بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى
اتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله؛ جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله -تعالى-؟ قال: "الصلاة على وقتها". فدل هذا الحديث العظيم على أن المحافظة على الصلاة في وقتها أنه أحب الأعمال إلى الله -عز وجل-، وذلك لأن هذه العبادة هي عمود الدين، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الصلة بين العبد وربه، ويجتمع فيها من أنواع العبادات ما لا يجتمع في غيرها، ولذلك كانت هي الفارقة بين الكفر والإسلام، فلا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، ويقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمت تركها فقد كفر".
عباد الله؛ إن منزلة الصلاة في الإسلام عظيمة جداً، ومكانتها كبيرة، فينبغي للمسلم أن يحرص عليها وأن يهتم بها غاية الإهتمام، وأن يقيمها كما أمر الله -عز وجل-، وثمَّت أخطاء متعلقة بأداء هذه العبادة وهذا الركن العظيم، تقع من بعض الناس إما جهلاً أو تهاوناً وتفريطاً، وبعض هذه الأخطاء قد تؤثر على الصلاة تأثيراً كبيرا، بل ربما تبطلها، وننبه على أبرز هذه الأخطاء فمن ذلك:
أن بعض الناس لا يحسن الطهارة التي هي شرط من شروط صحة الصلاة، فيتوضؤون على عجل ويتركون مواضع من أعضاء الوضوء لم يصبها الماء، وهذا الوضوء على هذه الصفة لا تبرأ به الذمة ولا تصح به الصلاة، عن أنس رضي الله عنه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي قدمه مثل الظُفر لم يصبه الماء فقال: "ارجع فأحسن وضوءك"). وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كنا في الطريق تعجَّل قومٌ عند العصر فتوضؤا وهم عجَّال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: "ويلٌ للأعقاب من النار ويلٌ للأعقاب من النار". فانظروا رحمكم الله كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا القدر اليسير مثل قدر الظفر والعقب؛ جعله مؤثراً على صحة الطهارة، بل إنه أمر ذلك الرجل بأن يعيد الوضوء، وجاء في رواية: وأمره بأن يعيد الصلاة أيضاً، أن يعيد الوضوء والصلاة، وهذا يدل على أن ترك أي عضو من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء؛ أن هذا مؤثر على صحة الوضوء، فعلى المسلم أن يتأكد من وصول الماء إلى جميع أعضاء الوضوء.
ومن الاخطاء التي يقع فيها بعض الناس أنهم عندما يتوضؤون، وعندما يصلون إلى غسل اليدين؛ تجد أنه يضع الذراع تحت صنبور الماء فيغسل الذراع ويغسل المرفق ولا يغسل الكيف، باعتبار أنه غسل الكف في أول الوضوء، وهذا غير صحيح، فغسل الكف في أول الوضوء هذا من المستحبات ومن سنن الوضوء، أما غسل اليد هنا فهو من فروض الوضوء، فلابد من غسل اليد كاملة من أطراف الأصابع إلى المرفقين مع دخول المرفقين في الغسل، فيغسل الكف ويغسل الذراع ويغسل المرفق، ولابد من أن يتأكد من هذا، أما لو صب صنبور الماء على ذراعه وعلى مرفقه ولم يغسل الكف فهذا لا يصح وضوؤه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً ترك قدر مثل الظفر لم يصبه الماء؛ أمره بأن يعيد الوضوء فكيف بمن ترك الكف كاملاً لم يصبها الماء، فهذا لا يصح وضوؤه وينبني على ذلك أنه لا تصح صلاته.
عباد الله؛ وفي مقابلة هؤلاء المتساهلين في الوضوء طائفةٌ ابتليت بالوسواس في الطهارة وفي الصلاة، فتجد الواحد منهم يعي الوضوء عدة مرات حتى ربما تفوته الصلاة مع الجماعة بسبب ذلك، وربما أعاد الصلاة عدة مرات، وهذه الوسوسة من الشيطان الرجيم، ولا يتسلط بها إلا على ضعيف الإرادة ومن كان عنده قلة بصيرة في الدين، أخرج أبو داوود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: "هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم"). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي الشيطان إلى أحدكم في صلاته فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا".
عباد الله؛ ومن الأخطاء المتعلقة بالطهارة أيضاً أن بعض الناس يكتفي بغسل الجمعة ولا يتوضأ، غسل الجمعة مستحب اسحباباً مؤكداً لكنه لا يكفي عن الوضوء، وبناء على ذلك من اكتفى بغسل الجمعة ولم يتوضأ فإن صلاته لا تصح، لكونه لم يأتي بشرط من شروطها وهو الطهارة، سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله هل يغني الغسل عن الوضوء؟ فقال: (إذا كان الغسل عن الجنابة ونوى المغتسل الحدثين الأصغر والأكبر أجزأ عنهما، ولكن الأفضل أن يستنجي ثم يتوضأ ثم يكمل غسله اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما إذا كان الغسل لغير ذلك كغسل الجمعة والتبرد والنظافة فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك لعدم الترتيب؛ وهو فرض من فروض الوضوء، ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية كما في غسل الجنابة). فلينتبه من يغتسل غسل الجمعة لابد أن يتوضأ وضوءًا للصلاة ولا يكتفي بغسل الجمعة عن الوضوء.
ومن الملاحظات أيضاً أن بعض الناس يخل بآكد شروط الصلاة وهو الوقت، فلا يصلي الصلاة في وقتها، فتجده يؤخر بعض الصلوات وبخاصة صلاة الفجر عن وقتها، فلا يصلي صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس، وهذا يدخل في الساهين الذين توعدهم الله -عز وجل- في قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4،5]، فوصفهم الله -تعالى- بأنهم مصلون وتوعدهم مع ذلك بالويل لأنهم عن صلاتهم ساهون، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي يأخرونها عن وقتها، فتأخير الصلاة عن وقتها محرم، وهو من الكبائر، والمسألة هي مسألة اهتمام فمن كان مهتماً بهذه العبادة فإنه لن يأخرها عن وقتها، وسيأتي بها كما أمر الله؛ سيأتي بها مع الجماعة في المسجد، ولكن عندما يضعف الإهتمام بهذه العبادة فإنه سيجد ثقلاً وكسلاً وتراخياً، وربما إذا صلى لا يصلي إلا بعد خروج الوقت ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45].
ومن الملاحظات التي يقع فيها بعض الناس كذلك؛ أن من الناس من هو عند قراءة الفاتحة والأذكار في الصلاة يكتفي بقراءتها في قلبه دون أن يحرك بها لسانه، وقد ذكر أهل العلم أن تلك القراءة لا تجزئ، وأن القراءة المجزئة هي التي يحرك بها لسانه، لأنها أقوال ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان، وبناء على ذلك فإن صلاة من يصلي على تلك الحال أي بأن تكون القراءة في قلبه دون تحريك للسان لا تصح، وهكذا أيضاً بالنسبة لقراءة القرآن والأذكار خارج الصلاة لابد فيها من التلفظ، ولابد فيها من تحريك اللسان، وإلا فإن مجرد النظر للمصحف والقراءة في القلب دون تلفظ بالقراءة وتحريك للسان لا تعتبر قراءة، ولذلك لو أن رجلاً طلق زوجته في نفسه من غير أن يحرك لسانه بكلمة الطلاق لم يقع طلاقه بإجماع العلماء، وهذه المسألة مسألة خطيرة يقع فيها بعض الناس، يكبر الصلاة ويقرأ الفاتحة ويأتي بالأذكار في نفسه من غير أن يحرك لسانه، هذا لا تصح صلاته لأن هذه القراءة في نفسه لا تعتبر قراءة حقيقة وإنما هي مجرد تأمل وتفكر، فليُنتبه لهذا الخطأ الشنيع الذي وقع فيه بعض الناس، ومن واقع استفتاءات بعض الناس أنهم وقعوا في مثل هذه الأخطاء، وهي أخطاء كبيرة ومؤثرة، وفي المقابل من الناس من إذا صلى خلف الإمام رفع صوته رفعاً يشوش به على من يصلي بجواره، وربما تسبب في تغليطه في القراءة أو في تفويته الخشوع، وهذا فيه نوع أذية للمسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يؤذي إخوانه المسلمين ولو برفع الصوت بالقراءة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه لما رآهم يرفعون أصواتهم بالذكر: "اربعوا على أنفسكم ولا يؤذي بعضكم بعضا بالقراءة، إن الذي تدعونه ليس بأصم، إن الذي تدعونه سميع بصير".
ومن الملاحظات على بعض الناس التساهل في الصلاة جالساً مع القدرة على القيام، فبعض الناس تجد أنه يزاول أعماله وأموره الدنيوية وهو قائم بكل نشاط وقوة، فإذا أتى إلى الصلاة صلى جالساً معتذراً بأنه لا يستطيع أو أنه يشق عليه القيام، والقيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة في الفريضة، ومستحب في صلاة النافلة، لا بأس أن يصلي جالساً في صلاة النافلة، أما في صلاة الفريضة فليس له أن يصلي جالساً إلا إذا كان عاجزاً أو إذا كان القيام يشق عليه مشقة كبيرة، ومما تعرف به هذه المشقة أن هذه المشقة الكبيرة يفوت بسببها الخشوع في الصلاة، بحيث لو صلى قائماً كان مشغولاً بنفسه لم يخشع في صلاته؛ ففي هذه الحال له أن يصلي جالساً، أما إذا كانت مشقة يسيرة محتملة فعليه أن يحرص على أن يصلي قائماً في صلاة الفريضة، وأما صلاة النافلة فإن الأمر فيها واسع، وبعض الناس إذا صلى صلاة الفريضة استند إلى عمود أو جدار وهو قادر على القيام، وهذا الإستناد هو في معنى الصلاة جالساً وفيه إخلال بركن القيام مع القدرة.
ومن الملاحظات كذلك أن بعض الناس ربما تلثم في الصلاة من غير سبب، وقد ذكر أهل العلم أن التلثم في الصلاة من غير سبب أنه مكروه، لأن المصلي في مقام مناجاة الرب -عز وجل-.
ومنها مسابقة الإمام وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يسابق الإمام بقوله: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار". وهذا الوعيد لا يكون إلا على أمر محرم، وقد ذكر أهل العلم أن المشروع للمأموم متابعة الإمام، وذلك بألا ينتقل من ركن حتى يصل إمامه إلى الركن الذي يليه، فمثلاً عندما يسجد الإمام لا يسجد المأموم إلا عندما يضع الإمام جبهته على الأرض، وقد جاء في الصحيحين عن البراء رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال "سمع الله لمن حمده" لم يحني أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده).
ومن الملاحظات أيضاً أن بعض الناس يخل بركن الطمأنينة فتجده ينقر صلاته كنقر الغراب، وهذا ليس له من صلاته إلا التعب، فقد جاء رجل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيه فصلى ثم أتى وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام ثم قال: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ"، فرجع فصلى ثم أتى وسلم فرد عليه السلام، وقال له: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ"، فصلى ثم أتى وسلم فرد عليه السلام، وقال: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلي"، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة وكبر واقرأ ماتيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تعتدل ساجداً ثم ارفع حتى تعتدل جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطمأنينة في الصلاة، فقال: "اركع حتى تطمئن راكعاً، اسجد حتى تطمئن ساجداً، اجلس حتى تطمئن جالساً"، ومن هنا أخذ جمهور أهل العلم من هذا أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، فالذي يصلي صلاة لا يطمئن فيها يقال له ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلي"، أي أن هذه الصلاة غير صحيحة، لأن الأصل في النفي أنه ينصرف إلى الوجود فإن لم يمكن فإلى الصحة فإن لم يمكن فإلى الكمال، وصرف النفي إلى الوجود غير ممكن لأن الصلاة هنا موجودة وحينئذ فينصرف النفي في قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنك لم تصلي" إلى نفي الصحة، وهذا يشمل الفريضة والنافلة فإن بعض الناس أيضاً يخل بركن الطمأنينة في صلاة التراويح مثلاً، وهذا أيضاً يقال له "فإنك لم تصلي"، فلابد من الطمأنينة، لابد أن يطمئن المصلي في جميع صلواته، لأنه ليس المقصود من الصلاة مجرد حركات يؤديها قيام وركوع وسجود، وإنما المقصود الطمأنينة وما يحصل من جراء ذلك من المناجاة لله -عز وجل- والخشوع والتعظيم لله -سبحانه وتعالى-.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
عباد الله؛ ومما يلاحظ على بعض الناس أنهم عندما يأتون للمسجد لا يأخذون زينتهم للصلاة، وقد قال الله -تعالى-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، قال أهل العلم المراد بقوله (عند كل مسجد): أي عند كل صلاة، فيشمل ذلك الصلاة في المسجد، ويشمل ذلك أيضاً الصلاة في البيت، فالمراد بالمسجد كما قال المفسرون أي عند كل سجود، والمراد عند كل صلاة، وعلى هذا فيشرع للمصلي أن يأخذ زينته عندما يصلي، وبعض الناس عندما يأتي للمسجد يأتي بملابس النوم أو يأتي بملابس رثة، أو يأتي وهو حاسر الرأس مع أنه في المناسبات المهمة كالأعراس مثلاً وغيرها لا يفعل ذلك، ولما رأى ابن عمر غلامه يصلي وهو حاسر الرأس قال له: (أرأيت لو خرجت إلى السوق أكنت تخرج هكذا! قال: لا، قال: فالله أحق أن يتزين له)، والزينة ترجع إلى عُرف المجتمع، وربما يكون تغطية الرأس عند بعض الناس ليس من أخذ الزينة، وعند آخرين يعتبر من أخذ الزينة، وينظر للمناسبات المهمة لذلك المجتمع فما يؤخذ من الزينة في تلك المناسبات فمعنى ذلك أنه من أخذ الزينة، وعلى ذلك فينبغي أن يهتم المسلم عندما يصلي وأن يحرص على أخذ زينته في الصلاة، وأن يلبس أحسن ملابسه حتى لو كان يصلي صلاة النافلة في البيت، كما لو كان يصلي صلاة الوتر أو صلاة الضحى؛ ينبغي أن يلبس أحسن ملابسه وأن يأخذ زينته في الصلاة، لأن أخذ الزينة ليس لأجل نظر الناس وإنما هو لحق الله -عز وجل-، ولهذا فإن المرأة إذا صلت في البيت وليس في البيت إلا زوجها وربما أولادها فمطلوب منها أن تغطي رأسها، فلا تصح صلاتها بدون خمار، وذلك لأن هذا إنما هو من أخذ الزينة لحق الله -عز وجل- وليس لأجل نظر الناس.
ومن الملاحظات أيضاً أن بعض الناس وربما كثير من الناس يتأخرون في المجيء إلى صلاة الجماعة والجمعة، ويفوتهم بذلك خير كثير، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في التهجير -أي التبكير- لاستبقوا إليه". والتبكير سنة متأكدة في حق المأموم، وأما الإمام فالسنة وهو في صلاة الجمعة أن يأتي مع الخطبة، وفي بقية الصلوات مع وقت الإقامة، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأكد التبكير في حق المأموم في صلاة الجمعة، فقد رُتِّب على التبكير لصلاة الجمعة ثواب وأجر خاص ليس في غيرها من الصلوات، فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن أتى الجمعة في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن أتى الجمعة في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن أتى الجمعة في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن أتى الجمعة في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا دخل الإمام طويت الصحف وأقبلت الملائكة تستمع الذكر -أي الخطبة-". فتأمل يا أخي المسلم هذا الحديث العظيم وطبقه على نفسك، كم يكون لك من أجر التبكير! هل يكون لك أجر الساعة الأولى أم أجر الساعة الأخيرة!، وبعض الناس قد اعتاد على ألا يأتي الجمعة إلا بعد دخول الخطيب، وهو بهذا يحرم نفسه من هذا الخير العظيم، وهكذا أيضاً بالنسبة للتبكير للصلوات فإن من ذهب إلى المسجد مبكراً يحصل على غنائم كثيرة:
أولاً: أن الملائكة تدعو له حتى تُقضى الصلاة تقول (اللهم اغفر له اللهم ارحمه)، ولاشك أن دعاء الملائكة حري بالإجابة.
ثانياً: أنه عندما يأتي للمسجد مبكراً يضمن أنه لا تفوته تكبيرة الإحرام، وهذه منزلة عليَّة، كان السلف الصالح يتسابقون إليها، كان الأعمش -رحمه الله- قريباً من سبعين سنة لم تفته تكبيرة الإحرام، وكان سعيد بن المسيب يقول: ما نودي بالصلاة من أربعين سنة إلا وهو في المسجد، وفي ترجمة ابراهيم ابن ميمون أنه كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها حتى يذهب للمسجد ويؤدي الصلاة، فكان السلف الصالح يتسابقون إلى التبكير للمسجد وألا تفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام.
ثم أيضاً الذي يذهب للمسجد مبكراً يشتغل بقُرَب وبطاعات، يشتغل إما بصلاة وإما بتلاوة قرآن، وإما بأذكار من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير إلى أن تقام الصلاة، فهو في غنائم عظيمة، فإذا عود الإنسان نفسه على ذلك واكتسب هذه العادة في أن يذهب للمسجد مبكراً مع الأذان أو قبيل الأذان، فإنه سيحصل أجوراً عظيمة وغنائم كثيرة، والموفق من وفقه الله -عز وجل-.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 65]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارضَ عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يارب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمراً رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه السنة وتقمع فيه البدعة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والاكرام.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
نعوذ بك اللهم من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ونسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد