بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه الجملة التي قالها التاجر الفلسطيني مطيع عطا الله فارس رحمه الله لزوجته حينما تنازل عن قصره الذي يسكن فيه يكون أول مسجد في مدينة ليما عاصمة دولة (بيرو، بأمريكا الجنوبية، فما قصة هذا المسجد؟! وما موقف هذا التاجر؟ ومن سعى في ذلك؟
لقد استمعت لقصة المسجد بسند متصل من شاهدين رئيسين، وكان من الأسباب المباركة لقيام هذا المسجد وهما الشيخ أحمد الصيفي مدير مركز الدعوة بالبرازيل والأس.تاذ ضمين عوض رئيس الجمعية الإسلامية في بيروفإليكم القصة كما سمعتها.
حتى عام ١٩٨٨م لم يكن بالبيروأي مسجد وقد عاش المسلمون لأكثر من ستين عامًا في هذا البلد لا يعرفون صلاة الجمعة، وحتى صلاة الجماعة فنادرًا ما تتم، ولربما أقيمت عند اجتماع عائلي أوأصدقاء فلايوجد مصلى ثابت، بل حتى صلاة الأفراد في منازلهم كانت قليلة ومتقطعة، وأما الصيام فكان مقتصرًا على العجائز، *بل الأدهى والأمر أن من تحولوا للنصرانية من أبنائهم تجاوز ال١٥٠٠ مسلم ومسلمة أصبحوا نصارى، ومن مات من المسلمين فيدفن مع النصارى فلا يوجد مسجد ولا مقبرة.*
إن من الناس من هومفتاح للخير ومغلاق للشر والعكس كذلك، جاء الشيخ أحمد بن علي الصيفي إلى بيروعام متفقدًا لأحوال الدعوة كعادته وتطوعه لذلك في أميركا الجنوبية، وكان له طريقة طريفة عند زيارته للبلدان لأول مرة فيمسك (دليل الهاتف، الورقي ثم يبحث فيه عما حُمد وعُبد من الأسماء ومن كانت أسماؤهم عربية حتى إذا وقع على فرد أومجموعة منهم يبادر بالاتصال بهم ويطلب الاجتماع معهم وهكذا شأنه في كثير من الزيارات.
في البيروالتقى مجموعة من الجالية الفلسطينية وسألهم عن المسجد ؟ في هذه الدولة وأفادوه بأنه لا يوجد مسجد لديهم، فبادر بتشجيعهم على إقامة مصلى أومسجد عاجلًا ولوبالإيجار، وسأل عن الإيجار المناسب فقدر له إيجار بعض المباني الصغيرة المناسبة ب ١٥٠٠ دولار شهريًا فتقدم الصيفي المتبرعين بخمسمائة دولار من جيبه، وجمعوا المبالغ في هذا المجلس، ولقيت الفكرة تجاوبًا لا بأس به مما حدا بأحد الحضور أن يقترح أن يكون المبنى ملكًا لا مستأجرًا فضاعف الصيفي التبرع بالحال ل (٥٠٠٠، دولار حتى وصل المبلغ إلى
٦٠٠٠٠)
هذه الاجتماع لم يحضره أحد كبار التجار في البيرو (مطيع عطا الله فارس، وهومسلم من أصل فلسطيني قدم إلى البيروعام ١٩٢٠ شابًا صغيرًا بمفرده وتقديرًا لسنه ومكانته كانوا يلقبونه بالخال،). اجتمع الصيفي مع الوجيه عطا الله،وبعض المسلمين ودعوه للمساهمة فقال لهم سأبيعكم بيتي قصر، وبالتقسيط، وطلب من أحد المجتمعين أن يحضر له المبلغ في الغد وكان في رأسه أمر قد عزم عليه ولم يبلغ به أحدًا، فلما اجتمعوا به في مكتبه قال لهم :إني سأكتفي بما قدم وأعلن عن تنازله عن قصره البالغ مساحته ١٦٠٠متر مربع، وأخبرهم بأن الستين ألفًا التي جمعت سيشتري بها أرضًا لتكون مقبرة، للمسلمين، انفض المجلس وتهامس البعض بين مصدق ومكذب ولكن التاجر المتبرع طلب من الصيفي البقاء ليذهب وإياه لمنزله للغداء.
دخل مطيع عطالله فارس لبيته ومعه ضيفه، ونادى بأعلى صوته وبلهجة بلاد الشام وفلسطين ولبنان يا أم فارس بعنا البيت وبدنا نسلمه لأصحابه ومابدنا نتأخر عليهم، ...خرجت الزوجة عليهما مذهولة شوبعت البيت ولمين بعته وكيف بدك إيانا نزيح، فقال أبوفارس :
*يا أم فارس: بعناه لله،*
*فتحولت دهشة المرأة وضجرها إلى بكاء فرح أبكى معه الضيف والمضيف.؟*
ومنذ ذلك الحين والمسجد لا يزال قائما ومعمورًا يؤمه المسلمون ويعمرونه بالصلاة والذكر والتسبيح وأصبح فيه دروس للقرآن الكريم ويلتقي في المسلمون .
ولم يكتف المتبرع بذلك بل هيأه بما يناسب المسجد من ترميم وفرش، وأشرك في الثواب والأجر أخاه الذي توفي قبل أقل من عام من قيام المسجد، وكان مما أوصاه به وهوفي النزع الأخير إننا شقينا وتغربنا وقد أنعم الله علينا بالمال والأولاد في الدنيا، ولكن بقي أن نبقي لنا شيئًا في الآخرة والمسلمون بلا مسجد، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يتحقق ذلك وتتهيأ له الأسباب بفضل الله ثم بقدوم رجل مبارك عليهم، ولا أدري أأعجب من همة الصيفي متعه الله بالصحة والعافية أم أعجب من المتبرع -رحمه الله- أم من حال المسلمين وكيف عاشوا لأكثر من ستين عامًا بلا مسجد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
كتبت في رحلة العودة من مدينة ساوباولو البرازيلية إلى الرياض في يوم الأربعاء ٢٠ربيع الأول ١٤٤٠هـ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد