بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ﺫﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻭاﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﺰﻭﺝ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻻ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﺃﻱ ﻻ ﻭﻻﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﺪ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﻻ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﺤﺎﻭﻱ ﻭاﻟﻜﺮﺧﻲ ﻭﺃﻧﻪ اﻟﻘﻮﻝ اﻟﺬﻱ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺧﻴﺮاً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ .. ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﻟﺬﻟﻚ ﺑﻘﻮﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ.
ﻭﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎﺕ اﻟﻤﺸﺘﺮﻃﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻟﻲ اﻟﺬﻛﻮﺭﺓ، ﻓﺈﻥ ﺗﻮﻟﺖ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﺰﻭﻳﺞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺢ اﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭﺭﻭﻱ ﻫﺬا ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻭﻋﻠﻲ ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻭﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺫﻫﺐ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻭﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ، ﻭاﻟﺜﻮﺭﻱ، ﻭاﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻟﻴﻠﻰ ﻭاﺑﻦ ﺷﺒﺮﻣﺔ.
ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﺑﻘﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻗﻮاﻣﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء} ﺃﻱ ﻗﺎﺋﻤﻮﻥ ﺑﻤﺼﺎﻟﺤﻬﻦ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻭﻻﻳﺔ ﺗﺰﻭﻳﺠﻬﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻴﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﻻ ﻧﻜﺎﺡ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ ﺗﻨﻜﻴﺮ اﻟﻮﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﻮﺭﺗﻪ، ﻭﺇﺭاﺩﺓ اﻟﺘﻐﻠﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ ﺑﺤﺪﻳﺚ: ﻻ ﺗﺰﻭﺝ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺮﺃﺓ، ﻭﻻ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﺃﻳﻤﺎ اﻣﺮﺃﺓ ﻧﻜﺤﺖ ﺑﻐﻴﺮ ﺇﺫﻥ ﻭﻟﻴﻬﺎ ﻓﻨﻜﺎﺣﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ ﺑﺎﻃﻞ ﺑﺎﻃﻞ، ﻓﺈﻥ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﻓﻠﻬﺎ اﻟﻤﻬﺮ ﺑﻤﺎ اﺳﺘﺤﻞ ﻣﻦ ﻓﺮﺟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ اﺷﺘﺠﺮﻭا ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﻟﻲ ﻣﻦ ﻻ ﻭﻟﻲ ﻟﻪ.
ﻭﻗﺎﻝ الإمام ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﻭاﻳﺔ اﻷﻭﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻭﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﺮﻭاﻳﺔ: ﺗﺠﻮﺯ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ اﻟﺤﺮﺓ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻋﻘﺪ ﻧﻜﺎﺣﻬﺎ ﻭﻧﻜﺎﺡ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎً ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺧﻼﻑ اﻟﻤﺴﺘﺤﺐ.
ﻭﺭﻭاﻳﺔ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ الإمام ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﻫﻲ اﻟﻤﺨﺘﺎﺭﺓ ﻟﻠﻔﺘﻮﻯ: ﺇﻥ ﻋﻘﺪﺕ ﻣﻊ ﻛﻒء ﺟﺎﺯ ﻭﻣﻊ ﻏﻴﺮﻩ ﻻ ﻳﺼﺢ.
ﻭﻧﻘﻞ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺛﻼﺙ ﺭﻭاﻳﺎﺕ، اﺧﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ، ﻓﺬﻛﺮ اﻟﺴﺮﺧﺴﻲ ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﻳﻮﺳﻒ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻣﻄﻠﻘﺎً ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻲ، ﺛﻢ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻮاﺯ ﻣﻦ اﻟﻜﻒء ﻻ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ، ﺛﻢ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﻮاﺯ ﻣﻄﻠﻘﺎً ﻣﻦ اﻟﻜﻒء ﻭﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﺫﻛﺮ اﻟﻄﺤﺎﻭﻱ ﺃﻥ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﻤﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ اﻟﺠﻮاﺯ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ، ﻭﻛﺬا اﻟﻜﺮﺧﻲ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﺼﺮﻩ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ: ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻳﻮﺳﻒ: ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺇﻻ ﺑﻮﻟﻲ ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ اﻷﺧﻴﺮ.
ﻗﺎﻝ اﻟﻜﻤﺎﻝ: ﻭﺭﺟﺢ ﻗﻮﻝ اﻟﺸﻴﺨﻴﻦ (اﻟﻄﺤﺎﻭﻱ ﻭاﻟﻜﺮﺧﻲ) ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻗﻮﻝ ﺃﺑﻲ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺬﻱ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ اﻟﺠﻮاﺯ؛ ﻷﻥ اﻟﻄﺤﺎﻭﻱ ﻭاﻟﻜﺮﺧﻲ ﺃﻗﻮﻡ ﻭﺃﻋﺮﻑ ﺑﻤﺬاﻫﺐ ﺃﺻﺤﺎﺑﻨﺎ.
ﻭﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﻭاﻳﺘﺎﻥ: اﻷﻭﻟﻰ: اﻧﻌﻘﺎﺩﻩ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺇﺟﺎﺯﺓ اﻟﻮﻟﻲ ﺇﻥ ﺃﺟﺎﺯﻩ ﻧﻔﺬ ﻭﺇﻻ ﺑﻄﻞ، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻛﻔﺌﺎً ﻭاﻣﺘﻨﻊ اﻟﻮﻟﻲ ﻳﺠﺪﺩ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﻘﺪ ﻭﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺭﺟﻮﻋﻪ ﺇﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﺮﻭاﻳﺔ.
ﻭاﺳﺘﺪﻻً ﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﺮﻭاﻳﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻓﺈﺫا ﺑﻠﻐﻦ ﺃﺟﻠﻬﻦ ﻓﻼ ﺟﻨﺎﺡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻓﻌﻠﻦ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻬﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ} ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ: {ﻭﺇﺫا ﻃﻠﻘﺘﻢ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﺒﻠﻐﻦ ﺃﺟﻠﻬﻦ ﻓﻼ ﺗﻌﻀﻠﻮﻫﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺤﻦ ﺃﺯﻭاﺟﻬﻦ ﺇﺫا ﺗﺮاﺿﻮا ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ} ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: {ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻜﺢ ﺯﻭﺟﺎً ﻏﻴﺮﻩ} ﻭﻫﺬﻩ اﻵﻳﺎﺕ ﺗﺼﺮﺡ ﺑﺄﻥ اﻟﻨﻜﺎﺡ ﻳﻨﻌﻘﺪ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ اﻟﻨﺴﺎء؛ ﻷﻥ اﻟﻨﻜﺎﺡ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺮﺃﺓ، ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻻ ﻳﻨﻌﻘﺪ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻘﺪ ﺭﺩ ﻧﺺ اﻟﻜﺘﺎﺏ.
ﻭاﺳﺘﺪﻝ ﺑﻘﻮﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: اﻷﻳﻢ ﺃﺣﻖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﻟﻴﻬﺎ ﻭﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﺮﺓ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﺘﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻟﻐﻼﻡ ﻭﻟﺘﺼﺮﻓﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﻝ؛ ﻭﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﺃﻗﺮﺕ ﺑﺎﻟﻨﻜﺎﺡ ﺻﺢ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺇﻧﺸﺎء اﻟﻌﻘﺪ ﻟﻤﺎ ﺻﺢ.
والله تعالى أعلم..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد