.
304) كل علم فمرده إلى الله تعالى
305) علم الله تعالى لم يُسبق بجهل ، فعلمه الذي نصفه به هو العلم الذاتي الذي لا يمكن أن ينفك عن الله تعالى وأما علوم المخلوقات على وجه الإجمال والتفصيل فإنها علوم مكتسبة مسبوقة بجهل.
306) إذا أخبرك الكاهن بشيء – من الغيبيات - فإن هذا الإخبار لا يخلو من حالتين: إما أن يكون إخبارًا يتعلق بالغيب المطلق؛ كالإخبار بما سيكون لك وكيف تُرزق ومن ستتزوج، فكل هذا من الغيب المطلق، فتصديق الكاهن في هذا كفر أكبر وأما إذا كان الغيب الذي أطلعك الكاهن عليه هو الغيب المقيد، بمعنى: أن يضيع لك دابة، وهذه الدابة قد مرت على أناس يعرفون مكانها، فأنت تسأل الكاهن تقول: أين دابتي؟ فهو يخبرك بهذا المكان، هو أخبرك بأمر غيبي، لكنه ليس من الغيب المطلق بل هو من الغيب النسبي –فغيرك يعلمها من الإنس أم أنت فلا-، وهنا اختلف العلماء: فمنهم من كفر من صدق من يدعي علم الغيب من غير تفصيل بين الغيب المطلق والغيب النسبي المقيد ومنهم من قال: لا، بل الأمر فيه تفصيل: فمن صدقه فيمن يدعي علم الغيب المطلق فهو كافر الكفر الأكبر ومن صدقه فيمن يدعي علم الغيب المقيد فهو كافر الكفر الأصغر، وذلك لوجود الشبهة، لأن هذا الكاهن قد أخبرتنا الأدلة أنه يستعين بشياطينه، والشياطين سريعة الانتقال في الأرض، فلربما ما أخبر به لا يعتبر غيبًا وإنما يعتبر مما نقَّت به الأبالسة في أذنه، وهم يعلمون شيئًا من ذلك، فلوجود الشبهة نمنع تكفير المسلم لأن من ثبت إسلامه بيقين فإننا لا ننزع عنه اسمه إلا بيقين.
307) الله تعالى إذا قضى عليك قضاء سواء كان خيرًا أو شرًا فإن الله تعالى عالم بآثار هذا القضاء ومآلات هذا القضاء، وأنه خير لك، فالمؤمن بذلك يستقر قلبه وتطمئن روحه بأي قضاء يصيبه من الله تعالى
308) أجمع علماء أهل السنة والجماعة على أنه لاحظ في الإيمان لمن لا يؤمن بالقدر، فإذا أنكر الإنسان قضاء الله تعالى وقدره فإنه يكون كافرًا خالعًا ربقة الإسلام من عنقه.
309) قاعدةٌ عند أهل السنة والجماعة تقول: القدر سر الله أي أن الله تعالى لم يطلع على ما كتبه في اللوح المحفوظ لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً ولا وليًا صالحًا، فلا يعلم ما قضاه الله وقدره في خلقه على وجه الكمال والتمام أحدٌ إلا الله U
310) قاعدة "القضاء والقدر إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا", فهما كلفظ الإسلام والإيمان ، والشرك والكفر ، والاستغفار والتوبة ، والفقير والمسكين وغيرها من تلك الألفاظ التي يكون لها معنًى باجتماعها ومعنًى بافتراقها، فإذا ذكر القضاء وحده دخل معه القدر تبعًا، وإذا ذكر القدر وحده دخل معه القضاء تبعًا، وأما إذا قيل قضاءٌ وقدر وذكرا جميعًا فإن القدر يعبر عن علم الله السابق وكتابته في اللوح المحفظ ومشيئته هذه الأشياء الثلاثة ، وبقينا في مرتبةٍ رابعة وهي الخلق وهو إيجاد هذا الشيء فهذا هو القضاء.
311) حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخوض في مسائل القدر إلا في حدود ما أخبرنا به النص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وإذا ذكر القدر فأمسكوا»، وهذا نص هذه القاعدة، فلا يجوز أن نطلق العنان لعقولنا لتسبح في هذه الباب بلا خطامٍ ولا زمام، فإنه سيرجع عليك بالضلال والشكوك والحيرة والفساد العقدي كما هو معلومٌ في كثيرٍ من أحوال الفرق والطوائف.
312) قاعدةٌ " القدر فعلٌ من أفعال الله - عز وجل - " فيجب علينا أن نؤمن بأن القضاء والقدر من جملة أفعال الله لأن القدر هو كتابة الله وعلمه ومشيئته وإرادته.
313) قاعدة " أفعال الله معللة ".وهذا منعقدٌ الإجماع عليه بين أهل السنة والجماعة، فليس ثَمة شيءٌ يفعله الله تعالى في كونه ويقدر وجوده إلا وله علة لأن الأصل أن أفعال الله تعالى نابعةٌ عن عللٍ يعلمها الله تعالى وهذا لا شك فيه، وقد قسم العلماء العلل إلى قسمين: إلى عللٍ كونية – وعلل شرعية.
314) قاعدةٌ تقول " إذا خفي على العقل علة قدرٍ فليس هذه دليل انتفائها ".وذلك لأنه لا يمكن للعقول أن تعلم التفاصيل فيما أراده الله تعالى من العلل في كونه وشرعه، فحينئذٍ يجب على العقول أن تقف صامتةً مذعنةً مسلمةً معترفةً بتقصير تفكيرها وعجزها في إدراكها عن معرفة تفاصيل ما أراد الله تعالى من هذا المخلوق كونًا أو شرعًا.
315) يتفق العلماء -رحمهم الله- تعالى جميعًا على قاعدةٍ عريقة تقول "خفاء العلل لا يستلزم تعطيل الشرع"، فليس تطبيق الشرائع مربوطًا أو مشروطًا بمعرفة العلل والحكم من وراء ذلك التشريع؛
316) قاعدةٌ "من أصول ضلال الخلق خوضهم في تفاصيل التعليل بلا برهان ". وأقصد بتفاصيل التعليل أي تفاصيل تعليل أفعال الله في أحكامه الكونية القدرية أو في أحكامه الأمرية الشرعية الدينية.
317) ذكر أبو العباس بين تيمية -رحمه الله- تعالى في " تائية القدر " أن أصل ضلال الخلق وأعظم ما ضل به الطوائف هو الخوض في طلب تعليلات أو تفاصيل تعليلات أفعل الله تعالى.
318) قاعدة " لا تقاس أفعال الرب على أفعال المخلوقين ".
319) قاعدة "ما وقع في كون الله مما لا يحبه ولا يرضاه فإرادته كونية ، وما وقع في كون الله مما يحبه ويرضاه فإرادته شرعية ".
320) قاعدة: "الإيمان بعلم الله السابق بأهل الجنة وأهل النار لا يتنافى مع العمل بموجب الشرع"
321) قاعدة: "تعاطي الأسباب المشروعة من كمال الإيمان بالقضاء والقدر". فإنه لا يجوز لمن يدعي أنه مؤمن بالقضاء والقدر أن يعطل تحصيلًا الأسباب بحجة أنه مؤمن بالقضاء والقدر.
322) قاعدة: "يجوز الاحتجاج بالقدر في المصائب لا في المعائب".وهذا متفق عليه بين العلماء
323) التقسيم الصحيح للقدر هو جعله ثلاثة أقسام:-
من الأشياء ما لم يقضه الله لك؛ فلا يأتيك وإن دعوت.
- ومن الأشياء ما قضاه الله لك؛ فسيأتيك ولو لم تدعُ.
- وهناك من الأشياء ما قُضيت لك في السماء ولكن معلقة بسبب الدعاء، فبالدعاء تأتيك ،
324) حُرمة تمني الموت مسألة عقدية، لا يجوز للعبد أن يتمنى الموت، هذه عقيدة نعتقدها، فهي من أمور العقائد لا من مسائل الفقه.
325) لدينا أربع كتابات قدرية : كتابة قدرية مطلقة وهو ما خط في اللوح المحفوظ، كتابة قدرية مقيدة، والكتابة القدرية المقيدة ثلاثة أقسام: الكتابة العمرية، والكتابة الحولية، والكتابة اليومية فهي أربعة أقسامٌ واحدٌ منها فقط وهو المطلق هو الذي لا يدخله لا تغيرٌ ولا تبديلٌ ولا ومحوٌ ولا إثباتٌ ولا زيادٌة ولا نقص، وأما ما عداه من الكتابات القديرية الثالثة وهي العمرية، والحولية، واليومية فهذه قد يدخلها المحو والإثبات باعتبار ما في أيدي الملائكة من الصحف.
326) اختلف أهل القبلة في المقتول هل قتل بأجله أم أنه قطع عليه أجله؟ نقول : فيه خلاف بين أهل القبلة ، والحق الذي لا يجوز القول بغيره مطلقًا هو ما قرره وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة -رحمهم الله تعالى- وهو أن كل ميتٍ فإنما يموت بأجله، وليس ثمة أحدٌ يبقى من أجله شيءٌ بعد موته، فإنما مات لانقطاع أجله.
327) حالتان يشرع فيهما الدعاء وحالتان لا يشرع فيهما الدعاء:
الحالة الأولى التي يشرع فيها الدعاء: من كان في بقاءه خيرٌ ونفعٌ ومصلحةٌ عامة للمسلمين والحالة الثانية: أن تكون مقيدةً لا مطلقةً والحالتان اللتان لا يشرع الدعاء فيهما بطول العمر :إذا كان من نفعه كان قاصرًا على نفسه فمهما بقي وطالت حياته فلا ينتفع به المسلمون لا في مالٍ ولا في منصبٍ ولا في حكمٍ ولا في علم ولا في شيء والحالة الثانية: من كان في بقاءه شررٌ وضررٌ على المسلمين ،وبناء عليه نخلص من هنا بضابط يقول "يشرع الدعاء بطول العمر من باب تحقيق المصالح المعتبرة شرعًا".
328) حقيقة الفوز عند الله هو النجاة من العذاب.
329) الأجل والعمر الحقيقي هو ما قضيته في طاعة الله -عز وجل-.
330) لا يصح إيمان العبد بالقضاء والقدر إلا إذا آمن بعلم الله الشامل الكامل الذي لا يعزب على علمه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن أنكر هذه المرتبة فإنه كافر بالله تعالى .
331) "علم الله صفة ذاتٍ" بمعنى: أن علمه لا ينفك عنه لا أزلًا ولا أبدًا.
332) النسيان المضاف إلى الله في الأدلة هو نسيان الترك عن علمٍ لا عن غفلة وذهول".
333) "الجهل ببعض متعلقات علم الله بعد الإيمان بأصله لا يوجب كفرًا إلا بعد رفع الجهل وكشف الشبهة".
334) قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: من أعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد أعرض عن الشرع .
335) أهل السنة جمعوا في فعل العبد بين الشرع والقدر، فقالوا إن أفعال العباد باعتبار كونها مخلوقة ومقدرة ومكتوبة تنسب إلى الله تعالى، وباعتبار كونها كسب للعبد وفعل صادر من العبد وللعبد قدرة على فعله ومشيئة لفعله وليس مكرهًا ولا مجبرًا ولا مضطرًا ولا مدفوعًا من ظهره إلى أن يفعل فعلاً لم يكرهه عليه أحد .
336) من آمن بالقضاء والقدر حقًّا وعمل بموجب الشرع صدقًا ووفقًا للمقرر عليه شرعًا، فقد كمل إيمانه بتوحيدي الربوبية والألوهية.
337) إرادة الله تنقسم إلى قسمين إلى إرادة كونية قدرية وإلى إرادة شرعية دينية أمرية فالقدر يدخل تحت الإرادة الكونية، والشرع يدخل تحت الإرادة الشرعية
338) العمل بالشرع من موجبات الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بالقدر من جملة مطلوبات الشرع .
339) الاعتماد على الأسباب دون الإيمان بالقدر شرك في التوحيد، ومحو الأسباب وتركها قدح في الشرع ، والجمع بينهما هو حقيقة الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فاحذر من تغليب الأسباب والنظر لها النظر المطلق مع عمى قلبك عن الإيمان بالقضاء والقدر.
340) أجمع أهل السنة والجماعة على أن كل ما في هذا الكون فإنه واقعٌ بتقدير الله - عز وجل -.
341) أجمع أهل السنة على إثبات المشيئة لله - عز وجل - وأنها صفةٌ من صفاته.
342) القول الذي جرى عليه أهل السنة والجماعة -رحمهم الله- هو أن بين المشيئة والإرادة عمومًا وخصوصًا من وجه، فكل مشيئةٍ فإنها إرادة ولكن ليس كل إرادةٍ تعتبر مشيئةً.
343) المشيئة قسمٌ من أقسام الإرادة الكونية ، فأهل العلم يسمونها إرادةٌ كونية ويسمونها مشيئة، فالإرادة الكونية مرادفةٌ للمشيئة، ولكن ليست المشيئة إرادةً شرعية، بل الإرادة الشرعية مرادفة للمحبة والرضا ، فليس كل شيءٍ يشاءه الله تعالى في كونه لابد وأن يحبه الله أو يرضاه فإن هناك أشياء موجودة في الكون ولكننا نجزم أن الله تعالى لا يحبها ولا يرضاها
344) هل المشيئة هي الإرادة؟ نقول : ليست كل الإرادة وإنما هي بعض ما تتضمنه الإرادة، وهذا هدى الله تعالى له أهل السنة فقط.
345) إشكال وجوابه : بعض أهل البدع يقول إذا كان الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية لا يجوز، فكيف تقولون في احتجاج آدم على موسى بقوله: «أتلومني على أمرٍ قدره الله عليّ أن أعلمه قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟»؟ أقول : أجاب أهل السنة -رحمهم الله- تعالى عن ذلك بجوابين: الأول-: أن آدم لم يحتج بهذا الكلام على أكله من الشجرة وإنما احتج على موسى بأنه خرج من الجنة بقدر الله والخروج من الجنة مصيبة ، بل هو من أعظم المصائب التي مرت على بني آدم على الإطلاق - خروجهم من الجنة - والاحتجاج بالقدر عند نزول المصائب جائزٌ بإجماع أهل السنة والجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل». الثاني : وهو أننا سلمنا أن آدم احتج بالقدر على أكله من الشجرة، سلمنا جدلًا أن آدم احتج بالقدر على أكله من الشجرة لكنه احتج به بعد التوبة لا قبل التوبة ، وقد نص العلماء على جواز الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية التي قد تاب الإنسان منها وأناب الإنابة والتوبة الصادقة النصوح المستجمعة لشروطها فهذا لا حرج فيه، ولكنهم اجمعوا على منع الاحتجاج بالقدر على المعاصي التي التي لا يزال يزاولها العبد ، وبهذا لا إشكال في احتجاج آدم –عليه السلام – ولله الحمد والمنة .
346) أعظم من ضل في باب القدر سبب ضلاله الخلط بين الإرادتين، فجميع تلك العقائد الفاسدة في باب القدر مبدأها الخلط بين الإرادتين : فمنهم من أدخل الإرادة الكونية في الشرعية وقال: إرادة الله واحدة وهي شرعية ، ومنهم من أدخل الشرعية في الكونية، وقال: إرادة الله كونية فقط، والجبرية قالوا: كونية فقط والقدرية قالوا: شرعية فقط، فجاء أهل السنة بل هما إرادتان ولكل إرادةٍ متعلقها الخاص.
347) مذهب أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد فيها شائبتان:شائبةٌ ترجع إلى الله تعالى وهو أن فعل العبد ينسب على الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا ومشيئة، وينسب إلى العبد تحصيلاً واقترافًا واكتسابًا
348) مشيئة الله الكونية لا تنفك عن الحكمة.
349) خفاء حكمة المشيئة الكونية عن مدارك العقول لا تستلزم تعطيل المشيئة عن هذه الحكمة .
350) لا تلازم بين المشيئة وبين المحبة والرضا فالمشيئة داخلة تحت الإرادة الكونية، وأما المحبة والأمر والرضا فإنها داخلةٌ تحت الإرادة الشرعية
351) لا يجوز الاحتجاج بالمشيئة الكونية على تعطيل مقتضيات الشرع.
352) إثبات المشيئة المطلقة لله لا يستلزم سلب العبد قدرته واختياره خلافًا للجبرية.
353) إثبات مشيئة العبد واختياره لا يستلزم انفكاكها عن مشيئة الله - عز وجل - خلافًا للقدري.
354) إذا علمنا أن كل شيءٍ لا يقع إلا بمشيئة الله فهذا يوجب علينا أن نعلق أمورنا المستقبلة بالمشيئة.
355) ماحكم تعليق الأمور المستقبلية بالمشيئة؟ وما حكم تعليق الدعاء بالمشيئة؟ أقول: أما تعليق الأمور المستقبلية بالمشيئة فواجبٌ من واجبات الشريعة؛ لأن الله تعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن فاعلٌ ذلك غدًا إلا بعد تعليقه بالمشيئة والمتقرر أن النهي يفيد التحريم والمتقرر أن النهي عن الشيء أمرٌ بضده من جهة المعنى وأما تعليق الدعاء بالمشيئة فلا يجوز لأن المطلوب في الدعاء الجزم والإلحاح وصدق اللجوء .
356) أمران يجب وجوبًا تعليقهما بالمشيئة:
الأمر الأول-: إذا كان الكلام في أمرٍ مستقبليٍ ستفعله.
الأمر الثاني-: إذا كان الكلام في أمرٍ غيبيٍ لا يعلمه إلا الله تعالى.
357) اختلف العلماء -رحمهم الله- تعالى في حكم الطلاق المعلق على مشيئة الله، فلو أن الإنسان قال لزوجته: أنت طالقٌ إن شاء الله، فهل يقع طلاقه أم لا يقع؟ وفيه خلافٌ بين العلماء ، والقول الصحيح إن شاء الله أنه لا يقع.
358) اختلف العلماء -رحمهم الله- تعالى في اليمين المعلق على مشيئة الله، كأن يقول: والله لأذهبن للرياض غدًا إن -شاء الله- فإذا جاء غدٍ ولم يذهب للرياض هل عليه كفارةٌ أولا؟ فيه خلافٌ بين أهل العلم والقول الصحيح أن لا كفارة عليه .
359) من السنة في عيادة المريض أن تقول له: لا بأس كفارةٌ وطهور إن -شاء الله- فكيف يدعو له بأن يكون مرضه هذا كفارة وطهور ومع ذلك يعلق هذا الدعاء بالمشيئة مع ورود النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة ؟ نقول : لمّا علق النبي r كلامه هذا بالمشيئة علمنا أنه لا يريد الدعاء وإنما يريد الإخبار، ولمّا كان هذا الخبر عن أمرٍ غيبيٍ لا يطلع عليه علقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمشيئة
360) الاعتراض على مشيئة الله - عز وجل - اعتراضٌ على القدر.
361) الهداية والإضلال وهذه من أخطر وأدق مسائل باب القضاء والقدر، وقد وصف الإمام ابن القيم -رحمه الله- تعالى هذه المسألة بأنها قلب مسائل القضاء والقدر وهي: مسألة الهداية والإضلال .
362) قال الله تعالى فيّ الحديث القدسي فيّ حديث أبي ذر قال: «يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته ،فاستهدوني أهدكم»، أي أطلبوا مني الهداية أوفقكم لها، وهذا وعد من الله والله لا يخلف الميعاد، لكن لابد أن تطلبها من الله بصدق، وافتقار وصدق وانطراح بين يديه تعالى.
363) المتقرر عند العلماء رحمهم الله وتعالى أنه لا يمكن أبدا أن يتعارض نصان صحيحان فإذا ثبتت صحة النصوص فلا يمكن أن يطرأ عليها شيئا من التعارض أو الأشكال أو التناقض والتضارب.
364) التكاليف إنما تعلق بالاستطاعة الشرعية لا بالاستطاعة الكونية فالله عز وجل لا يكلف نفساً إلا ما تستطيعه شرعاً .
365) أيهما أفضل أن أصبر على القضاء والقدر أم أدعو أن يرفع الله عني ذلك؟ فأقول الأفضل لك أن تدعو أن يرفع الله -عز وجل- عنك هذا البلاء, فإنَّ هذا البلاء بقدر الله وأنت مأمورٌ عند نزول المصائب بالدعاء, فأنت تتعبد لله -عز وجل- عند نزول المصائب بالصبر وتتعبد له -عز وجل- كذلك باحتساب الأجر ومن جملة التعبُدات عند نزول المصائب الدعاء أن تدعو الله -عز وجل- أن يرفع عنك هذه المصيبة, ولذلك شُرِعَ لنا الدعاء عند المصائب.
366) العقائد مبناها على اليقين والقطع لا على الأوهام والخيالات والشكوك.
367) المسائل التي ثبت خلاف أهل السنة والجماعة فيها لا يطلب فيها أن يبلغ العبد فيها إلى مرتبة اليقين والقطع، لأن وجود الخلاف فيها ينزل إدراكها من مرتبة اليقين إلى مرتبة الظن الغالب، فيكتفي بالظن الغالب.
368) تنقسم المسائل العقدية باعتبار القطع والظن إلى قسمين:
القسم الأول: مسائل لا يصح الإيمان بها إلا مع القطع واليقين والجزم وهي تلك المسائل التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة واتضحت أدلتها وبانت براهينها.
والقسم الثاني: المسائل العقدية التي يكتفى فيها بالظن الغالب وهي تلك المسائل التي ثبت خلاف أهل السنة والجماعة فيها.
369) ما حكم التقليد في العقائد؟
الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم واصح الأقوال إن شاء الله أن التقليد فيها جائز ولا حرج فيه، فلو أن بعض العوام رأوا بعض العلماء يعتقدون عقيدة فقلدوهم في هذا الاعتقاد فلا حرج عليهم فيه، لكن لا بد أن يكون من علماء أهل السنة والجماعة.
370) من منع العوام من التقليد في العقائد وأوجب عليهم المعرفة بالعقيدة بالنظر والاستدلال فقد كلفهم بما لا يطيقون، وكلفهم ما لا يستطيعون والمتقرر عند العلماء أن التكاليف الشرعية منوطة بالقدرة على العلم والعمل.
371) متى يخرج العبد عن دائرة أهل السنة والجماعة؟
الجواب: يخرج العبد عن دائرة أهل السنة والجماعة إذا وقع في عدة أمور:
الأمر الأول: إذا خالف أهل السنة والجماعة في كيفية الاستدلال على المسائل العقدية فأهل السنة والجماعة لهم في الاستدلال على المسائل العقدية طرقًا معينة استدلالهم بالكتاب، استدلالهم بالسنة، استدلالهم بالإجماع فإذا كان الإنسان يثبت عقائده بطريق آخر غير الطريق الذي قرره أهل السنة والجماعة فهذا خارج عن دائرة أهل السنة والجماعة.
فالمعتزلة والفلاسفة والأشاعرة وغيرهم من علماء الكلام هؤلاء ليسوا مع أهل السنة في هذا الاعتبار، لأن عندهم طرقًا في الاستدلال في العقائد التي يعتقدونها وهي الاستدلال بالعقول ونحوها، وذلك لما خالفوا طريقة أهل السنة والجماعة في الاستدلال خرجوا عن دائرة أهل السنة والجماعة، و عندنا قاعدة تقول : كل من خالف أهل السنة والجماعة في طريقة الاستدلال على المسائل العقدية فليس منهم.
الأمر الثاني: إذا خالفهم في أصل من الأصول المتقررة في مذهبهم، والقاعدة في هذا تقول : كل من خالف أهل السنة في أصل أو قاعدة متفق عليها بين أهل السنة فليس منهم.
فمثلاً : من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة أن باب الأسماء والصفات مبني على الأدلة لو خالفهم أحد وقال في هذا الأصل أن باب الأسماء والصفات مبني على ما يقتضيه العقل فهنا يخرج عن دائرة أهل السنة والجماعة.
ومثلاً : من الأصول المقررة عند أهل السنة وجوب تعظيم الصحابة وحرمة النيل منهم بالسب والقدح والتجريح، لو أن أحدًا خالفنا في هذا الأصل وقال الأصل في الصحابة أنهم كغيرهم يقدح فيهم ويحكم عليهم أو يسبون فهذا ليس من أهل السنة لأنه خالفهم في هذا الأصل.
ومثلاً : لو أن رجلا في باب مرتكب الكبيرة قال لنا أن مرتكب الكبيرة خارج عن دائرة الإسلام فهذا خالف في أصل من الأصول .
فكل من خالف أهل السنة في أصل من الأصول أو قاعدة مطردة متفق عليها بينهم فليس منهم، ويخرج عن دائرة أهل السنة في هذا الحال.
الأمر الثالث: كل من خالف عقيدة متفق عليها بين أهل السنة والجماعة فليس من أهل السنة والجماعة حتى لو في عقيدة واحدة ولو في جزئية من جزئيات العقائد فإنه ليس من أهل السنة والجماعة، لكن لابد أن تكون تلك العقيدة مما أجمع عليها أهل السنة والجماعة ، مثاله :
لو أن إنسانا آمن بجميع العقائد إلا عقيدة الاستواء فقال إن المقصود بالاستواء هو الاستيلاء، فالله لم يستو على عرشه، خرج عن دائرة أهل السنة والجماعة بهذا الاعتقاد، حتى وان كان قد وافقهم في غيرها من العقائد فموافقته لهم في غيرها لا تدخله في دائرتهم فلا يدخل في دائرتهم إلا من آمن بجميع العقائد المتفق عليها بين علماء أهل السنة والجماعة.
ومثال آخر: لو أن إنسانا آمن بالعقائد المقولة عن أهل السنة والجماعة ولكن توقف في مسألة العلو، وقال أنا لا أثبت صفة العلو لله –عز وجل- أو آمن بجميع العقائد وقال أنا لا أثبت صفة الكلام لله –عز وجل-، فهذا لا نسمح له أن يبقى في دائرة أهل السنة والجماعة بل هو خارج عن دائرة أهل السنة والجماعة بمجرد مخالفته في هذه العقيدة المقررة عند أهل السنة والجماعة.
فبهذه الأمور الثلاثة يخرج العبد عن دائرة أهل السنة والجماعة .
فإن قلت : وما الحكم لو خالف الإنسان في مسألة ثبت الخلاف فيها عن أهل السنة والجماعة؟
الجواب: لا يخرج عن دائرتهم، فكل من خالف بعض أهل السنة في مسألة ثبت الخلاف فيها عن أهل السنة فلا يخرجه خلافه هذا عن دائرة أهل السنة والجماعة
372) العبد لا يمكن أن يكون مؤمنا إلا إذا آمن بالأنبياء جميعا.
373) لا يجوز معارضة أخبار الأنبياء لا برأي ولا بعقل ولا باجتهاد ولا بقياس ولا بقول أحد من الناس كائنا من كان، فخبر الأنبياء لا يجوز أن يتقدم عليه .
374) المتقرر عندنا أن شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد نسخها في شريعتنا.
375) شرائع من قبلنا لا تخلو من ثلاثة أقسام: قسم قد نسخ فهذا لا نعمل بها إجماعا، وشرائع قد ورد في شريعتنا الأمر بها وتشريعها، فهذه نعمل بها إجماعا لا لأنها شرع من قبلنا وإنما لأنها شريعتنا قد وردت بها ، القسم الثالث وهو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء وهي شرائع قد ثبت أنها من شرائع من قبلنا ولم تأتي شريعتنا لا بإقرارها ولا بإنكارها والقول الصحيح في هذا القسم أن شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد نسخها في شريعتنا.
376) ما حكم التفضيل بين الأنبياء؟ نقول: هذا على قسمين: ممنوع وجائز أما الممنوع فإذا كان المقصود بالتفضيل أي التفضيل بينهم في أصل الإيمان بنبوتهم ورسالتهم فهذا محرم بالإجماع، وأما التفضيل الجائز باعتبار مراتبهم وباعتبار ما أعطوا من البراهين والمعجزات، وباعتبار رفعة درجاتهم على بعض وأجمع العلماء فيما أعلم علي أن أفضل الرسل هم أولوا العزم الخمسة المذكورون في سورة الشورى وسورة الأحزاب وأجمعوا كذلك على أن أفضل أولوا العزم الخليلان إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم، ثم أجمعوا علي أن أفضل الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو أفضل الأنبياء والرسل، وهذا هو ترتبيهم عند أهل السنة والجماعة، فالرسل أفضل من الأنبياء وأولوا العزم أفضل الأنبياء والرسل، والخليلان أفضل أولوا العزم، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل الجميع.
377) من كفر بواحد من الأنبياء فقد كفر بهم جميعا.
378) هل من الجن رسل؟
فأقول : في هذا خلاف بين أهل السنة رحمهم الله، وهي مسألة يسيرة والقول الصحيح فيها أن الجن فيهم نذر، وليس فيهم رسل.
379) فإن قلت أليس من الإناث رسل أو أنبياء؟
الجواب: في ذلك خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى ولكن القول الحق في هذه المسألة أن الله ما بعث نبيا ورسولا إلا من الذكور.
380) الفرق الصحيح بين النبي والرسول إن شاء الله في هذه المسألة هو أن :
النبي من بعث إلي قوم موافقين له ، وأما الرسول هو من بعث إلي قوم مخالفين له، ولعلكم تعتمدون علي هذا الذي رجحته هنا ، لأنني في إتحاف أهل الألباب رجحت قولا أخر في بداية الطلب فقلت هناك:
«أن الراجح أن النبي من بعث مجدد لرسالة من قبله، كأنبياء بني إسرائيل، وأن الرسول من بعث برسالة جديدة»، وهذا الفرقان فيه نظر، فإن يوسف وصفه الله –عز وجل- برسالة مع أنه مبعوث بشريعة إبراهيم يجدد لشريعة إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام.
فالفرقان الذي اختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى وكثير من أئمة الدعوة هو هذا القول الصحيح وهو الذي أستقر عليه قولي وهو أن النبي : هو من بعث إلي قوم موافقين له في الاعتقاد وإنما يبين لهم الشريعة فقط كآدم عليه الصلاة والسلام فهو بعث إلي بنيه وهم موافقون له في العقيدة، وكأنبياء بني إسرائيل يجددون شريعة التوراة لقوم موافقين لهم، وأما الرسول فهو: من بعث لقوم مخالفين له، كنوح بعث إلي قوم مشركين يأمرهم بالتوحيد، وكهود وكلوط فهؤلاء قوم بعثوا إلي أناس يخالفونهم في العقيدة.
381) التعبير عن المعاني الشرعية بألفاظ النصوص أولى.
382) ما عليه أهل السنة والجماعة رحمهم الله من أن:
383) المعجزات والبراهين والآيات إنما هي طريق واحد فقط من طرق إثبات صدق الرسالة وإلا فهناك طرق أخرى تثبت بها صدق الرسالة، فالنقل يدل على صدق الرسالة والعقل يدل على صدق الرسالة والحس يدل على صدق الرسالة والبراهين والمعجزات تدل على صدق الرسالة بل والفطرة السليمة تدل على صدق الرسالة أيضا، وقد اجتمعت كلها في حق نبينا صلى الله عليه وسلم.
384) القول الصحيح وجوب الصلاة عليه عند ذكره كما حققته في كتابي الشرح المجدي لمنظومة الشيخ ابن السعدي رحمه الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف من لا يصلي عليه عند ذكره بأنه بخيل وقد دعا عليه جبريل وأمن النبي صلى الله عليه وسلم خير رسل السماء دعا وخير رسل الأرض أمن فلا يمكن أبدا أن يدعا على إنسان قد تخلف عن أمر مندوب، أو أن من امتنع من القيام بأمر مندوب يوصف بأنه بخيل فالبخيل هو من شح بأمر واجب، فدل ذلك أن الصلاة عليه بعد ذكره أو عند ذكره أنها من الأمور الواجبة.
385) قاعدة تقول: النبوة مبناها على الاصطفاء والاختيار لا على الكسب.
386) من اعتقد أن باب النبوة مقدورا عليه لكل أحد بدون اصطفاء واختيار من الله فإنه كافر لأنه منكر للمعلوم من الدين بالضرورة ومنكر للإجماع القطعي، ومن أنكر المعلوم من الدين بالضرورة فقد كفر.
387) أجمع المسلمون على أن مقام النبوة أشرف المقامات على الإطلاق، وأشرف منه مقام الرسالة لكن الكلام الآن في النبوة وما يقابلها من مقام الولاية، فلا جرم أن المسلمين مجمعون على أن مقام النبوة من أعظم المقامات ولا يمكن أبدا أن يدخل معه في قياس شمول أو قياس تمثيل مع مقام الولاية، فأين مقام الولاية من مقام النبوة؟ فكلاهما له مقام لكن مقام النبوة أعظم، وأشرف من مقام النبوة وأعلى من مقام الرسالة إذ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا.
388) من زعم بأن مقام الولاية أكمل من النبوة فهو كافر خالع ربقة الإسلام من عنقه، لأنه منكر للمعلوم من الدين بالضرورة، ومن أنكر معلوم من الدين بالضرورة فقد كفر.
389) القاعدة المتقررة عند العلماء أن كل حكم ثبت في حق الإنس فإنه يثبت في حق الجن تبعا إلا بدليل الاختصاص .
390) الأصل أن الأنبياء أحكامهم كأحكام سائر البشر فهم من جملة البشر لكن لشرفهم وعلو رتبتهم وعظم منزلتهم عند الله تعالى خصهم الله تعالى بجمل من الأحكام خالفوا فيها سائر البشر، فهي من الأحكام الخاصة بهم .
391) أجمع العلماء جميعا على أن الأنبياء والرسل لا يمكن أبدا أن يقع منهم الشرك وهذه المسألة لا خلاف فيها.
392) أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الأنبياء والرسل لا يتصور وقوع الخطأ منهم في مسائل التشريع.
393) أجمع أهل السنة والجماعة على أن الأنبياء والرسل لا يقع منهم شيء من الكبائر مطلقا.
394) المتقرر بإجماع أهل السنة والجماعة أن الرسل يبتلون بما يبتلى به سائر البشر، ويمرضون مرضا شديدا ويصيبهم ما يصيب البشر إلا فيما استثناه الشرع، فالأنبياء يجوعون كما يجوع البشر ويظمئون كما يظمأ البشر وتضيق صدورهم كما تضيق صدور البشر وتحل عليهم المصائب كما تحل على البشر ويوعكون وعكا شديدا كما يوعك البشر، وهذا خلافا لقول الأشاعرة الذين قالوا: وإن سلمنا أن الأنبياء يمرضون لكن لا يمرضون مرضا شديدا وإنما يمرضون مرضا يسيرا.
395) نحن معاشر المسلمين نعتقد أن الأنبياء وإن عظمت منزلتهم عند الله تبارك وتعالى إلا أنهم لا يمكن أبدا أن نصفهم مصاف الله تعالى في استحقاق شيء من ألوهيته أو شيء من صفات ربوبيته تبارك وتعالى لأنهم بشر يصيبهم ما يصيب البشر من العوارض إلا فيما استثناه النص فيما قد عصموا منه.
396) المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة أنه مهما عظمت منزلة المخلوق فلا يصلح أن يكون ربا ولا خالقا مع الله ولا إلها مع الله.
397) اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس جاها عند الله، فلا جاه لمخلوق أبدا أعظم من جاهه صلى الله عليه وسلم ولا شفاعة أيضا أعظم من شفاعته.
398) العلماء اختلفوا في مسألة وهي هل يصح أن نطلق على النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الخلق أم أن نقتصر في فضيلته على البشر فنقول أفضل البشر وذلك لأن الدليل قال «أنا سيد ولد آدم» وولد آدم إنما هم البشر، فهل نقول أنه أفضل من خلق الله على الإطلاق من الملائكة والبشر والجن والإنس وغيرهم؟ الجواب: في هذه المسألة خلاف بين أهل السنة، والقول الصحيح الذي جرى عليه كثير من أهل السنة جوازه أنه يجوز لا بأس بهذا، وقد نطق بها جمع من أهل العلم كابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من العلماء يقولون أفضل الخلق، فلا بأس به وهذا إطلاق صحيح، فهو أعظم الحلق جاها عند الله وأفضلهم على الإطلاق.
399) نؤمن إيمانا جازما بأن عيسى سينزل في آخر الزمان كما أخبرت به الأدلة الصحيحة الصريحة ولكننا نجزم ونعتقد أنه لا ينزل لا برسالة جديدة ولا ببعثة جديدة ولا ينزل على أنه نبي جديد بل ينزل على أنه من جملة مجددي هذه الأمة ومن جملة الحاكمين والمحكمين لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم
400) والمتقرر عند العلماء أن كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فإنه باطل .
401) المتقرر عندنا في قواعد أهل السنة والجماعة أن من كفر أو شك في نبوة واحد من الأنبياء فكأنما كفر بهم جميعا صلوات الله وسلامه عليهم.
402) تقرر عندنا معاشر أهل السنة والجماعة أن دين الأنبياء باعتبار العقيدة واحد.
403) هناك أشياء اتفقت فيها الشرائع كلها وهي العقائد والإيمان والأخلاق وهناك أشياء اختصت بها كل شريعة وهي الأمور الفقهية.
404) اختلف الأصوليون في مسألة شرع من قبلنا، أهو شرع لنا؟ أم لا؟
405) والحق أن من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه في شرعنا، فنحن مأمورون أن نتبع شرائع من قبلنا إذا لم يرد في شريعتنا ما ينسخها.
406) أن هناك أنبياء في الفترة بين نوح وإبراهيم وهناك أنبياء من بعد إبراهيم إلى محمد صلى الله عليه وسلم فالأنبياء فيما بين نوح وإبراهيم من ذرية نوح، والأنبياء فيما بين إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، وإبراهيم من ذرية نوح فعاد الجميع إلى نوح.
407) جميع الأنبياء يرجعون إلى نوح، لكن الله خص إبراهيم ببقاء النبوة في ذريته تشريفا وتكريما له وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.
408) النبي صلى الله عليه وسلم له حالتان، حالة قبل الوحي وحالة بعد الوحي، فالآية التي تنفي الضلال عنه بقوله ما ضل إنما تخبر عن حالته بعد الوحي، لا يمكن أن يضل أبدا فيما يبلغكم به عن الله تعالى. وأما حالته قبل الوحي فيخبر عنها قول الله تعالى ووجدك ضالا، فالضلال المثبت هو ما كان قبل الوحي، والضلال المنفي هو ما كان بعد الوحي، فإن قيل: وما المقصود بالضلال المثبت للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الوحي؟ أهو ضلال الكفر؟ أم هو ضلال الشرك؟ أهو ضلال الشهوة والهوى؟ الجواب: لا، وإنما هو ضلال عدم العلم بالوحي ورسالته فقط.
409) إطلاق السيد على النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم ممنوع لأن السيد اسما هو الله صلى الله عليه وسلم فإنكاره لإطلاق السيد إنما هو إنكار إطلاق تسمية، وأما قوله في الحديث الآخر: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» إنما هو إطلاق صفة والمتقرر في القواعد أنه يجوز في إطلاق الصفات ما لا يجوز في إطلاق الأسماء.
410) إننا نقر بأن أرواح المؤمنين الذين ماتوا الآن في الجنة، مع أن أبدانهم في الأرض، وأمر الروح لا يعلم تفاصيله ودقائقه إلا الله تبارك وتعالى.
411) المتقرر عند العلماء أنه يجوز في باب التسليم في المجادلات والمناظرات ما لا يجوز في غيره، كأن تسمع من أحد خطأ فتقول له سلمت لك ما تقول ولكن كيف تقول في كذا وكذا، فهذا التسليم في غير باب المناظرة لا يجوز، لكن من باب التنزل مع الخصم لإفحامه وكسر حجته فيجوز لك أن تتنزل معه وأن تقول من اللفاظ ما لا يجوز قوله في غير باب المجادلات والمناظرات.
412) اعلم رحمك الله أن الأشاعرة والماتريدية عارضوا في مسألة الحرف والصوت، فقالوا :نحن نؤمن بأن الله يتكلم ولكنه الكلام النفسي الذي لا صوت فيه ولا حرف، فليس كلام الله تعالى مسموعا بالآذان.
413) والمتقرر عند العلماء أن كل فهم خالف فهم السلف في مسائل العقيدة والعمل فإنه باطل.
414) خلاصة معتقدنا في كلام الله تعالى أن الله متكلم بما شاء كيفما شاء متى شاء , الثانية: أن كلام الله تعالى بحرف وصوت يسمعه من يشاء , الثالثة: أن كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد, فمن اعتقد هذا الاعتقاد في هذه الصفة العظيمة الكبيرة الجليلة الفخمة من صفاته تعالى فهو من أهل السنة والجماعة.
415) كلام الله ليس بمخلوق، إذًا لو كان مخلوقا لما جازت الاستعاذة به، فالاستعاذة بالمخلوق لا تجوز في الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله باتفاق أهل السنة والجماعة، فإذا كان كلامه مما يستعاذ به فكلامه إذًا غير مخلوق، والقرآن من كلامه، فيكون القرآن غير مخلوق.
416) المتقرر عند العلماء رحمهم الله تعالى أن الألفاظ المجملة لا تقبل مطلقا ولا ترد مطلقا، بل هي موقوفة على الاستفصال حتى يتميز حقها فيقبل من باطلها فيرد.
417) أجع العلماء على أن سورة الفاتحة هي أعظم سور القرآن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم .
418) أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن آية الكرسي هي أعظم آي القرآن لا باعتبار المتكلم بها وإنما باعتبار دلالتها ومضمون معانيها العظيمة.
419) بما أن الإمام الطحاوي رحمه الله أثبت أن القرآن كلام الله والكلام صفة من صفاته تبارك وتعالى إذًا يجوز الحلف بالمصحف على أنه كلام الله، والمتقرر عند أهل السنة أنه لا يحلف إلا باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته، فيجوز لك أن تحلف بالقرآن كله أو ببعضه، فيجوز لك أن تقول والمصحف باعتبار أنه كلام الله لا باعتبار أوراقه أو الحبر الذي كتب به وإنما باعتبار كونه كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، ويجوز لك أن تقول أقسم بسورة البقرة، لأنها كلام الله تعالى فكما أنه يجوز أن تحلف بوجه الله وبيد الله وبعين الله فيجوز لك أن تحلف بكلام الله، والقرآن كلام الله فيجوز حينئذ الحلف به على هذا الاعتبار فقط لا غير.
420) لا يجوز للعالم أن يأخذ بالرخصة التي تتضمن المفاسد الخالصة أو الراجحة، لكن إذا كان الأمر فيه سعة والحق واضح أبلج وفي الأرض من يقول به ثم أكره أحد العلماء في أطراف البلد على القول بشيء وإلا قتل فله رخصة ومندوحة في أن يقول إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان.
421) اتفق الفقهاء على أن من أنكر القرآن أو أنكر حرفا منه لم تختلف فيه القراءات أو استهزأ بشيء من القرآن أو سورة من سوره فإنه كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
422) قال الإمام النووي رحمه الله: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا على ما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر، انتهى كلامه رحمه الله.
423) يجب علينا أن نعتقد أن جميع ما أنزله الله تعالى من الكتب على أنبيائه سواء أعلمنا أسماءها بالدليل الصحيح أو لم نعلم أسماءها يجب علينا فيها جميعا أن نعتقد أنها كلام الله منزلة غير مخلوقة ولا يجوز لنا أن نعتقد في شيء منها أنه من كلام جبريل ابتداء أو من كلام النبي أو الرسول الذي نزلت عليه ابتداء، بل هي كلام الله تعالى منزلة غير مخلوقة.
424) لا يجوز تعظيم اليمين بالحلف على المصحف لعدم وجود الدليل الدال على أن هذا مما تعظم اليمين به والأمور في مثل ذلك مبناها على التوقيف.
425) نحن معاشر أهل السنة والجماعة نؤمن إيمانًا جازمًا بأنه لا يعلم كيفية شيء من صفات الله على ما هي عليه إلا الله تبارك وتعالى.
426) أجمع أهل السنة على حرمة السؤال عن كيفية شيء من صفات الله تعالى
427) الرؤية الصالحة الصادقة تدخل في مسمى الوحي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤية الصالحة جزء من ست وأربعين جزء من النبوة».
428) الوحي بالمعنى الخاص: هو ذلك الوحي الذي تحصل به النبوة والرسالة، ٍوهو المذكور في قول الله تعالى "إنا أوحينا إليك"، أي وحيا خاصا تحصل به النبوة والرسالة " كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده" أي وحيا خاصا تحصل به النبوة والرسالة.
429) الذي انقطع من الوحي هو الوحي الخاص الذي تحصل به النبوة والرسالة وهذا باتفاق المسلمين، فآخر من نزل عليه الوحي بهذا المعنى إنما هو محمد .
430) وأما الوحي بالمعنى العام الذي يدخل فيه الإلهام والتحديث والرؤية الصالحة فإنه باق في الأمة ولله الحمد والمنة، يختص الله تعالى به من يشاء.
431) أجمع أهل السنة قاطبة على أن المؤمنين يرون الله في الجنة رؤية عيان بأبصارهم على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، وقد تواتر نقل الإجماع في هذه المسألة عن أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في ذلك أحد ممن ينتسب لأهل السنة، وإنما المخالف في ذلك معدود من أهل البدع.
432) المتقرر عند العلماء أن من أنكر الإجماع القطعي المعلوم من الدين بالضرورة فإنه كافر.
433) المتقرر عندنا أن كل تفسير جرى على غير المشهور في لسان العرب فإنه باطل.
434) والمتقرر كذلك : أن كل فهم في نصوص الاعتقاد يخالف فهم سلف الأمة وأئمتها فإنه باطل، وقد اجتمع في تفسير الجهمية هذان الأمران جميعا، فخالفوا بتفسيرهم لغة العرب وما تقرر في لسانهم وخالفوا بذلك فهم السلف الصالح رحمهم الله.
435) ذكر الشافعي رحمه الله أن الله لما عاقب الكفار بالاحتجاب عنهم يوم القيامة أفاد ذلك ضمنا أنه لم يحتجب عن عباده المؤمنين إذ لو كان الله لا يُرى في الآخرة ويحتجب عن الجميع فلماذا خص الاحتجاب في هذه الآية بالكفار؟ وهذا يسميه الأصوليون الاستدلال بالتضمن أو الاستدلال بالإشارة.
436) تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات رؤية الله، فأحاديث إثبات الرؤية متواترة.
437) روى أحاديث الرؤية أكثر من ثلاثين صحابيا ولا جرم أن هذا العدد الهائل من الرواة لهذه المسألة دليل على أنها مما تواتر فيها النقل، بل حتى لو لم يوجد في السنة دليل يثبتها فهي عقيدة متواترة لأن القرآن دل عليها والقرآن كله متواتر.
438) إذا أنكر إنسان رؤية الله تعالى يوم القيامة بعد دخول أهل الجنة الجنة فلا يخلو من حالتين، إما أن يكون إنكار جحود وتكذيب بمعنى أنه علم بمواقع الأدلة وعرف دلالتها ولا شبهة عنده ولكنه كذب بمقتضى ما دلت عليه هذه الأدلة.
فإن كان إنكاره إنكار تكذيب فلا جرم أنه كافر في هذه الحالة لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة وكل من أنكر معلوما من الدين بالضرورة فإنه يكفر، ولأنه جاحد لأخبار القرآن ومتواتر السنة، ومن جحد شيئا من أخبار القرآن فقد كذب الله، ومن كذب الله فقد كفر.
وأما إذا كان إنكاره إنكار تأويل وشبهة فهو مقر بهذه الأدلة ومؤمن بها ولكنه يفهم معناها خطأ لشبهة عرضت له، فحينئذ قبل أن نحكم عليه بمقتضى إنكاره لا بد أولا أن نكشف الشبهة عنه وأن نكشف هذا التأويل الباطل عنه، فإن عرف وانكشف وأصر فإنه في هذه الحالة لا جرم أنه يكفر.
439) الرؤية قبل دخول الجنة فهي رؤية الله في العرصات، فإن قلت: وهل يُرى الله في العرصات؟ فأقول: نعم، يرى الله تعالى في العرصات رؤية عيان تليق بجلاله وعظمته , فإن قلت: ومن الذي يرى الله تعالى في العرصات؟ نقول: إن العرصات فيها ثلاثة أقسام من الناس، فيها المؤمنون الخُلص وفيها الكفار الخُلص وفيها المنافقون فمن الذي يرى الله تعالى في العرصات؟ وهذه المسألة فيها خلاف دائر في مذهب أهل السنة والجماعة وبناء على ذلك فليس من المسائل العقدية الكبار التي يُوالى ويُعادى عليها أن يُكفر أو يبدع أو يُفسق أو يخرج عن دائرة أهل السنة والجماعة من خالفك فيها، لأن من قواعد أهل السنة المتقررة أن المخالفة في مسألة ثبت الخلاف فيها عن أهل السنة والجماعة لا تخرجك عن دائرتهم لأنها مسألة اجتهادية والخلاف فيها سائغ.
440) المتقرر عند العلماء رحمهم الله أن مسائل الغيب مبنية على التوقيف فلا اجتهاد فيها، فبما أنها مسألة مبنية على التوقيف فلا يجوز لنا أن نثبت شيئا منها إلا وعلى هذا الإثبات دليل.
441) اتفق أهل البدع على عدم الإيمان برؤية الله تعالى لا في العرصات ولا بعد دخول الجنة، فلم يؤمن بهذه العقيدة العظيمة إلا أهل السنة والجماعة.
442) المتقرر عند أهل البدع من المعتزلة وغيرهم أن العقائد لا يقبل فيها أخبار الآحاد، فلأن الأحاديث التي تثبت رؤية الله تعالى بعد دخول الجنة أحاديث آحاد فيعتذر المعتزلة عن قبولها بأن المسألة عقدية والعقائد لا تثبت إلا بالمتواترات - كذا قالوا ولبئس ما قالوا-.
443) أجمع عامة سلف الأمة على أن قوله ((لن تراني)) إنما هو نفي للرؤية في الدنيا دون الآخرة.
444) كل من خالف مسألة عقدية صحيحة فإنما سبب مخالفته أصل باطل، وهذا هو الذي دعا العبد الضعيف العاجز في تأليف رسالة القواعد الباطلة والأصول العاطلة، جمعت فيها قواعد العقيدة التي يقررها أهل البدع والتي أنتجت هذه العقائد الباطلة.
أجمع العلماء على أن أحدا لا يستطيع رؤية الله تعالى في هذه الدنيا ولم ير أحد من الخلق الله تعالى في هذه الدنيا يقظة بعيني رأسه، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم رحمه الله ، وإنما اختلفوا في شخص واحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة أُسري به أم لم يره؟ على قولين : والقول الصحيح الذي جرى عليه أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أهل السنة والجماعة بل حُكي إجماعا كما حكاه الدارمي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة أُسري به والقول الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة أُسري به وإنما رأى نورا.
445) إذا قيل لكم يا طلبة العلم هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فبماذا تجيبون؟ الجواب نقول: أما رؤية يقظة بعين رأسه فإنه لم يره، وأما رؤية منامية فقد رآه على الصفة التي يريدها الله تعالى
446) كلما كانت الرؤيا في المنام حسنة كلما كان دليلا على قوة إيمان صاحبها.
447) لم ير أحد من الملائكة الله تعالى فالله تعالى لم يره ولن يراه في الدنيا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح، وإنما رؤية الله تعالى تكون في الجنة على الكيفية التي يريدها الله تعالى
448) أهل الدين والإيمان والطاعة فإنهم لا يخافون الموت، بل ربما يتمانه بعضهم بسبب الفتنة خوفا على دينه؟ فمن أحب لقاء الله وصدق في الشوق لرؤية الله تعالى مكنه الله تعالى من ذلك.
449) حكم الصلاة خلف من ينكر رؤية الله تبارك وتعالى: لا تصح الصلاة خلفه لأن بدعته توجب كفره، فإننا ذكرنا في أول شرح هذه العقيدة المباركة أن من أنكر رؤية الله وكان إنكاره جحودا وتكذيبا بما ثبتت به الأدلة وتواترت به النصوص فإنه كافر فالبدعة التي ارتكبها هذا الشخص تخرجه عن دائرة الإسلام بالكلية، وبناء على ذلك فإذا علمت من شخص أنه ينكر رؤية الله تعالى فلا يصلح أن تأتم به، لأن من شروط صحة الإئتمام إسلام الإمام، ولأن المتقرر عند العلماء أن صاحب البدعة المكفرة نعامله كما نعامل سائر الكفرة، وأما صاحب البدعة المفسقة فنعامله كما نعامل عصاة الفسقة ونغلظ عليه ونشدد عليه.
450) الرؤية التي تنفيها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي رؤية اليقظة، والرؤية التي يثبتها ابن عباس رضي الله عنه إنما هي رؤية الفؤاد أي رؤية المنام، فلا إشكال في هذا ولله الحمد.
451) أهل السنة والجماعة متفقون على وجوب التسليم للدليل وعدم معارضته، وهذا إجماع قطعي عند العلماء رحمهم الله تعالى، بل إن الله تعالى جعل هذا التسليم والإذعان علامة للإيمان وشرط له.
452) جميع من ضل في باب العقيدة إنما ضل بسبب إتباع الأهواء لأن أسباب الضلال كثيرة ومن أصول الضلال العظيمة إتباع الأهواء.
453) أكثر من الدعاء، اللهم إني أعوذ بك من الشبهات والشهوات.
454) المتقرر عند أهل السنة والجماعة أنه لا يتعارض عقل مع نقل، فمتى ما كان النص صحيحا وكان العقل صريحا فلا يمكن أبدا أن توجد معارضة بين عقل ونقل.
455) قاعدة عند أهل السنة والجماعة أيضا وهي: أن المتشابه يرد إلى المحكم، وأم المحتمل يرد إلى الصريح، فمتى ما عرضت لعقلك شبهة يريد الشيطان أن يكدر بها صفو عقيدة قد استقرت في قلبك بالأدلة المحكمة فإن أول علاج تتعامل معه هو أن ترد هذا الأمر المتشابه فيه إلى الأمر المحكم الصريح.
456) قاعدة: نصوص الصفات من المحكمات باعتبار معانيها ومن المتشابهات باعتبار كيفياتها.
457) التأويل له ثلاث معان : معنيان مقبولان ومعنى فيه تفصيل.
أما المعنى الأول: فهو التأويل بمعنى حقيقة الشيء التي يؤول إليها، فهذا معنى قد أجمع السلف على قبوله، وكل تأويل في القرآن إنما يراد به حقيقة الشيء, المعنى الثاني: التأويل بمعنى التفسير، ومنه قول الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: القول في تأويل قول الله تعالى كذا وكذا هو كذا وكذا، وهذا أيضا متفق بين السلف رحمهم الله تعالى على قبوله، فهذان المعنيان هما الواردان على لسان أهل السنة والجماعة والواردان في الكتاب والسنة , ولكن أحدث أهل البدع معناً للتأويل ثالثا وهو التأويل بمعنى الانصراف عن الظاهر بمعنى آخر , هذا المعنى من التأويل فيه تفصيل :
فإن كان هذا الانصراف بمقتضى القرينة المقبولة والدليل الصحيح فهو تأويل مقبول.
وأما إذا كان هذا الانصراف لا عن قرينة ولا بمقتضى دليل صحيح فإنه تأويل غير مقبول
458) فإذًا صارت معاني التأويل ثلاثة أقسام :
أما التأويل بمعنى حقيقة الشيء التي يؤول ويرجع إليها فهو معنى مقبول باتفاق .
وأما التأويل بمعنى التفسير فهو معنى مقبول اتفاقا.
وأما التأويل بمعنى الانصراف من الظاهر إلى معنى آخر فإن فيه تفصيلا : فإن كان الانصراف بمقتضى النص والقرينة الظاهرة المقبولة فهو تأويل مقبول وإن كان الانصراف بلا قرينة ولا دليل صحيح معتمد فإنه لا يقبل والأصح أن نسميه تحريف وليس تأويلا.
459) من أراد الهدى والاستقامة في تعامله مع الدليل فليحرص على ألا يعترض على الأدلة الصحيحة بشيء.
460) ثلاث قواعد : معارضة الحق بالعقل، تنفيها قاعدة لا يتعارض نص صحيح مع عقل صريح، ومعارضة النصوص بالشهوات، تنفيها قاعدة لا يجوز تقديم الأهواء والشهوات على الحق، لأن من اتبع الهوى هوى ، والقاعدة الثالثة أن النص الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع الواقع الصريح.
461) قاعدة عظيمة عند أهل السنة من قواعد العقل تقول: النقل عصمة للعقل.
462) كلما كان العقل تابعا للنقل كلما كانت نتائجه صحيحة .
463) لا عاطفة مع نقل ولا عقل مع نقل.
464) لا يجوز محاكمة النقول لقواعد محدثة.
465) قاعدة: الباطل لا يرد بالباطل بل بالحق، وهذه قاعدة عظيمة عند أهل السنة والجماعة رحمهم الله، بل هي قاعدة من القواعد الحياتية والدينية التي ينتفع الإنسان بها في أمور حياته وأمور دينه، فهي قاعدة دين ودنيا.
466) قاعدة مهمة: التمثيل بوابة التعطيل.
467) اعلم رحمك الله تعالى أن أول من قال بتمثيل الله بخلقه: عدة أشخاص لا خلاق لهم، ويجمعهم أنهم على مذاهب الرافضة، لعلنهم الله، فأول من عرف بالقول بالتمثيل : رجل يقال له هشام بن الحكم الرافضِي، وإليه تنسب فرقة يقال لها الهشامية، وهم يزعمون ويعتقدون أن معبودهم جسم من الأجسام وله نهاية وحد.
468) الرافضة في أول أمرها كانت على مذهب أهل التمثيل، ولكن لم اختلط علمائهم بالمعتزلة في آخر أمرهم انقلبوا من مذهب التمثيل إلى مذهب التعطيل، فأوائل الرافضة كانوا ممثلة، وأواخرهم انقلبوا إلى مذهب التعطيل.
469) قاعدة: الاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات.
470) قاعدة: صفات الله لا يجوز تسليط النفي والتشبيه عليها .
471) كل نص من نصوص الصفات فالواجب علينا فيها ثلاثة أمور.
أولا إثبات الصفة التي يدور حولها النص، فلا تنفي شيئا مما أثبته الكتاب والسنة.
والأصل الثاني: إثبات أنها لا تماثل شيئا من صفات المخلوقات المحدثات وهذا فيه قطع دابر بالتمثيل أو التشبيه.
والأصل الثالث: قطع الطمع في التعرف على شيء من كيفيات ما غيبة الله تعالى من صفاته.
472) قاعدة: كل ما خطر في بالك عن الله تعالى من الكيفيات فالله بخلاف ذلك.
473) أجمع أهل العلم أنه لا يجوز للإنسان أن يطلق العنان لعقله ولا لتفكيره، في التفكير في شيء من كيفيات صفات الله تعالى لكن أن يتأمل معانيها أن يتأمل دلالاتها أن يتعبد لله تعالى بمقتضاها هذا هو الواجب علينا تجاه هذه الأشياء.
474) قاعدة: لا يستعمل في حق الله تعالى من الأقيسة إلا القياس الأولى.
475) الممثل يعبد صنما والمعطل يعبد عدما والموحد يعبد إلها واحدا.
476) قاعدة: الله له الكمال المطلق في جميع صفاته فكل صفة نثبتها للهتعالى فلله أعلاها وأكملها وغايتها ونهايتها فالله له القوة المطلقة والعلو المطلق والقدرة المطلقة والسمع المطلق والبصر المطلق والحياة المطلقة وهكذا في سائر صفات الله تعالى.
477) قاعدة: من وصف المخلوق بشيء من خصائص الخالق فقد أشرك.
478) من وصف المخلوق بأنه يعلم شيء من الغيب المطلق فقد أشرك.
479) قاعدة: كل من أنكر شيئا من كمال الله فقد جرح تنزيهه بقدر ما أنكر.
480) المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن المذهب الحق قائم على الإثبات المفصل والنفي المجمل وهذه قاعدة من قواعد أهل السنة لكن ما ذكره الإمام الطحاوي رحمه الله في هذه القطعة (وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) لم يجري على حقيقة أهل السنة والجماعة لأنه فصل في النفي رحمه الله فقد نفى عن الله تعالى الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات وهذا من النفي المفصل الذي لم يجري عليه أهل السنة والجماعة وهذا الموضع من جملة المؤاخذات التي أخذها أهل السنة على هذه العقيدة المباركة وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه وإذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث.
لو أن الإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ فصل في النفي الذي ورد نفيه في الكتاب والسنة والأدلة الصحيحة لهان الأمر ولكنه خالف منهج أهل السنة والجماعة ـ رحمه الله ـ في جزئيتين:ـ الجزئية الأولى: أنه فصل في النفي وهذا على خلاف مذهب أهل السنة والثانية : أننا لما رأينا الصفات التي نفاها وجدناها من الصفات المجملة التي تحتمل الحق والباطل , والإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ قد أجمل في نفيها ولم يفصل وهذا مجانب لمذهب أهل السنة والجماعة فهذه من المواضع التي وددنا أن الإمام الطحاوي ـ رحمه الله ـ لم يوردها في عقيدته لأن من المعلوم المتقرر عند أهل السنة والجماعة ـ رحمهم الله ـ أن ما كان من الألفاظ مجملا محتملا للحق والباطل فإننا لا نثبته ونطلق في إثباته ولا ننفيه ونطلق في نفيه وإنما هو موقوف على الاستفصال حتى يتميز حقه ويقبل من باطله فيرد مع أننا نجزم جزم المتيقنين من باب إحسان الظن بهذا العلم الحبر من أهل السنة والجماعة أنه لا يريد بهذا النفي إلا النفي الحق الذي يتضمن المعني الحق ولكن حتى وإن كان مقصوده الحق إلا أنه يفتح بهذا النفي بابا لأهل البدع أن يلجوا في باطلهم فيه.
481) المتقرر عندنا أن ما لم ترد الأدلة بإثباته فلا يجوز إثباته ، وما لم ترد الأدلة بنفيه فلا يجوز نفيه ، وما كان مجمل يحتمل الحق والباطل فإننا لا نثبته ولا ننفيه وإنما هو موقوف على الاستفصال حتى يتميز حقه فيقبل من باطلها فيرد.
482) نعتذر للإمام الطحاوي ولكن نقول: قد خالف أهل السنة والجماعة في هاتين الجزئيتين:
الجزئية الأولى: خالف قاعدتهم في النفي المجمل.
والأمر الثاني: خالفهم في نفي الألفاظ المجملة بلا تفصيل.
483) المتقرر عندنا أن التعبير عن عقائد المسلمين بألفاظ النصوص أولى نفيا وإثباتا.
484) سلامة المقاصد لا تسوغ الوقوع في المخالفات.
485) إذا قيل لك: ما معنى الحد الذي أثبته أهل السنة؟ فقل: معناه أي الفاصل والمميز بين الشيئين بمعنى أن الله له حد يفصله عن خلقه تعالى فليس في ذوات خلقه شيء من ذاته وليس في ذاته شيء من ذوات خلقه فهو بائن من خلقه تعالى وإن كانوا يعنون بأن له حدا تدركه عقولهم وتكيفه أفهامهم فهذا باطل وهو المعنى الباطل الذي نفاه أهل السنة والجماعة.
486) الحد الذي يثبته أهل السنة إنما هو الحد الذي يميز الخالق عن المخلوق ويفصل الخالق عن المخلوق وهو ذلك الحد الذي لا يعلم كيفيته إلا الله تعالى
487) الغايات المنسوبة للهتعالى ثلاث: غايتان مثبتتان وغاية منفية.
فالغاية الأولى: أنه خلق الخلق لعبادته وهذه الغاية الشرعية من إيجاد الخلق.
والغاية الثانية: الغاية الكونية من إيجاد الخلق وهي الاختلاف والتمييز.
والغاية الثالثة: أنه خلقهم محتاج لهم أن ينفعوه أو يكشفوا عنه شيئا أو يوصلوا إليه خيرا فإن تلك الغاية منتفية عن الله تعالى.
488) ينبغي أن نعتذر عن الأخطاء العقدية التي وقع فيها الإمام النووي والإمام ابن الجوزي والإمام ابن حجر رحم الله الجميع رحمة واسعة وغفر لهم وأجزل لهم الأجر والمثوبة وجعل قبورهم روضة من رياض الجنة وجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
489) إن كان يقصد بنفي الجهة عن الله نفي العلو المطلق فهذا باطل لأن العلو المطلق من صفات الله تعالى الذاتية الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم رحمهم الله.
490) إن كان المقصود بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أي التوسل بذاته فهذا من التوسل البدعي الذي منعه أهل السنة والجماعة، وإن كان المقصود بالتوسل بالنبي أي التوسل بجاهه، فإن هذا أيضا من التوسل البدعي الذي منعه أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى، وكل حديث في التوسل بجاهه فموضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان المقصود بالتوسل به أي التوسل بالإيمان به وبطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه واتباع شريعته، فلا جرم أنه وسيلة بيننا وبين الله تعالى في هذا الأمر فنحن نتوسل إلى الله بالإيمان به، ونتوسل إلى الله تعالى بحبه، ونتوسل إلى الله تعالى بطاعته وامتثال أمره صلى الله عليه وسلم ، لأن كل ذلك من الطاعات والأعمال الصالحات، والتوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة من الأمور التي دلت الأدلة على جواز التوسل بها.
491) أهل السنة مجمعون على أن من جملة ما وقع في حياته صلى الله عليه وسلم من الأمور المعجزة العظيمة أنه أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنه عُرج به إلى السماء السابعة.
492) حادثة الإسراء والمعراج إنما وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فقط ولم تتكرر حتى قبضه الله تعالى
493) جماهير أهل العلم يرون أن حادثة الإسراء والمعراج وقعت قبل الهجرة ولكن اختلفوا في المدة التي حدث فيها قبل الهجرة فمنهم من قال وقعت قبل الهجرة بخمس سنين ، ومنهم من قال بثلاث سنين ، ومنهم من قال بسنة واحدة.
494) الحق الحقيق بالقبول هو أن الإسراء والمعراج كانا بروحه وجسده على حد سواء فقد أسري وعرج بروحه وجسده r وهذا الذي قرره الإمام الطحاوي رحمه الله وهو قول أكثر أهل السنة والجماعة بل هو قول جماهير أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
495) المتقرر في قواعد التحديث أن اللفظ إذا كان شاذًا فإنه يعتبر ضعيفا لأن الثقة إذا خالف الثقات فإن روايته تعتبر شاذة.
من أنكر الإسراء والمعراج وكذب بهما ونفاهما لا جرم أنه يكفر إن كان إنكاره انكار جحود وتكذيب لأنه كذب بما ثبتت به الأدلة المتواترة وصار معلوما من الدين بالضرورة ومن كذب بما أخبر به النص الصحيح الصريح فإنه كافر وإن كان إنكاره انكار تأويل وشبهة فقبل أن نحكم عليه بالكفر فلا بد من كشف الشبهة وإزالة التأويل عنه أولا حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر من خالفها فإن انكشفت الشبهة وعرف ولكن أصر كفر.
496) وهل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالانبياء بأجسادهم أم بأرواحهم؟ الجواب: فيه قولان لأهل العلم والأقرب الذي عليه الأكثر أنه صلى بالأرواح التي مثلت في صورة الأجساد خلا عيسى عليه السلام فإنه بروحه وجسده فالأنبياء الذين صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى بأرواحهم التي مثلت في صورة الأجساد خلا عيسى عليه السلام.
497) المتقرر عند العلماء أن كل فعل توفر سببه على عهد النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ولم يفعله اختيارًا فإن المشروع تركه.
498) القول الصحيح هو التفصيل وهو أن ليلة الإسراء أفضل باعتبار النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فهي أفضل في حقه وأما ليلة القدر فهي أفضل باعتبار النظر إلى أمته.
499) الإسراء والمعراج حصلتا في ليلة واحدة فمبتدأ المعراج في أصح القولين كان من المسجد الأقصى بعد أن صلى النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بالأنبياء ، وأما الروايات التي تصرح بأنه من المسجد الحرام فإنما هي روايات مختصرة.
500) قاعدة أهل السنة في العوالم الغيبية وهي : أن ما كان من العوالم الغيبية فمبناه على التوقيف نعني بذلك أننا لا نثبت لعالم الملائكة إلا ما أثبته النص ولا ننفي عن عالم الملائكة إلا ما نفاه النص ، وما لم يرد النص بإثباته ولا نفيه فلا يحق لأحد أن يثبته ولا أن ينفيه.
501) اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في تفسير صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم على أقوالٍ وأصح هذه الأقوال هو ما اختاره الإمام أبو العالية رحمه الله تعالى فقد روى الإمام البخاري في صحيحه معلقًا بسند صحيح من حديث أبي العالية أنه قال: صلاة الله على عباده أو قال على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
502) حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: في ذلك خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى والأقرب والله أعلم أنها سنة ابتداءً وواجب عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.
503) المتقرر في قواعد الأصوليين أن مما يعرف به الواجب العقوبة على الترك ، فكل فعل علق الشارع على تركه عقوبة فإنه من جملة الواجبات.
504) وردت الأدلة مفضلة بعض الأزمنة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومنها عند ذكر اسمه ، وفي ليلة الجمعة ويوم الجمعة، وعند افتتاح الدعاء واختتامه ، وفي التشهد في الصلاة ، وعند دخول المسجد في الأصح والخروج منه، وعند حلول الكروب والهموم والغموم ؛ وقد ذكرت المواضع كلها في شرحي لقواعد الإمام ابن سعدي رحمه الله تعالى في مقدمة الشرح.
505) دعاء العبادة عند أهل السنة أعظم في التعبد من مجرد دعاء المسألة، وكلما كان دعاء المسألة ضمن دعاء العبادة كلما كان أوقع .
506) العلماء قالوا: إن من مقتضيات إجابة دعاء المسألة أن يسبق بدعاء عبادة ولذلك قبل أن تدعو بالاستخارة ماذا تفعل؟ تصلي ركعتين وصلاتك دعاء عبادة فسُبق دعاء العبادة بدعاء المسألة من باب التوسل به.
507) أفضل دعاء المسألة هو ما كان في الصلاة.
508) أعظم الدعاء دعاء السجود في الصلاة وأعظمه سجود الفرض لأن الفرض أعظم من النفل ولذلك أقرب ما يستجاب الدعاء دعاء السجود يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» والسجود دعاء عبادة «فأكثروا الدعاء».
509) النبي rفي رواية جمع بين إبراهيم وآل إبراهيم وهي الرواية التي غفل عنها أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى فقال: ولم يرد في السنة الصحيحة الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم وإنما كما صليت على إبراهيم في العالمين وليس في السنة وآل إبراهيم - ولكن لكل جواد كبوة- ، والله تعالى يجري هذا النقص الجزئي على من كمل حتى يُظهر للناس أنه مهما بلغ في صفات الكمال فلا يزال بشرًا.
510) المتقرر عند العلماء أن العبادة بكيفها لا بكمها فالله تعالى لا ينظر إلى أعداد تعبداتك كثيرة أو قليلة ، وإنما ينظر إلى كيفية إيقاعك لهذه العبادة فالكثرة والقلة لا شأن للشارع بها ما لم يكن منصوصًا عليها وإنما العبرة عند الشارع بالكيف.
511) قاعدة : متى ما تعارض كيف العبادة وكمها فيقدم الكيف على الكم ، وهذه قاعدة ذكرها الإمام ابن رجب رحمه الله في قواعده العظيمة الرائعة الفخمة.
512) حكم الصلاة على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم: في ذلك خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى والقول الصحيح والرأي الراجح المليح هو جوازها ما لم تتخذ شعارًا عليه واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى.
513) المتقرر عند العلماء أنه لا مدخل للاجتهادات والآراء والعقول والأقيسة فيما كان من باب الغيب.
514) المتقرر عند العلماء أن الأصل في ألفاظ الذكر التوقيف فلا يزاد فيها ولا ينقص.
515) لا جرم أن المحققين من العلماء اختاروا أن الأفضل هو قرن السلام بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لمتابعة النص الوارد في ذلك.
516) الإيمان باليوم الآخر فرض عينٍ على كل مُكلفٍ وهو ركنٍ من أركان الإيمان لا يكون إيمان العبد ولا يصح إلا بتحقيقه.
517) أجمع العلماء: على أن الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان وشروط صحته فمن لا يُؤمن باليوم الآخر فإنه كافر.
518) الأدلة المُثبتة للحوض قد بلغت مبلغ التواتر المعنوي واللفظي, فقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم قُرابة الخمسين صحابيًا كلهم يروون هذه المسألة وتلك القضية بخصوصها.
519) القول الصحيح : أن الحوض ليس هو الكوثر .
520) من يدخل على الملوك والأمراء فيصدقهم في كذبهم ويُعينهم على ظلمهم, فمن يدخل على الملوك والأمراء فيُؤيدهم فيما يكذبون به على الدين ويخترعونه من الأحاديث والأحكام الشرعية وهو يهُز رأسه مُوافقًا لهم ومُؤيدًا لكذبهم ويُعينهم مع ذلك على ظلمهم؛ فإنه محرومٌ من الشُرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, كما ثبت بذلك النص الصحيح الصريح عنه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: في الحديث الصحيح: «فمن دخل عليهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد عليَّ الحوض», أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
521) المُتقرر في قواعد التحديث عند نُقاد الحديث وعلمائه: أن الصحابي إذا قال قولًا لا مجال للرأي ولا للاجتهاد فيه فإن لقوله حُكم الرفع.
522) المُتقرر في القواعد عند أهل السُنة والجماعة: أن الأصل بقاء اللفظ على ظاهره, ولا يجوز الانصراف عن الظاهر إلى التأويل إلا بدليلٍ يقتضي ذلك الانصراف وإلا فنكون بالانصراف بلا دليل من جُملة أهل التحريف.
523) الأصل المُتقرر عند أهل السُنة هو حمل الكلام على حقيقته لا مجازه بلا قرينةٍ تقتضي هذا الحمل.
524) المُتقرر عند العلماء: أن اللفظ إذا فُسر بتفسيرين لا تنافي بينهما فإنه يُحمل عليهما ، فقوله صلى الله عليه وسلم: «آنيته كنجوم السماء», أي في كثرتها وفي جمالها وبهائها وروعتها وإشراقها.
525) هل الحوض قبل الصراط أم بعده؟ نقول: في ذلك خلافٌ بين أهل السُنة والجماعة -رحمهم الله تعالى-، والجمهور على أنه قبل الصراط لأن الأحاديث التي فيها صفة الحوض قد ذكرت أن أُناسًا يُذادون عنه, ويُدفعون عنه ويُؤخذ بهم إلى النار وهذا إنما يكون قبل الصراط لأنه ليس بعد الصراط إلا المحاصة فالقنطرة ثم دخول الجنة.
526) هل الحوض قبل الميزان أم بعده؟ نقول : في ذلك خلافٌ بين أهل العلم رحمهم الله تعالى والقول الأقرب: أنه قبل الميزان وهذا قول أكثر أهل السُنة والجماعة رحمهم الله تعالى.
527) يسر بعض أهل العلم نظم ذلك بقوله: «حمص».
- فالفاء: عبارةٌ عن الحوض.
- والميم: عبارةٌ عن الميزان.
- والصاد: عبارةٌ عن الصراط.
هكذا قالوا رحمهم الله ، وهذا أ رجح الأقوال في ترتيب هذه العرصات فأول ما يمر الناس عليه بعد قبورهم هو الحوض ، ثم بعد ذلك الميزان ، ثم بعد ذلك تطاير صُحف الأعمال ، ثم بعد ذلك الصراط ، ثم بعد ذلك القنطرة والمُقاصة ، ثم بعد ذلك دخول الجنة نسأل الله أن يجعلنا من أهل النجاة في الدنيا والآخرة.
528) القول الأقرب عندي: أن مُسمى الوضوء العام كان معروفًا في الأمم الماضية؛ ولكن الذي اختُصت به هذه الأمة, إنما هو الأثر أي السيمه والعلامة التي اختص الله تعالى بها هذه الأمة دون سائر الأمم.
529) المُتقرر عند العلماء: أن البدل له حُكم المُبدل في خصائصه لا في أحكامه ، فجميع الخصائص المُترتبة على الوضوء – لا الأحكام - فإنها تترتب على التيمم سواءً بسواء.
530) المُتقرر عند العلماء: أن من كان عازمًا على الفعل ثم أعجزه وأقعده عنه العُذر الشرعي فيُكتب له أجر الفعل المعجوز عنه تمامًا.
531) المُتقرر عند أهل السُنة والجماعة: أن من دعى غير الله دعاء مسألةٍ في الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى فقد اتخذه شريكًا مع الله.
532) كُلُ شفاعةٍ يُظنها المشركون في معبوداتهم فإنها مُنتفيةٌ يوم القيامة.
533) الأصل في الشفاعات يوم القيامة التوقيف على الأدلة .
الشفاعة في أهل الكبائر وقد قسم العلماء من أهل السُنة والجماعة رحمهم الله هذه الشفاعة إلى قسمين: القسم الأول: الشفاعة في قومٍ من أهل الكبائر استحقوا النار ألا يدخلوها فتُدركهم رحمة الله تعالى بالشفاعة قبل دخولهم في النار فلا يدخلوها وأما القسم الثاني: من أقسام الشفاعة في أهل الكبائر فهي الشفاعة في قومٍ من أهل الكبائر دخلوا النار فيخرجون منها, وقد تواترت الأدلة في إثبات هذه الشفاعة.
534) لا شفاعة مُثبتةً إلا بالإذن والرضا .
535) كل شفاعةٍ منفيةٍ في القرآن فهي مخصوصةٌ بالكفار.
536) المُتقرر في قواعد الأصول: أنه لا تعارض بين عامٍ ولا خاص.
537) لا يخلُد في النار أحدٌ ممن معه أصل الإسلام والإيمان، لا يخلُد في النار ممن معه أصل التوحيد والإيمان.
538) كُلُ نصٍ فيه تحريم الجنة على أحدٍ من أهل الكبائر فيُراد به مُطلق التحريم لا التحريم المُطلق.
539) كُلُ نصٍ فيه أن بعض أصحاب الكبائر لا يدخلون الجنة فيُراد به نفي الدخول الابتدائي لا الانتقالي.
540) أسباب نيل الشفاعة يوم القيامة مبناها على التوقيف.
541) من وقع في مانعٍ من موانع الشفاعة حُرم منها يوم القيامة.
542) قسم أهل السُنة رحمهم الله تعالى الحرمان من الشفاعة إلى قسمين:
القسم الأول: الحرمان الكُلي.
القسم الثاني: الحرمان الجُزئي.
والحرمان الكُلي: إنما يكون في حق من ليس معه أصل الإيمان من الكفرة والمُشركين والمُنافقين, وأما من كان معه شيءٌ من الكبائر فإنه وإن لم تُقبل فيها الشفاعة ابتداءً إذا أراد الله عدم قبولها، فإنها قد تُقبل فيه بعد إذا دخل النار.
543) مسألة الميثاق الذي أخذه الله تعالى قد اتفقت الطوائف علي أصلها واختلفت في وصفها، فما من طائفة من طوائف الأمة أو الأمم إلا وهي تقر بأن الله تعالى قد أخذ هذا الميثاق، فأصل أخذ الميثاق هذا متفقٌ عليه، وأما صفة أخذ الميثاق ومكان أخذ الميثاق وما قيل في هذا الميثاق فإن صفته هي التي وقع الخلاف فيها بين الطوائف بل حتى الخلاف في صفته أمرٌ واقعٌ في دائرة مذهب أهل السنة والجماعة -رَحِمَهُم اللَّهُ تعالى-، وبناءً علي ذلك فأقول: من أنكر أصل الميثاق فليس من أهل السنة في صدر ولا ورد، وأما من أقر بثبوت أصله ولكن خالف في وصفه فلا يوجب مخالفة الوصف الخروج عن دائرة أهل السنة والجماعة، لأن القاعدة المتقررة عندنا أن كل خلافٍ دائر بين أهل السنة فلا يوجب الخروج عن دائرته.
544) الصواب أن الميثاق هو العهد الشديد المؤكد .
545) الأدلة الصحيحة الصريحة تؤكد البقاء على الأصل وهو أنه عهد مقالي ليس مجرد عهد حالي أو برهاني وهذا هو القول الصحيح.
546) المتقرر عند العلماء –رحمهم الله تعالى– أن التكاليف الشرعية من العقائد أو العبادات من شرطها القدرة على العلم والعمل فلا تكليف إلا بعلم ولا عقوبة إلا بعد إنذار.
547) هل يعتبر الجهل عذراً في مسائل الاعتقاد كلها؟ الجواب: هنا محط خلافٍ بين أهل العلم رحمهم الله، والخلاف دائرٌ في مذهب أهل السنة والجماعة، فمنهم من قال يعتبر عذراً في مسائل العقائد كلها صغيرها وكبيرها، ومن أهل العلم من قال لا إنما يعتبر الجهل في مسائل الاعتقاد عذراً إذا كانت المسألة من دقائق العلوم التي تحتاج إلي تعليم , وأما كبار المسائل التي هي متقررة بالعقل وبالفطرة أصالة بمعنى أنك إن لم تجد عالماً يعلمك فتكتفي بالأدلة الفطرية, الأدلة العقلية, الأدلة الكونية المشاهدة، فهذه ليست بعذرٍ في حقك كالسجود أو صرف العبادة لغير الله تعالى فالفطرة اقتضت والعقل اقتضي والأدلة الكونية الشاهدة اقتضت أن لا يُعبد إلا الله تعالى.
548) هذا القول عندي لا جرم أنه هو الأقرب وهو : أن الجهل لا يعتبر عذراً في مسائل التوحيد الكبيرة كدعاء غير الله أو الذبح لغير الله أو الطواف بالقبور أو الاستغاثة بغير الله تعالى أو الركوع لغير الله أو السجود لغير لله تعبدًا فكل هذا لا يعتبر الجهل فيها عذراً، لأننا وإن سلمنا انقطاع وسيلة التعليم على يد العلماء أو قراءة الكتب فتبقى الأدلة الكونية شاهدة والأدلة الفطرية شاهدة والأدلة العقلية شاهدة على بطلان من تدعوه من دون الله تعالى
549) مسائل الأسماء والصفات الدقيقة التي قد يختص بمعرفتها العلماء هذه لو جهلها الإنسان فإنه يُعذر في هذه الحالة وهذا هو الأقرب والذي عليه أكثر أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالى- وكذلك أبو العباس بن تيمية رحم الله الجميع رحمة واسعة.
550) المتقرر في قواعد أهل السنة أن من خالف الإجماع القطعي فقد كفر.
551) من أنكر علم الله تعالى جملة أو تفصيلًا، أو وقع في إنكار بعض تفاصيله فإنه كافر، لا حظ له في الإسلام.
552) الاتكال على القضاء وتعطيل الأسباب قدح في الشرع، والاعتماد على الأسباب وترك الإيمان بالقضاء قدح في الدين، والإيمان بالقضاء مع فعل الأسباب هو حقيقة الإسلام.
553) الإيمان بالقدر السابق لا يتنافى مع العمل اللاحق- أي العمل بالشرع-.
554) العبد مأمور بالنظر فيما أُمر به وليس مأمورًا بالنظر فيما قُدر له.
555) الأسباب قدر من قدر الله فلا يجوز تعطيلها.
556) إذا وقع المقدور وكان نعمة فواجبها الشكر، وإن كان مصيبة أو نقمة فواجبها الصبر.
557) العبد له مع المقدور حالتان : فأما قبل وقوع المقدور فعليه تكميل مراتب الاستعانة بالله تعالى ، والتوكل عليه وأما بعد وقوعه فالشكر إن كان نعمة، والصبر إن كان نقمة.
558) أعظم أعمال العبد تأثيرًا في نهايته، إنما هي تلك الأعمال التي يختم له بها.
559) لا يجوز للإنسان أن يلعن معينًا من أهل القبلة لأنك لا تدري عن حاله وما سيختم له به.
560) لا يجوز للإنسان أن يشهد للقتيل بين الصفين بأنه شهيد من غير تعليق الشهادة بأمر يرد فيه العلم إلى الله تعالى.
561) لا تجوز الشهادة لمعين بأنه من أهل الجنة أو أهل النار فيما لم يرد النص به .
562) أجمع العلماء على أن : الأحكام في الدنيا على الظواهر، والسرائر تبع لها، وأن الأحكام في الآخرة على السرائر، والظواهر تبع لها.
563) من زعم أن أحدًا يعلم شيئًا من هذا الغيب المطلق فهو كافرٌ مشركٌ الكفر والشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية.
564) أعظم ما أوقع البشرية في السوء والاعتقادات الباطلة كان مبدأه عدم الرضا بالقضاء.
565) الخوض في باب القضاء والقدر بالجهل والظلم والظنة ومحاولة علم ما لا تهتدي له العقول البشرية، فإن هذا لا يجوز بإجماع أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى-.
566) روى الإِمَامِ اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: عن ابن عباسٍ أنه كان يقول: "ما غلا أحدٌ في القضاء والقدر إلا خرج عن الإِسْلَام".
567) لا يجوز السؤال عما خفي العلم به واستأثر الله تعالى به.
568) حديث النفس المعجوز عن دفعه عفوٌ.
569) كل أطروحةٍ تتعلق بباب الغيب فهي من الشيطان.
570) كل من اشتغل بالعلم المفقود حُرم من العمل بالعلم الموجود.
571) قاعدة: القدريةُ مجوس هذه الأمة.
572) مبنى العبودية على التسليم والإذعان وترك المراء والخصومة في الدين.
573) كلما زاد في قلب المُؤْمِنِ الخشية والتعظيم زاد تسليم قلبه لله.
574) كمال التسليم من كمال العقل.
575) كلما بعد العبد عن النصوص كثرت حيرته وعظم ضلاله.
576) العقل وسيلةٌ لفهم النقل لا لمعارضة النقل.
577) النقل لا يتعارض مع العقل ولكن قد يحار فيه العقل.
578) لوازم النقول الصَّحِيْحَة صحيحةٌ عند أصحاب العقول الصريحة.
579) العقول المؤيدةُ بالنقول ترى أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق المطلق.
580) من رضي بالقضاء والقدر استراح.
581) السؤال يوم القيامة يكون على الأعمال لا على الأقدار.
582) كل لفظةٍ أو فعلةٍ تتضمن التسخط على القضاء والقدر فهي محرمةٌ.
583) أولياء الله هم الْمُؤْمِنِونْ المتقون.
584) تتفاوت الولاية بتفاوت الإيمان والتقوى.
585) كلما عظم إيمان العبد وتقواه لله تعالى كلما عظمت ولاية الله تعالى له.
586) ولاية الله لخلقه عامةٌ وخاصة فأما العامةُ فهي ولاية الله تعالى لجميع خلقه وأما الولاية الخاصة فهي ولايةُ الله تعالى لعباده الْمُؤْمِنِينَ، وتتفاوت ولايته لعباده على حسب تفاوت إيمانهم وتقواهم.
587) كل ولايةٍ منفيةٍ عن بعض الخلق فإنما هي الولاية الخاصة لا العامة.
588) الخطأ يمنع كمال الولاية ولا ينقض أصلها.
589) من أنكر أصل الإيمان بالقضاء والقدر فهو كافر، ومن أنكر علم الله تعالى فقد كفر، ومن أنكر مشيئة الله فقد كفر، ومن أنكر اللوح المحفوظ فقد كفر، ومن أنكر كتابة الله تعالى مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ فقد كفر , ومن زعم أن أحدًا مع الله قد خلق شيئًا من كونه خلق إيجادٍ فقد كفر، ومن أنكر كتابة المقادير في الأرحام فقد كفر، وأي علمٍ من القدر أخرجه الله وبينته الأدلة إذا أنكره إنسانٌ بلا شبهةٍ ولا تأويل وإنما هو إنكارُ جحودٍ وتكذيب فَإِنَّهُ يعتبر كافرًا، هذا حكم من أنكر العلم القدري الموجود.
590) المتقرر عند العُلَمَاءِ -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- في قواعد التفسير: أن الصَّحَابَي إذا قال قولًا لا مجال للرأي ولا للاجتهاد فيه وكان غير معروفٍ بالأخذ عن أهل الكتاب فإن لقوله حكم الرفع
591) قاعدة: كل من بنى كلامه في الأمر المستقبلي على وسيلةٍ صحيحةٍ كونًا أو شرعًا فليس بكاهن.
592) لا حظ في الإسلام لمن أنكر كتابة الأقدار في اللوح المحفوظ.
593) الكتابة القدرية باعتبار الزيادة والتبديل أو التغيير تنقسم إلى قسمين:- القسم الأول: إلى كتابًة قدرية مبرمة لا يمكن أن يزاد فيها ولا ينقص ولا تغير عن وجهه أبدًا وهي الكتابة القدرية المبرمة أو المطلقة وهي ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ القسم الثاني: فهو الكتابة القدرية التي يمكن أن يدخلها شيئًا من التبديل والتغيير أو الزيادة والنقصان بأمر الله تعالى وهي الكتابة القدرية المقيدة أو المعلقة بمعنى أن الله تعالى قد يأمر بشيء من تغيير القدر باعتبار ما في أيدي الملائكة من الصحف, فالكتابة القدرية التي في صحف الملائكة هي التي يدخله المحو والإثبات والزيادة والتغيير والتبديل بأمر الله تعالى.
594) المتقرر عند العلماء أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن، وأن إعمال الدليلين أو الروايتين الصحيحتين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن, وأن إعمال الكلام أولى من إهماله.
595) العرش أول المخلوقات بأولويته المطلقة والقلم أول المخلوقات باعتبار أولويته المقيدة بهذا العالم المشاهد.
596) المتقرر عند العلماء أن اللفظ إذا اشتمل معنيين لا تنافي بينهما فإنه يحمل عليهما.
597) المتقرر عند العلماء أن اسم الجنس إذا دخلت عليه الألف واللام فإنها تكسبه الاستغراق.
598) والمتقرر في قواعد الأصول أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور إلا إذا قامت القرينة لرجوعه إلى المتقدم.
599) المتقرر في القواعد أن كل مربوبٍ فهو مخلوق.
600) العلماء مجمعون على عدم انتفاع الكافر باستغفار أحدًا ما دام على وصف الكفر فلا ينتفع الكافر بالاستغفار لا من ملك و لا من مؤمن صالح, فاستغفار حملة العرش لمن في الأرض محملون على استغفارهم للمؤمنين دون غيرهم.
601) الحق هو ما عليه أهل السنة من أن من صفات العرش أنه مقببًا على هذا العالم.
602) اختلفت الروايات عن ابن عباس في تفسير الكرسي فروي عنه أنه قال: "الكرسي علم الله" ففسر الكرسي بأنه علم اللهUولكن هذه الرواية سندها ساقط لا تصح عن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، والصواب عنه بالرواية الصحيحة أنه قال: "الكرسي موضع القدمين" كما رواها عنه سعيد بن جبير وقد اتفق أهل العلم على صحة هذه الرواية.
603) أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن من أسماء الله تعالى الغني، وأجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن من صفاته الغنى، لأن كل اسم من أسمائه تعالى فإنه يتضمن صفة من صفاته، فالغني اسمه والغنى صفته، وأجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن صفة الغنى لله تعالى صفة ذاتية، لا تنفك عن الله تعالى لا أزلًا ولا أبدًا.
604) أجمع العلماء على أن سوء الظن بالله تعالى من أعظم الكبائر، وأنا أقول أنه أكبر الكبائر على الإطلاق، وما الشرك إلا نوع سوء ظن بالله تعالى وما البدعة إلا نوع سوء ظن بالله تعالى ، وما المعصية إلا نوع سوء ظن بالله تعالى .
605) المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن كل صفةٍ لا يصح اتصاف الله بنقيضها فهي صفة ذات.
606) أجمع أهل السنة على أن قبلة الدعاء هي عينها قبلة الصلاة سواء بسواء.
607) أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الإحاطة بكل شيء من جملة صفاته تبارك وتعالى، فالله تعالى موصوف بالإحاطة المطلقة على ما يليق بجلاله وعظمته.
608) المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن تفسير الشيء بلازمه ومقتضاه تفسير صحيح، مع الإيمان بأصل معناه.
609) تفسير الشيء لا يخلو من حالتين: إما أن يكون تفسيرًا له مع الإقرار بأصله، وإما أن يكون تفسيرًا له مع إنكار أصله، فتفسير الشيء لا يكون تحريفًا باطلًا ولا تأويلًا باطلًا إلا إذا كان مقرونًا بإنكار الأصل، أي مقرونًا بإنكار أصل الصفة الواردة في القرآن والسنة وأما تفسير الشيء بلازمه ومقتضاه مع الإقرار بأصل الصفة، وإنما سيق التفسير بالمعنى من باب التوضيح بضرب المثال، فهذا لا بأس به ولا حرج.
610) المتقرر عند أهل السنة والجماعة بالإجماع أن معاني الصفات معلومة، وأما كيفياتها فهي مجهولة، فنحن مفوضة في الكيفيات لا في المعاني، ومذهبنا هذا مذهب وسط بين المفوضة في الكيفيات والمعاني وبين من يزعمون العلم بالمعنى والكيفية كالممثلة.
611) المتقرر عند أهل السنة أن أسماء الله مبنية على التوقيف، فلا يجوز أن نثبت له شيء من الأسماء إلا وعلى ذلك الإثبات دليل من الشرع، والمتقرر عند أهل السنة والجماعة أن الاسم يشتق منه صفة، ولكن لا يجوز أن نشتق من الصفة اسمًا.
612) القول الحق أنه ليس من أسماء الله تعالى المحيط، لعدم وجود الدليل الدال على إثبات هذا الاسم بخصوصه، وكل الأدلة التي تضيف صفة الإحاطة لله تعالى فإنما تضيفها إضافة صفة، لا إضافة اسم، وليس كل صفة يشتق لله تعالى منها اسم.
613) أجمع أهل السنة -رحمهم الله تعالى- على إثبات صفة الخلة لله -تبارك وتعالى-، وأجمع أهل السنة على أن الخلة من صفات أفعاله، فالله تعالى يخالل من يشاء، ويكره ويبغض من يشاء، وقد ثبتت هذه الصفة لله تعالى بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والإجماع.
614) خُلة الله لا تقبل الشركة ولا المزاحمة.
615) لا يحب أحد لذاته إلا الله ثم يُكَّمل ذلك أننا نحبه لأسمائه الحسنى، ونحبه لما اتصف به من صفات الكمال، ونحبه لما له علينا من عظيم الإنعام والإفضال، لكن أصل محبتنا له إنما هي محبة ذاتيه.
616) أجمع أهل البدع على إنكار الصفتين جميعًا عن الله، فلا يؤمنون بأن الله يحب أحدًا من خلقه، ولا يؤمنون بأن الله يخالل أحدًا من خلقه، فأنكروا المحبة بطرفيها، فأنكروا أصل المحبة، وأعلاها الذي هو الخُلة.
617) قال الإمام ابن القيم: "وأما ابن سينا فهو أبو الملاحدة"، وقد كفر العلماء ابن سينا لعدة أمور، منها: أنه ينكر علم الله تعالى بالجزئيات، ومنها اعتقاده بأن باب النبوة لا يزال مفتوحًا، ومنها اعتقاده بأن الله تعالى أصلًا ليس بموجود، وإنما هو عبارة عن عقل فعال، هذا هو المذهب الأول، أن كلام الله عبارة عن فيوضات لم يصدر من رب ولا إله.
618) كلمات الله الكونية لا يدخلها التبديل، ولا التغيير ولا النسخ، وكلماته الشرعية يدخلها النسخ، والتبديل، فما تكلم الله تعالى به كونًا فإنه لا يتصور دخول التبديل ولا التغير فيه مطلقًا، لقول الله تعالى: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس: 64]، والمقصود بالكمات هنا هي الكلمات الكونية، وأما كلمات الله تعالى الشرعية فيدخلها التبديل والنسخ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ﴾ [النحل: 101]، ولا تزال عملية النسخ قائمةً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله -تبارك وتعالى-.
619) الملائكة تتفاضل، فأفضل الملائكة هم المقربون، وأفضل المقربين هم من يسمهم أهل السنة بالكروبيين وكذلك من أفضال الملائكة حملة العرش، بل إن العلماء نصوا على أن جبريل هو أفضل الملائكة ومقدمهم، ثم يعقبه ميكائيل، وإسرافيل وهم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إلى الله تعالى بربوبيته لهؤلاء الملائكة الثلاثة، وذلك لكمال اختصاصهم، واصطفائهم، وقربهم من الله تعالى.
620) لا يستطيع أحدٌ أن يرى الملائكة على الصورة التي خلق عليها الملك إلا نبي.
621) الذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة، وحتى ملك الموت.
622) والأدلة التي وردت في شأن الجزاء والحساب إنما تخص الثقلين الإنس والجن فهم الذين سيحاسبون يوم القيامة حسابًا ينتج عنه دخول الجنة أو دخول النار، وأما حساب الملائكة بخصوصه هو أمر من أمور الغيب التي نكل أمرها إلى الله تعالى ، فلا ينبغي التخوض في ذلك؛ لأن الباب غيب، وأمور الغيب توقيفية على النص.
623) الملائكة تلعن من لعن الله، فكل من لعنه الله تعالى فالملائكة تلعنه.
624) الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو أدم.
625) أجمع المسلمون على أن من أنكر الملائكة فإنه كافر خالع ربقة الإسلام من عنقه بالكلية والعياذ بالله؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، ومنكرٌ وجاحد للإجماع القطعي المعلوم بالتواتر من الدين بالضرورة.
626) أجمع المسلمون على أن الإيمان بالأنبياء ركن من أركان الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، وهذا من الإجماع القطعي الذي يكفر منكره، وقد دل على هذا الإجماع دليل الكتاب والسنة.
627) المتقرر عند العلماء: في قواعد البلاغة أن العطف يقتضي المغايرة.
628) أجمع أهل السنة على أن النبوة درجةٌ تسبق الرسالة، فينبؤ الرسول أولا ثم يرسل، وقد نبئ النبي r باقرأ، وأُرسل بالمدثر.
629) أول الأنبياء على الإطلاق هو آدم-عليه الصلاة والسلام-.
630) أول الرسل على الإطلاق هو نوح -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، وهذا على مبدأ التفريق بين الرسالة والنبوة فلا إشكال في ذلك.
631) تتفق رسالات الأنبياء في العقائد، وتختلف في الشرائع.
632) هل ذو القرنين نبي؟ الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والقول الأقرب عندي هو التوقف، كما توقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
633) هل لقمان نبي أم لا؟ الجواب: جمهور أهل السنة على أنه ليس بنبي ، بل جمهور العلماء على أنه ليس بنبي، وإنما كان حكيمًا، ووليًا من أولياء الله تعالى ، وقد نص على عدم نبوته ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وغيرهم رحم الله الجميع رحمةً واسعة.
634) المنفي عن الأنبياء إنما هي الوراثة الحسية أي وراثة المال، وأما الوراثة المثبتة بين الأنبياء في القرآن فإنما هي الوراثة المعنوية، أي وراثة العلم والملك والنبوة.
635) الإيمان بالكتب من أركان الإيمان الستة، فلا يصح إيمان العبد إلا إذا آمن بالكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله -عليهم الصلاة والسلام-، فمن كفر بواحدٍ من هذه الكتب، مما ثبت بأن الله تعالى أنزله بالأدلة؛ فإنه يعتبر كافرًا بالكتب كُلِها.
636) المتقرر في قواعد الأصول: أن المفرد، واسم الجمع، واسم الجنس إذا دخلت عليهم الألف واللام فإنها تكسبهم العموم.
637) المتقرر في قواعد الأصول: أن الجمع المضاف يعُم.
638) قسم العلماء الأمَّة المضافة للنبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى قسمين إلى أمَّة إجابة وأمًّة دعوة.
639) كل أمةٍ مضافةٍ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فهي مراد بها أمَّة الإجابة لا أمَّة الدعوة، مثل: «وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي»؛ أمَّة الإجابة.
640) كل من توجه في صلاته إلى القبلة فهو مسلم ، فاستخدام القبلة دليلٌ على تمييز من استقبلها عن المشرك الوثني؛ لأنَّ المشرك الوثني لا يستقبل شيئًا من الجهات أبدًا، فإنه يعبدُ شيئًا الأوثان والأصنام.
641) كل من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول عنه اسم الإسلام إلا بيقين.
642) أهل السنُّة لا يتسمون إلا باسم الإسلام والإيمان، أو ما دل عليه دليلٌ، أو كان صفةً راسخةً فيهم.
643) قاعدتنا في التسمية : هو أننا لا نتسمى إلا باسم الإسلام، أو الإيمان، أو ما دل عليه دليل، أو كان صفةً راسخةً فينا من الصفات التي يُحبها الله ويرضاها.
644) قاعدةٌ: ارتكاب الكبائر لا يتنافى مع التسمية بأهل القبلة.
645) كل فرقةٍ من فرق الأمَّة لم ترتكب بما يوجب خروجها عن ملة الإسلام فهي من أهل القبلة، وهذا هو منطوق القاعدة.
646) يدخل في أهل القبلة طائفتان:
-أهل الإسلام الصحيح دخولًا أوليًا وهم أهل السنُّة والجماعة.
-وأهل البدع والأهواء على مختلف أصنافهم ما لم يأتِ أحدهم بما يوجب خروجه من ملة الإسلام بالكلية.
647) قاعدةٌ: الأصل عصمة دماء أهل القبلة.
648) قاعدةٌ: كل من ارتكب ما يوجب كفرًا فليس من أهل القبلة.
649) قاعدة: الحقوق الواجبة بوصف القبلة كالحقوق الواجبة بالإسلام إلا بدليل.
650) قاعدةٌ: من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة فقد كفر.
651) قاعدةٌ: منْ كذب الشارع في شيءٍ من أخباره الثابتة يقينًا فقد كفر.
652) قاعدة: التأويل السائغ لا يتنافى مع الوصف بالقبلة، ولذلك أكثر الطوائف وإنْ حرفوا كثيرًا من الأسماء والصفات أو حقائق اليوم الآخر إلا أنهم لم يحرفوها أو يعطلوها جحدًا وتكذيبًا، وإنَّما تأويلًا، ومع ذلك لا يزال أهل العلم يصفونهم بأنهم من أهل القبلة، فإذًا الذي يتنافى مع وصف أهل القبلة إنَّما هو الجحد للتأويل.
653) يقول أهل السنُّة: إنَّ الإقرار يُقابله الجحد، والالتزام يُقابله الامتناع، فالذي يتنافى مع الوصف بالقبلة هو الجحد والامتناع عن قبول مدلول الدليل.
654) قاعدةٌ: كل من اعتقد أنَّه غير داخلٍ في خطاب الشرع، فليس من أهل القبلة.
655) قاعدة: الخطأ في الحكم على كافرٍ بالإسلام، أهون من الخطأ في الحكم على مسلمٍ بالكفر.
656) قاعدةٌ: أمور النَّاس محمولةٌ على الظاهر.
تمت بحمد الله وتوفيقه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد