بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فـــ "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون".
عباد الله: لقد تعبَّد اللهُ تعالى نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبدًا يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل: تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الآخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب.
قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}[الأحزاب:59]، وقال سبحانه: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب}[الأحزاب:53].
فعلى نساء المؤمنين الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}[الأحزاب:36].
كيف ومن وراء افتراضه حكم وأسرار عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها:
حفظ الأعراض فالحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد.
الحجاب داعية إلى طهارة القلوب، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصدق الله سبحانه إذ يقول: {ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب:53].
الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من الـتَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد.
الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن الدنس والريبة والشك {ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}[الأحزاب:59]، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء.
ولما أنشد الشاعر النُّميري عند الحجاج قوله:
يُخمِّرْنَ أطراف البنان من التُّقى *** ويَخْرجن جُنحَ الليل معـتجرات
قال الحجاج: "وهكذا المرأة الحرة المسلمة ".
الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض القلوب، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وقالة السوء ودنس الريبة وسوء الظن ، وغيرها من الخطرات الشيطانية.
حُورٌ حـرائر ما هَمَمْنَ بِريبةٍ *** كَظِبَاء مَـكَّة صيدهنَّ حـرامُ
الحجاب من أعظم ما يثبت دعائم الأسر والمجتمعات، ويحميها من فساد البيوت وتقطع الأرحام والشقاق والطلاق بسبب التفريط في هذا الواجب العظيم.
الحجاب حفظ للحياء وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في النفوس التي أراد سبحانه تكريمها إعزازها وتفضيلها، قال صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير»؛ وفي رواية: «الحياء خيرٌ كلُّه» فالحياء يبعث على الفضائل ويدفع الرذائل، وهو من خصائص الإنسانية وخصال الفطرة، وقبل ذلك وبعده هو خلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإسلام وهذبها وزكاها ودعا إليها، قال عنترة العبسي:
وأَغضُّ طَرفي إن بَدَت لي جارتي *** حتى يُواري جـارتي مأواهـا
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ*** لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها
فآل مفعول الحياء إلى التحلي بالفضائل، وإلى سياج رادع، يصد النفس ويزجرها عن تطورها وتماديها في الرذائل والقبائح قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وما الحجاب إلا وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء.
وما أعظم هذا القصص في سورة القصص في قصة ابنتي شيخ مدين: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}[القصص:25] فقد جاء عن عمر رضي الله عنه بسند صحيح أنه قال: "جاءت تمشي على استحياء قَائِلَةً بثوبها على وجهها، لَيْسَت بِسَلْفَعٍ مِن النساء ولاّجةً خرَّاجة". والسلفع من النساء: الجريئة السليطة"، ذكره ابن كثير في تفسيره [3/384]. ففي القصة من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغًا عجيبًا في التحفظ والتحرز، إذ قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} فجعلت الدعوة على لسان الأب، ابتعادًا عن الرَّيب والرِّيبة. إنها نتاج تربية صالحة على الحجاب والعفة والحياء .
الحجاب يمنع عن مجتمعات أهل الإسلام آفاتٍ كثيرة من عادات الجاهلية وأهل الكفر والفسوق والنفاق يمنع نفوذ التبرج والسفور والتعري والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام.
الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة والفتاة إناءً لكل والغ.
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه الترمذي وغيره، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف:26]، قال عبد الرحمن بن أسلم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى". وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي» رواه أبو داود وغيره.
الحجاب حفظ للغيرة، والغيرة هي ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، والغيرة في الإسلام خلق محمود؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه» متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف: (يا أمة محمد، ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته) متفق عليه.
فالحجاب باعث عظيم على تنمية الغيرة على المحارم أن تنتهك أو يُنال منها، وباعث على توارث هذا الخلق الرفيع في الأسر والذراري ، غيرة النساء على أعراضهن وشرفهن، وغيرة أوليائهن عليهن، وغيرة المؤمنين على حرمات المجتمع من أن تنال أوتخدش بما يجرح كرامتها وطهارتها.
ولهذا صار ضد الغيرة: الدياثة ، وضد الغيور: الديُّوث. وهو الذي يُقر في أهله ولا غيرة له عليهم.
ولذا سَدَّ الشرع المطهر الأسباب الموصلة إلى هتك الحجاب وإلى الدياثة، بما حده من حدود وشرع من أوامر تحفظ سياج العفة والطهارة والنقاء في مجتمعات أهل الإسلام.
وإذا أردتم أن تعرفوا فضل الحجاب وستر النساء فانظروا إلى حال المتحجبات، ماذا يحيط بهن من الحياء، والبعد عن مزاحمة الرجال، والتصون التام عن الوقوع في الرذائل، أو أن تمتد إليهن النظرات الفاجرة!
وانظروا إلى حال أوليائهن ماذا لديهم من شرف النفس والعزة والكرامة الحراسة لهذه الفضائل والمحارم؟
وقارنوا هذا بارك الله فيكم بحال المتبرجة السافرة وقد تساقطت منها هذه الفضائل بقدر ما لديها من سفور وتهتك، وتجد وليها لا تتحرك منه شعرة، لموات غيرته أو العذاب النفسي بسبب عدم قدرته وسقوط قوامته على مولياته نعوذ بالله من موت الغيرة. قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ).
فضائل كثيرة ومكارم عظيمة لهذه الفريضة الجلية.
اللهم احفظ نساء وبنات المسلمين واجعلهن صالحات هاديات مهديات وبأمهات المؤمنين والصحابيات مقتديات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
معاشر الآباء والأزواج اتقوا الله في أهليكم وعلموهم هذا الشرع المطهر، علموهم سور النور والنساء والتحريم، ربوهم ودربوهم على سيرة عائشة وحفصة وأمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُووا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، قال علي رضي الله عنه: أدبوهم وعلموهم. (تفسير ابن كثير).
واجب على المربين والمربيات غرس الحياء، والتربية القائمة على هدي الكتاب والسنة وقيم المجتمع المسلم المحافظ، فالجميع عليه كفله من هذا الواجب العظيم.
هذا وصلوا رحمكم الله على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبدالله ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد