تموت المبادئ حين يجوع أصحابها!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

كل إنسان يحمل في قلبه جملة من المبادئ التي يحترمها ويراها من المقدسات، سواء كانت كذلك في نفسها أو كانت من صنعه هو أي هو من منحها القداسة أو من كانوا قبله من قومه، ويظل يؤمن بها ويحامي عنها -أو هكذا يظهر- حتى تصطدم تلك المبادئ بحاجاته.

 والجوع هنا ليس فقط جوعًا حسيًا، بل أيضًا يجوع الإنسان معنويًا واعتباريًا لأفكار محددة يحتاج، لأغراضه السريعة النفسية أو المجتمعية، ولذا يقوم تلقائيًا بالتخلي عن مبادئه -التي طالما تغنى بها أو حاجج بها الآخرين وأدانهم لتركها- لحساب تلك الحاجات الطارئة! 

 وحين تتم المواجهة بين المبادئ والحاجة يحدث صراعًا واصطدامًا بينهما في نقطة فاصلة، لينتهي ذلك الصراع، الذي تتكرر تاريخيًا في كل زمان ومكان، إلى نتيجتين اثنتين لا ثالث لهما:

- تظل المبادئ مقدسة ويضحي الإنسان بحاجاته وبنفسه وماله من أجلها.

- تموت تلك المبادئ حينما يقرر الإنسان التخلي عنها في مقابل التمسك بحاجاته، ويخلد إلى الأرض ويتبع هواه، فيأكل مبادئه أو يأكل بها.

كان كفار قريش يصنعون آلهتهم من كل شيء، ومن كل مادة، كلٌ بحسبه، فإذا ما اصطدمت حاجاته الخاصة بآلهته، كأن يحتاج إلى تلك المادة التي صنعها منها، فإنه يقوم بأخذها فورًا، فإن كان قد صنع إلهه من تمر قام بأكله وابتلاعه، وإن كان قد صنعه من خشب أوقد به ناره، وهكذا، فالحاجة عندما تضعف المبادئ تبتلع تلك المبادئ عند أول اصطدام بها.

قال أبو رجاء العطاردي، رضي الله عنه: "كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به". صحيح البخاري

وقال القرطبي: "إنَّ أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله".

وليس هذا فقط حكرًا على عرب الجاهلية، بل حدث مثله في كل أمة، وتتعدد الأصنام وتختلف الآلهة ويبقى الإنسان هناك وهنا هو هو.

ففي العصور القديمة، قام ديونيسوس الصغير، وهو حاكم صقلية، حين احتاج المال بتجريد تمثال الإله زيوس بصقلية من عباءته الذهبية، وأمر له بديلاً عن ذلك بعباءة من الصوف، بحجة ظريفة؛ وهي أنَّ تلك التي من الصوف ستكون أفضل من الذهبية، لإنها ستكون خفيفة بالصيف ودافئة بالشتاء!

وهذا أيضًا ما فعله أنطيوخوس، حين كان في حاجة إلى المال، أمر بأن يُصهر تمثال زيوس الذهبي، والذي كان على ارتفاع خمسة عشر ذراعًا، وأن يُقام عوضًا عنه تمثال من خامات زهيدة مكسوًّا برقاق ذهبية!

 وفي العصر الحديث، يتبنى الغرب العديد من المبادئ التي يغالي في تقديسها ويحامي عنها ويدين الآخرين الذين لا يتبعونها ويزدريهم بسبب تركها، كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة... إلخ، لكنه عند الحاجة أو المصلحة يضحي بها، فإما يأكلها أو يأكل بها.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply