بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
- لا تُحاول حبْس دموعك عند اشتداد البلاء بك ؛ فلربما تسلَّى قلبك الموجوع بالدموع ..
قالت عائشة في حادثة الإفك: (فاستعبرتُ وبكيْتُ) .
وسَمِع أبو بكر صوتها وهي تبكي: (ففاضتْ عيناه) .
وكعب بن مالك يُحدِّث عن بلائه بعد غزوة تبوك واشتداد البلاء عليه ؛ قال: (ففاضتْ عيناي).
- لو عشنا لذَّة الدعاء لَـمَا تسلَّل اليأس إلى قلوبنا مهما طال البلاء وتأخَّر العطاء ..
- عندما اشتدَّ البلاء بكعب بن مالك قال: "يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحبُّ الله ورسوله؟ فسكت، فعُدتُّ له فنشدته فسكت، فعُدتُّ له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي". رواه البخاري
فلم يشغله في حال شدَّة البلاء إلاَّ صِدق محبَّته لله ورسوله فهي المُنجية من كل بلاء .
- الله لطيفٌ بعبده مهما اشتدَّ عليه البلاء ؛ ومن لُطفه الخفي : الطُمأنينة في قلب المُبتلى ؛ فيُوقِنُ بنظر الله حال بلائه، وبسمْعِهِ حال دُعائه ، وبتدبيره للأمور بحكمته وفضله ورحمته ..
- لـمَّا علمت عائشة رضي الله عنها انتشار خبر الإفك: خَرَّتْ مغشيّاً عليها، فما أفاقت إلاَّ وعليها حُمَّى بنافض .
تعليق: شدَّة البلاء عظيمة، وألسِنَة الناس جارحة، وكلماتهم مؤلِمَة، وحُرْقة الأبرياء كبيرة، والنفوس الصادقة تكتمُ حُزنها إلى حدِّ المرض، ومع هذا تذكَّر أنَّ الله رحيمٌ في بلائه .
- لا تجعل الشيطان يُفسِدُ عليك حياتك بهموم المُستقبل ؛ كُن قريباً من الله وناجهِ بصدقٍ وإلحاح ؛ فليس هناك شيءٌ على الله بعزيز ..
- حتى لو تخلَّى كل الناس عنك فمعك الله الرحيم الكريم اللَّطيف .. هو الذي يُقدِّر الأقدار ، وبيده مقادير التوفيق والسعادة ؛ وتذكَّر يوسف عليه الصلاة والسلام كم مكث في (غُربة البلاء) بسبب (المكر والقطيعة والعداء) ثم أكرمه الله بكرامة الدنيا والآخرة ..
- يشتدُّ الهمُّ بصاحب البلاء إذا كان في ضيقٍ من وقته؛ فيرى السعادة قد تأخَّرت وقطار العمر يمضي؛ وربما انقطع عن الدعاء، أو داخله اليأس والقنوط، أو غزاهُ الحُزن والشحوب؛ فتزداد حسْرتُهُ ويَعْظُمُ ألَـمُهُ؛ لأنَّه نسيَ تدبير الله وحِكمته في تقديره وأنَّه أرحمُ به من كُلِّ أحد .
- أعظمُ الأوقات التي تشكو فيها بثَّك وحُزنك إلى الله هي في وقت السَّحَر؛ فعندما يهجم الليل عليك بِوِحْدته لا تستسلم للهمِّ ولا تركن للحُزن؛ بل قم بين يدي الله واسأله وألِحَّ عليه ؛ وناجهِ مُناجاة مُفتقِرٍ إليه، واطلب منه تفريج هموم قلبك بيقينٍ صادقٍ أنَّ الأمور كلها بيديْه .
- إنْ أقامك الله بين يديْه ، وفتَحَ لك في دُعائه ومُناجاته، وأطلَقَ لسانك بذِكْره، وأقبَلْتَ على تلاوة كلامه، وشعرتَ بافتقارك إليه في كل وقتٍ؛ فاعلم أنَّه سُبحانه يُريد أن يُكرمك ..
- أرأيتَ ما كَتَبَ الله لك من أقدارٍ لم تخطر في بالك من قبل، وما طرأ على حياتك من تغيُّرٍ لم تحسب له حساب؛ ثق أنَّه سبحانه سيكتب لك أيضاً ما لا يخطر على بالك الآن؛ فاسألِ الله حُسْن المقادير ..
- الله لطيفٌ بعبده مهما اشتدَّ عليه البلاء؛ ومن لُطفه الخفي: الطُمأنينة في قلب المُبتلى؛ فيُوقِنُ بنظر الله حال بلائه، وبسمْعِهِ حال دُعائه، وبتدبيره للأمور بحكمته وفضله ورحمته..
- لا تجعل بلاءك آخر المطاف ونهاية الحياة، ولا تلتفت لمن يسخر من حالك ويشمتُ بمُصابك؛ فرحمة الله أوسع ممَّا ضاق عليك، هو سبحانه رحيمٌ لطيفٌ في بلائه؛ حكيمٌ عدلٌ في قضائه ..
- لا تنفكُّ حياة المؤمن عن البلاء، وبعض الابتلاء قد يطول، وبعضه لا انكشاف له إلى يوم لقاء الله؛ فمن جَزِعَ وتسخَّط فلن يُقصِّر أجل البلاء، ومن قابل البلاء بالقُرْب من الله والإقبال عليه تسلَّى بالرضا والدعاء ولو مكث حياته كلها في البلاء ..
- ﴿ وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريب ﴾
في أشدِّ لحظات حُزنك ، وعند تزاحم الهُمُوم على قلبك وابتعاد السعادة عن حياتك: لن تَجِدَ أقرب من الله ..
استشعارك لقُرْب الله منك: يغمر قلبك بالرحمة التي تُنسيك كل هُمُومك وأحزانك ..
- في كثيرٍ من الأحيان يحتاج المهموم والمكروب إلى من يُواسيه .. إلى من يمسح دمعته .. إلى من يُهوِّنُ عليه أحزانه.. إلى من يُخفِّفُ عنه آلامه؛ يبحث عنهم فيجدهم (بعيدين) مشغولين في حياتهم .. وينسى أنَّ الله ( قريبٌ ) ؛ يرحمه ويلطف به ويُفرِّج همومه ويكشف ما به من البلاء ..
- للهمُوم سطوةٌ على النفس تختنقُ معها الأنفاس ، وربما وضع المُبتلى رأسه على وسادته وهو مُثقَلٌ بهمومه فتسيل دموعه على خدِّه من دون شعور ..
ثق أيها المهموم أنَّ الله رحيمٌ كريمٌ عظيم؛ يراك ويسمعك ؛ وهو قادرٌ على كل شيء ؛ فبُثَّ شكواك إليه ، وأخرج هموم صدرك في سجودك بين يديْه ..
- دخلت امرأة من الأنصار على عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك وبكت معها كثيراً دون أن تنطق بكلمة ..
نعم: ما أجمل أن تلقى شخصاً يفهمك، يعيشُ معك بصدق ووفاء ، يحزن لحُزنك ويفرح لفرحك، ينصرك ظالماً أو مظلوماً ، إن عجز عن مواساتك فلن يعجز عن بذل الدعاء ..
- هناك سعادةٌ يجدها صاحب البلاء في صدره وانشراح نفسه عند اشتداد الضيق وانقطاع الرجاء في الناس ؛ وهذا من ألطاف الله الخفيَّة لِـمَن حَسُنَ ظنُّهُ بالله .. فلا ينفكُّ لُطفُهُ عن قَدَرِه ، ولا ينقطع كَرَمُهُ عن رجائه ، ولا يتأخَّرُ فرَجُهُ عن الأُنْسِ به ..
- في أشدِّ لحظات حُزنك واشتداد كربك: افتح كتاب الله، اقرأ كلام الرَّحيم ؛ هو أرحم بك من الناس أجمعين، اقرأ كلام العليم بحالك؛ ستغسل دموعك كُلّ همٍّ وحُزن وتعبٍ تشتكي منه، ستشعر بسعادة القُرْب من الله لأنَّك لجأتْ إليه ..
- مهما تأخَّرت إجابة الدعاء وطال بك البلاء وضَعُفَ كل شيءٍ فيك؛ لا يضعُف يقينك وتعلُّقك وثقتك وحُسْنُ ظنِّك بالله ..
- لا تُغلِق أبواب الفرَج عليك بسُوء الظنِّ بالله وترْك الدعاء والمُناجاة؛ بل قُل بيقيـنٍ يملأ قلبك: فرَجُ الله قريبٌ ورحمته أكبر من كل همٍّ ..
- صاحبُ البلاء كالمسافر المُنقطع في أرضٍ فلاة؛ كلما مرَّ عليه أحد طلب منه المساعدة فاعتذر ومنَّاه، فلم يَلُمْهم أو يُؤمِّل عليهم، بل أيقن أنَّ نجاته بيدي الله ولم يبقَ في قلبه تعلُّقٌ بغير الله؛ فحَثَّ الخُطى وواصل مسيره رغم التعب حتى أشرف على بلده ورأى الفرَج بعد الشدَّة .
- هناك لحظاتٌ يشعر فيها صاحب البلاء بحاجته الشديدة أن يشكوَ لأحدٍ يَثِقُ فيه يُقاسمهُ الهموم ويُخفِّفُ عنه الأحزان ؛ ولو جرَّب لذَّة مُناجاة الله والأُنس بالله لم يشتكِ إلاَّ إلى الله ﴿ إنَّما أشكو بثِّي وحُزني إلى الله ﴾.
- مهما شكوْت إلى أحدٍ ما تُعانيه فسوف تقصُرُ العبارات وتعجز الكلمات عن الإخبار بمكنون الفؤاد؛ لكن عندما تشكو إلى الله يعلم سُبحانه ما في قلبك حتى لو عجز لسانك وضاعت كلماتك بين دموعك ..
- في الشكوى إلى الناس عِدَّة مرارات : قد يُسيئون بك الظنَّ ، أو يفهمونك بالخطأ ، أو يُفشون سِرَّك ، أو يزهدون فيك ، وأعظمها مرارةً : فُقدان لذَّة الشكوى إلى الله .
- مِنَ الهمُوم ما لا يُمكنُ البوح بها ، ولا أمل في انفراجها إلاَّ يوم القيامة، ولا يُخفِّف ألَمَها وشدَّتها في الدنيا إلاَّ الأُنْس بالله والرِّضا عنه، ولا يُصبِّر القلب عليها رغم طولها إلاَّ رجاء ثواب الله ﴿إنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد