بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ترك العاملون الكلام للقاعدين؛ وهجر الباذلون الجدال للفارغين، فاستقبلوا العمل رجاء تحقيق الأمل.
جافت جنوبهم مضاجع المكتسبات الشخصية، وتسامت هممهم عن طموحات (ساكني القاع) الوقتية.
يستمسكون بدينهم وقت العسر، فيقبضون على الجمر؛ رجاء أن يكون لهم مثل عمل خمسين -من الصحابة- في الأجر.
تجدهم كلما ازداد الواقع سوءا= ازدادوا هم بذلا وعملا؛ وصبرا وأملا؛ رجاء أن يبعثوا في زمرة الأولياء، وطمعاً في أن يحشروا مع أولي العزم من الأنبياء.
يتزايد مكر الماكرين فيزدادوا إيمانًا وتسليما: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليما).
يرون في تزايد مكر الأعداء سنة إلهية في إزهاق الباطل عند اشتداده:
"ومن سنة الله : أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه؛ فيحق الحق بكلماته ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق". الفتاوى لابن تيمية (57/28)
ويرون أن "من أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين= ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين". الجواب الصحيح لابن تيمية:(85/1)
فهم على كل الأحوال في راحة، قد رضوا من الدنيا برضا الرحمن عنهم، وهانت عليهم في المعالي نفوسهم.
كلما فترت نفوسهم طمحت أبصارهم مخترقة الحجب لترى حوض نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ فتنهض أرواحهم بأجسادهم حتى تكاد تطير بهم في جو السماء ألقاً وانشراحا؛ ثم لا يهدأ لهم بال، ولا يسكت عنهم داعي الشوق حتى ينهلوا من ذلك الحوض.
لاتغرهم المدائح فتصرفهم عن طريقهم، ولا تفتنهم الابتلاءات فتصدهم عن سبيلهم.
فلله هم، ولله أوقاتهم، ولله هممهم، ولله عاقبتهم، ولله يومٌ يرفعون فيه رؤوسهم، ويلتقون فيه بنبيهم،
ويظفرون بلذة النظر إلى وجه الجليل خالقهم.
أما بعد:
فإني -والله- ما كنت في زمن أشد فألاً، ولا في وقت أعلى أملاً: منّي اليوم. -مع وعيي التام بحجم المأساة، وعمق المعاناة، وتزايد الشر، وتفاقم الخطر-؛ غير أنّ للأمل نفحات، وللفأل علامات، وللنور إشارات..
وقد وجد يعقوب ريح يوسف -عليهما السلام- مع ما بينهما من الحُجُب والمسافات. وإن لضياء الفجر مقدمات لا يبصرها النائمون، وإنما يستأثر برؤيتها القائمون.
فيا لطول حسرة اليائسين القاعدين إذا رأوا العاملين وقد قطفوا -في الغد- الثمار، ويا لشدة حسرة المنتكسين إذا أبصروا الثابتين وقد حمدوا -عند الوصول- السرى وطول الأسفار.
فاثبتوا.. واعملوا.. وابذلوا.. مستنيرين بضياء الوحي، مقتبسين من النبي -ﷺ- الهدي، فليس هذا زمن اليأس.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد