بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من المسائل التي يحسن بالمتفقه التنبه لها "مراعاة طبقات الأحكام"؛ وسأضرب مثالًا بالاعتكاف؛ لحضور مناسبته .
فالاعتكاف شُرع لمقصدين رئيسين :
1-هدف باطن؛ من تفريغ القلب، والخلوة بالله . [1]
2-هدف ظاهر؛ وهو تلمس ليلة القدر، ففي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ... إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه ..."[2]
وهذه حِكم يستحضرها الفقيه عند النظر في مسائل الاعتكاف، وقد لحظتُ بأخرة تناولًا مشوهًا لمسألة "أقل مدة الاعتكاف" .
معلوم أن الخلاف في أقل مدة الاعتكاف دائرٌ حول: لحظة، يوم، يوم وليلة، عشرة أيام .
وأن القول بأن أقله لحظة قول أكثر العلماء [3]
الإشكال ليس هنا؛ المشكل الحقيقي أن تطرح مسألة اللحظة على أنها الأصل، وأخذ الأمر بأداة الراجح وما عداه مرجوح، والتعاطي الذي أختاره أن يُحثّ الناس على أن يعتكفوا العشر، فمن لم يستطع فليعتكف يومًا وليلة؛ لقوة دليله، فإذا انتصفت العشر ورأيت من قارب على إضاعة العشر -بعذر أو بدون عذر- فلا أقل من أن يقال له: اعتكف ولو ساعة، ولو لحظة؛ لا تفوّت هذه السنّة الشريفة .
وهذا المسلك له أصل عند الفقهاء؛ فهم يتحدثون عن رُتب "الأقل" و "أدنى الكمال"في مسألة تسبيح الركوع ومسألة الوتر مثلًا، و يستخدمون التفريق بين الغسل "المجزئ" والغسل "الواجب"؛ فلا يبعد أن يقال على هذا السَنن: أتم الكمال اعتكاف العشر، وأدنى الكمال اعتكاف يوم وليلة، وأقله لحظة .
والحديث عن ترجيح "اللحظة" وإلغاء غيرها مسلك أجنبي عن جادة الفقهاء لأمرين :
1-لأن المبالغة في اعتبار الحقيقة اللغوية دون الحقيقة الشرعية سيظهر فتاوي كارثية؛ وأستحضر منها حمل بعير وأنا بها زعيم.
2-لأن في ذلك تجاوزًا لمقاصد الاعتكاف الكلية؛ فلا معنى للحديث عن الخلوة بالله والتخفف من الدنيا أو تتبع ليلة القدر= إذا اكتفينا باختيار "اللحظة" دون غيرها.
هذا لا يعني عدم اعتبار "اللحظة" و "الساعة" في مسألة أقل مدة الاعتكاف؛ لكن الشأن كل الشأن في عدم التعامل الرياضي مع الفقه .
وختامًا: أجد القول بالانقطاع عن وسائل التواصل العامة في العشر -خاصة في زمن الحجر المنزلي- مما يعين على تحقيق مقاصد الاعتكاف لمن استطاع، اللهم بلغنا ليلة القدر، وارزقنا الأنس بك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] انظر في هذا المعنى : زاد المعاد (2/82) طبعة الرسالة
[2] رواه مسلم (1167)
[3] انظر: الإنصاف (7/566)، المجموع (6/489)، الدر المختار (1/445)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد