بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في خضم اشتغال الداعية في دعوته, يتصاعد أمام عينيه ثُلةٌ من خيار الـمُتربين, فيسعى لتنشئتهم تنشئةً إسلاميةً ثم يدفعهم إلى طلب العلم الشرعيّ فيَثبتُ في عينيه من ثَبت مَسيرهُ في طلب العلم, ويتساقط الآخرون -من عينيه ثم من اهتمامه- بدعوى "الدعوة الفردية"!
نعم؛ كم هو جميلٌ أن ينشأ الطُلاب في المحاضن التربوية على طلب العلم ثم التخصص في المجالات العلمية المختلفة؛ لكن ما الفعلُ مع مَن لايجد نفسه في طلب العلم؟ أيُقحِم نفسه إقحاماً فيه تلبيةً لرغباتنا وللفت أنظارنا؟ أم نزرع روح التطوع في نفسه ثم نبحث عن اهتماماته في المجالات الدنيوية ونوجهها في خدمة الدعوة؟
إنني هنا أسعى للإجابة على تساؤلين مهمين: هل الدعوة الفردية تأمرنا بتهميش غير طلاب العلم؟ وهل تأمرنا بتوظيف طلاب العلم فقط كمشتغلين في الصف الثاني بالعمل الدعوي؟
مِن هؤلاء المتربين: مَن عنده قابليةٌ للعمل التطوعي في بعض الجوانب الإدارية أو التنفيذية وغيرها, -يتساقط هؤلاء جميعهم من أعين البعض إذا لم يكن الطالبُ "طالباً للعلم"!
بل قد يتظاهرُ بعض الطلاب أمام المربي باهتمامهِ بطلب العلم ليحظى بمكانةٍ مرموقةٍ أمام عين شيخه, أو ليُحصِّل ما استطاع تحصيله من اهتمام المربي أو لِيلفتَ نَظرهُ على الأقل !
إن نتيجة التعامل الخاطئ مع هذا التساؤل, كان حتماً كارثياً على الدعوة أولاً وعلى المتربي ثانياً, ولعل الكثير منّا رأى آثارها دون أن يعرف أسبابها: فحينما ترى من لم يُؤَهَّل إلى القيادة مع كونه طالباً للعلم مُقحَماً في الجانب الإداري, وأخيه مُقحَماً في الجانب الإعلامي وهو لايملك أبجديات التعامل الإعلامي أو الإداري, ترى النتيجة المؤسفة للِّجان التي تَوَلَّى أمرها هؤلاء.
مما يظهرُ واضحاً كآثاٍر سلبيةٍ لهذا الخطأ:
1. تَكَوُّنُ طَبقتين في المحضن التربوي :
أ- طبقة في القمة: وهم الملتزمون الحريصون على طلب العلم والدعوة, لكنهم قطعاً يَنقُصهم الجانب الإداري أو الإعلامي أو التشغيلي أو غيرها من الجوانب الدنيوية, وهؤلاء يُكلّفون غالباً بجميع الأعمال الدعوية - كانت مناسبة لهم أو لا - وبينهم وبين الطبقة التي تليهم مساحة كبيرة من نوعية الاهتمام بهم وتوجيههم وتوظيفهم دعوياً .
ب- طبقة في القاع: وهم باقي المدعوون في المحاضن التربوية ومنهم المهتم في الجانب الإداري أو الإعلامي أو الإقتصادي أو غيرها, فيظهر أن هناك نوع من السطحية في الدعوة الموجهة لهم, وتركيزاً ضعيفا عليهم في الدعوة, فينتج عن هذا التعامل تساقط بعضهم من المحضن التربوي, ومن بقي منهم يتم تهميشه عن العمل في الجوانب التطوعية الأخرى, بل أحياناً يتم قمع بعض الاهتمامات الدنيوية التي عند هؤلاء الطلاب أو على الأقل عدم تنميتها واستغلالها.
2. ومن الآثار لهذا الخطأ: تولية القيادة إلى من لا يستحقها ممن ظهرت فيه بعض المميزات, فيُكلَّفُ بالقيادة لكونه متميزاً في طلب العلم لكنه لا يُجيدُ التعامل مع الجوانب الإدارية؛ وهذه نظرةٌ قاصرةٌ في التكليف والتفويض.
3. ومن آثار هذا الخطأ على الطلاب: عدم تنمية الجوانب الإبداعية فيهم, أو إماتتها أثناء محاولة توجيه الطالب قسراً لطلب العلم, وقد ينتج عنه كذلك عزوف الطالب عن الالتزام لرؤيته التجاهل أو الاهتمام السطحي على الأقل من قِبَلِ المربي.
حقاً؛ إننا في حاجة ماسة إلى المبدأ القياديّ النبويّ: كقوله ﷺ لأبي ذر حين طلبَ القيادة: "إنك امرؤ ضعيف", وقوله ﷺ لعبدالله بن زيد حين طلبَ الأذان: "إنه -أي بلال- أندى صوتاً منك"؛
ونرى أيضاً أن خالد بن الوليد كان يقود الجيش وخلفه علماء الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر وعمرَ وغيرهم, فالتعامل الخاطئ مع هذه المواقف يقتضى اتخاذ نقيض فعل النبي ﷺ, فلا تعني مواقف النبي ﷺ تهميشاً للعلماء كأبي بكر, ولا يعني توظيفاً خاطئً للكوادر, بل هو ملء الثغرة بما يناسبها .
وإن الدعوة الفردية هي وسيلةٌ إصلاحيةٌ ذهبيةٌ يتخذها المربي في تربيته, وتُثمر بشكل رائع إن أحسن التعامل معها, ولم تكن يوماً تُستعملُ في تهميش البعض أو التركيز على البعض مع المغالاة في تهميش الآخر, فالدعوة التي جاء بها النبي ﷺ دعوةٌ شموليةٌ ليست للقويّ دون الضعيفِ ولا للغنيِ دون الفقيرِ ولا لطالبِ العلمِ دون غيرهِ,
ولا نعني هنا أن جميع الطلاب في المحضن على حالٍ واحدٍ, قطعاً لا, ولا نعني أيضاً أن التعاملَ التربويَّ مع الجميع يكون بشكلٍ واحدٍ أو درجةٍ واحدةٍ مِن الاهتمام, قَطعاً لا, بل مشكلتنا هي التهميشُ الزائد للبعض لاعتبارات خاطئة حسب ما ذكرناه, ثم تنصيبُ القياداتِ وإعدادهم من طبقة واحدة حسب التصنيف الذي ذُكِر بدايةً والله المستعان وعليه التكلان .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد