بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
شهوة الكلام - صالح بن فريح البهلال
تصور مسألة أوغلت في بحثها، فجمعت أشتاتها، واستقصيت أطرافها فبانت لك حقائقها، وظهرت لك دقائقها، وأويت في راجحها إلى ركن شديد، وأصل متين، ثم جمعك .مرة. مجلس مع ذوي البسطة في العلم، فابتدروا مسألة للنقاش، فكانت مسألتهم تلك المسألة التي لا تزال ترنُّ في رأسك، لقرب عهدك بها، فما أنت فاعلٌ في هذا المقام؟
لا شكّ أن كثيرين سيقولون: إن كلامك حتم لازم؛ لأنك فقهت المسألة وأحطت بها علمًا، وسكوتك ضعف ومهانة
وربّما قال بعضهم: إن الحديث الآن فرصة فلا تفوتها!
لكن الحافظ ابن رجب عليه رحمة الله له نظر آخر يغيب عن كثير منا، وقد حصل له موقف شبيه بهذا،حكاه ابن عبدالهادي، المعروف ب(ابن المَبْرَد) في كتابه الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد ص52 قال: (وأخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكر لنا مرة الشيخ .يعني الحافظ ابن رجب. مسألة فأطنب فيها، فعجب من ذلك، ومن إتقانه لها، فوقعت بعد ذلك بمحضر من أرباب المذاهب وغيرهم، فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة، فلما قام، قلت له: أليس قد تكلمت فيها بذلك الكلام؟ قال: إنما أتكلم بما أرجو ثوابه، وقد خفت من الكلام في المجلس).
فتأمل هذه الحال التي تشتهي النفوس فيها الكلام، ومع ذلك يلوذ ابن رجب بالصمت، فلا ينبس ببنت شفة؛ وهو ابن بجدتها، وطلاعُ أنجدتها، خوفًا من أن يُخدَش إخلاصه، أو أن تتأثر نيته، وإنه لمقام عظيم؛ بمثله ارتفع القوم، وقارن هذا الحال بأناس في المجالس يستبقون الإجابة، وهم لم يُسألوا، ويتصدرون المجالس ومجموعات الواتساب، وهم لم يُصدّروا، يشاركون في كل قضية، ويتكلمون بما لم يحيطوا بعلمه.
فإن قيل: ما الضابط في هذا؟ وهل ينبغي للمرء أن يسكت أبدًا؟
فالجواب هذا بينه الحافظ الذهبي رحمه الله في السير 4/494 فقال:
(ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، فإن أعجبه الصمت فليتكلم، ولا يفتر عن محاسبة نفسه؛ فإنها تحب الظهور والثناء).
اللهم ارحمنا، وأصلح نياتنا، وقنا شرور أنفسنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد