البرهمية الهندوسية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ديانة الهند قبل البرهمية

يجهل التاريخ حتى اليوم، ما كان يدين به الهنود قبل الغزو الآري في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

والذي يجزم به المؤرخون أن قبيلة آرية ـسواءٌ نزحت من تركستان أو جاءت من أوروباـ غزت الهند وفرضَتْ عليها مدنيتها وحضارتها وديانتها، بعد أن طمست معالم حضارة الهند وديانتها ونسخت آلهتها واستبدلتها  بالآلهة الآرية وأحلتها مكان الآلهة السابقة.

والذي لاشك فيه أن ديانة الآريين كانت تختلف عن ديانة الهند القديمة، والديانة البرهمية التي هي موضوع الدراسة هي ديانة الفاتحين بعد تحوير فيها لأن الدين لا يستل من القلوب كما تستل الشعرة من العجين.

وكلما نجد من الديانة القديمة أن أصحابها كانوا يعبدون النار،  كما كانوا يعبدون الشمس وبعض الحيوانات المخيفة،  أضف إليه أنهم كانوا يعتقدون بعالم آخر بعد الموت.

عقائد البرهمية

يروي المؤرخ المسلم الشهير أبو الريحان البيروني الذي زار الهند ومكث بها فترة غير قصيرة،  أن الهنود البراهمة  تجاه المعتقدات  صنفان: خاصة وعامة، فالخاصة موحدون والعامة وثنيون، وساق في كتابه الشهير (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة أو مرذولة) نصوصًا من كتب الهندوس تثبت دعواه.

إلا أن رأيه لا يثبت عند التمحيص، كما أن الأدلة التي قدمها لتوحيد الخاصة غير كافية لإثباته، بل نجد بعض تلك الأدلة تثبت نقيض ما ذهب إليه البيروني في عقائد الخاصة، فمثلا يرى أن الخاصة تتجه إلى المعقول بينما العامة تتجه إلى المحسوس،  واعتبر المشبهة والجبرية من عامة  المسلمين كعامة البراهمة في عقائدهم ،  والصحيح أن هؤلاء من الخاصة لا العامة لأن كل هؤلاء صاحب علم و فلسفة.

عقائد الهندوسية

للهندوسية عقائد متعددة أهمها:

أولًا: الوثنية وتعدد الآلهة

الهندوسية ديانة وثنية، ومنشأ الوثنية فيها يعود إلى كون معتنقيها يعبدون القوى المشاهدة المؤثرة في الكون حسب زعمهم،  ثم جسدوا تلك القوى واعتقدوا حلولها في بعض الأجسام، ومن هنا وجدت عبادة الأصنام، لحلول تلك القوى فيها، حتى وصلت آلهتهم إلى33 مليونا،  ثم حصروها في ثلاث:

1- بَرَاهْمَا

الإله الخالق المانح للحياة، والقوى الذي صدرت عنه جميع الأشياء فيرجى لطفُه، وينسبون إليه الشمس التي بها الدفء وتجري عن طريقها الحياة في الأجسام، فهي مظهره المحسوس.

2- سِيْفَا أو سِيْوَا

الإله المخرب المُفْنِي، الذي يصفر الأوراق ويهرم الشباب،  وينسبون إليه النار التي لا تبقى ولا تذر، فهي مظهره المحسوس.

3- وِيْشنُو أو بِشَن

يعتقد الهندوس أن الإله ويشنو حل في المخلوقات ليقي العالم الفناء التام.

  وهذه الآلهة الثلاثة أقانيم (أجزاء) لإله واحد، والإله الواحد هو الروح العظمى ويسمونها (آتما).

ودون هذه الآلهة الثلاثة آلهة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ولكن علماء دينهم (البراهمة) يرجعونها إلى الآلهة الثلاثة.

ثانيًا: الحلول:

يعتقد الهندوس أن بعض آلهتهم حلت في إنسان اسمه كرشنه، فالتقى فيه الإله بالإنسان أو حل اللاهوت في الناسوت، وإن كرشنه هذا هو البطل الوديع وإنه قدم شخصه فداء للخليقة عن ذنبها الأول،  وأن الأعمال التي يأتي بها لا يستطيع غيره الإتيان بعشر معشارها.

وقد ولد كرشنه من عذراء اسمها دِيْفَاكِى، وينسبون إلى ولادته الأساطير من أن الأرض سبّحت وظهر نجم في السماء، وأن وجه أمه أصبح يرسل نورًا لولادته، وأن الإله ويشنو الابن قد حل فيه.

وعند المقارنة بين ما يقوله المسيحيون في المسيح والهندوس في الكرشنه نجد تقاربًا شديدًا كادا أن يتطابقا، فإن كانت البرهمية أسبق في الوجود عُلِم الآخذ من المأخوذ منه، وأصبح الفرق واضحًا بين الأصل وما تفرع منه.

ثالثًا: خلود النفس وتناسخ الأرواح

النفس في نظر البراهمة جوهرٌ صافٍ خالد عالم مدرك تام العلم، ما دام منفصلا عن الجسد، فإذا فاض على الجسد واتصل به إعتكر صفاؤه، ونقص علمه.

فالنفس خالدة باقية لا يتطرق إليها الفناء ولا تبلى، ولذا يقول بَاسِيْدِيُو لآرِيْجَن ـ وكلاهما إله ـ و يحرضه على القتال وهما بين الصفين (إن كنت بالقضاء السابق مؤمنًا، فاعلم أنهم ليسوا بموتى، كما أنا لسنا ذاهبين ذهابا لا رجوع بعده، لأن الأرواح غير ميتة ولا متغيرة، وإنما تترد في الأبدان مع درجات الحياة في الإنسان، من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة ثم الشيخوخة، التي يعقبها موت البدن ثم العودة إلى بدن آخر).

فالنفس أبدية الوجود لا عن ولادة، ولا تنتهي إلى تلف أو عدم، بل هي ثابتة دائمة،  لا سيف يقطعها ولا نار تحرقها ولا ماء يَغُصها ولا ريح تنثرها.

بل تنتقل من بدن إلى بدن آخر، فهي أشبه ما تكون باستبدال الإنسان لباسَه بلباسٍ آخر.

يتضح مما سبق عقيدتهم في تناسخ الأرواح الذي امتازت به الديانة البرهمية، فتظل الروح تنتقل من جسم إلى جسم آخر، وترتقي، حتى تصل إلى الكمال المطلق، وتلتحم  بالملائكة  وتتصرف في شؤون الكون كما تشاء، وكما تريد، وتلك هي الأرواح الصالحة.

وإن كانت الروح قد ارتكبت خطايا أثناء حلولها في أحد الأجسام، ترتكس إلى حيوان لتكفر عن خطاياها، وتطهر من سيئاتها، وإن لم تستطع تهبط وتهوى درجةً درجة حتى تدخل جهنم.

فالروح لا تختص بجسم واحد، بل ربما دخلت تلك الروح مئات الأجسام قبل هذا الجسم.

رابعًا: نظام الطبقات في الديانة البرهمية:

تقسم الديانة البرهمية الناس إلى طبقات من حيث الأعمال والمهن والأنساب، إلى أربع طبقات أساسية وتلحقها خامسة، كما سيأتي الحديث عنها بالتفصيل.

1- طبقة البَرَاهِمَة: وتنحصر في رجال الدين البرهمي الذين يبينون أحكامَه ويذكرون الناس بقضاياه، وإن البراهمة خُلقوا من رأس الإله براهما، لذلك هم أعلى الناس، وخلاصة الجنس البشري وعقله المفكر، لأن الرأس عنوان ذلك كله.

2- طبقة كَهشْتَر: ـ طبقة الجند ـ وهم القوة والحماة والغزاة، و يَلُون مرتبة البراهمة مباشرةً وإنهم خلقوا من مناكب الإله براهما ويديه.

3- طبقة بِيْش: وهم طبقة الزراع والتجار، وإنهم خلقوا من ركبتي الإله براهما، وإنهم اقرب إلى الطبقة الرابعة، من الثانية التي تعلوهم.

4- طبقة هَرِيْجَن ـ أو شُدَر ـ وهم طبقة الخدم والأسرى والعبيد،  وقد خلقوا من قدمي الإله براهما.

5- طبقة المحرومين ـ أو أولاد الفحشاء ـ الذين يقومون بالأعمال القذرة والحقيرة ويسمون الأنجاس.

ويكفينا في نقاشهم قول الحق تبارك وصلى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) سورة الحجرات آية 31.

ويضم بعض الكتاب الطبقة الخامسة إلى الرابعة، لعدم التفريق بين الطبقتين في التعامل لدى الديانة البرهمية.

وعند إلقاء نظرة فاحصة نجد التقسيم الطبقي بُنِي على النَسَب وعلى الحِرَف.....

ولكل طبقة عبادتها  الخاصة بها، لا يحق لغيرها من الطبقات أن تتناولها، فللبرهمي عبادته الخاصة به، كما أن للكهشتري عبادته الخاصة به.

عقيدة حرق الموتى والحياة الآخرة

يعتقد أتباع الديانة البرهمية أن الأجسام عند حرقها بالنار، تعلو شعلتها فتتجه إلى الأعلى، وبذا تصعد الروح إلى الملكوت، وتتخلص من غلاف الجسم، ولا يتم ذلك إلا بإحراق آخر جزء من أجزاء الجسم.

فإذا تخلصت الروح بالحرق كان أمامها عوالم ثلاث:

1- عالم الملائكة.

2- عالم الناس.

3- عالم جهنم.

فالبعث موضع اتفاق بين أتباع الديانة البرهمية وإنه للأرواح لا الأجساد.

خامسًا: كتاب البراهمة المقدس

أقدم كتب البراهمة وأقدسها على الإطلاق (وِيْدَا) ويصعب على الباحث تحديد عصر هذا الكتاب،  ومتى كتب،  وكل الذي يمكن الجزم به أن كتاب الويدا كان موجودًا مع الفاتحين الآريين قبل خمسة عشر قرنا قبل الميلاد، وإنه أصل من أصول ديانتهم.

وكتاب (الويدا) مجموعة من الأشعار،  ويقسم إلى أربع مجموعات، ولكل مجموعة نهجٌ خاص بالقراءة ولَحْنٌ متميز في الإلقاء، لا يشاركها غيرها.

1- مجموعة الرَجْويدا وترتل عند تقديم القرابين للنار.

2- مجموعة اليَاجُوْرويدا وترتل عند تقديم القرابين لغير النار، إلا أنها تختلف عن الأولى في النغم والتلحين.

3- مجموعة السَامَاويدا وترتل عند صنع الشراب المقدس وتناوُلِه وشربه، ولها نغم ولحن يختص بها.

4- مجموعة آثارويدا وتقرأ عند السحر والتعاويذ، ولها نغم ولحن مختص بها.

ويختص ترتيل هذه القصائد بطبقة البراهمة، وطبقة الكهشتر.

  أضف إلى ذلك أن لأتباع الديانة البرهمية كتبًا مقدسة أخرى سوى الويدا. مثل ( مَهَا بَهارَتْ ) و (رَمَائِن )...... وهي بمنثور القول لا بمنظومه وتختلف في موضوعاتها، فمنها ما يختص بحروب الآلهة بعضهم لبعض، و منها ما يختص بفقه ملتهم، ومنها ما يختص بالنسك والعبادة، ومنها ما يختص بأصول عقائدهم، وفيها نشأة العالم وكيف ظهرت الآلهة، وكيف وجدت المخلوقات وعلاقة المخلوقات بالآلهة.

أرجو المعذرة لعدم النقد المفصل الذي عَودْتُ قرائي به، لضيق الوقت وإلحاح الإخوة في بيان أسس الهندوسية البرهمية العاجل، وأعد المتصفحين بمقال النقد الذي يجلي الحق في ضوء التوحيد الذي أرسل الله من أجله محمدًا صلى الله عليه وسلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply