بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في ليلةٍ شاتية، نزل سيدنا موسى بين الشعاب والجبال، يلتمس طريق العودة بعد عشر سنوات اغتراب. في ظلمةٍ وضباب أخذ يقدح زنده طلبًا للدفء والضياء. تكاد كل نفسٍ بشرية وجدِت على هذه الأرض، مرّت بمثل هذا الموقف؛ حيث برد الغربة وشتات الضياع.
كان من السهل على الرحيم القادر أن يُجنّـبه كل ذلك، فلا برد، ولا ظلمة، ولا تيه، بل ولا حتى جهد مسير.
لكن الحكيم سبحانه وتعالى يعامل عباده بمنطق الأخذ بالأسباب، يصطفيهم بالصبر، ويهذبهم بالسعي؛ (لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى)... إن لم أحصل على قبس الدفء ونور الضوء، طلبت نصح الهداية وعون الرشد. إن أغلِق باب طرقت آخرًا، وإن أعيتني حيلة جربت غيرها. فما دمت في طريقي إلى الله، لن يكون لليأس في روحي مكان.
سبيل الله، ليس للحالمين الواهمين، ولا للمتخاذلين المتقاعسين، ولا للذين إن مستهم الضراء جزعوا وخانوا (اليأس خيانة)... في طريقه لتلقي رسالته، قطع موسى أميالاً من مرار الغربة، و خوف المطاردة، و ألم الحاجة، وجهد الكدح. و بعد ظلمةٍ وبردٍ، وضبابٍ وضياع، وخوفٍ وحنين، أدرك المعنى، وتلقّف النور، واستشعر الدفء. بيد أنها لم تكن أيكة الاستظلال، ولا راحة المتكيء، بل استكمال ابتلاءات، ومزيد نضالٍ وكفاح.
كم باذرٍ لم ير موسم الحصاد.
لا تظن أنك في برد الغربة وحدك، ولا أن نفق الظلمة هذا لم يعبره غيرك، ولا أن ريح الشتات لم تعصف إلا بروحك. فقط أنصت لهمس الدروب، والوشوشة العالقة بجنباتها، تلك التي سقطت ممن سبقوك: مدار الأمر الثبات وغاية الرشد الهدى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد