بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأمن من أكبر النعم الدنيوية، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ [سبأ: 18] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: أن الأمن في الأوطان من أكبر النعم لقوله: ﴿ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾.
ولأهمية الأمن في حياة العباد والبلاد، فقد دعا خليل الله: إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لمكة بأن تكون بلدًا آمنًا، قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ [البقرة: 126] وقد استجاب الله عز وجل له، فأصبحت مكة مكانًا آمنًا، تجبي له ثمرات كل شيء، قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا ﴾ [القصص: 57] ولقد امتن الله جل جلاله على قريش بهذه النعمة العظيمة، قال الله عز وجل: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ *إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ *فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1-4]
فالأمن نعمة عظيمة، ومن رأى البلاد التي سُلِبَ منها الأمن، وحلَّ بدلًا عنه الخوف، عَرَفَ نعمة الله عليه في جعل بلده آمنًا، قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67] قال العلامة السعدي رحمه الله: امتن عليهم بحرمه الآمن، وأنهم..في أمن، وسعة رزق، والناس من حولهم يتخطفون، ويخافون.
والإيمان والعمل الصالح من أسباب استمرار الأمن قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾[النور: 55]قال العلامة العثيمين: من فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان والعمل الصالح، سبب لاستمرار الأمن ولزوال الخوف إذا كان هناك أمن سابق فهو يستمر.وإذا كان هناك خوف فإنه يزول لقوله ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾
وقال الله عز وجل: ﴿ الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ ﴾ [الأنعام: 82] قال العلامة السعدي رحمه الله: الأمن من المخاوف...فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقًا، لا بشرك، ولا بمعاصي، حصل لهم الأمن التام.
ومن أهم الأسباب لزوال الأمن:
معصية الله، فالأمن لا يجتمع مع معاصي الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾ [الشعراء: 146-148] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الاستفهام في قوله: ﴿ أَتُتْرَكُونَ ﴾ للتحذير، يعني: أتظنون أن تتركوا؟ لا، فلن تتركوا، فهو للنفي المُتضمن للتحذير.
وعدم شكر النعم يُذهب الأمن، ويجلب الخوف، قال عز وجل: ﴿ وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّـهِ فَأَذاقَهَا اللَّـهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ ﴾ [النحل: 112] قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: وهذه القرية هي: مكة المشرفة، التي كانت آمنة مطمئنة،..كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن الله يسر لها الرزق، يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم، يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه، وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم، وعدم شكرهم، ﴿ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَلـكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ ﴾.
وإذا فقد الناس الأمن عاشوا في قلق وخوف، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة [699هـ]: اشتهر أن التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك وخافوا خوفًا شديدًا، وأرادوا الخروج منها والهرب على وجوههم، وأين الفرار و لات حين مناص، ولزم الناس منازلهم وكانت الطرقات لا يرى بها أحد إلا القليل، والجامع لا يصلي فيه أحد إلا اليسير، ويوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الأول وما بعده إلا بجهد جهيد، ومن خرج من منزله في ضرورة...يعود سريعاُ، ويظن أنه لا يعود إلى أهله، وأهل البلد قد أذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن فقد بعض البلاد للأمن، ووقوعها تحت مظلة الخوف لهو عبرة لغيرها، أنت تحذر أن يقع بها ما وقع لغيرها،فسنن الله لا تتبدل ولا تتغير، قال الله عز وجل: ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر: 43] قال العلامة السعدي رحمه الله: سنة الله في الأولين التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن تحل به نقمته وتسلب عنه نعمته.
فبأس الله قد يأتي فجأة، قال الله عز وجل: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا بَياتًا وَهُم نائِمونَ * أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا ضُحًى وَهُم يَلعَبونَ * أَفَأَمِنوا مَكرَ اللَّـهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الخاسِرونَ ﴾[الأعراف: 97-99].
اللهم إنّا نعوذُ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد