بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من الأمور التي يسعى جميع البشر للوقاية والسلامة منها: الأمراض، وتنقسم إلى نوعين: أمراض معنوية، وأمراض حسية.
والأمراض المعنوية تنقسم إلى قسمين:
الأول: مرض شبهات وشكوك؛ قال الله عز وجل: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة:10]؛ أي: شك وشبهة وشكوك.
والثاني: مرض شهوات؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب:32]؛ أي: مرض شهوة.
والأمراض الحسية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أمراض عقلية، الثاني: أمراض نفسية، الثالث: أمراض بدنية.
ومن كان يرجو الله والدار الآخرة، حرص على الوقاية من المرضين: المعنوي والحسي، فعاش بسعادة في دنياه وآخرته.
في هذا العام الهجري (1441) قدَّر الله جلَّت قدرته، وعظُم سلطانه أن يصاب العالم بفيروس، عُرِفَ باسم "كورونا" مات منه كثير من الناس بتقدير الله وحكمته، وأصيب به كثيرون، شُفِي بعضهم بفضل الله ورحمته، وبقي آخرون تحت العلاج، نسأل الله الرحيم أن يسارع بشفاء المسلمين منهم، والعبد المؤمن يحمد الله عز وجل على كل قضائه، لعلمه أن قضاء الله كله عدل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عدل فيَّ قضاؤك)؛ [أخرجه أحمد]، والمؤمن يشكر الله، لعلمه أن قضاء الله له خير، قال عز وجل: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له) [أخرجه مسلم].
لقد ترتب على وباء كورونا أمور؛ من أبرزها:
• إغلاق المساجد، والمدارس، وأماكن العمل، والأسواق، ونحوها، ومنع التنقل والسفر، داخل البلاد وخارجها، وملازمة الناس لبيوتهم، وعدم خروجهم منها إلا للضرورة، لساعات قليلة.
• انشغال الناس بمتابعة وسائل الإعلام التي كانت تنقل لهم آخر أخبار مستجدات مرض كورونا؛ من حيث أعداد الإصابات والوفيات.
• مشاهدتهم لصور مؤلمة وسماعهم لكلام خبراء في المنظمات الصحية أنه لا علاج للوباء في القريب العاجل، كل هذه الأمور وغيرها جعلت لوباء كورونا آثارًا نفسية، ظهرت عند البعض في صور قلق، وحزن، ساعد على ذلك الشيطان عدو الإنسان، الذي لا يكل ولا يملُّ في إعلان حربه على الإنسان بوسائل متعددة، منها: إدخال القلق والحزن عليه، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الشيطان حريص على إدخال القلق والحزن على الإنسان بقدر ما يستطيع.
ويزداد هذا القلق والحزن عند من يعيش وحيدًا لا جليس ولا أنيس له، فالشيطان يزيد العبد وهنًا وضعفًا إذا كان وحيدًا.
وهذا الخوف الشديد من وباء كورونا قد يتحول مع مرور الأيام إلى مرض قلبي (نفسي) يعذِّب صاحبه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهل العذاب إلا عذاب القلب، وأي عذاب أشدُّ من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر. ويقول الدكتور رشاد علي عبدالعزيز موسى أستاذ الصحة النفسية: يعتبر القلق أساس جميع الأمراض النفسية.
آثار وباء كورونا النفسية تؤثر على من أُصيب بها، عاجلًا أو آجلًا، إن لم تتدارك بالعلاج، وهذه خمسة حصون تعين على الوقاية منها ومقاومتها، أسأل الله أن ينفع بها
الحصن الأول: الإيمان:
الإيمان هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، بزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وله أركان ستة جاءت في حديث جبريل عليه السلام، عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم والآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)؛ [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
هذا الإيمان مَن حقَّقه، وجاء بأركانه، فإن قلبه يطمئن، وصدره ينشرح، ونفسه تسكن، وقلقه يزول، وحزنه ينجلي، وخوفه يذهب؛ قال الله عز وجل: ﴿ مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ﴾ [النحل:97]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقال العلامة السعدي رحمه الله: من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، (فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)، وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه.
وقال الله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وكلما كان الإنسان أشدَّ إيمانًا بالله، وتوحيدًا له، كان أشد أمنًا واستقرارًا، وهذا شيء مُجرب، وقال: الإيمان والعمل الصالح يطرد الخوف، ولهذا كان أشرح الناس صدرًا وأشدهم طمأنينة في القلب هم المؤمنين العاملين عملًا صالحًا.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح، المُصلح للقلوب، والأخلاق، معهم أصول وأسس يتلقون بها جميع ما يرد عليهم، يتلقون المحاب والمسار بقَبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، ويتلقون المكارة والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يُمكنهم مقاومتهم، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد.
وقال الشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان: الإيمان تزكو به النفس، وتطمئن به القلوب، كما أنه يطرد الوساوس.
ويقول أستاذ علم النفس الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع: الإيمان أقوى الأسباب وأمضاها في يد المسلم في مواجهة جميع أنواع المشكلات في هذه الحياة الدنيا، ومنها: المشكلات النفسية، فكلما قوي إيمان الإنسان وزاد، كان أقوى في مقاومة المشكلة النفسية، وأبعد أن يقع فريسة لها.
من أركان الإيمان: الإيمان بالله عز وجل، وهو الاعتقاد الجازم بوجود الله سبحانه وتعالى، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت المدبر للأمور، وأنه المستحق وحده سبحانه للعبادة بجميع أنواعها، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا، فمن حقق التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، حصل له الخير الكثير، قال العلامة السعدي رحمه الله: ليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة، والفضائل المتنوعة، مثل التوحيد، فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله، فمن فضائله: أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما، ومنها: أنه يحصل لصاحبه الهدي الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة، ومن فضائله أنه يُسليه عن المصيبات، وأنه يخفف عن العبد المكاره، ويهون عليه الآلام، يتلقى المكاره والآلام بقلبٍ منشرحٍ ونفسٍ مطمئنةٍ.
ومعرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما دل عليه الاسم من معنى، وما يتعلق به من آثار، لها أثرٌ في طمأنينة النفس وزوال القلق عنها، يقول الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته تجارة رابحة، ومن أرباحها سكون النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر.
ومن هنا ينبغي أن يَحرِصَ المسلم على معرفة تلك الأسماء؛ يقول الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجربوع: فإدراك العبد لمعاني أسماء الله: العليم، الخبير، الحكيم، يوجب له ثقة واطمئنانًا إلى أن أمره ومصيره وما يجري عليه بيد ملك مدبر عليم حكيم خبير، فيزول عنه كابوس الخوف والقلق من المستقبل والمجهول.
من أركان الإيمان: الإيمان بقضاء الله وقدره: ومعناه كما يقول فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: التصديق بأن الله سبحانه علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل وجودها، ثم كتبها في اللوح المحفوظ، ثم أوجدها بقدرته ومشيئته، في مواعيدها المقدرة، فكل مُحدث من خير أو شر فهو صادر عن علمه وتقديره، ومشيئته وإرادته، ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن".
والعبد إذا عَلِمَ أن الله عز وجل هو المدبر لجميع الأمور، لا معقِّب لحكمه، ولا راد لأمره، لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن، وأنه يُقدِّرُ على العباد ما يريد من نفع وضر، وأن العباد كلهم طوع تدبيره، لا خروج لأحد منهم عن نفوذ مشيئته وشمول قدرته، عند ذاك فإنه يُسلمُ أمره لربه، فينشرح صدره، وتذهَب مخاوفه، وينجلي قلقه، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من ثمرات الإيمان بالقدر: راحة النفس، وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس، واطمأنَّ القلب، ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشًا، وأريح نفسًا، وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر، وقال ومن ثمرات الإيمان بالقدر: طرد القلق والضجر عند فوات المراد، أو حصول المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله تعالى، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك ويحتسب، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب، ويفتح له الشيطان له كل باب، وقال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: الإيمان بالقدر وسيلة إلى الصبر والتحمل والطمأنينة والسكون، ويثمر طمأنينة القلب وهدوءه وهدايته، وقال الشيخ الدكتور عبدالرحمن صالح المحمود: الإيمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد، ويقوي فيها العزائم، وقال الدكتور محمد الصغير، استشاري الطب النفسي: ومن العوامل التي تخفف أثر المصيبة على النفس، وترفع قدرة التحمل: تقوية الإيمان بالقضاء والقدر، وقالت الباحثة طريفة بنت سعود بن إبراهيم الشويعر: النتائج أظهرت أن الطالبات الأكثر إيمانًا بالقضاء والقدر أقل قلقًا، ويقول ديل كارينجي نقلًا عن بودلي - الذي قضى سبع سنوات مع مسلمين عرب في إحدى دول المغرب العربي -: تعلَّمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق، فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلًا هينًا، فهم لا يتعجلون أمرًا، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقًا على أمر، إنهم يؤمنون بأن ما قدِّر يكون، وأن الفرد منهم لن يصيبه إلا ما كتب الله له.
الحصن الثاني: الصلاة المطمئنة الخاشعة:
قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج:19-22]، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى؛ [أخرجه أبوداود]؛ قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: أي إذا نزل به مُهم أو أصابه غمٌّ".
وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (قُم يا بلال، فأرحنا بالصلاة)؛ [أخرجه أبوداود]، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من علامات صحة القلب أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همُّه وغمُّه بالدنيا، واشتد عليه خروجُه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقُرَّة عينه وسرور قلبه.
ويقول الدكتور ناصر بن عبدالله بن ناصر التركي: إن أثر الصلاة في علاج القلق يفوق الأثر الذي يحدثه أسلوب العلاج النفسي، فالصلاة زيادة على أنها تحرِّر الإنسان من القلق، فإنها تُمده بطاقة روحية تجدِّد فيه الأمل، وتقوِّي عزيمته وإرادته، وتجعله أكثر تحملًا لمشاق الحياة وأعبائها، وقد أدرك هذا الأثر أحد الأطباء؛ إذ يقول: إن الصلاة هي أهم أداة عرفت إلى الآن لبث الطمأنينة في النفوس، وبث الهدوء في الأعصاب.
الحصن الثالث: كثرة ذكر الله عز وجل:
كثرة ذكر الله عز وجل تطرد الشياطين، فتذهب عند ذاك الهموم، وتنجلي المخاوف، ويزول القلق، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه النافع المفيد "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب": وفي الذكر أكثر من مائة فائدة، وذكر منها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يقوِّي القلب والبدن، أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، ويُيسر العسير، ويُخفِّف المشاق فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسَّر، ولا مشقة إلا خفَّت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الهم والغم، يوضِّحه أن ذكر الله يُذهبُ عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتدَّ خوفه، أنفع من ذكر الله عز وجل، فإنه بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: قال عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]؛ أي: يزول قلقها، واضطرابها، وتحضر أفراحها ولذاتها.
وفي دراسة للباحثة إسعاد بنت عبدالعظيم البنا بعنوان: "دور الأدعية والأذكار في علاج القلق كأحد طرق العلاج النفسي الديني، علَّق عليها الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع أستاذ علم النفس بقوله: الدراسة جيدة، وضَح فيها الأثر الكبير لقراءة القرآن والمداومة على الأدعية والأذكار في علاج القلق لدى عينة الدراسة.
الحصن الرابع: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي:
للذنوب والمعاصي آثارٌ على العبد في دنياه وآخرته، منها في دنياه: ما يصيبه من قلق وخوف، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن عقوباتها ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، ومن وفَّقه الله وأعانه وتجنَّب المعاصي والآثام، زال عنه ذلك الخوف والحزن، فالتوبة فيها راحة مما يقلق النفس؛ يقول الطبيب النفسي الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي نقلًا عن الطبيب النفسي الدكتور محمد عثمان نجاتي: التوبة إلى سبحانه وتعالى تقوِّي في الإنسان الأمل في رضوان الله، فتخف حِدَّةُ قلقه، ثم إن التوبة تدفع الإنسان عادة إلى إصلاح الذات وتقويمها؛ حتى لا يقع مرة أخرى في الأخطاء والمعاصي، ويساعد ذلك على زيادة تقدير الإنسان لنفسه، ورضائه عنها، ويؤدى ذلك إلى بثِّ الشعور بالأمن والطمأنينة في نفسه، ويقول نقلًا عن الدكتور مصطفى فهمي: التوبة تفتح أمام الإنسان الأمل، وهذا الأمل يجعله يشعر بالراحة النفسية، والنظر إلى الحياة نظرة مختلفة، يسودها التفاؤل بعد أن كانت نظرته كلها تشاؤم وخوف ومرارة.
وليحذر الإنسان من وسوسة الشيطان له أن يطلب الشفاء مما يجد فيما حرَّم الله، فالله عز وجل لم يجعل الشفاء فيما حرَّم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم)؛ [أخرجه البخاري].
وليعلم أن طلب الشفاء بها، لا يزيده إلا شدة، قال ابن القيم رحمه الله: الهم والحزن والغم، هذه المكروهات قد تنوع الناس في طرق أوديتها والخلاص منها، وتباينت طرقهم في ذلك تباينًا لا يحصيه إلا الله، بل كل أحد يسعى في التخلص منها بما يظن أو يتوهم أنه يُخلصه منها، وأكثر الطرق والأدوية التي يستعملها الناس في الخلاص منها لا يزيدها إلا شدة، كمن يتداوى منها بالمعاصي على اختلافها من أكبر كبائرها إلى أصغرها، وكمن يتداوى منها باللغو واللعب والغناء، وسماع الأصوات المُطربة، وغير ذلك، وكلهم قد أخطأ الطريق.
جاء في الموسوعة الطبية الحديثة: أما الإقبال على المشروب الكحولية [يقصدون الخمر]، والترويج السلبي، فلا يُخفف القلق، بل على العكس يزيد من سوئه.
فهذه الأمور المحرمة كالحبوب المسكنة للآلام البدنية، يشعر المريض بالراحة، ويسكن الألم إذا تعاطاها، والمرض في الحقيقة يزيد، والقلق والضيق يزيد.
الحصن الخامس: الاشتغال بعمل من الأعمال:
قال العلامة السعدي رحمه الله: ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب: الاشتغال بعمل من الأعمال، أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نَسِيَ بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم، والغم، ففرِحت نفسه، وازداد نشاطه، فكم من إنسان ابتُلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلَّت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع: نسيان السبب الذي كدَّره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته، وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنَس به النفس، وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم
ولعل الاشتغال بهذا العمل من أسباب تقليل الوقت الذي يُقضى في متابعة وسائل الإعلام، فكما لا يخفى أن الأخبار التي تنقلها تسبب القلق والخوف من هذا الوباء.
وفي الختام: كلما ازداد تديُّن المرء وإيمانه، كان ذلك عامل وقاية كبير له من الإصابة بالضغوط والأمراض النفسية، وفي تمتُّعه بصحة نفسية عالية، يراجع في ذلك مجموعة من الدراسات والأبحاث التي ذكرها أستاذ علم النفس الدكتور صالح بن إبراهيم بن عبداللطيف الصنيع في كتابه "التدين والصحة النفسية".
ومن وفِّق للعمل بأحكام الشريعة، فهو محفوظ بحفظ الله عز وجل، بعيد عن كل قلقٍ وهَمٍّ وغَمٍّ، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الشريعة كلُّ أحكامها تُزيلُ القلق والهمَّ والغمَّ، الشريعة كُلها إزالة الهمِّ والغمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا.ا
للهم احفظنا وجميع المسلمين من كل مكروه ووباء، وارفع عنا ما وقع بنا، إنك سميع الدعاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد