ضعفنا اللغوي.. إلى أين


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ذكر إبراهيم بن محمد البيهقي في المحاسن والمساوئ أن رجلا كتب إلى أبي عبدالله بن يحيى يقول: «رأيتني فيما أتعاطاه من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر المضيء الزاهر، الذي لا يخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن إثنائي عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك».

عندما نقارن هذا الجمال الأسلوبي بأساليبنا الكتابية اليوم نجد الفرق كالمسافة بيننا وبين القمر المضيء الزاهر، فالضعف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار الباهر، الذي لا يخفى على ناظر، ولذلك ضاعت الكثير من الحقوق بسبب سوء التعبير عن المخابر.

منا ومن أبنائنا اليوم من لا يعرف الفرق بين الخطاب الرسمي وبين ما يكتبه في الواتساب.

ومنا ومن أبنائنا اليوم من لا يعرف الفرق بين صاحب السمو وصاحب المعالي وصاحب السعادة، والمكرم المدير.

ومنا ومن أبنائنا من لا يعرف كيف يقدم حاجته، فتجده يسلك الطريق الدائري بدل أن يختار الخط المستقيم الذي يعبر عن مراده بأقل وقت وجهد.

بل حتى على مستوى المتميزين، عانى ويعاني الكثير بسبب ضعف قدراته الكتابية، ولذلك يجب أن نسعى لتطوير قدراتنا من خلال القراءة في كتب الأدب وغيرها لتنمية حصيلتنا اللغوية التي نستطيع أن نعبر بها عما نريده، بالإضافة إلى التدرب على الكتابة، كما أن علينا الاهتمام بلغة أبنائنا في المدارس من خلال المتابعة، ولو احتجنا لدروس إضافية فليست خسارة، لأن أهمية اللغة كأهمية العلوم، والقرآن لا يُفهم بغير لغة القرآن؟

لقد كنا نكتب القطعة عشرات المرات حتى نتقنها، فتحسنت الخطوط، ولذلك فخط من سبق أجمل خطا ممن لحق، والوضع الآن لا يسر، فلن يكفي الجهاز مع ضعف القدرة على الكتابة مهما ظن البعض.

قابلت يوما طالبا جامعيا خرج من مكتب أحد المسؤولين وهو حزين، فسألته عن سبب هذا الحزن، قال: تقدمت بطلب تغيير تخصصي لأني غير راغب فيه، ولكن تم رفض الطلب، قلت أين خطابك؟، فقدمه لي ووجدته كتب في النموذج المعد 4 كلمات فقط: «أرغب في تغيير تخصصي»، قلت له: هات ورقة جديدة، واكتب ما يلي: الصفة الرسمية للمسؤول ثم ثناء على جهوده في المؤسسة ثم بيان سبب الرغبة في طلب تغيير التخصص وختمتها بالدعاء، بعد فترة وجدت الطالب في تخصصه الجديد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply