بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
معظم من يشتغل بتراث الحنفية والماتريدية يعلم أنَّ من أهم الصعوبات التي تواجهه:
1-فقدان كثير من تراثهم، مع قلته بالمقارنة مع غيرهم من المذاهب الإسلامية.
2-ضعف وقلة وندرة تراجمهم المتقدمة، وقلة مادة تراجم المتأخرين.
وفي سياق الحديث عن مجموع كتب ورسائل ابن تيميَّة، نُسِبَ إليه شرح كتابٍ للغزنوي، بعضهم –وهم الأكثر- جعلوه في أصول الدين، وبعضهم سكت عن محتواه، وانفرد إسماعيل باشا البغدادي بالقول إنَّه في الفقه.
يقول ابن عبد الهادي في العقود: "وَكتاب شرح أول كتاب الغزنوي فِي أصُول الدّين مُجَلد لطيف". والصفدي في الوافي: "شرح أول كتاب الغزنوي فِي أصُول الدّين مُجَلد". وكذلك ابن شاكر في فوات الوفيات قال: "شرح أول كتاب الغزنوي في أصول الدين، مجلد".
وفي أعيان العصر، قال الصفدي: "شرح أول كتاب الغَزْنَوي، مجلد". بدون تحديد الفرع ما هو. أما إسماعيل باشا البغدادي فقد قال في هدية العارفين: "شرح أول كتاب الغزنوى في الفقه".
أما بالنسبة إلى الشخصيَّات الغزنويَّة التي عاصرت أو سبقت شيخ الإسلام ابن تيميَّة، فما نعرفه من هؤلاء الذين يحملون اسم "الغزنوي" ولهم كتاب في أصول الدين، هم:
الشخصية الأولى: جمال الدين أحمد الغزنوي (593هـ)، نُسِبَت له عدة كتب في الاعتقاد، وله كتاب صغير في الاعتقاد مطبوع بتحقيق الداعوق. في خاتمة مخطوطة هذا الكتاب جاء فيها بالنص: "تم كتاب الغزنوي في أصول الدين".
فهذا نصٌ باسم المؤلف واسم الكتاب، يتطابق مع من نُسب لشيخ الإسلام ابن تيميَّة من أنَّه شرحه. لكن بدراسة محتوى الكتاب يظهر أنَّه ليس هو الكتاب الذي شرحه أو تحدث عنه ابن تيميَّة.
الشخصية الثانية: القاضي الغزنوي، ترجم له القرشي ترجمة مختصرة، فقال: "عمر بن أبي بكر بن محمد الغزنوي، أبو حفص، قاضي القضاة. كان إمامًا في علم الكلام والفقه". له كتابٌ مهمٌ، عبارة عن شرحٍ لعقائد الطحاوي، عليه معول كثير من الحنفيَّة الماتريديَّة، وينقلون عنه، لكنَّ الكتاب نفسه في عِداد المفقودات.
وحين جاء العالم والفقيه والمتكلم الحنفي مَنكُوبَرْس النَّاصِرِيّ، وهو أبو شجاع التُّركيُّ الإمامي النَّاصِرِيّ، المعروف بنجم الدين الزَّاهد، الذي عاش في بغداد وفيها تُوفي سنة (652هـ)، وقد ترك كتابًا مهمًا عند الماتريدية في علم الكلام، ويُثنون عليه.
اسمه (النور اللامع والبرهان الساطع)، في مجلدٍ كبير، وهو لا يزال مخطوطًا [حقق قريبًا في تركيا]. وهذا الكتاب عبارة عن شرحٍ لعقيدة الطحاوي، وفق منهج علماء الكلام الماتريديـين.
قام مَنكُوبَرْس النَّاصِرِيّ بتقسيم كتابه (النور اللامع) إلى قسمين: القسم الأول: عبارة عن مقدمة كلامية طويلة، احتوت على مجموعة مسائل تمهيدية، اعتمد فيها على مصادر أصولية وكلاميَّة. أما القسم الثاني من الكتاب: حيث بدأ مَنكُوبَرْس في شرح كتاب العقائد الطحاوي، ومنهجه في ذلك: يضع نص كلام الطحاوي فقرة فقرة، ثم يقوم بشرحه من خلال النصوص الكلامية التي ينقلها، في أحيان كثيرة بصورة حرفية، من كتب علم الكلام الماتريدي المعتمدة والمهمة.
ككتاب أبي خفض الكبير، وتفسير أبي منصور الماتريدي، السواد الأعظم للحكيم السمرقندي، والاعتقاد لصاعد الإستوائي النيسابوري، وتبصرة الأدلة لميمون النسفي.
وكان من أهم مصادر القسم الثاني: كتاب شرح العقائد الطحاويَّة، لقاضي القضاة أبي حفص عمر بن أبي بكر بن محمد الغزنوي. قال مَنكُوبَرْس النَّاصِرِيّ عن محتوى كتابه: "وأصل شرحه على الاختصار للإمام القاضي، أقضى القضاة، أبي حفص عمر ابن أبي بكر بن محمد الغزنوي رحمه الله".
وشرح الغزنوي هذا لعقيدة الطحاوي، كتاب كلامي يقارب إلى حد ما أسلوب وطريقة وأهمية كتاب أبي المعين النسفي المحوري (تبصرة الأدلة).
وهناك احتمال أنَّ يكون المقصود هو قاضي القضاة هذا، وهو الذي شرح شيخ الإسلام كتاب هذا المفقود أو كتابًا آخر له في أصول الدين، لم يصلنا منه شيء. باقي أن يُراجع بدقة وفحص تلك النقولات التي نقلها عنه مَنكُوبَرْس النَّاصِرِيّ في (النور اللامع)، لعلها تلقي مزيدًا من الضوء على ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد