شعر الغزل في ميزان الفقهاء


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هذه مسألة يكثر الحديث الانطباعي بها، وقلّ من تجده فيها سالمًا من حاكمية طبعه، ورواسب نشأته.

نظرت في كلام الفقهاء، فوجدتهم يعملون النظر الفقهي عند الحديث عن شعر الغزل في عشرة محددات :

المحدد الأول: التعيين؛ فيفرقون بين الغزل بمعينة وبين وضع اسم خيالي لا تعرف صاحبته [ المغني (14/ 165)، الإحياء (2/ 282) ]

المحدد الثاني: العلاقة بالمتغزل فيه؛ فلا خلاف في جوازه لامرأته وملك يمينه [ إتحاف السادة المتقين (7/ 596)، فروع ابن مفلح (5/575)] .

المحدد الثالث: السواء الفطري؛ فلا خلاف في حرمة النسيب بأمرد ومن في حكمه [ الزواجر (2/ 211)] .

المحدد الرابع: مناط الوصف؛ فيوسعون في النسيب الذي يأتي بوصف شعور العاشق وتأوهاته أكثر مما جاء في وصف الحبيبة وبهاء صورتها .

المحدد الخامس: عفة القول؛ فقد نُقل الإجماع على حرمة الغزل الفاحش [ التمهيد (22/198)]

المحدد السادس: الإكثار؛ فيمنعون الإكثار من صنوف اللذائذ القولية والجسدية، والسمت العام للشريعة أنها كوابح لذات لا قواطع لها .

المحدد السابع: سياق الحكم؛ فأغلب أحكام الشعر مظنة وجودها أبواب الشهادات، فيفرق الفقيه بين الحكم على مسألة مجردة كالغزل، وبين الحكم على الفاعل الذي له وضع معين، فالعالم -مثلًا- يضيق عليه في أبواب المروءات للمعهود الاجتماعي؛ فلا يقبل منه ما يقبل من غيره .

المحدد الثامن: الأثر؛ فيحرم الشعر الذي يثير الغريزة، ويدعو لاستسهال الوقوع في المنكر؛ وتكفي غلبة الظن للحكم .

المحدد التاسع: الإنشاء والرواية: فيتسمحون في روايته لتعدد أغراض ذلك من الاستشهاد اللغوي وبيان قبحه أكثر من إنشائه [المغني (14/ 165)].

المحدد العاشر: المحددات المشتركة مع النثر؛ فتحرم المجاهرة بالمعصية ورواية المغامرات غير اللائقة للشاعر، والغلو في تشبيه المحبوبة .

 

وبعد أن فصّلنا المحددات، أشير إلى ثلاث أنواع من مؤثرات الحكم الفقهي:

النوع الأول: مؤثر يؤدي إلى التوسع :

أما مؤثر التوسع فهو النظر الهوياتي: ينظر بعض العلماء للشعر عامة ومنه الغزل على أنه وعاء لحفظ العربية، وصيانة الهوية، ومنه يكون المدخل لفهم خطاب الوحي؛ وهذه زواية تجعل النظر أوسع من مجرد أنه خطاب فني، فيكون من موسعات حكم الفقيه.

 

النوع الثاني: مؤثر يؤدي إلى التضييق:

وأما مؤثر التضييق فهو النظر السلوكي؛ وذلك حين يرى الفقيه من زواية تأثير الغزل على القلب والقيم، واستسهال المنكر، وعادة أهل التنسك الاستيحاش من اللذات، فيكون هذا من مضيقات حكم الفقيه.

 

النوع الثالث: مؤثر محايد:

وهي الطبيعة النفسية للفقيه، فقد يكون الفقيه منقبضًا فيميل للوحشة من الفنون، وقد يكون له ميل جمالي فني فينزع للتعاطي مع الشعر ومنه الغزل بسماحة أكبر.

 

ختامًا:

بالنظر الكمي للشعر الغزلي المنشور نجد أن أكثره يقع في دائرة المباح، وفيه -بكمية أقل- ما لا يستريب التقي بخروجه من دائرة المباح إلى الكراهة وربما الحرمة، وهدف المنشور تدريب الملكات، ودراسة التفكير الفقهي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply