الشعر وطبيعته في ديوان مراكب ذكرياتي للعشماوي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 أشار الدكتور عبد الرحمن العشماوي في ديوان (مراكب ذكرياتي) إلى طبيعة الشعر وماهيته ؛ فالشعر عنده في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي): نبض القلوب، وهو سفير الفؤاد، وتعبير عن الأحزان، وليس هدفه الرغبة في الشهرة، ولغته نابعة من القلب، و حروفه قطع منغمة من الوجدان، كما أشار الدكتور العشماوي أيضًا في ديوان (مراكب ذكرياتي) إلى صياغة القصائد وضحكها وطربها.

الشعر يفتح بوابة الشعر:

فها هو العشماوي بين لنا أن الشعر يفتح بوابة الشعر حيث جعل الشعر إنسانًا على سبيل التشخيص و الاستعارة المكنية حيث يقول في قصيدة " بوابة الشعر ":

هنا يفتح الماضي ذراعيه لهفة وتفتح كف الشعر بوابة الشعر(1)

الشعر نبض القلوب: 

يوضح العشماوي معنى الشعر من وجهة نظره فيقول إن معنى الشعر عنده في غاية الأهمية والجمال فهو:  نبض القلوب وواحة الشعراء حيث يقول في قصيدة " هبني فما يشدو ":

أتريد معنى الشعر عندي ؟إنه نبض القلوب وواحة الشعراء (2)

المحبوبة تعني الشعر: 

 يُعرف العشماوي الشعر فيقول إن الشعر عندي يعني المحبوبة (أمته)، ولا معنى آخر للشعر غير هذا، فيقول في قصيدة "حدثيني ":

ودعيني أسكب الأشواق في سمعك لحنًا

أنقض الأوهام عن قلبي وأمحو عنك حزنًا

أنت معنى الشعر عندي ما له إلاك معنى. (3)

كما يجعل العشماوي من الشعر خيمة، كما أن الشعر عنده سفير الفؤاد، وروض طيب الثمار كما نشاهد فيما يلي:

الشعر خيمة:

يقول العشماوي في قصيدة " بعد أن أصبحت دكتورا ":

اجعل الشعر خيمة والأماني  طيلسانًا، وذكرياتي سريرًا (4)

الشعر سفير الفؤاد:

ويقول أيضًا في قصيدة " بعد أن أصبحت دكتورا ":

جئتك اليوم يا عراء وعندي  أمل أن أذوق فيك الحبورا

جئتك اليوم شاعرًا عربيًّا  جعل الشعر للفؤاد سفيرًا (5)

ويقول في قصيدة (فجر الأدب الأصيل)

شعري وأنت سفير قلب خافقٍ   لولاك ما وجد الفؤاد سفيرًا

صور حفيف مشاعري وضجيجها ودع النفور لمن يحب نفورا (6)

الشعر روض طيب الثمار:

 يقول العشماوي في قصيدة (فجر الأدب الأصيل) أيضًا:

كلماتنا روض تطيب ثماره يبقى برغم السافيات نضيرًا

صور البيان تهش حين نصوغها ونزيدها من روحنا تأثيرًا(7)

ليس هدف الشعر الرغبة في الشهرة:

يقول العشماوي في قصيدة " بعد أن أصبحت دكتورا ":

ويطنون أن غاية الشعر عندي أن أكون الملمع المشهورا (8)

طبيعة الشعر:

تحدث العشماوي في قصيدة (شعري )عن مفهوم الشعر حديثًا طويلا حيث يقول: 

لو كنتُ أكتب شعري  حتى ألقبُ شاعرْ

أو رغبة في مديح  يُكال أو في مظاهر

أو رهبة من عدو  يجيد رسم الدوائر

لما سللتُ يراعي  ولا أقتنيتُ المحابر

ولا جعلتُ حروفي تثير شوق الدفاترْ

ولا جعلت القوافي مجدّلات الضفائر

شعري أنين جريح وزفرة من مهاجر

إلى أن يقول:

شعري جوادٌ أصيلٌ به إليكم أسافر

ويقول في ختام القصيدة الطويلة التي تحدثت عن طبيعة شعره:

أحبتي ليس شعري عِقدًا يباع لتاجر

وليس عودَ بخور به تُدار المباخرْ

شعري كيانٌ كبيرٌ من الرؤى والخواطر

فمصدر الشعر قلبي  لمن يريد المصادر

 ومنبر الشعر قلبي  لمن يريد المنابر

ومجمر الشعر قلبي لمن يريد المجامر

وبيدر الشعر قلبي  لمن يريد البيادر

وليس من بعد هذا معنى لقول مكابر (9)

صدر الشعر رحب:

يقول العشماوي في قصيدة (مرحبًا يا فجر ) أيضًا:

أيها الشاعر لا تحزن فإني   لم أزلْ آتي بأحلامي وأذهبْ

إنما الطل الذي يهمي صباحًا   عرقٌ من جبهة الليل تصببْ

إن ْيطُلْ ليلٌ فإني سألاقي   صدره المظلم بالنور المصوبْ

مرحبا يا فجر، هذا صدر شعري قد بدا رحبًا فهل صدرك أرحبْ (10)

 الشعر تعبير عن الأحزان:

يقول العشماوي في قصيدة " بعد أن أصبحت دكتورا ":

لو فتحتم باب القصائد يومًا لرأيتم فؤادي المفطورا

ورأيتم فيها دموع الثكالى  وسمعتم عويلهن المثيرا

ورأيتم بلابل الشوق فيها  ساكنات لم تستطع أن تطيرا (11)

تمهيد دروب القصائد:

يقول العشماوي في قصيدة " مشاتل الألحان ":

أنت التي مهدت دروب قصائدي وغرست فيه مشاتل الألحان

ويقول أيضًا:

طوعت فيك حروف شعري لم أدعْ  لحنًا، ولم أشفق على أوزاني. (12)

صياغة القصائد:

يقول العشماوي في قصيدة "أين غاب العازف ":

 أصلحت أوتاري وصغت قصائدي وظللت أسأل أين غاب العازفُ؟

أو كلما شيدت قصر سعادة   عصفت عليه من الفراق عواصفُ؟! (13)

بين الولادة والممات قصيدة:

يقول العشماوي في قصيدة "يا من رحلت ":

 بين الولادة والممات قصيدة  تُزري بكل قصيدة عصماء

ما زال يكتبها الزمان بحرقة ٍ ويصبها في مسمع الشعراء

 بين الولادة والممات مسافة ينأى بها الداني ويدنو النائي

قدموا إلى الدنيا فكل قصيدة في وصفهم مشحونة بغناءِ

رحلوا عن الدنيا فكل قصيدة في وصفهم مشحونة ببكاءِ (14)

القصائد قلائد:

يقول العشماوي في قصيدة "مزرعة الرضا ":

 أنبتُّ في عينيك مزرعة الرضا وسكبت في شفتيك ماء الكوثر

ونظمت من دُرِّ القصيد قلائدا  فتأملي في حسنها وتخيري. (15)

القصيدة العصماء:

يقول العشماوي في قصيدة " هبني فما يشدو ":

من مقلتيك شربت كأس سعادتي  ونسجت كل قصيدة عصماء

أفرغت فيها ذوب إحساسي وها  أنذا أقدمها على استحياء

بك يرتدي قلبي ملابس عرسه  وعليك تشقى مقلتي ببكائي

وإليك يهفو الشعر حين أصيغه شوقًا، ويصرخ صرخة استجداء (16)

القصائد ضاحكة صريحة:

يقول العشماوي في قصيدة " زوارق المستقبل  ":

لا تيأسي ثغر القصيدة ضاحكٌ وشعورك الفياض لم يتبدل

لا تحملي هما فإن قصائدي في غير صراحتي لم ترفْلِ (17)

طرب القصائد:

يقول العشماوي في قصيدة " من القلب ":

لما جعلُتكِ لحنَ كلِّ قصائدي كادت جبال الذكريات تميدُ

هزّت جميع قصائدي أغصانها طربًا، وهنأ نفسه التغريد

أنا يا حياة القلب إنسان له  نفسٌ تتوق وتشتهي وتريد (18)

لغة الشعر نابعة من القلب:

يقول العشماوي في قصيدة " ريحانة القلب  ":

يا شاعرًا، ما مَشَتْ في ثغره لغةٌ إلا وفي قلبه من أصلها نسب

خيول شعرك تجري في أعنتها ما نالها في مراقي عزها نصبُ (19)

ويقول في نفس القصيدة:

ريحانة القلب عين الشعر مبصرة وفجرنا في عروق الكون ينسكبُ(20)

عطر الشعر يفوح:

يقول العشماوي في قصيدة " من القلب ":

وأجود لا أخشى افتقارًا إنما    يرضى فؤاد الحر حين يجود

وأصوغ شعري، لو رأيت رياضه  عطر يفوح وسدره مخضود

شعري سفينُ أصالةٍ يجري على  بحر اليقين شعاره التوحيدُ (21)

بحور الشعر:

يقول العشماوي في قصيدة " ماذا نخاف من الدنيا ":

حبيبتي، ما جرى لحنٌ على شفتي   ولا أقامت بحور الشعر ميزانا

ولا جرت كلماتي حين أسكبها    في مسمعيك زرافات ووحدانا

إلا لأنك في الأعماق ساكنة    سكنتِ قلبي فغنى الحب وازدانا (22)

الشاعر عازف الحرف:

قصيدة " عازف الحرف " قصيد ة كاملة يخاطب فيها العشماوي عازف الحرف نذكر منها:

 يا عازف الحرف في عصر قصائده مكسورة الوزن لم تنسب إلى نغم

حلق بشعرك لا تنظر إلى شفة    مقلوبة شوهتها لكنةُ العجم

وارسم لشعرك في الآفاق خارطةً   من البيان، ولا تنزل عن القمم

ما أنت والشعر إلا كالخليل غدا   روح الخليل ومثل الساق للقدم (23)

حروف الشعر قطع منغمة من الوجدان:

يقول العشماوي في قصيدة " مشاتل الألحان ":

هزي إليك بجذع حبي واقطفي  رطب السعادة من فروع بياني

وترفقي بحروف شعري إنها  قطع منغمة من الوجدان (24)

طلب الإحسان من الشاعر:

يقول العشماوي في قصيدة " منها وإليها ":

جعلتَ شعرك لي طُعْمًا، فجئتُ إلى رحاب شعرك أبغي منك إحسانا

رسمت لي فوق عين الشمس خارطة ً وصُغْت لي منحنين القلب أوزانًا (25)

ويقول في نفس القصيدة عن حب الشاعر:

يا شاعري، كلما أخفيت خاطرة ً من الحنين أراد القلب إعلانا

ويقول:

صدقْتُ يا شاعري، ما كنت خائنة ولن أخون وإن أصبحت خوانا (26)

الشعر يسلم:

يقول العشماوي في قصيدة " شدا لك قلبي ":

شدا لك قلبي قبل شدو لساني   ومنكِ أضاءت حكمتي وبياني

ومد إليك الشعر كف مسلم ٍ  عليك وأبدى همة المتفاني. (27)

ويقول في نفس القصيدة:

سلامٌ عليك امتد جسر مودتي  إليك، وفي عينيك نهر حنان

لوجهك في ذهن المشاعر صورة ٌ أراها بعينٍ حرةٍ وتراني

سكبتك لحنا في عروق قصائدي  وأجريتُ من عينيك نهرَ بياني (28)

ربما ينفع الشعر:

يقول العشماوي في قصيدة " ربما ينفع الشعر ":

سأرسل شعري، ربما ينفع الشعرُ  وعندك يا ربّي الكفايةُ والأجرُ

أري الليل ممتدًّا كأن ظلامه   حواجز لم يسطعْ تجاوزها الفجرُ (29)

استلهام الشعر من عالم الأحزان:

يقول العشماوي في قصيدة " حدثيني ":

الخيالات التي أعشقها تزور عني

 الخيالات التي أبغضها تقرُبُ مني

وأنا من عالم الأحزان أستلهم فني. (30)

بركان القوافي:

يقول العشماوي في قصيدة " عندما يحزن العيد ":

أقبلت يا عيد والأحزان أحزانُ  وفي ضمير القوافي ثار بركان.

 أقبلت يا عيد والرمضاء تلفحني  وقد شكت من غبار الدرب أجفانُ. (31)

الشعر آهات:

يقول العشماوي في قصيدة " عندما يحزن العيد ":

قالوا وقد وجهوا نحوي حديثهمو  هذا الذي وجهه للبِشر عنوان

هذا الذي تصدر الآهات عن دمه  شعرًا رصينا له وزنٌ وألحانُ. (32)

الشعر جواد:

يقول العشماوي في قصيدة " سلي فؤادي  ":

كأنني سائر والشوك يجرحه  فما تراجع عن سيرٍ ولا انتعلا

جعلت شعري جوادًا كي أفر به فما تقدَّم شبْرًا ولا صهلا. (33)

هيام الشاعر:

يقول العشماوي في قصيدة " جفاف في موسم الخصب ":

ما دهى الشاعر أضحى هائمًا وهو فيما قد مضى، لم يهم

أنت يا هاربة عبر المدى   خففي من وجده المضطرم

مأتم ٌ أن تنكري إحساسه ليس ما تخشينه بالمأتم (34)

هرم الشعر:

يقول العشماوي في قصيدة " جفاف في موسم الخصب ":

ربما أوهمتُ غيري أنني  سوف أسلو، سوف أنسى سقمي.

ربما، لكن قلبي لم يزل ْ  في حنين والأسى في ضرم.

هَرَمَ الشعر، تراخى عوده والأسى يحفر قبر الهرم ِ (35)

الشعر ما لم نسمع:

يقول العشماوي في قصيدة " تمر الحنين ":

لا تظني الشعر ما أنشدته إنما شعري الذي لم تسمعي (36)

القوافي الصغيرة:

يقول العشماوي في قصيدة " السكوت الفصيح  ":

كَبُرَ الحبُّ فالقوافي صغارُ  وحروفي إذا رأته تشيح ُ

لا تقولي أراك آثرت صمتًا والفؤاد الذي يحب يبوح

أنا ما زلت حيث كنت اشتياقًا وشذا الحبِّ من حروفي يفوحُ

عجز اللفظ أن يعبر عني  فسكوتي هو اللسان الفصيحُ (37)

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع:

عبد الرحمن العشماوي:  ديوان (مراكب ذكرياتي)، الرياض، مكتبة العبيكان، 1424هـ

([1])عبد الرحمن العشماوي : ديوان (مراكب ذكرياتي)، ص53

([2])المرجع السابق ، ص59

([3])نفسه ، ص88

([4])نفسه، ص25

([5])نفسه، ص25

([6])نفسه، ص70

([7])نفسه، ص73

([8])نفسه، ص27

([9])نفسه، ص186:181

([10])نفسه، ص121-122

([11])نفسه، ص28

([12])نفسه، ص40

([13])نفسه، ص169

([14])نفسه، ص171

([15])نفسه، ص176

([16])نفسه، ص57

([17])نفسه، ص20

([18])نفسه، ص124

([19])نفسه، ص36

([20])نفسه، ص37

([21])نفسه، ص125

([22])نفسه، ص130

([23])نفسه، ص99-100

([24])نفسه، ص39

([25])نفسه، ص103-104

([26])نفسه، ص105-106

([27])نفسه، ص110

([28])نفسه، ص112

([29])نفسه، ص117

([30])نفسه، ص84

([31])نفسه، ص136

([32])نفسه، ص137

([33])نفسه، ص148

([34])نفسه، ص95-96

([35])نفسه، ص98

([36])نفسه، ص12

([37])نفسه، ص188

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply