من أراد الله بهم خيرًا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الإرادةُ صفةٌ مِن صفات الله تعالى الثابتة له، أجمع السلف على إثباتِها لله تعالى، وهي إرادةٌ حقيقية تليق بالله جل جلالُه، وتنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: إرادة كونية، بمعنى المشيئة؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125]، وهذه الإرادة لا بدَّ فيها من وقوع المراد محبوبًا كان للهِ تعالى أو غيرَ محبوب.

القسم الثاني: إرادة شرعيَّة؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 27]، وهذه الإرادة قد لا يقعُ فيها المراد، ولا يكون المرادُ فيها إلا محبوبًا لله تعالى.

ولمعرفة العبد بأن لله جل جلالُه إرادةً حقيقية تليق به، فوائدُ في حياته، قال العلّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ونستفيد بمعرفتنا للإرادة من الناحية المسلكية أمرينِ:

الأمر الأول: أن نُعلِّق رجاءنا وخوفنا وجميع أحوالنا وأعمالنا بالله تعالى؛ لأن كلَّ شيء بإرادته، وهذا يُحقِّق لنا التوكل.

الأمر الثاني: أن نفعل ما يريده الله تعالى شرعًا، فإذا علِمنا أنه مرادٌ لله شرعًا ومحبوبٌ إليه، فإن ذلك يُقوِّي عزمنا على فعله".

 

وهناك أناسٌ جاءتِ النصوصُ بأن الله جل جلالُه أراد بهم خيرًا، ينبغي أن يجاهد العبد نفسَه ويدعو ربه أن يكون ممن أراد الله بهم خيرًا، وأن يصبر ويرضى لو حدث له أمر لا يرغَبُه ما دام أن الله قدَّره عليه وأراد به خيرًا.

وممن أراد الله بهم خيرًا:

مَن ينشرح صدره لفعل شعائر الإسلام بفرح وسرور:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: قوله: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125]، المراد بالإرادةِ هنا الإرادة الكونية، والمراد بالهداية هدايةُ التوفيق، فتجده منشرحَ الصدر في شرائع الإسلام وشعائره، يفعلها بفرح وسرور وانطلاق، فإذا عرَفْتَ مِن نفسك هذا فاعلم أن الله أراد بك خيرًا، وأراد لك هدايةً، أما مَن ضاق به ذرعًا - والعياذ بالله - فإن هذا علامةٌ على أن الله لم يُرِدْ له هداية، وإلا لانشَرَح صدرُه".

مَن يُوفَّق للتوبة من الذنوب قبل موته، ويُقبِل على عمل الطاعات، ويُقبَض عليها:

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا طهَّره قبل موته))، قالوا: وما طهورُ العبد؟ قال: ((عملٌ صالح يُلهِمه إياه حتى يقبضَه عليه))؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمَلَه))، فقيل: وكيف يستعمله؟ قال: ((يُوفِّقه لعمل صالح قبل الموت))؛ [أخرجه الترمذي].

 

قال أهل العلم: يُوفِّقه قبل موته للتوبة وملازمة العمل الصالح وتجنُّب المخالفات، ويُقبَض على ذلك، فيُعطَى العطاءَ الجزيل على العمل القليل.

أهل البيت الذين يرفقون في القول والفعل:

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرِّفقَ))؛ [أخرجه أحمد].

قال الإمام المُناوِي رحمه الله: "أدخل عليهم باب الرفق، وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض، والرفق لِينُ الجانب واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع".

الأمير الذي يكون له جليس صالح، إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه:

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بالأميرِ خيرًا جعل له وزيرَ صدقٍ؛ إن نسِي ذكَّره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غيرَ ذلك جعل له وزيرَ سُوءٍ؛ إن نسِي لم يُذكِّره، وإن ذكَر لم يُعِنْه))؛ [أخرجه أبو داود].قال أهل العلم: أي جعل له وزيرًا صالحًا صادقًا ناصحًا له ولرعيته.

الفقيه في دين الله:

عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدين))؛ [متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "مفهوم الحديث أن مَن لم يتفقَّه في الدين - أي يتعلَّم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حُرِم الخير".

مَن تُعجَّل له العقوبة في الدنيا:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبده الخيرَ عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده شرًّا أمسك عنه بذنبِه حتى يوافيَه به يوم القيامة))؛ [أخرجه الترمذي[.

قال أهل العلم: إذا أراد الله بعبده خيرًا أسرع له العقوبة بأنواع المكاره، وبصبِّ البلاء والمصائب عليه في الدنيا؛ ليخرجَ منها وليس عليه ذنبٌ، ومَن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطفَ به والمنَّة عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُصِبْ منه))؛ [أخرجه البخاري].

قال الحافظ ابن حجر: "معناه: يبتلِيه بالمصائب ليثيبَه عليها...، وفي هذه الأحاديث بِشارةٌ عظيمة لكل مؤمن؛ لأن الآدميَّ لا ينفكُّ غالبًا مِن أَلَمٍ بسبب مرض أو همٍّ أو نحو ذلك...، وأن الأمراض والأوجاع والآلام - بدنيةً كانت أو قلبيةً - تُكفِّر ذنوبَ مَن تقع له".

اللهم اجعَلْنا ممَّن أردتَ بهم خيرًا يا رحمنُ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply