أيتها التي جعلك الله سبب حياتي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ما زلت اخجل من عظمة الموقف عندما اتكلم عن العلم و عن بر الوالدين وخاصة الأم، و أشعر وكأنني لم و لن أعلم شيئا من العلم و لم و لن استطيع اداء واجب الوالدين الكرام حتى و لو جعلني الله حيا من آدام عليه السلام الى ان يرث الأرض.

ان الله في محكم تنزيله أمر بالإحسان لهما في قوله تعالى" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْكِلَاهُمَا فَلَا تَقُللَّهُمَا أُفٍّ وَ لَا تَنْهَرْهُمَا وَقُللَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" الإسراء الآية23، لأنهما سبب وجود العبد في هذه الدنيا ، فجعلهما الله في المرتبة الثانية بعد عبادته.

و قال أيضا "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ- وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيّ َمَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"  الآية 14 و 15 من لقمان.

إن خطاب المولى عز و جل هذا، موجه الى كل انسان بدون استثناء و لا تخصيص، جعلني أتأمل في ما أمرني به الله اتجاه المعاملة الخاصة و الفريدة مع الوالدين بالإحسان، و هل أستطيع أن أوفق و انضبط طول حياتهما؟ حتى حرفان فقط ألف و فاء " أف " بدون كلام أخر لهما، هذا أكبر وأصعب من الاستطاعة طول وجودهما و لا اتكلم و انطق الا بالقول الكريم معهما دائما.

هنا أدركت مما سمعته من المشايخ ان هذه المهمة التي كلفنا الله بها هي فعلا مقدسة و رائدة على كل المهمات التي كلفنا بها منذ سن بلوغنا،  إلا عبادته سبحانه و تعالى.  فالوصاية بالوالدين و ما تحمله من معنى بالعناية و الطاعة و الشكر المستمر بدون ملل و لا كلل زادني حملا فوق حمل الإحسان و الانضباط، و التي لم  تترك في نفسي شك و لا ريب أنني أصاحبهما  بالمعروف و لو جاهدني أن أشرك بربي أحد غيره سبحانه.

هنا تأكدت من درجة العناية العالية بهما و التحلي بالصبر الدائم في حياة الانسان بجانب والديه.

والذي ثقل علي حملي أكثر مرة أخرى، والأصعب من كل ما سبق هي المعاملة مع الأم الكريمة، و التي أوصى النبي عليه الصلاة و السلام " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك.

كلما انتبه لهذا، تارة أتحسر و أتعثر وارتبك حتى في عمري الآن وأقول في نفسي لو عاشت معي و تشبعت منها و من خدمتها. و تارة اخرى استغفرت  لأمي و حمدت الله أنني نجوت من عقوقها لأنها تركتني لم أكمل بعد التكليف فأراود نفسي بالهدوء و أستغفر الله و أحمده على كل حال و أدعو لها، وأطلب المولى العزيز الكريم أن يجعلني معها في الجنة.

أحيانا تغمرني و تهجم علي العواطف الجياشة من كل الأبواب بالشوق اليها و مخاطبتها من كل وجداني، حتى تتكلم دموعي بدلا من لساني.

-         يا من لم أشبع من حنانها و دفئها

-         يا من لم ترافقني في الحياة و أنا صغير

-         يا من لم أستأنس  و الجأ إليها

-         يا من لم استغلت خدماتها

-         يا من لم ترافقني في افراحي و احزاني

-         يا من لم تعوضها الدنيا بأكملها.

يقال " إسمها بالميم و الميم في لساني محلاها و الذي ليس له ميم يطلب من الرب ينساها".  أطلب من المولى العزيز القدير أن يتقبل مني، أن يتغاضى عنها و يغفر لها و يسكنها جنة النعيم.  و من من يقرأ هذه الأسطر بالدعاء لها. اللهم  أسؤلك بأسمائك الحسنى و صفاتك العلى أن تنجيني و من دعا لها من غضب الوالدين و بالخصوص الأم الكريمة.  إنها تذكرة الدخول إلى الجنة (الجنة تحت اقدام الأمهات).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply