بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نجاسة لعاب الكلب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم.
قوله (طهور) يدل على تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه، وهو ما أثبته العلم الحديث، والذي لم نشك لحظة في صدقه، وليس يطهر الإناء إلا الماء والتراب دون ما عداهما من مواد التنظيف والتطهير، وهذا ما أثبته العلم الحديث أيضاً، وهو يؤكد أن هذا الدِّين ليس هو إلا وحي أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم .
وذهب جمور أهل العلم إلى نجاسة لعاب الكلب، ووجوب تطهير ما مسه هذا اللعاب .
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى: "فالنجس نوعان: أحدهما: ما هو نجس، رواية واحدة، وهو الكلب، والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما، فهذا نجس، عينه، وسؤره، وجميع ما خرج منه، روي ذلك عن عروة، وهو مذهب الشافعي، وأبي عبيد، وهو قول أبي حنيفة في السؤر خاصة" انتهى
واستدل الجمهور على ذلك، بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا) [البخاري] ومسلم بلفظ: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ)، وفي لفظ له أيضا: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)
ودلالة الحديث دل على نجاسة لعاب الكلب من وجوه:
- الوجه الأول: أنه جاء في أوله: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ)؛ والطهارة حقيقتها في الشرع: هي الطهارة من الحدث أو الخبث.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ففيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره رضي الله عنه ممن يقول بنجاسة الكلب لأن الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس .
فإن قيل: المراد الطهارة اللغوية؟ فالجواب: أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية " انتهى.
- الوجه الثاني: الأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " في هذا الحديث (فَلْيُرِقْهُ) وهو يقوي القول بأن الغسل للتنجيس، إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما، فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال، لكن قال النسائي: لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه ...
قلت: قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي؛ لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف، وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره" [فتح الباري]
- الوجه الثالث: أن من الصحابة من صرح أن النجاسة هي سبب الأمر بالغسل في هذا الحديث، ولا يعرف له مخالف .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والتعليل بالتنجيس أقوى، لأنه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه"
المشهور من أقوال الإمام مالك رحمه الله تعالى: أن لعاب الكلب ليس بنجس، وإنما يغسل الإناء الذي ولغ فيه تعبدا.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "واختلف الفقهاء أيضا في سؤر الكلب وما ولغ فيه من الماء والطعام. فجملة ما ذهب إليه مالك واستقر عليه مذهبه عند أصحابه: أن سؤر الكلب طاهر، ويغسل الإناء من ولوغه سبعا؛ تعبدا"
وقد انتصر لهذا القول - طهارة لعاب الكلب – ابن المنذر والبخاري رحمهما الله تعالى.
وأقوى ما استندوا إليه:
- الدليل الأول: الآية التي نصت على الأكل مما أمسكه كلب الصيد على صاحبه ولم تأمر الآية بغسل هذا الصيد؛ حيث قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}[المائدة /4].
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: "فذهب مالك في الأمر بإراقة سؤر الكلب وغسل الإناء منه، إلى أن ذلك عبادة غير معللة، وأن الماء الذي يلغ فيه ليس بنجس، ولم ير إراقة ما عدا الماء من الأشياء التي يلغ فيها الكلب في المشهور عنه، وذلك كما قلنا لمعارضة ذلك القياس له .ولأنه ظن أيضا أنه إن فهم منه أن الكلب نجس العين عارضه ظاهر الكتاب، وهو قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} يريد أنه لو كان نجس العين، لنجس الصيد بمماسته".
وأجيب عن هذا، بأن لعاب الكلب عفي عنه في هذه الحالة للحاجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لُعَاب الْكَلْبِ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ: لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِغَسْلِ ذَلِكَ، فَقَدْ عفا عَنْ لُعَابِ الْكَلْبِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَأَمَرَ بِغَسْلِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ وَحَاجَتَهُمْ".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد