بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ) فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَجَلْ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)
** قوله (فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي) فيه وضع اليد على المريض تأنيسا له، وتعرفا لشدة مرضه، ليدعو له العائد على حسب ما يبدو له منه، وربما رقاه بيده ومسح على ألمه فانتفع العليل به إذا كان العائد صالحا تبرك بيده ودعائه كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك من حسن الأدب واللطف بالعليل.
// وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: (بسم الله) وأخرجه بن السني ولفظه فيقول: (كيف أصبحت أو كيف أمسيت)
** البلاء قرين الإيمان الحقيقي، ومرافق لأصحاب التكاليف، فأهل المعالي معالي في كل شيء، وعلى قدر المنزلة تكن البلية، وقديما قالوا: «من لمح فجر الأجر، هان عليه شدة التكليف»
** لما كان -صلى الله عليه وسلم- قدوة الناس، ومعلم الأمم، وراشد أصحابه ومن ورائهم، كان لازما أن ينبع قوله وتعاليمه من معين التحمل ونهر الصبر معايشة لا تصورا، وينزل منزل الإحساس بالآخر بأرضهم لا مدعيا له من سمائهم، لسان دعوته وحاله: «أخي وصاحبي قد مر به ما نزل بك، ورأيت في ما لا تتحمله فيك، فتعلم مني واقتدي بي».
// وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحدا الوجع عليه أشد من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
** في رواية لهذا الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو موعوك عليه قطيفة، فوضع يده عليه فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال أبو سعيد: ما أشد حر حُمَّاكَ يا رسول الله؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر)
قال أبو جعفر: فتأملنا هذه الآثار فوجدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما كان لا خطايا له تحط عنه بما كان يصيبه في بدنه من الوعك جعل له مكان ذلك من الأجر المضاعف.
** في رواية عن أبي سعيد: (إنا معشر الأنبياء، يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء يبتلى بالفقر حتى يأخذ العباءة فيجوبها [يلبسها] وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء)
** في رواية عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طرقه وجع، فجعل يتقلب على فراشه. فقالت له عائشة: يا نبي الله لو أن بعضنا فعل هذا لوجدت عليه؟! فقال: (إن المؤمنين يشدد عليهم البلاء، وأنه لا يصيب مؤمنا نكبة ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة)
** وفي رواية عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يبتلى ببلاء في جسده إلا كتب الله له في مرضه كل عمل صالح كان يعمله في صحته)
قال الطحاوي في مشكل الآثار: يكتب له الأجر بحسن نيته مع ما قد نزل به وصبره عليه وتسليمه فيه الأمر إلى من ابتلاه به فيشكر الله ذلك له ويأجره عليه.
** عن سعد -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أشد الناس بلاء، قال: (الأنبياء، الأمثل، فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا، ابتلي على قدر ذلك، وإن كان في دينه رقة هون عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض ما له ذنب).
** عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
** عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة).
** قوله (حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) قال الطيبي: شبه حالة المريض وإصابة المرض جسده ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجر وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها وتجردها عنها فهو تشبيه تمثيل لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان، لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب كماله وإزالة الأوراق عن الشجر سبب نقصانها
** في الحديث دعوة النبي معه في كل أحواله، وتبليغه لا يعرف الراحة ولا الصحة، فترس الشرع دائر لا يتوقف، وتبليغ الهدي دائم لا يتعثر، والتعليم لا هدنة معه، درس للدعاة والعلماء وأصحاب التبليغ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد