بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الإبل أفضل دواب العرب وأكثرها نفعا وصبرا، وسموها «سفينة الصحراء»
ومسمى الإبل يشمل:
الإبل العربية (ذات السنام الواحد) وذكرها يسمى جمل، والأنثى ناقة، والصغير حوار وفصيل
الإبل ذات السنامين في وسط آسيا وتسمى بخاتي
حيوان اللاما وليس له سنام ويوجد بأمريكا الجنوبية أو اللاتينية
من أشهر الإبل في التاريخ ناقة صالح، والقصواء التي هاجر عليها سيد الخلق وقال فيها: (دعوها فإنها مأمورة) وقد اشتراها من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بأربعمائة درهم، كما كان للنبي –صلى الله عليه وسلم- عشرون لقحة من الإبل
وفي السنة النبوية عبدالله بن جعفر -رضي الله عنه-: قال: «أَردَفني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خَلْفَهُ ذاتَ يومٍ، فأسَرَّ إِليَّ حَديثا، لا أُحَدِّثُ به أحدا من الناس، وكان أَحَبَّ ما اسْتَتَرَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لحَاجَتِهِ هَدَفا أو حائِشَ نَخْلٍ [نخلات مجتمعة]، فدخل حائطا لرَجُلٍ من الأنصار، فَإِذَا فيه جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَنَّ، وذَرَفَتْ عَيناهُ، فأتَاهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فمسحَ ذِفْرَاهُ [الموضع الذي يعرق من قفاه]، فسكتَ، فقال: مَنْ رَبُّ هذا الجملِ؟ لِمَن هذا الجَملُ؟ فجاءَ فَتى مِن الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أَفلا تَتَّقي اللهَ في هذه البَهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاها، فَإِنَّهُ شَكا إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ [تتعبه بكثرة ما تستعمله]».أخرجه أبو داود .
//خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَمَرَّ بِبَعِيرٍ مُنَاخٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ فَابْتُغِيَ فَلَمْ يُوجَدْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ ثُمَّ ارْكَبُوهَا صِحَاحًا وَارْكَبُوهَا سِمَانًا كَالْمُتَسَخِّطِ آنِفًا [رواه ابن حبان]
//عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء -رضي الله عنه- جمل يقال له دمون فكان إذا استعاروه منه قال لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطيق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة، قال: يا دمون لا تخاصمني غدا عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق (ابن عساكر) [كنز العمال 25638]
** أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما نعت الله تعالى ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة فأنزل الله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}.... أي ذكرهم الله تعالى صنعته وقدرته.
** الإبل مع عظم بنيانها وقوتها تنقاد مع الطفل، وتجلس لنضع عليها حمولتها ثم تقوم بما تحمله بما ينوء عنه العصبة أولوا القوة (تحمل حتى 450كجم)، وصبرها على الجوع والعطش، واكتفائها بالسير ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم، وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها في ذلك كيف يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير، وفي تأثرها بالصوت الحسن على غلظ أكبادها.
** وكذلك الإبل تؤكل وينتفع بوبرها وجلدها ولبنها، لذلك قيل فيها: «إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت». وألبان الإبل دواء نافع لأمراض الجهاز الهضمي خاصة الاستسقاء والتهاب الكبدي الوبائي.
فالإبل حلوبة وأكولة وحمولة وركوبة.. وقال الحسن: خص الإبل بالذكر لأنها تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن، فقيل له: الفيل أعظم في الأعجوبة، فقال: العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره ولا يحلب دره.
وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.
** ومن فضائل الإبل أن الله تعالى جعلها خير ما يهدى إلى بيته المحرم ومن شعائر ديننا ومظاهر عبادتنا، فقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الحج36
** ومن وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- بالإبل قوله: (إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ) رواه مسلم
** والجمل هو الحيوان الوحيد الذي يمكنه حمل 200 كجم والسير بسرعة 60 كلم/اليوم لمدة ثلاثة أيام متواصلة وبدون تناول مياه شرب، أما الجمل الغير محمل فيستطيع العدو بسرعة تزيد على 15كم/ساعة لمدة 18 ساعة متواصلة
** في سباق بين الخيل والجمال نظم في أستراليا لمسافة 180 كلم فاز الحصان ابتداء إلا أنه مات بعد السباق، أما الجمل فقد استطاع بعد استراحة قليلة أن يتابع الركض لمسافة 180 كلم أخرى.
** ونوم الإبل عجيب فإذا أراد النوم برك ثم يضع رقبته على الأرض وينام ولا ينام على جنب
** أذن الجمل صغيرة مغطاة بالشعر حماية لها من رمال الصحراء التي قد تحركها الرياح، كما لها القدرة على الانثناء إلى الخلف إذا هبت ريح شديدة.
** أنف الجمل مشقوقة مغطاة بالشعر ويستطيع غلقها حماية لها من الرمال والرياح الشديدة. وتحتوي على غدد تقلل من انبعاث بخار الماء في الزفير توفيرا لمخزون الجسم من الماء.
** رموش العين طبقتين متداخلتين حماية للعين من الرمال، أما القرنية فهي مصبوغة من الخارج حماية للعين من أشعة الشمس
** فم الإبل وخاصة الشفة العلوية المشقوقة تساعدها في تناول الأوراق من الأشجار الشوكية دون أدنى ضرر، وللجمل أنياب.
** حركة الأرجل مختلفة حيث تتحرك الساق الأمامية والخلفية من كل جانب معا على غير عادة سائر الدواب فيما يشبه التجديف، ولذلك سمي الجمل «سفينة الصحراء»، أما الخف فتركيبه عجيب مرن يحول دون غوصها في الرمال، لكن يصعب عليه السير في الوحل لذلك تتجنب الإبل الأرض الموحلة خشية انزلاقها، وإذا اضطرت للسير فيها تمشي ببطء شديد
** توجد وسائد في مفاصل الأرجل ومقدمة الصدر يبرك عليها الجمل مغطاة بجلد سميك تمكن الحيوان من افتراش الرمال دون التأثر بحرارتها، وتحافظ على اتزان الحيوان أثناء جلوسه.
** للإبل خاصية تغير غطاء جلدها حسب فصول السنة، من وبر كثيف في الشتاء، إلى وبر خفيف جدا في الصيف، ويكون لامع لعكس حرارة الشمس.
** كرش الإبل ثلاث غرف فقط على عكس سائر المجترات ذات الأربعة غرف، والكرش يمكن أن يخزن كمية من المواد المخاطية عند قلة الماء والغذاء.
** كلية الجمل تقلل معدل تكوين البول، وتفرز البول مركز جدا (ضعف تركيز الأملاح في ماء البحر) للحيلولة دون فقد كمية كبيرة من الماء
وطريقة تبول الجمل عجيبة حيث يجعل جسمه في اتجاه الريح، ويتبول فيستقبل رذاذ البول سيقانه الخلفية في محاولة لترطيب الجسم وتقليل الفقد من الماء.
** كرات الدم الحمراء بيضاوية الشكل على غير عادتها الدائرية في سائر الثديات مما يمكنها من الدوران مع الدم في أضيق الأوعية الدموية عند ارتفاع لزوجة الدم بسبب قلة الماء، كما أن تركيز خضاب الدم داخلها مرتفع مما يمكن الجسم من الحصول على الأكسجين وبالتالي عدم ظهور حالات الإعياء .. كما يحتوي دم الجمل على كمية من بروتين الألبيومين المقاوم لشدة الجفاف
** الجهاز المناعي في الإبل متطور جدا لذلك يصعب أن تصاب الإبل بالأمراض الوبائية، ولهذا لا توجد لها تحصينات دورية وقائية
بل إن الإبل العربية ذات السنام الواحد وجد بها أجسام مناعية إضافية دقيقة على شكل حرف v (nano antibodies) بالإضافة إلى الأجسام المناعية التقليدية ذات شكل y
والأجسام النانونية أكثر حركة ونشاطا من غيرها، وتلتحم بأهدافها وتدمرها بسهولة، كما أنها أكثر ثباتا في درجات الحرارة العالية وعند تغير حموضة الدم، وقدرتها فائقة في تدمير الخلايا السرطانية.
** الحفاظ على الماء
الجمل في سبيله للحفاظ على مستوى الماء بالجسم لا يفرز العرق إلا بكميات ضئيلة في الضرورة القصوى، كما أن جهاز ضبط الحرارة بالجسم يستطيع أن يجعل مدى تفاوت الحرارة سبع درجات دون أن يحدث ضرر، ما بين 34-41 درجة مئوية، ولا يضطر إلى التعرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41 درجة، ولا يكون ذلك إلا فترة قصيرة من النهار، أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد، دون أن يفقد قطرة ماء، وهذه الآلية توفر للجمل حوالي خمسة لترات ماء كاملة.
أيضا من مصادر الماء في جسم الجمل غير الشرب ومحتوى العلف «أكسدة الدهون» التي في السنام بطريقة كيميائية فريدة يعجز عنها أي جسم آخر، خاصة أن مخزون الدهن في الجمال عشرة أضعاف الدهن الموجود في الأغنام المشهورة بـ «اللية الضخمة».
أما طريقة الشرب فالجمل يستطيع أن يشرب 100 لتر ماء خلال 10 دقائق فقط فيعوض النقص الحاد في الماء سريعا، لكن هذا من شأنه أن يقتل الثديات الأخرى لو حدث بنفس معدل السرعة.
كما يمكنه تناول الماء العذب أو شديد الملوحة دون أدنى ضرر.
** الناقة الحلوب تدر قرابة أربعين لتر من الحليب يوميا، وتحلب في اليوم ثلاث مرات: صباحا بعد الفجر، وظهرا، ومساءا بعد العشاء.
** الدهون في لبن الإبل (3%) تكون على شكل حبيبات دقيقة، ويحتوي اللبن على نسبة قليلة من الكولسترول، وثلاث أضعاف فيتامين ج مقارنة بلبن البقر، وفيتامين ب1 / ب6 أعلى من لبن الأغنام.
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَهْطًا، مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدِ اجْتَوَيْنَا الْمَدِينَةَ فَعَظُمَتْ بُطُونُنَا، وَتَهَشَّمَتْ أَعْضَاؤُنَا فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِي الْإِبِلِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا قَالَ: فَلَحِقُوا بِرَاعِي الْإِبِلِ فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَلَحَتْ بُطُونُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ
وفي رواية عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ أَعْرَابٌ مِنْ عُرَيْنَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ حَتَّى اصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ وَعَظُمَتْ بُطُونُهُمْ فَبَعَثَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى لِقَاحٍ لَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا
فلبن الإبل يمتاز بمميزات مناعية فريدة، ويستخدم لعلاج الاستسقاء واليرقان ومرض الالتهاب الكبد الوبائي وتحسين وظائف الكبد
لبن الإبل يخفض مستوى الجلوكوز بالدم لاحتوائه على مستويات عالية من الأنسولين وبروتينات شبيهة به لا تتكسر بفعل الحامض المعدي عكس حقن عقار الأنسولين لذلك هو مفيد لمرضى السكر
لبن الإبل نافع في علاج قرحة الإثنى عشر ومضاد أكسدة ومهم لتحسن مناعة الجسم، وأفضل شيء لتطهير الجهاز الهضمي، ومن أنفع المسهلات
قال الرازي: «لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد، وفساد المزاج»
وأفضل لبن الذي يحلب بعد الولادة بأربعين يوما
** بول الإبل قلوي غني بالزلال لذلك فهو نافع في علاج الاستسقاء، فضلا عن خلوة من المواد الممرضة نتيجة رعي الإبل على الأعشاب الطبية.
** لحوم الإبل رغم أنها أقل جودة إلا أنها مصدر هام للبروتين في البلدان الفقيرة وعند انتشار القحط والجفاف، فضلا عن التكلفة الزهيدة في تربية إبل الرعي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد