وباء كورونا

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

هناك شيء بخصوص وباء كورونا يصعب تصوّرُه لغير المختصّين، وتوضيح هذا الشيء مهم جدّاً من أجل أن يتضامن الجميع مع قرارات وقف المدارس والامتناع عن صلاة الجمعة والجماعة ولزوم البيت قدر الإمكان ..

هذا الشيء ببساطة هو أنّك بكلّ خطوة وقاية تحدّ عدداً لا حصرَ له من التداعيات اللاحقة التي ستُصبحُ السيطرة عليها مستحيلة ..

لو كنتَ شابّاً بصحّة جيدة، وذهبت لتجمّع ما، الصلاة مثلاً، وانتقل لك الفيروس من شخص بجوارك، قد لا تعاني من أيّة أعراض، وقد تعاني من أعراض برد بسيطة، لكنك قد تنقلُ المرض لوالدك الكبير في السّنّ، الذي سيحتاجُ لو مرض إلى سرير في المستشفى، وربّما العناية المركّزة .. هذا سرير عالي التجهيز وبحاجة لطواقم عالية التخصّص، ولا يستطيع الإشراف عليه أيّ طبيب أو أي ممرّض ..

أسرّة العناية المركزة شحيحة دائما وفي جميع الدول حتى الغنيّة والمتطوّرة منها .. وفي بلداننا العربية ليست جميع أسرّة العناية المركّزة منفصلة في غرفة خاصّة .. الحلّ إمّا تعطيل أسرّة مجاورة يحتاجُها مرضى القلب وحوادث السير وأمراض الرئة وجلطات الدّماغ، أو ترك هؤلاء تحت رحمة العدوى ..

الطبيب والممرّض قد يُصابان بالعدوى، ويُصبحُ لزاماً عليهما البقاء في البيت .. أنت بذلك حرمت النظام الصحّي من كوادر شحيحة أصلاً ..

المستشفيات نُظُم معقّدة لا يمكن لمن لم يعمل في إدارتِها أن يتخيّل مدى تعقيدِها .. أنت ترى الطبيب والممرّض، لكن لا ترى كم يتطلب توفير الأدوية والتحاليل والمعدّات والطعام وتعقيم الأسرة وصيانة الأجهزة والتخلّص من النفايات الخطرة .. لا يمكنك تخيّل كم يتطلب ذلك من بشر وأموال وشبكات تزويد وإدارة .. كل ثغرة في هذه الشبكة لها تداعيات هائلة بلا حصر ..

هذه متوالية هندسيّة مرعِبة ..

ما يعنيه هذا هو أن الفرق بين وباء تحت السيطرة ووباء خارج عن السيطرة فرق هائل .. يمكنُ بالفِعل أن تمرّ المحنة في بعض البلدان بسلام نسبيّ وأن يبدو كلّ ما سمعه الناس تهويلاً، لكنّ ما لن يعرفوه هو أن الكارثة كانت  على بُعد خطوة .. انهيار النّظام الصحي، إن حصل لا قدّر الله، سيكون كارثة لا يعلم أحد تداعياتِها وحجمَها وارتداداتِها ..

لذا، الزم بيتك قدر المستطاع، واغسل يديك باستمرار، وحافظ على صحّتك في أفضل حالاتِها، وخذ جميع أدوية أمراضك المزمنة، ولا تخرج من البيت عند ظهور أعراض برد ولو خفيفة، وصلِّ في بيتك وادعُ الله للبشر جميعاً أن تمرّ هذه المحنة بأقلّ الخسائر الممكنة ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين