بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يؤلمنا حالُ أمتنا، ويحزننا ما آلت إليه أحوالُها التي لاتخفى على أحد، كما يؤلمنا ويحزننا أكثر صدودُ بعضِ أبناء الأمة عن هذا الهدى، وهذا الدين العظيم الذي هو سفينة النجاة لهم وللعالمين، ولن تجد البشرية منهجا غير مافي الإسلام من خير وعزة وأمن، إن الدين عند الله الإسلام، ولن يُقبل عند الله أيُّ دين يخالف هذا الإسلام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار)، ومن هنا تمتد ألسنة أعداء الإسلام بكل أطيافهم وتوجهاتهم من يهود وصليبيين وعلمانيين وحداثيين ووثنيين، إضافة إلى نخب الصحافة أهل الأعمدة الواهية في هذا الزمن... أقول تمتد ألسنتهم وأيديهم إلى الإسلام، وإلى رجال الدعوة بالسوء والأذى. يدفعهم إلى ذلك حقدهم، ويحثهم إليه مافي صدورهم من ضلال وفساد، ويحذرنا المولى تبارك وتعالى من الخنوع لهؤلاء، ومن مداراتهم بأي لون من ألوان المداراة يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ...) 1/ الممتحنة، لقد أعمى الشيطان بصائر هؤلاء الضالين، فلم يدركوا حقيقة وجودهم في هذه الحياة الدنيا، ولم يعلموا معنى الخلود في عذاب جهنم يوم القيامة، فصدوا عن سبيل الله، ولم يصغوا إلى نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو عليهم وحيَ السماء، حيثُ يبيِّن الله ذلك في محكم التنزيل: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) 19/ 20/ آل عمران.
للأمة دينها الإسلامي الحنيف، وأبناؤها من رجال ونساء وشباب شابات يحملون رايات هذا الدين، ويدافعون عنه، وذاك إرثهم من نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، وقد تعهد الله لهم بحفظ هذا الدين، وبالنصر المؤزر على أعدائه وأعدائهم مهما بلغت قوة أولئك الأعداء، ومهما بلغت وحشيتهم وشراستهم التي ترجموها في هذا العصر بأهوال ورزايا صُبَّت على أبناء الأمة في معظم أقطارها، وقد ثبت أبناء الأمة في ميادين النزال رغم قلة العدة والعتاد، وسيبقى هذا الفداء وهذه التضحيات في سبيل الله قائمة، ولن يتراجع حملة هذا الدين عن سبيلهم هذا أبدا، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)، أتباع مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم باقون على العهد، ماضون في هذا الميدان، تحدوهم آيات ربهم، ويبشرهم نبيُّهم صلى الله عليه وسلم بالفتح وبالتمكين، رغم كثرة الأعداء وشراسة الحاقدين، ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)، أجل إنها بشريات تشرق في وجوه المسلمين الصابرين الصامدين، تؤكد عظمة هذا الدين، ووفاء أبنائه في بقاع الأرض له، رغم السجون المحدقة بهم، ورغم الإعدامات الطاغية التي تنال منهم في الحقب الأخيرة المتتالية، ولعل أعداء الإسلام على تنوع أطيافهم ومعسكراتهم يعلمون علم اليقين أن الحق في هذا الإسلام، وأن دعاة الإسلام هم أهل الحق، وأن الشعوب الإسلامية لن تتخلَّى عن هذا الحق، شهد بذلك أشد الأعداء عداوة للإسلام والمسلمين، وهم اليهود ــ لعنهم الله ــ وَلْنَسْمع لأقوالهم في هذا الموقف الإسلامي النبيل.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عبد الله بن رواحة الأنصاري إلى خيبر ليخرص على اليهود ثمرة النخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاملهم على نخيلها وأرضها بنصف ثمرة النخل والزرع، فخرص عليهم عبد الله ثمرة النخل، فقالوا له: إن هذا الخرص فيه ظلم، فقال لهم عبد الله رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده إنكم لأبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، وإنه لن يحملني بغضي لكم وحبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أظلمكم) فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض. أجل بالعدل قامت السماوات والأرض، ولكن اليهود وأذنابهم ورفاقهم في الحقد على دين الله لم يمكِّنهم من خلع ربقة الضلال والعناد والاستكبار، فلم يعدلوا في أقوالهم وأفعالهم، فهيهات هيهات أن يرضى المسلمون بولاية غير المسلمين، قال عزَّ من قائل: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)28 / آل عمران. لامجال للمسلمين الصادقين في إيمانهم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يوادُّوا أعداء الله مهما كانت مكانتهم أو قرابتهم من أهل الإسلام، يقول الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...) لأن الله عزَّ وجلَّ أثبت الإيمان في قلوب هؤلاء المسلمين، ولأن الله تعالى أيَّدهم بروح منه، ولأن المولى تبارك وتعالى وعدهم بالرضوان من عنده و بالجنة يوم القيامة، ولأن الله جلَّت قدرته جعلهم من المفلحين.
قل هذه سبيلي، وهذه عقيدتي، عقيدة القيم الربانية، والمآثر النبوية، والمنطلقات الراسخة، والأهداف الكريمة لإسعاد البشرية، فلاتبديل ولا تحويل ولا نكوص، الحلال بيِّن والحرام بيِّن، ومبادئ وأفكار الأحزاب والمذاهب الشيطانية كلها افتُضحت، فلا خير فيها ولا نجاة، وإنما الخراب الذي شهدته الشعوب، والدمار الذي نال المنازل وسكانها، وأحرق الأشجار وطيورها، والقتل الأعمى الذي وصل إلى الناس أينما وُجدوا، والإرهاب الذي هو دين أهل الطغيان الصغار منهم والكبار، وهذا ماينافي شريعة الله الربانية التي جاءت بالرحمة واليسر والخير للعالمين،: قال عزَّ وجلَّ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) 107 / الأنبياء ، وفي هذا الرحمة أسباب سعادة الإنسان، في المعاملات وفي إعمار الدنيا، وفي العمل الجاد المبني على صدق الأداء والهدف والمودة للناس على مرِّ العصور، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) / رواه أحمد، فرسالة الخير الإسلامية، والرحمة الإلهية باقية لاتنصرم ولا تتبدل إلى يوم القيامة ، وإنما هي للأجيال المتعاقبة على وجه هذه الأرض، والسنن الحسنة من وقف وصدقة وغير ذلك من أبواب التكافل والتَّواد أجرها لأصحابها، ولمن عمل مثلها إلى يوم القيامة، (وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي، والسعيد من أهل الأرض مَن أعطى حياته حقَّها، ولم ينس آخرته لأي سبب دنيوي، وهذا من هَدْيِ الله تبارك وتعالى حيث يقول: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) 77 / القصص، فعدم الإيمان بالله وما يترتب عليه من أقوال فاسدة وأعمال مشينة هو الإفساد الذي نهانا الله عنه. والسعيد في الدنيا هو مَن وجد الله أمامه... في أعماله وأقواله وتصرفاته، ومَن وجد الله فما فاته شيء من خيري الدنيا والآخرة، كما ذكر ابن عطاء السكندري.
قل هذه سبيلي منهج حياة سامية، وهذه رسالتي تحمل الأثرين الخالدين في شمولهما لمتطلبات الحياة... كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، لانزيغ عنهما، ولا نهجرهما إلى قيام الساعة، إذ يستحيل أن تنقذ البشرية الحائرة اليوم أي دعوة أخرى لمذهب أو حزب أو فلسفة، مهما تعددت الأفكار وتنوعت المذاهب، إنها سبيل الله ودينه الذي أنزله للعالمين يقول الله تعالى مخاطبا نبيَّه صلى الله عليه وسلم: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) 158 / الأعراف.
فهي دعوة الحق وسواها الباطل بعينه، يقول تعالى: (قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) 108 /يونس ، وهي البرهان الذي لايعتريه خلل ولا غبش، يقول عزَّ وجلَّ: (ياأيها الناس قد جاءَكم برهان من ربكم) 174 / النساء.
هذه رسالة الإسلام ولا بد من أن يحملها رجالها، وينشروها في بقاع الأرض، والتشويش المفتعل من قِبل بعض الموتورين والمضللين لن يوقف تيار الشعب المسلم الجارف، فهذه الرسالة ليست رسالة حزبية ولا طائفية، ولا فلسفة متهافتة، وإنما هي وحي السماء المنزل على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، وهذه الرسالة ليست دعوة بشرية، أو جمعية خيرية، وإنما هي شريعة الله للحياة ولأبناء الحياة في كل شؤونهم، وفي كل أزمانهم وأوطانهم: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، فالإسلام دين الاقتصاد والسياسة والتجارة، ودين النظام الاجتماعي المتوفق بقيم الربانية، لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. مهما حاول أعداؤُه الأشرار أن يصوِّروه للناس، ويجعلون من أنفسهم معارضين لِما هو حق، وينسجون الأباطيل بمغازل أعداء الأمة الإسلامية ممَّن ذكرناهم قبل قليل، إننا نقول لهذه الزمر المنبوذة من الشعب: موتوا بحقدكم، واغرقوا في مستنقعات تلفيقاتكم وأحكامكم الباهتة المترهلة، هذه الدين العظيم هو دين الله الواحد الأحد، ولقد آمنت به هذه الأمة وطلَّقت سِواه من الأديان والمذاهب والأحزاب، ولئن استطاع الطغاة بأساليبهم الإبليسية التسلط على هذه الأمة، بجورهم واستبدادهم، فها قد انتفضت الأمة من داخلها، ثار كبارها وصغارها، رجالها ونساؤُها، شيبها وشبابها، وبدأت مسيرة العودة إلى الله، وخرجت من غياهب عهود الذل والهوان، وأحرقت برامج التخطيط لإبادتها، وداست على جباه المجرمين المتسلطين، والله غالب على أمره، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، أثناء الحروب الصليبية حاول (أرنولد) وهو أحد عتاة القادة الصليبيين أن يأتي مكة المكرمة والمدينة المنورة فيهدمهما، فسربله الله بالخيبة والذل، فقُتل بيد القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي ــ يرحمه الله ــ لن يصيب اليأس أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم: (إنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) 87 / يوسف.
أيها المسلمون المرابطون: إنَّ صباح النصر قريب، وألوية النصر بأيديكم مازالت ترفرف: (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) 33 /التوبة، ويا أبناء الأمة الذين صدوا عن دينهم القويم، عودوا إلى أصالتكم وإلى أسباب ماكان من مجد لأمتكم تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة، والسلام على مَن اتبع الهدى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد