بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا العنوان جزء من آية كريمة في سورة نوح، وهي قوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، وهذه الآية العظيمة مثل غيرها من الآيات الكثيرة التي تؤكد هذا المعنى، وهو أثر الاستغفار في محو الذنوب والمعاصي، واستجلاب الرزق والخير بأنواعه، وهي كغيرها أيضاً تشير بطريق مباشر أو غير مباشر إلى أن ما يصيب المسلم إنما هو بسبب ذنوبه وما كسبت يداه، وهذه حقيقة أكدها عدد من الآيات المحكمة والأحاديث النبوية الصحيحة، وإن كان بعض العصرانيين ما زالوا يجادلون فيها ويمارون، على الرغم من وضوح الآيات وصراحتها وإجماع العلماء على تفسيرها بهذا المعنى.
واقرأ إن شئت قوله تعالى في سورة الشورى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وقوله تعالى في سورة الروم: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
وقوله تعالى في سورة الجن: (وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا)، ومعنى الآية: أنهم حرموا من الماء الغدق بسبب عصيانهم وعدم استقامتهم على الطريق المستقيم، وهو المعنى الذي ورد في آية سورة نوح الأولى، فشرط الرزق والمطر والأموال والبنين هو الاستغفار والإقلاع عن الذنوب، ولو نظرت إلى الآية من زاوية نحوية لوجدت النحاة يعللون جزم الأمر للفعل المضارع إذا وقع جواباً له بأنه تضمن معنى الشرط، أي أن قوله تعالى: استغفروا ربكم... يرسلْ... ويمددْ... ويجعلْ...، هو بمنزلة: فإنكم إن تفعلوا ما أمرتم به يرسلْ، فكأنه شرط وجوابه.
وهذا من نعم الله العظيمة على هذه الأمة أن جعل الاستغفار وهو من أيسر الأعمال سبباً للغيث والرزق وتفريج الهموم والكربات ومحو الذنوب.
وقد يحلو لبعض العصرانيين وغيرهم ممن ضعف إيمانهم بهذه الحقيقة أن يقول: لماذا توجهون مثل هذا الخطاب لنا ونحن مسلمون ومساجدنا ملأى بالمصلين، فلا يعقل أن نكون مشمولين بهذا الكلام، وأقول: إن الله سبحانه لم يستثنِ من هذه السنّة حتى الأنبياء وخيار الأمة، فعندما هُزم المسلمون في غزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين بسبب مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، حقّت عليهم هذه السنّة فعوقبوا بالهزيمة واستشهد منهم عدد كبير، وشُج الرسول صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته (أسنانه)، وكأن بعض الصحابة استغربوا أن يحل بهم هذا والرسول صلى الله عليه وسلم معهم فقالوا مستنكرين: أنّى هذا؟!، فجاء الرد من الله مزلزلاً ومعلماً للمسلمين إلى يوم القيامة:
(أوَلَمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا فل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)
(آل عمران 165).
فهذه الآية وغيرها من الآيات الكثيرة والأحاديث التي لا تتسع لها هذه الزاوية تؤكد هذه الحقيقة وهي: (قل هو من عند أنفسكم)، أو: (بما كسبت أيديكم).
وقد ورد في الحديث الصحيح ما يصلح أن يكون جواباً عن الإشكال السابق، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).
ولعل منه أيضاً قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة) (الأنفال 25).
فما أحوجنا إلى التضرع إلى الله والقرب منه وترطيب ألسنتنا دائماً بالاستغفار وهو ممحاة الذنوب وأن نبتعد عن المكابرة وتزكية النفس واحتقار الذنوب واستصغارها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صح عنه قوله: (يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب...).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد