السعادة في معاملة الناس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

فالإنسان لا يمكن أن يعيش وحده، فلا بدّ له من الاجتماع والاختلاط مع الناس، وإذا وفق الله عز وجل العبد كان اجتماعه مع الناس وفق شرع الله، ويكون ذلك من خلال أمور وردت في النصوص، وفي كلام أهل العلم، وهذا شيء منها:

 

التعامل مع الناس رجاء ثواب الله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم، ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم، ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافئتهم، وتكف عن ظلمهم خوفاً من الله لا منهم، وقال رحمه الله: وإذا أحسن إلى الناس فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى.

 

ألا يطلب منهم جزاءً إذا أحسن إليهم فالله جل جلاله هو الذي منَّ عليه بذلك

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويعلم أن الله قد منَّ عليه بأن جعله محسناً، فيرى أن عمله لله وبالله.... فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء، ولا شكوراً، ولا يمنُّ عليه بذلك، فإنه قد علم أن الله هو المان عليه، إذ استعمله في الإحسان، فعليه أن يشكر الله، إذ يسره لليسرى.

 

أن يستر عيوبهم فيستر الله عليه

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)[متفق عليه] قال العلامة ابن باز رحمه الله: هذا هو المشروع: إذا رأى الإنسان من أخيه في الله عورة، يعني معصية فلا يفضحه ولا ينشرها بين الناس بل يسترها عليه، وينصحه ويوجهه إلى الخير ويدعوه إلى التوبة إلى الله من ذلك ومن فعل هذا وستر على أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة لأن الجزاء من جنس العمل أما الذين يظهرون المعاصي ولا يستحون،.. فهؤلاء فضحوا أنفسهم، فليسوا محلاً للستر.. ليس محل الستر من أظهر فاحشته وأعلنها.

قال أحد السلف: أدركتُ قوماً لم يكن لهم عيوب فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً وأدركت قوماً كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب الناس فنُسيت عيوبهم.

 

عدم فعل عبادة رجاء مدحهم أو خوفاً من ذمهم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا تفعل شيئاً من أنواع العبادات، والقُرب لأجلهم، رجاء مدحهم، ولا خوفاً من ذمهم، بل ارج الله، ولا تخفهم في الله، فيما تأتي وما تذر، بل افعل ما أُمرت به، وإن كرهوه.. فإذا أرضيتهم بسخط الله، لم تكن موقناً لا بوعد الله ولا برزقه، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم من الدنيا، فيترك القيام فيهم بأمر الله، لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديق بما وعد الله أهل طاعته، من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله، نصرك ورزقك وكفاك مئونتهم، فإرضاؤهم بسخطه إنما يكون خوفاً منهم، ورجاء لهم، وذلك من ضعف اليقين، وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلوه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن

 

أن يحبَّ لهم ما يُحبُّ لنفسه

قال ابن عباس رضي الله عنه: إني لآتي على الآية من كتاب الله، فلوددت أن الناس يعلمون أكثر مما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين، في أي أرض يعدل في رعيته، فأفرح به، ولعلي لا أتحاكم في قضية واحدة، وإني لأسمع أن الغيث أصاب بلداً من بلدان المسلمين، فأفرح به، ومالي به من سائمة.

 

العدل معهم وإن كان يبغضهم

قال سبحانه وتعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8] قال ابن كثير رحمه الله: أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم"

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: أفاء الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا عليه، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبدالله بن رواحه، فخرصها عليهم، ثم قال لهم: يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليَّ، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بُغضي إياكم، على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض قد أخذنا فاخرجوا عنا [أخرجه أحمد]

 

الرفق في التعامل معهم

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: مُلاطفة الخلق، وهي مُعاملتهم بما يُحبُّ أن يُعاملوه به من اللطف، ولا يُعاملهم بالعنف والشدة والغلظة، فإن ذلك ينفرهم عنه، ويُغريهم به، ويفسدهم عليه قلبه وحاله مع الله ووقته، فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف، فإن مُعاملة الناس بذلك، إما أجنبي فتكسبُ مودته ومحبته، وإما صاحب وحبيب فتستديم صحبته ومودته، وإما عدو ومُبغض فتُطفئُ بلطفك جمرته وتستكفي شره.

 

عدم مؤاخذة الغضبان بما يصدر منه

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: متى رأيت صاحبك قد غضب، وأخذ يتكلم بما لا يصلح، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصراً، ولا أن تؤاخذه به، فإن حاله حال السكران، لا يدري ما يقول، بل اصبر لفورته، ولا تعول عليها، فإن الشيطان قد غلبه، والطبع قد هاج، والعقل قد استتر، ومتى أخذت في نفسك عليه، أو أجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنوناً، أو كمفيق عاتب مغمى عليه، فالذنب لك، بل انظر بعين الرحمة، وتلمح تصريف القدر له، وتفرج في لعب الطبع به، واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى، وعرف لك فضل الصبر. ومتى سمعت منه كلمة قذعة فاجعل جوابها كلمة جميلة، فهي أقوى في كفِّ لسانه، فإن لم تطق فهجر جميل،.. عدوك إن بالغ في السب فبالغ في الصفح، تنب عنك العوام في شتمه، ويحمدك العلماء على حلمك، وإنما يقع هذا، ممن يري أن تسليطه عليه، إما: عقوبة على ذنب، أو رفع درجة بالابتلاء، فهو لا يري الخصم وإنما يري القدرة...وقد روي عن بعض السلف أن رجلاً شتمه فوضع خده على الأرض، وقال: اللهم اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به عليّ.

 

كتم أسراره عنهم

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به، فواعجباً كيف ضاقوا بحبسه ذرعاً، ثم لاموا من أفشاه،

وفي الحديث (استعينوا على قضاء أموركم بالكتمان) فإن قال قائل: إنما أحدّثُ من أثق به، قيل له: وكل حديث جاوز الاثنين شائع، وربما لم يكتم صديقك... والرجل الحزم الذي لا يتعداه سره، ولا يفشيه إلى أحد، وستر المصائب من جملة كتمان السر، لأن إظهارها يسرُّ الشامت، ويؤلم المُحب.

 

العفو عنهم

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العفو من المخلوق ظاهره ضيم وذلّ، وباطنه عزّ ومهابة، والانتقام ظاهره عزّ، وباطنه ذلّ، فما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذلّ، ولو لم يكن إلا بفوات عزِّ العفو، ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط... والعفو من أخلاق النفس المطمئنة، والذلّ من أخلاق الأمارة.

 

عدم إظهار العداوة لمن أظهر عداوته منهم

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: مما أفادتني تجارب الزمان، أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحداً، ما استطاع، فإنه ربما يحتاج إليه، مهما كانت منزلته، واعلم أن المظاهرة بالعداوة، قد تجلب أذى من حيث لا يعلم، لأن المظاهر بالعداوة، كشاهر السيف ينتظر مضرباً، وقال رحمه الله: وإذا أبغضت شخصاً، لأنه يسوءك، فلا تظهرن ذلك، فإنك تنبهه على أخذ الحذر منك، وتدعوه للمبارزة، فيبالغ في حربك، والاحتيال عليك، بل ينبغي أن تظهر له الجميل، إن قدرت، وتبره ما استطعت، حتى تنكسر معاداته، بالحياء من بغضك.

 

عدم التعامل معهم بكبر

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الكبر أثر من آثار العجب، والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم... نظرُه إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيهاً، لا يبدأ من لقيه بالسلام، وإن ردَّ عليه، رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خلقُه، لا يري لأحدٍ عليه حقاً، ويرى حقوقه على الناس، ولا يري فضلهم عليه، ويري فضله عليهم، لا يزداد من الله إلا بُعداً، ولا من الناس إلا صغاراً وبغضاً.

 

الصبر على أذاهم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإنسان... لا بدَّ له من أن يعيش مع الناس، والناس لهم أرادات وتصورات، يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، فمن هداه الله وأرشده، امتنع من فعل المحرم، وصبر على آذاهم، وعداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما جرى للرسل وأتباعهم، مع من آذاهم، وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومن ابتلي من علمائها وعُبادها وتجارها ووُلاتها.

 

الاستغناء عنهم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية أعظم ما يكون العبد قدراً وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم، مع الاستغناء عنهم، كنت أعظم ما يكون عندهم ومتى احتجت إليهم ولو في شربة ماء نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم

 

اعتزالهم في الشّر وفضول المباح

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: مخالطة الناس وخصوصاً العوام... ينسي الرحيل عن الدنيا، ويجلب الكسل عن الطاعة، والبطالة، والغفلة، والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس، التشاغل بالعلم، أو بالعبادة، ولا يزال يُخالطهم حتى تهون عليه الغيبة، وتضيع الساعات في غير شيء، وقال رحمه الله: ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فتر عمله، وقال الإمام ابن القيم رحمة الله: والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الناس في الخير... ويعتزلهم.. في الشر وفضول المباحات،... وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله، إن أمكنه، ويشجع نفسه، ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له في ذلك.

 

التعامل معهم على أنهم مختلفين في طباعهم

من أراد أن يتعامل مع غيره، فلا بدّ له أن يعرفه معرفةً جيدة، وعلى ضوء هذه المعرفة يكون التعامل معه، ومن أراد أن يتعامل مع الناس، فلا بد له من معرفة أنهم مختلفين في نواح شتى:

الناس مختلفون في الخُبث والطيب واللين والشدة:

من آيات الله الدالة على عظمته، وكمال اقتداره، خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم، فمع كثرة الناس منذ أن خلق الله الخلق، فإنه لا يوجد صوتين متفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كل وجه، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم:22] قال العلامة السعدي رحمه الله: هذا من عنايته بعباده، ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف، لئلا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب.

والناس كما أنهم مختلفون في ألوانهم ولغاتهم -التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله- فهم كذلك مختلفون في طباعهم، فمنهم الطيب والخبيث، واللين والشديد، وبين ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك)[أخرجه أبو داود] فالناس فيهم طيب الخصال، وفيهم خبيث الخصال، وفيهم السهل اللين المنقاد، وفيهم الغليظ الطبع، فمعرفة ذلك يساعد الإنسان ويعينه على التعامل الجيد معهم، بحيث يستفيد من طيب الطيب، وينجو ويسلم من شر صاحب الشر.

الناس مختلفون في الغضب والرضا:

الناس في رضاهم وغضبهم مختلفون فهم على أربع طبقات وردت في الحديث، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن بني آدم خُلقوا على طبقات شتى، فمنهم...البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء،)[أخرجه الترمذي] ومعرفة الإنسان لأحوال الناس في الغضب والرضا، ومعرفته لحال كل إنسان بعينه يساعده في التعامل معه، فشرّهم، وهو سريع الغضب بطيء الفيء يحذره ويبتعد عنه، وخيرهم وهو بطيء الغضب سريع الفيء يقرب منه، والمتوسط منهم يتعامل حسب بقدر الحاجة.

الناس كثير والمرضي منهم قليل:

الناس كثير والمرضي منهم في خصاله قليل، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الناس كالإبل المائة لا تكادُ تجدُ فيها راحلة)[متفق عليه] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في رواية مسلم: (تجدون الناس كإبل مائة لا يجد فيها الرجل فيها راحلة) فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئاً سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه، قال النووي: المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل، قال القرطبي: الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحة في الإبل المائة. وقال ابن بطال معنى الحديث أن الناس كثير والمرضي منهم قليل"

فعلى الإنسان أن يدقق في اختيار من يعاشر ويصاحب من الناس.

التحلي بالخصال التي تجعل الإنسان من خير الناس فيحبه الناس

خير الناس هم صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، ثم التابعين، ثم تابعي التابعين، رحمهم الله جميعاً، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)[متفق عليه] ولذا فإن خير الناس من يقتفي أثرهم، ويسلك مسلكهم، ويتبع منهجهم.

إن تحلي الإنسان بالخصال التي تجعله من خير الناس، يجعله مقبولاً عند الناس، فيكون سعيداً في تعامله معه، ومن الصفات التي تجعل الإنسان من خير الناس:

أن يكون طائعاً لله، حسَن العمل:

من خير الناس من يطول عمره في طاعة الله، فيزداد قرباً إلى الله، ويزداد رفعة في الآخرة، فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره، وحسن عمله)[أخرجه الترمذي] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بإمكان الإنسان أن يحسن عمله، لأن الله تعالى جعل له عقلاً، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وبين المحجة، وأقام الحجة، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرحم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحبَّ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه) وصلة الرحم من أسباب طول العمر... فينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً، أن يجعله ممن طال عمره، وحسن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس"

ومن عمل الصالحات وأكثر منها، مخلصاً لله، متبعاً لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأجر عمله له، ولكن الناس يستفيدون من رؤيته، ومن كلامه، فعن أسماء بنت يزيد سكن الأنصاري رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبركم بخياركم؟) قالوا: بلى قال: (خياركم الذين إذا رؤوا ذُكر الله تعالى)[أخرجه أحمد] وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أيُّ جُلسائنا خير؟ قال: (من ذكركم الله رؤيته، وزاد في عملكم منطقه، وذكركم بالآخرة عمله)[أخرجه أبو يعلى الموصلي] فالناس إذا رأوا الإنسان الصالح الصادق تذكروا الأعمال التي تقربهم من الله، وإذا تكلم الصالح فإنه لا يتكلم إلا بما يقوله الله وبما يقوله رسوله صلى الله عليه وسلم، فيستفيد الناس من كلامه.

أن يتخلق بالأخلاق الحسنة مع جميع الناس:

من خير الناس من يتحلى بالأخلاق الحسنة الطيبة، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)[متفق عليه] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: حسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل.

وأولى الناس بالتعامل الحسن والأخلاق الطيبة قرابة الإنسان، فعن عائشة رضي الله

عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُكُم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله)[أخرجه الترمذي] قال الإمام المباركفوري رحمه الله: أي لعياله وذوي رحمه، وقيل لأزواجه وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق.

ومن خير الناس من يتعامل مع إخوانه المصلين برفق فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة)[أخرجه أبو داود] قال الإمام الخطابي رحمه الله: معنى لين المنكب لزوم السكينة في الصلاة، والطمأنينة فيها، وقد يكون فيه وجه آخر، وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل، أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف.

أن يُرجى إحسانه وخيره:

من خير الناس من يرجو الناس خيره، ويسلمون من شره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس، فقال: (ألا أخبركم بخيركم من شركم؟) فسكتوا، فقال: ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول أخبرنا بخيرنا من شرنا. قال: (خيركم من يرجي خيره، ويُؤمن شره)[أخرجه الترمذي أحمد].

أن يسلم المسلمون من يده ولسانه:

من خير الناس من يسلم الناس من لسانه ويده، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ فقال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)[أخرجه مسلم] فمن يؤذي الناس بيده، ومن يؤذيهم بلسانه، بغيبةٍ، ونميمة، وكذبٍ، وافتراءٍ، وبهتان، وسخريةٍ، واستهزاءٍ، ونحوها، فلا شك أنه غير محبوب لديهم، بل مكروه مبغوض.

أن يقضي حقوق الناس بخيرٍ منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل يتقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً، فقال: (أعطوه سناً فوق سنه) وقال: (خيركم أحسنكم قضاء)[أخرجه مسلم ] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في هذا الحديث: الحثُّ على حُسن القضاء، وحُسن القضاء يكون بأمور منها: أن يقضيه خيراً مما يطلبه، ومنها: ألا يماطله، ومنها: أن يُعطيه بسماحة، لا بتكرُّه، لأن بعض الناس يُوفي، ولا يماطل، لكن إذا أعطاك فكأنّه يمُنُّ عليك بشيء هو واجب عليه.

 

الحذر من الخصال التي تجعل الإنسان من شر الناس فيبغضه الناس

كل عاقل يرغب أن يكون من خير الناس ولا يرغب أن يكون من شر الناس، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شرّ الناس من طال عمره وساء عمله) [أخرجه الترمذي]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كتبت أم المؤمنين عائشة إلى معاوية رضي الله عنهم: أما بعد: فإن العبد إذا عمل بمعصية الله، عاد حامدهُ من الناس ذاماً، وعن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: ليحذ امرؤ أن تعلنه قلوب المؤمنين، من حيث لا يشعر، ثم قال: أتدري مم هذا؟ قلتُ: لا قال: إن العبد يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله بغضة في قلوب المؤمنين، من حيث لا يشعر.

وهناك خصال ينبغي أن يحذر منها العبد لئلا يكون من شر الناس ومن هذه الخصال

ألا يرجى منه خير وأن يُخافُ من شره:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شرُّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرُّه) [أخرجه أحمد] ومن لا يرجي إحسانه، ولا يؤمن شره، فهو مكروه عند الناس.

أن يكون مفسداً بين الناس ويمشي بينهم بالنميمة:

عن أسماء بنت يزيد سكن الأنصاري رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بشراركم؟) قالوا: بلى قال: (فشراركم المفسدون بين الأحبة المشاؤون بالنميمة الباغون البراء العنت) [ أخرجه أحمد] والنمام من ينقل كلام بعض الناس لبعض بقصد الإفساد بينهم، والناس لا يحبون النمام ويكرهونه.

أن يكون ممن يُكرم اتقاء شره، لا محبة فيه:

فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنهم أخبرتهُ: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له، بئس ابن العشير، أو بئس أخو العشيرة) فلما دخل عليه ألان له القول، فلما خرج، قالت عائشة: قلت له الذي قُلت، ثم ألنت له القول، فقال: (أي عائشة شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من ودعه

الناس، أو تركه الناس، اتقاء فحشه)[متفق عليه] وفي لفظ: (إن من شرار الناس، أو شر الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم)[أخرجه أحمد]

أن يكون ممن يكثر من الكلام بدون فائدة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُنبئكم بشراركم؟ الثرثارون المتشدقون) [أخرجه أحمد] قال الإمام المناوي رحمه الله: الثرثارون: الذين يكثرون الكلام تكلفاً وتشدقاً.. والمتشدقون الذين يتكلمون بأشداقهم ويتمقعرون في مخاطبتهم"

والناس لا يحبون الثرثار الذي يكثر من الكلام بدون فائدة.

أن يكون صاحب وجهين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من شرٍّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه)[أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: المراد من يأتي كل طائفة ويُظهرُ أنه منهم، ومخالف للآخرين مبغض، قال الإمام الأُبي رحمه الله: يفعل ذلك على غير الإصلاح، بل في الباطل والإفساد بالكذب، يزين لكل فعله، قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل في الباطل والكذب، وتزينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى"

 

أعمال تجلب محبة الناس ومودتهم:

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإنسان لا حرج عليه أن يطلب محبة الناس، أي أن يحبوه، سواء كانوا مسلمين أو كفار، حتى نقول: لا حرج عليه أن يطلب محبة الكفار له، لأن الله عز وجل قال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلونكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم)[الممتحنة:8] ومن المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يُحبّونه، والمحذور أن تحبهم أنت"

لقد جاءت النصوص أعمال من قام بها، جلبت له محبة الناس ومودتهم، ومنها:

الإيمان وعمل الصالحات:

قال الله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا}[سورة مريم/96] قال ابن عباس رضي الله عنه: يُحبهم ويحببهم إلى عباده، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أي في قلوب عباده، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين، الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل، لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين، محبة، ومودة، وهذا أمر لا بد منه، ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال العلامة السعدي رحمه الله: هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن يجعل لهم وداً، أي: محبة ووداداً في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض.... وإنما جعل الله لهم وداً، لأنهم ودّوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبائه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سبحانه وتعالى إذا أحبَّ عبداً نادي جبريل: إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبه فيُحبهُ جبريل ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبوه فيُحبُّهُ أهل السماء ويوضعُ له القبول في الأرض)[متفق عليه]

مقابلة الإساءة بما هو أحسن

قال عز وجل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[سورة فصلت/34] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إذا أساء إليك إنسان، فلا تقابله بإساءةٍ، ولا تُقابله بحسنةٍ أيضاً، بل قابله بما هو أحسن... فإذا دفعت بالتي هي أحسن فاجأتك هذه الحال، وهي أن تنقلب عداوة الشخص الذي أساء إليك، فيصيرُ كأنه ولي حميم، يعنى صديقاً قريباً... لا تستبعد، هذه الأمور بيد الله، وكم من عدوٍّ انقلب صديقاً، وصديق انقلب عدواً.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: أي إذا أساء إليك مسيء، من الخلق خصوصاً من له حق عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول، أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه... فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.

سُرقت دراهم من ابن مسعود رضي الله عنه فجعل الناس يدعون على من سرقها، اللهم اقطع يد السارق، فقال: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك فيه، وإن كان حملته جرأة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه. قال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لئن قلت لي كلمة لأقولن لك عشراً، قال له عمرو: وأنت لئن قلت لي عشراً لم أقل لك واحدة، وقال رجل لسالم بن عبدالله بن عمر: ما أراك إلا رجل سوء! فقال: ما أحسبك أبعدت، وذُكر أن رجلاً سب رجلاً وقال له: إياك أعني، فقال الآخر: وعنك أعرض.

ومقابلة الإساءة بما هو أحسن، يحتاج لصبر ومجاهدة، إذ إن النفوس تُحبُّ الانتقام ممن أساء إليها، لكن من تذكر الثواب من الله، ومحبة الناس له، هان عليه ذلك.

الزهد فيما في أيدي الناس:

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملتُهُ، أحبني الله، وأحبني الناسُ، فقال: (ازهد في الدنيا، يُحبُك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يُحبُك الناس)[أخرجه ابن ماجه] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الزهد فيما في أيدي الناس.. مُوجب لمحبة الناس قال الحسن لا تزالُ كريماً على الناس أول لايزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم فإذا فعلت ذلك، استخفوا بك وكرهوا حديثك، وأبغضوك وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس والاستغناء عنهم فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك، وأما من زهد فيما في أيدي الناس، وعفَّ عنهم، فإنهم يحبونه، ويكرمونه لذلك، ويسودُ به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية ؟قالوا: الحسن. قال: بما سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم

إفشاء السلام

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيءٍ إذ فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)[أخرجه مسلم]

إهداء الناس وقبول هداياهم:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تهادوا تحابوا)[أخرجه أبو يعلى] وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا فإن الهدية تُذهبُ وغر الصدر)[أخرجه أحمد] فالهدية جالبة للمحبة، وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن صفوان بن أمية قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ [أخرجه مسلم].

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply