بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أوصيكم أيّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتّقوا اللهَ رحمكم اللهُ واغتنموا لحظاتِ الأعمارِ فما أسرعَ انْقضائَها، وانتهزوا الفُرصَ السانِحةَ قبلَ فواتِها، وأعِدُوا ليوم الحسابِ أجوبةً صواباً، فإنَّما يحاسِبُ النَّاسَ من لا يخفى عليهِ خافِيةٌ من أحوالِها، ومن أرادَ النَّجاةَ فليُخالِفْ النَّفسَ وهواها، ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104].
معاشر المؤمنين الكرام: تَدُورُ الدُّنْيَا بدورتها، وَتمضِي الأَيامُ بسرعتها، ليحلَّ علينا شهر الله المـحرَّمٍ، ويحلُّ معهُ ذكرى عاشوراء، يومٌ عظيمٌ من أيام الله تبارك وتعالى، يومٌ ظهرَ فيه الحقُّ عزيزاً، وزهقَ الباطل ذليلاً.. يومٌ انتقمَ الله فيه من الظالمين، وانتصر للمظلومين.. يومٌ نجى الله فيه كليمه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون الطاغية ومن معه من الظالمين.. وإنَّ في قصةِ موسى وفرعونَ لعبراً وذكرى، ودروساً كُبرى، فلقد تكرَّر اسمُ مُوسى في كتابِ اللهِ تعالى أكثرَ من مائةٍ وثلاثين مرة، وتكرَّرت فيه قِصةِ مُوسى اثنينِ وعشرينَ مرةً. كُلُّ ذلك ليستَلهِم مِنها المؤمنونَ العبرَ والعِظات، ويتدبَّروا أحداثَها ومَواقِفَها.. فهيَ قِصةٌ جمعت بين أحوالِ الطُغاةِ الظَلمةِ المفسِدِينَ المستبدِين، وبينَ أحوالِ المؤمنينَ المصلِحينَ المستضعَفِينَ المضطَهدِينَ، وبينت عاقبةَ ومآلَ كُلِّ طرفٍ، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 4-6].. إنها قِصةٌ عظِيمةٌ، تحدَّثت عن الإيمانِ والكفرِ، عن الشِدَّةِ والفَرَجِ، عن العُسرِ واليُسرِ.. قِصةٌ مَليئةٌ بالفَوائِدِ والعِبرِ، والعِظاتِ والغِيرِ.
فمن أوائِل فَوائِدِ هذه القِصةِ العَظِيمةِ: أنَّ آياتِ اللهِ تعالى في القُرآنِ، وآياتِه في الكونِ، وآياتِه في تَسيِّيرِ أحداثِ الحياةِ، يَنبغِي للمُسلمِ أنَّ يتدبَّرها جيداً، وأنَّ يعتبِر ويتَّعِظَ بها، ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].. واللهُ تَباركَ وتعالى إنَّما أنزلَ كِتابهُ للتَّدبُرِ والتَّأمُّلِ: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]..
ومِنْ أَعظَمِ دُرُوسِ وفوائد هذه القصة العظيمة: تَحريمُ الظُّلْمِ بكلِّ صُورهِ وأشكالِهِ، وبيانِ شُؤمِهِ وسُوءِ عاقبتِهِ.. روى مُسلمٌ في صَحيحهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يرَوَيهِ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).. وكانَ أبو إدريسَ الخولانِيُ رحمهُ اللهُ إذا حَدَّثَ بِهَذَا الحَديثِ جَثَا عَلَى رُكبَتَيهِ مِنْ هَولِ مَا فِيهِ.
ومن أعظم الفوائد من هذه القصة: أن الله تعالى إذا أراد شيئًا هيأ له أسبابًا عجيبةً لطيفة.. مقدماتها لا توحي بنتائجها.. فهذا فرعونُ قد تجبَّرَ وطَغى، وعاثَ فساداً في بني إسرائيل وبَغى.. قتَّلَ أطفالهم، واسْتحيا نِسائَهم وقال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، بل وأمرهم بعبادته قائلاً: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ومع ذلك كله، فقد كان اللهُ يُهيئ لهذا الظالم أسبابَ سُقوطِهِ وهلاكِهِ من حيثُ لا يحتسِب، وربُنا العظيمُ القديرُ سُبحانهُ كما جاءَ في الحديثِ الصحيح: يُملي للظالم، حتى إذا أخذهُ لم يُفلتهُ، وقد أملى اللهُ لهذا الطاغيةِ أربعينَ سنة، حتى إذا وصلَ طُغيانهُ مداهُ، وزُيِّنَ لهُ سُوءُ عملهِ وصُدَّ عن السَّبِيلِ، ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾، جاءهُ بَأْسُ اللهُ الذي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وأخذه اللهُ أخذَ عزيزٍ مُقتدر، وجعلهُ عبرةً لمن يعتبر، قال تعالى: ﴿ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ [الزخرف: 51]، وقال تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 40].. فإلى كلِّ ظالمٍ متجبر: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].
ومن فوائد هذه القصةِ العظيمة: أن الباطلَ قد ينتفشُ ويتمدَّدُ ويزهو.. حتى ييأسَ كثيرٌ من الناسِ من صلاحِ الأحوال، لكنَّ القرآنَ الكريم، ومن خلالِ هذه القِصةِ العظِيمةِ، يُعلمُنا أن لا نيأسَ ولا نَقنطَ، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، فمهما تمدَّدَ الباطلُ وعلا صَوتُهُ، فالحقُّ أعلا وأقوى، وأظهرُ وأبقى، وسينصُرُهُ اللهُ ولو بعد حين، فالعاقبةُ دَوماً للمتقين. ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾.
ومن فوائدِ هذه القِصةِ: أنْ الاستِهزَاءَ بالصَالحينَ عادةٌ قديمةٌ للمفسِدِين، وحِيلةٌ رخِيصةٌ لتشوِيهِ صُورتِهم في عُيونِ العالمين، والغرضُ الحقيقيُ من ذلك، هو الصدُّ عن سبيل اللهِ، فهذا مُوسى عليه السلامُ كانَ في لِسانِهِ لثْغةٌ شدِيدة، فعيَّرهُ بها فِرعونُ قائلاً: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [آل عمران: 141]، بل وزعمَ الطَّاغِيةُ أنَّ دَعوةَ التَّوحِيدِ التي جاءَ بها مُوسى عليه السَّلامُ، إنَّما هيَ دَعوةٌ للفسادِ في الأرضِ، ثمَّ رتّبَ على هذهِ الفِريةِ أنَّ مُوسى يَستَحِقُّ القتل: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، وهكذا هو دأبُ الظلمةِ المفسِدِين، فلا مَانعَ عِندهُم من افتِراءِ الأكاذِيبِ، وقلبِ الحقائِقِ، والسُخريةِ والتَّهكُمِ، وانتهاجِ أيُّ وسِيلةٍ تُمكِنَهم من تنفِيرِ النَّاسِ وصدِّهِم عن سبيلِ اللهِ، قالَ تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 52، 53].
ومن فوائدِ هذه القِصةِ العظِيمة: أنَّها تُعلمُنا كيفَ نصنَعُ الأمَلَ ونستشرِفُه، تُعلمُنا أنْ نتَرقَبَ وِلادَةَ النَّورِ من رَحِمِ الظُلمةِ، وأن نتفاءلَ بخروجِ الخيرِ من قلبِ الشَّرِ، وانبثاقِ الفَرجِ من كَبدِ الأزماتِ، وأنَّ في طياتِ كلِّ مِحنَةٍ مِنحَةٌ، ومعَ كُلِّ ألمٍ هُناكَ أملٌ، ومعَ كُلِّ بلِيةٍ هُناكَ عَطيّة.. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].. وكم لهذِه الأمّةِ من وثَبَاتٍ بعدَ كبَوَات، وإفاقاتٍ بعد غَفَوات، وصولاٍت وجولات.. كيف لا؟! وهي الأمّة المرحومةُ المنصُورةُ.. التي لا يُدرَى خيرُها في أوّلها أو في آخِرها.. وهي الأمّةٌ التي تمرضُ ولا تموت، تُجرَح ولا تُذبَح، تُفصَّلُ ولا تُستأصل، ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].
وإنَّ في هذا الحدَثِ العظِيمِ يا عبادَ اللهِ من الآياتِ البيناتِ، والدُّروسِ النيرات، والعِبرِ البَالِغاتِ، ما لو استلهَمتهُ الأجيالُ لصلُحت بإذن اللهِ الأحوال، فالقوةُ للهِ جميعاً، والعزة للهِ ولرسولهِ وللمؤمنين يقيناً، ونحن قومٌ أعزنا اللهُ بهذا الدِّين، ومهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلنا الله.. ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].. بارك الله.
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واتباعه واخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الظلم، فشؤمهُ وبيلٌ، وعاقبتهُ وخيمةٌ في الدنيا والآخرة، وكلُّ من ظَلَمَ غيرَهُ فواللهِ لنْ يفلِحَ.. كيفَ واللهُ عزّ وجلّ يقولُ: ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21]، وكلٌّ ظالمٍ خَائِبٌ خَاسِرٌ، محرومٌ من التوفيقِ في الدُنيَا وَفي الآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111]، وهدايةُ اللهِ أبعدُ ما تكونُ عن الظالم، فقد تكرَّرَ قولُهُ تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، في عشرِ آياتٍ مختلفاتٍ من الكتابِ العزيزِ، كما أنَّ الآياتِ التي تُبينُ شُؤمَ الظُلمِ وسُوءَ عاقِبتهِ كَثيرةٌ جداً، مِنها قولهُ تعالى: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151]، ﴿ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44]، ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22]، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]، ﴿ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ﴾ [الشورى: 45]، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 52]، ﴿ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ ﴾ [الشورى: 22]، ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 41]، إلى غير ذلك من الآيات وفي الحديث المُتَّفَقٌ عَلَيهِ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، فمصير الظلَمةِ أسود، وعاقبتُهم شنيعة، ﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 41]، ومن سنةِ اللهِ الثابتةِ نُصرةُ المظلومِ، قال تعالى: (وعزتي وجلالي لأنصرنَّكَ ولو بعد حين).
فلا تظلمنَّ إذا ما كنَّتَ مُقتدراً
فالظلمُ آخِرهُ يُفضِي إلى النَّدمِ
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ
يدعو عليكَ وعينُ اللهُ لم تنمِ
وصورُ الظُلمِ يا عباد الله كثيرةٌ ومُتنوعة، ولكثرتها قد يتساهلُ البعضُ فيها، وهي والله ليست كذلك، ففي الحديث الصحيح: "إيّاكم والشحّ! فإنّه أهلكَ من كانَ قبلَكُم؛ أمرهُم بالقطيعةِ فقطعوا، وأمرَهم بالظُّلمِ فظَلَموا، وأمَرَهم بالفُجور ففجَروا".. وأبرزُ صُورِ الظُلمِ المنتشرةِ ظُلمُ الأقوياءِ للضُعفاءِ، كظلم الرَّجُلِ لِأَهْلِ بَيتِهِ، وظُلمِ الرَّئيسِ لموظفِيه، وظُلمُ الكَفيلِ لمكفُولِه، وظلم الموَظَفِ لمُراجِعيه، وغيرها من صورِ الظُلمِ.. ألا فليتَذكَر كلُّ من ولَّاهُ اللهُ تعالى رعيةً أو حمَّلةُ مسئُوليةً، ليتذكر حديثَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "اللهمَّ من وليَ من أمرِ أُمتي شيئًا فرفِقَ بهم فارفق به، اللهمَّ من وليَ من أمرِ أُمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته".
ثم اعلموا يا عباد الله: أنه يستحبُ استحباباً شديداً صيامُ يومِ عاشوراء ويوماً قبلهُ أو بعدهُ، ففي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: صامَ يومَ عاشوراء، وأمرَ بصيامه، ولما قيلَ له يا رسول الله: إنه يومٌ تعظمهُ اليهود والنصارى! قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع)... فصوموا يا عباد الله يومَ عاشوراء، واعلموا أنَّ لهُ فضلاً عظيمًا، وأجراً كبيراً، ففي صحيحِ مُسلمٍ أيضاً أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (صيامُ يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفرَ السنة التي قبله).. فهي فرصةٌ عظيمةٌ من فُرصِ الخيرِ، فأحسنوا استغلالها..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد