بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأسرة من وجهة النظر الإسلامية تعنى التماسك والترابط والوحدة بين جميع أفرادها، خلاف ما عليه الأسرة فى الغرب إن كانت هناك أسرة فلا يكاد يعرف الابن أبيه أو أمه بمجرد وصوله سن البلوغ، وحتى يتحقق للأسرة المسلمة كل ما ذكر من صفات حميدة، لابد من وجود الحوار الأسرى الهادف البناء، الذى يقوم على الاحترام المتبادل، وقبول الرأى الآخر، من أجل الوصول إلى أفضل الآراء، وقد نبهنا القرآن الكريم إلى ذلك فى توجيه ربانى لطيف، قال الله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم..." ( الشورى: 38 )، وهو توجيه يصلح فى المنشط وفى المكره، فى اليسر وفى العسر، فى الحرب وفى السلم، وإذا كنا نتكلم عن الأسرة تحديدا، فإن الوالدين هما أساس الحوار المقصود، والأبناء ينشأون ويتربون على ما يرونه واقعا حيا وملموسا أمامهم، وجرت العادة فى كثير من الأسر أن الأب هو الذى يأمر وينهى ويتصرف كيفما شاء دون أخذ رأى أحد حتى ولو كانت زوجته شريكة حياته، وهى عادة ممقوتة وخاطئة، إذ كيف نسلم بصحتها والقرآن أمر بخلاف ذلك، والنبى صلى الله عيه وسلم كان يطبق مبدأ الشورى فى كل ما يعن له من أمور؟.
قد ينجح الحوار الأسرى إذا تعلق بمسألة ليس فيها خلاف أو كان بشأن أمر بسيط كطعام أو ملابس أو تنزه مثلا، أما إذا حدثت مشكلة تحتاج إلى التروى والتريث وحسن المحاورة والمجادلة فلا تسل عما يحدث داخل هذه الأسرة!، ودعونا نذكر الحقيقة والواقع الذى تعيشه كثير من الأسر المسلمة خاصة إذا حدثت مشكلة قد يكون حلها سهلا ميسورا، ترتفع الأصوات، ويعلو الصراخ المتبادل بين الزوجين، أو بين أحدهما والأبناء، مما يشيع جوا من القلق والاضطراب وفقدان المودة بين تلك الأسرة، كما يتأثر بذلك كل أفراد الأسرة، ويكون مردوده بالسلب على الأبناء من الناحية الدراسية والأخلاقية.
إن الأسرة المسلمة التى تربى أبناءها على هدى القرآن الكريم تعلم أن الله تعالى بين لنا أن المرجعية لكل خلاف إنما تكون لكتاب الله العظيم وهدى رسوله الكريم، قال الله تعالى: "فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك أخير وأحسن تأويلا" ( النساء: 59 )، والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأدلة على الأخذ بمبدأ الشورى والحوار فى كل الأمور، فقد استشار النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه لقتال المشركين فى غزوة بدر الكبرى، وعارضه الحباب بن المنذر رضى الله عنه فى اختياره لمكان نزول الجيش فى غزوة بدر ـ أيضا ـ وأخذ برأيه، ووافق الشباب فى الخروج من المدينة لقتال المشركين فى غزوة أحد رغم رغبته فى البقاء فى المدينة، وغير ذلك من المواقف التى بينت أهمية الأخذ بمبدأ الشورى وعدم الاستبداد بالرأى، وروى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال: جاء النبى صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة فلم يجد عليا فقال: "أين ابن عمك؟" فقالت: كان بينى وبينه شىء فغاضبنى فخرج، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لرجل:"انظر أين هو؟" فقال: هو فى المسجد راقد، فجاءه وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب"، وتعالوا بنا نتدبر التصرف الحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم حينما علم بالخلاف بين ابنته وزوجها، إنه لم يسأل عن سبب الخلاف حتى يحفظ للأسرة أسرارها، وذهب ليلاطف عليا، أما تصرف على بن أبى طالب رضى الله عنه فهو عين الحكمة، حيث ترك الحوار والجدال ساعة غضبه حتى لا تتأجج نار الغضب ويحدث ما لا يحمد عقباه، لأن النقاش ساعة الغضب لا يأتى بثمرة طيبة أبدا.
إن الأسرة لابد أن تواجه بأمور تحتاج إلى الحوار والنقاش وأخذ قرارات مؤثرة فيها، والعقول تتفاوت فى التفكير والنظر فى الأمور، فلا بد من الهدوء والاتزان والحكمة عند عقد أى حوار حتى يتم الوصول إلى أفضل الآراء بعيدا عن الاستبداد بالرأى وفرضه بالقوة، عند ذلك تتحقق الإيجابية في الحوار الأسري.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد