بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كان الفقيه الشافعي ابن عبيدالله السقاف (ت: 1375هـ) يشرح أحاديث “التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح” للزبيدي بمسجد طه بسيئون بحضرموت، فتعرض له بعض الأحاديث التي في ظاهرها إشكال؛ فيبسط البيان، ويرخي عنان قلمه في أفانين القول، والرجل -بحق- ثاقب الذهن، حلو الحرف، متعدد المواهب، فأتى كتابه “بلابل التغريد فيما استفدناه أيام التجريد” كالروضة الغناء .
وقد حوى الكتاب آراء يستعذبها ذوي المروءات في حديثه عن النساء، ومقامهن، ومنزلتهن عند أرباب الديانة والشرف والسواء النفسي .
وحين بلغ حديث بدء الوحي، وقصة ذهاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمنا خديجة وقوله “زملوني”، قال هذا المعنى اللطيف :
” لا تتجدد لأحد نعمة؛ إلا حدثت في صدره ولولة لا تزول عنه، أو يفضي بخبرها إلى أحب الناس إليه، وألصقهم به، ومن هذه الجهة يقول أبو عبادة:
ملأت يدي فاشتقت والشوق عادة ** لكل غريب زال عن يده الفقر
فإن لم يجد من من تسكن نفسه بحديثه إليه؛ لم تكن النعمة قيمة لديه، لهذا قال الطغرائي:
فلا صديق إليه مشتكى حَزَني ** ولا أنيسٌ إليه منتهى جذلي
ومن هذا القبيل كانت مسارعته صلى الله عليه وآله وسلم إلى خديجة، وإخبارها إياها بقصته، وكلنا يجد ذلك من نفسه، فإنه لا يقر لأحدنا قراره إذا قضيت أوطاره؛ حتى ينقلب إلى أهله ويخبرهم بما اتفق له [1].
وهكذا نحن معاشر البشر؛ نتوق لمن يشاركنا أفراحنا، وأحزاننا، وتفاصيل أيامنا، ولا نستطعم لذة الإنجاز إلا حين نخبر به من نحب؛ كأن سعاداتنا فراشات تحك في جنبات صدورنا لا يؤنسنا إلا تطييرها بين يدي أحبابنا .
ومن تبصّر علم سر وجوب إجابة دعوة العرس عند جمهور الفقهاء [2]، مع وجود من يوجب إجابة كل دعوة [3].
ومذهبي في الحياة -ولو عجبتم- قائمٌ على أن مشاركة الأفراح أدل على المودة من مشاركة الأتراح؛ وهذا أمر يحتاج بسطًا وحجاجًا تخرج المقالة عن مقصودها .
خلاصة القول: أننا ممتنون لمن نحكي لهم تفاصيل يومياتنا، من يوائمون ملامحهم مع اندفاعنا حين نروي قصة مثيرة، ويشاركوننا تفاصيل الفرح بإنجازاتنا الصغيرة؛ هذا النبل كفيل بأن يمنح أرواحنا طفولة لا تنتهي .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] بلابل التغريد فيما استفدناه أيام التجريد ص100 .
[2] ينظر: “المغني” لابن قدامة (7/276)، “روضة الطالبين”للنووي (7/333)، “مواهب الجليل” للحطاب (5/241)، “حاشية ابن عابدين”(6/347).
[3] ينظر: “المحلى” لابن حزم “9/ 23-25)؛ وتعقبه : العراقي في “طرح التثريب” (7/70) وما بعدها، وابن حجر في “فتح الباري” (9 /247 – 249)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد