بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخلافات والصراعات الزوجية - محمد عباس محمد عرابي
(أسبابها - مظاهرها - آثارها –علاجها)
كثرت مؤخرا الخلافات والصراعات الزوجية،وتعددت أسبابها ،وتضخمت آثارها،وصارت هذه الخلافات ظاهرة اجتماعية خطيرة تستحق الدراسة للوقوف على ماهيتها ،أسبابها ،وآثارها ،وطرق علاجها .
والخلافات والصراعات الزوجية تعني تضارب وجهات نظر الزوجين حيال بعض الأمور التي تخص أيا منهم، أو تخص كليهما بحيث تستثير انفعال الغضب والسلوك الانتقامي أو التفكير فيه.
كما يقصد بها :النزاع الدائم بين الزوجين الذي يتعلق في الجوانب التالية: الاجتماعية والعاطفية والسلوكية والشرعية والشخصية والاقتصادية والصحية والنفسية والتعليمية والوظيفية، وطريقة التعامل بين الزوجين ،وما يتعلق بالأطفال وتعدد الزوجات ،ويؤدي هذا النزاع إلى عدم تحقق التوافق الزواجي (1)
أسباب الخلافات والصراعات الزوجية:
إن الخلافات والصراعات الزوجية لا ترتبط بعوامل مرتبطة بالعلاقات الزوجية فقط ولكن تتضمن عناصر خبرات الحياة لكل من الزوجين ومدى تأقلمهم و ملاءمتهم بين الخبر ا ت الماضية و المواقف الحالية وأما أقوى الخلافات وأشدها بين أفراد الأسرة فهي تلك التي يتعرض لها الزوجان في الوقت الحاضر، بسبب كثرة المشاكل والضغوطات التي تتعرض لها سواء أكانت مشاكل بيتيه أو اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية أو في مجال العمل. فهذه الضغوطات تجعل من دورها دورًا أكثر تعقيدًا بحيث تتعرض كل أسرة إلى عوامل الصراعات ولكن يجب التميز بين ما يطلق عليه صراع هدام وبين الذي يحدث نتيجة الخلافات البسيطة العادية التي تحدث بين أي زوجين.
إن نمط الخلافات الزوجية ليس سمة عامة بل تواجدها بطريقة مطلقة في كل الزيجات و لكن يرتبط فقط بتلك الزيجات التي تعجز عن الوصول إلى تكييف مناسب و حل للموقف أو الصراع.(2)
وإن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الخلافات والصراعات الزوجية :
رواسب ما قبل الزواج والتي تتمثل في :
-الاختيار لغاية لم تتحقق،فالمرأة قد يكون دافعها للزواج من رجل تحقيق أماني مادية أو معنوية فإذا لم يتحقق لها ما تريد قلبت ظهر المجن ،وتحولت الحياة إلى جحيم.
-الإكراه على الزواج: الزواج ينبغي أن يقوم على الحرية المطلقة في الاختيار ،وأي إكراه لأحد الزوجين يأتي بنتائج عكسية على عش الزوجية ؛فتدب الخلافات فتحوله من عش وردي إلى وكر للدبابير.
-عدم رؤية المخطوبة: فكثيرًا من حالات النفور بعد الزواج مرجعها ومردها إلى عدم الرؤية.
-الغش والتدليس ،وإخفاء كل من الزوجين عيوبهما، فإذا انكشفت الأمور، وظهر كل على حقيقته دبت الخلافات وتصاعدت المشاكل.
الاختلاف في المستويات التعليمية و الثقافية للزوجين ،واختلاف فلسفة كل من الزوجين في الحياة.
جهل الزوجين بالحقوق والواجبات ،بالإضافة إلى المشكلات المادية (3)
- الاختلاف حول تربية الأبناء: حيث يختلف منهج التربية بين الأب والأم حنان وتدليل من أحدهما، وغلظة متناهية من الطرف الآخر، وقد يتصارع الأبوان في الموقف الواحد مما يؤدي إلى اصطدامهما.
-طغيان شخصية أحد الزوجين على الأخر ،وظهور الاتجاهات الفردية و الأنانية في المعاملات.
-انشغال أحد الزوجين عن الآخر بالتقنية الحديثة من إنترنت ،ووسائط التواصل الاجتماعي.
مظاهر الخلافات والصراعات الزوجية:
للخلافات والصراعات الزوجية عدة مظاهر تتفاوت من حيث قوتها وحدتها ،حيث يمكن أن تمتد من الاضطهاد اللفظي إلى الاضطهاد الجسدي مرورًا من رفض الخصائص الشخصية والسلوكية للطرف الآخر(4).
ومن أبرز مظاهر الخلافات والصراعات الزوجية:
الشجار الدائم بين الزوجين، وهجر الفراش والمنزل، تحريم الزوجة بالإيلاء أو الظهار، العناد والخصام والتهديد بالطلاق والانفصال والتوقف عن القيام بالواجبات الزوجية ،عدم نسيان كل من الزوجين أخطاء الآخر، وإثارتها عمد كل خلاف يحدث بينهما.
آثار الخلافات والصراعات الزوجية:
كثيرًا ما تهب على عش الزوجية عواصف تختلف في قوتها وخطورتها وتأثيرها، وفي بعض الأحيان لا تلحق ضررًا، وفي أحيانًا كثيرة تعصف بعش الزوجية، والخلافات والصراعات الزوجية تنمو وتتطور، بمعنى أن الزوجين إذا لم يحسماها بطريقة أو بأخرى فإنه يحدث ما يشبه العدوى للجوانب الأخرى للأسرة.
وعندما يتبلور الخلاف الأسري ويتخذ نمطا محددا فان الأسرة نادرًا ما تستمر على هذا الحال. فالأسرة التي تصل إلى هذا القمة قد تؤدي إلى تفككها.(5)
-تؤدي الخلافات والصراعات الزوجية إلى التدابر والتقاطع بين أهل الزوجين بدلا من الصلة والتماسك، ناهيك عن الانفصال بين الزوجين والطلاق الذي قد يقع.
-تولد الخلافات والصراعات الزوجية جوًا متوترا ،وتدعم المناقشات الحامية المستمرة بين الوالدين أحاسيس الطفل بعدم الأمان وقدرة أقل في التعامل مع المخاوف الطفولية العادية ،ويشعر بالعبء النفسي بسبب هذه الخلافات والصراعات مما ينعكس على مفهومه لذاته فيتبنى مفهومًا سلبيًا عن نفسه.
-إذا سادت الخلافات والصراعات الزوجية فإن المجتمع يفقد أهم رافد من روافد قوته واستقراره، ويعاني من الضعف والاضطراب؛ لأن التفكك الأسري يعطل الطاقات البشرية عن الإنتاج.
علاج الخلافات والصراعات الزوجية:
إن معرفة أسباب الخلافات والصراعات الزوجية،يساهم في إمكانية اتخاذ التدابير اللازمة لعلاجها من خلال ما يلي :
-فتح مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية والتي تعمل على علاج المشاكل التي تتعرض لها الأسرة، وتقصي أسبابها، وتهيئة الجو العائلي السليم الذي يكفل للأسرة نشأة اجتماعية سليمة صالحة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية المختلفة في المجتمع.
-تنظيم دورات تدريبية للزوجين، ككيفية التعامل مع المشاكل الأسرية.
-التوعية بفلسفة الحياة التي تمكن الزوجين من مواجهة مشكلاتهم الأسرية،والتوعية الروحية والدينية فيما يخص الاستقرار الأسري.
- الاهتمام بدور وسائل الإعلام وضع البرامج التثقيفية والإرشادية لتوعية الأسرة بالمحافظة على الترابط الاجتماعية وحثها على تقوية هذه الروابط بينها وتمتين علاقاتها واستقرار الحياة الأسرية. (6)
-الاهتداء بما وضعه الإسلام من القواعد والأحكام التي تقي من الصراعات والخلافات الزوجية، وتكفل لبيت الزوجية أن يكون عشًّا ورديًا هادئًا ترفرف عليه الرحمة وتكسوه المودة ،ولو طبق الناس أوامر الشرع بداية بالاختيار الصحيح والقيام بالواجبات والحقوق التي أقرها الإسلام لتماسكت الأسر وعاش الزوجان في راحة وسعادة بعيدًا عن الخلافات والصراعات.
(1) عبد العزيز الجهني ،الخلافات الزوجية في المجتمع السعودي ،رسالة ماجستير ،جامعة نايف العربية ،1426،ص6
(2) بوخدني صبيحة ، الخلافات والصراعات بين الزوجين في الأسرة وأساليب تصفيتها ، جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،الملتقى الوطني الثاني :الاتصال وجودة الحياة في الأسرة ،9-10إبريل 2013،ص2
(3) أحمد ربيع يوسف ،الخلافات الزوجية .أسبابها وعلاجها ،جامعة قطر ،كلية الشريعة والدراسات الإسلامية دت،ص225-255
(4) حسايم أمينة دينة ،أنماط عزو الصراع الزوجي وعلاقتها باختيار نوع العلاج ،رسالة ماجستير ،جامعة مولود معمري ،2013،ص 24
(5) بوخدني صبيحة ، الخلافات والصراعات بين الزوجين في الأسرة وأساليب تصفيتها ، مرجع سابق ،ص3
(6) بوخدني صبيحة ، الخلافات والصراعات بين الزوجين في الأسرة وأساليب تصفيتها ، مرجع سابق ،ص12
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد