متتالية الانحراف والتزام اللوزام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

وقوع الميل عن الحق في الناس أمر لابد منه بسبب عدم عصمتهم عن الذنوب، وهم بمجرد التوبة يقومون بتصحيح مسارهم ليثبتوا على الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة في آخره ولكن للأسف ليس كل من ينحرف يسيرا عن الصراط يقوم بعملية التصحيح هذه، فيتحول هذا الميل اليسير إلى سبيل مسلوك فرعي بجانب الصراط، فيتولد حينئذ في نفوس أهل الإيمان منهم نزاع في إرادة المسير على الصراط والجمع بين الطريق الفرعي أو السبيل الجانبي الذي سلكوه لشهوة ما.

فإن غلبت في نفوسهم إرادة النجاة عادوا إلى سبيل أولئك الذين صححوا المسار وثبتوا على الصراط وإن قدموا سلوك السبيل الفرعي فإنهم قد بدأوا رحلة متتالية الانحراف والتزام اللوزام"ويحك، لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه!"

كما قال ابن تيمية "فالبدع تكون في أولها شبرا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعا وأميالا وفراسخ"[مجموع الفتاوى 8/425]

وإنما صارت أذرعا وأميالا لأن الإنسان من طبعه أنه يحاول أن يتماهى مع أفعاله وأن يزيل ما يظهر له فيها التناقض مع استجلاب أن ثمة ميل وانحراف تطلبه النفس لا يمكن التخلي عنه فيبدأ في عملية دفع كل ما يناقض هذا الانحراف من الأدلة الشرعية الصحيحة والمعاني الحقة وتتوسع معه عملية الانحراف لأسباب منها من أهمها: محاولة رفع التناقض مع استبقاء أصل الانحراف.

فإذا التزمت مثلاً تصحيح إسلام كل من نطق الشهاداتين دون اعتبار شروطهما فإنك ستصحح ديانة عباد القبور والعلوية والإمامية والإسماعيلية وهلم جراً

وليس الأمر فقط في المقالات والبدع العقائدية بل حتى في الذنوب الشهوانية يقع كثير من الناس في متتالية الانحراف والتزام اللوزام:

كمن ارتكب ذنبا في خفاء فوسوس له الشيطان أو حثته نفسه الآمّارة بالسوء بأن :

يا فلان أنت لم تخف من الله في الخفاء أتخاف بشرا مخلوقين فيجاهر بالذنب بعدما كان مستوراً!

أو كمن لبست عباءة ضيقة فإنها تعلم قبح ما هي عليه فإما تعود وتتوب أو تتوسع طلبا لعدم التناقض بزعمها فتكشف وجها وتضع مساحيق تجميل ثم تنزع خمار رأس وهكذا..."خاربة خاربة"

 

ومن خفاء هذه المتتالية أن الإنسان يمني النفس أول الأمر بميل يسير ثم لا يلبث إلا ويصل إلى مدى من الذنوب لم يظن يوم من الأيام أن يصل إليه كما حصل مع العابد الإسرائيلي الذي بدأ أمره بخلوة ثم زنا وانتهى بسجود للشيطان (انظر خبره في تفسير الطبري (22/ 541))

وهذه المتتالية والتزام اللوزام ليست محصورة على مستوى الأفراد بل هي موجودة على مستوى الأمم فقيل أن قوم لوط أول مبدأ أمرهم كان إتيان النساء من أدبارهن (اللوطية الصغرى) ثم انتقلوا إلى ما لم يسبقهم به أحد من العالمين.

وأول شيوع الخمور في بعض البلدان كان أن سمحوا به للأعاجم علنا أو للسياح ثم لم يلبث أصبح متاحاً لكل أحد، وأصبح القول بمنعه أو المطالبة بذلك ضربا من الجنون!

ومنهم من يطالب صراحة بالسماح بدور البغايا والنوادي الليلة والخمور كذاك الفنان الكويتي الرافضي لأن عددا لا بأس به من الشباب يسافر طالبا هذا الأمر في الخارج فلماذا نتناقض ونستشرف بل نحن أولى بأموال هؤلاء الشباب دعما للاقتصاد!

ويؤيد دعواه من يرى أنها عقلانية دفعاً للتناقض الموجود بين السماح لهم بالسفر مع علمنا بفعل غالبهم وبين منع هذه الأفعال في البلد !

والسلامة من هذا كله هو الخضوع لدين الله وتحكيمه على مستوى الأفراد والأمم والتوبة والرجوع متى انحرف الإنسان يسيرا عن الصراط.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply