مالكوم إكس... من أوماها إلى مكة المكرمة!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ولد مالكوم إكس -الأمريكي الأسود- في مدينة أوماها، نبراسكا في الخامس من مايو آذار عام 1925م، وقضى مالكوم شبابه هائمًا على وجهه في شوارع بوسطن ونيويورك.

كان مالكوم إكس من الشباب المتسكعين في الشوارع، وعُرِفَ عنه أنه كان أحد مروجي المخدرات، ولصًا من أولئك الذين يسطون على المنازل - هذا ما تعلمه في ظل الحضارة الغربية التي كان يعيش فيها- حيث تسبب ذلك في عقوبته بالسجن لمدة عشر سنوات، وهو في سن العشرين!

كانت طفولة مالكوم أكس مثل طفولة الأطفال المعذبين، لقد شهد بنفسه منـزله ومنـزل والديه يُهاجم ويُحرق من قبل جماعة كوكلاس كلان (KKK) المتزعمة لعملية مقاومة الملونين بأمريكا، لقد كانت تلك الجماعة بمثابة الغل الأسود التي تصدر للأمريكيين الحقد والكره العنصري.

هذا التاريخ العنصري من قبل جماعات البيض جعلت مالكوم أكس ينظر إلى الرجل الأبيض المسيحي على أنه التجسيد الأرضي للشيطان. فعندما كان مالكوم أكس في سن المراهقة كان قد ترسخت لديه القناعة بأن الرجل الأبيض الأوروبي شيطان!

لقد كان السجن بمثابة عقاب وخلاص في نفس الوقت!

نعم، لقد دخل السجن عقوبة على سرقته، ولكنه في السجن بدأ في إعادة بناء نفسه من جديد، حيث تعرف على دعاة مسلمين.

يقول مالكوم إكس: "لقد وجدت الطريق إلى الله من خلال دين الإسلام الذي غيَّر حياتي تغيرًا تامًا".

وخلال اعتناقه للإسلام يقول مالكوم إكس: "إن أصعب اختيار واجهني في حياتي الصلاة، لقد كنتُ متكبرًا أرفض الركوع لأحد، لقد كان عليَّ أن أُكْرِه نفسي على أن تنحني، كانت تعتريني تيارات الإحساس بالعار والخجل والحيرة أن أحني رأسي لأحد، وبعد مرات ومرات أجبرتُ نفسي على أن تنحني لله في الصلاة، وعندما أرفع رأسي من الركوع لم أكن أعرف ماذا أقول لله!".

وبعدما أصبح مالكوم مسلمًا ومؤمنًا بالله، حول السجن إلى جامعة، وبدأ يتعلم ويثري مفرداته اللغوية من خلال إطلاعه على المعاجم اللغويَّة، وبدأ يقرأ في تاريخ السود، وفي تاريخ القارة الجديدة (أمريكا)، وفي تاريخ الاسترقاق المسيحي للقارة الأفريقية!

أخذ ينهم ويعب من نهر المعرفة خلال فترة السجن. كان إسلام مالكوم إكس في البداية إسلامًا مشوبًا بالعنصرية المنحازة للجنس الأسود ضد الجنس الأبيض، كردة فعلٍ على عنصرية البيض، وهكذا هي الكراهية تولد الكراهية المضادة، وهكذا هو الإرهاب يُنتج الإرهاب المضاد، هذا نتيجة حتميَّة لا تتخلف!

إن إسلام مالكوم أكس لم يكتمل فهمًا ونضوجًا إلا بعد أن حج إلى بيت الله في مكة المكرمة، هناك تعلم الإسلام الحقيقي، وظهر الإسلام وجوهره الناصع، بعيدًا عن العقائد الأسطورية، والعنصرية والأحقاد. تعلم  من الإسلام أن أكرمك عند الله اتقاكم، وأن لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.

يقول مالكوم إكس: "لقد رأيتُ عشرات الألوف من الحجاج من كل أنحاء العالم، كانت ألوانهم مختلفة، منهم ذو البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، ومنهم الأفارقة ذو البشرة السوداء، ولكنهم جميعًا يؤدون الشعائر نفسها، ويظهرون الوحدة والأخوة التي أفتقدها في وطني أمريكا، والتي قادتني إلى الاعتقاد بأنه يستحيل تواجد البيض مع غيرهم في مجتمعٍ واحدٍ تسوده الحرية والعدالة. إن أمريكا في حاجة إلى إن تفهم الإسلام وقيمة الجليلة، لأنه هو الحل الوحيد لمشكلة العنصرية في المجتمع الأمريكي".

لقد تسمى مالكوم أكس بعد إسلامه بمالك الشَبَّاز، وأصبح من ألمع خطباء السود والذي كانت كلماته تسحر العقول وتأخذ بالألباب. لقد سطع نجمه وعلى كعبه، وبدأ يدعو للإسلام والأخوة، ولكن!

تم اغتياله سنة 1965م في قاعة هارلم في شهر فبراير، ليسقط مالكوم أكس قتيلاً  –رحمه الله- ولتتضرج الأرض البيضاء بدم الرجل الأسود، الذي غَيَّره الإسلام من رجلٍ حاقدٍ على البيض إلى رجلٍ محبٍ للجميع. لقد رحل مالكم أكس، ولكن كلماته وسيرته لازالت ماثلة تصنع الإنسان!

ملاحظة حضارية قيميَّة مهمة يبديها مالكوم إكس عن تطورات أخلاقيات (المرأة) في أمريكا وأوروبا وفي بعض البلدان العربية، يقول:
كان البعض ممن قابلتهم في الحج قد نصحوني بزيارة بعض المدن ومنها بيروت، فعملت بنصحهم ووافقت على إلقاء محاضرة في جامعتها الأميركية، وهنا في فندق بالم بيتش نمت لأول مرة منذ أن تركت أميركا أطول وأهنأ نومة، ثم خرجت أتمشى فأثار انتباهي، بعد الأسابيع التي قضيتها في البقاع المقدسة، تصنّع اللبنانيات وتبرجهن. بعد نساء البقاع المقدسة اللاتي كن في منتهى البساطة والأنوثة كانت النقلة عنيفة إلى هاتيك اللبنانيات النصف عربيات، النصف فرنسيات اللاتي يدل لباسهن وسلوكهن في الشارع على أنهن أكثر حرية وأكثر جسارة.
كان التأثير الأوروبي واضحًا على الثقافة اللبنانية، وتبين لي أن مستوى الأخلاق في أي بلد يمكن قياسه بسهولة بمظهر نساءه وسلوكهن في الشارع لا سيما الشابات، لأن انغمار الأخلاق واندثارها ينعكسان على النساء ويأتيان نتيجة تغليب الماديات. راقب النساء في أميركا وستفهم ما أعنيه. ويبدو أن عالم اليوم لم يعد فيه إلا التطرف بين الشيء وضده، ولو أننا وجدنا الموقف الوسط وجمعنا بين التقدم المادي والقيم الروحية لأوجدنا الجنة على الأرض.

النقطة الحضارية التي أشار لها مالكوم إكس، أي أنَّ مستوى الأخلاق في أي بلد يُقاس بمظاهر المرأة وسلوكها العام، قد سبق إليها شيخ الإسلام ابن تيمية  وتحدث عنها.

انتهى، ووفق الله الجميع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply