ربنا لا تزغ قلوبنا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

}رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{(9).

{رَبَّنَا} الظاهر أن هذا من جملة قول الراسخين في العلم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، ويقولون أيضًا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.

والدعاء يصدر غالبًا بالرب؛ لأن الدعاء يستلزم ويتطلب الإجابة، والإجابة من الأفعال، والأفعال علاقتها بالربوبية أكثر من علاقتها بالألوهية، ولهذا غالب الأدعية يأتي مصدرًا بالرب {رَبَّنَا}، وهي منصوبة بياء النداء المحذوفة، وأصل الكلام: يا ربَّنا، لكن حُذفت الياء تخفيفًا، وتيمنًا بالبداءة باسم الله عز وجل.

{لَا} هذه جملة دعائية وإن كانت بصيغة النهي؛ لأن النهي لا يمكن أن يرد من المخلوق للخالق؛ إذ إن النهي طلب الكف على وجه الاستعلاء، ولا يمكن للمخلوق أن يطلب من ربه أن يكف على وجه الاستعلاء أبدًا، فإذا وُجِّه الطلب من أدنى إلى أعلى سُمّي (دعاء)، فلهذا نقول: (لا) دعائية ولا نقول: (لا) ناهية؛ لأنه لا نهي من مخلوق للخالق.

{تُزِغْ قُلُوبَنَا} سُلط الفعل على القلب؛ لأن القلب عليه مدار العمل لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" [متفق عليه من حديث النعمان بن بشير].

قال تعالى: }فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{[الحج:٤٦]، وبهذا القلب يكون العقل لقوله تعالى: }أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا{[الحج:٤٦] وهو عقل والرشاد والفساد، والتصرف والتدبير، وليس عقل الإدراك والتصور الذي في المخ. فإذا استقامة القلوب ولم تمِل استقامت الجوارح عقيدة وقولًا وعملًا.

روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ"[صحيح].

وروى أيضا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أم المُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِأَكْثَرِ دُعَائِكَ "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"؟ قَالَ: "يَا أم سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ". فَتَلَا مُعَاذٌ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[صحيح].

{بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} تحقيق للدعوة على سبيل التلطف؛ إذ أسندوا الهدى إلى الله تعالى، فكان ذلك كرما منه، ولا يرجع الكريم في عطيته، وقد استعاذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السلب بعد العطاء.

والمعنى: لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ودينك القويم.

وهذه الجملة لا يُراد بها الافتخار، وإنما يُراد بها التوسل بالنعم السابقة إلى النعم اللاحقة، فكأنهم يقولون: ربنا إنك مَنَنْت علينا بالهداية أولًا فنسألك أن تمن علينا بثبوت هذه الهداية فلا تزغها.

** والهداية: هداية دلالة وهداية توفيق:

هداية الدلالة كقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت:١٧]. وقوله تعالى للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢].

وهداية التوفيق كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص:٥٦] وكاليهود الذي علموا لكن لم يعملوا. أما النصارى فضالون لم يعرفوا الحق ولم يعملوا به.

{وَهَبْ لَنَا} الهبة هي العطاء بلا عِوض، وكمالها بلا مِنَّة، والله سبحانه وتعالى له المنّة علينا كما قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}[الحجرات ١٧].

سألوا بلفظ الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان إليهم من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة، لأن الهبة كذلك تكون.

{مِنْ لَدُنْكَ} من عندك، وخصوها بأنها من عنده –سبحانه- لئلا يكون لأحد عليهم مِنّة سواه، ولأنها إذا كانت من عند الله -وهو أكرم الأكرمين- صارت هبة عظيمة؛ لأن العطاء على قدْر مَنْ المعطي.

ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر حين سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيًرا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" [البخاري].

{رَحْمَةً} تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانًا وإيقانًا.. والرحمة يحصل بها المطلوب وينجو بها الإنسان من المرهوب، فإن جُمعت مع المغفرة صار بالرحمة حصول المطلوب، وبالمغفرة النجاة من المرهوب.

والرحمة صفة من صفات الله عز وجل، وتطلق على نِعمه أيضا؛ لأنها من آثار رحمته كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}[الشورى:٢٨]. ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران:١٠٧]. وقال الله تعالى للجنة: (أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ)[البخاري ومسلم]. فتطلق الرحمة على هذا وهذا، وفي هذه الآية هي النعم، وهي من آثار رحمته.

{إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} هذا كالتعليل لقولهم: {وَهَبْ لَنَا}، وفيها أيضا معنى التوكيد والحصر والقصر، وأتى بصيغة المبالغة التي على فعّال لأجل كمال الصفة فيه تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض الله من الخيرات شيء لا يعبأ به، وأيضًا لمناسبة رؤوس الآي.

والوهاب: الكثير العطاء، وهذه صفة لازمة له عز وجل، وهو كذلك كثير من يعطي؛ يعني الذين يعطيهم الله كثيرون لا يحصون. كما في الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" وَقَالَ: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [السحاء الدائمة الصب]، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ".

وفي مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:"..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.."

وفيه أن التخلية تكون قبل التحلية لقوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ثم قال: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}. وأن الإنسان مضطر إلى ربه في الدفع والرفع.

** والآية كلها دعاء علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعليما للأمة: لأن الموقع المحكي موقع عبرة ومثار لهواجس الخوف من سوء المصير إلى حال الذين في قلوبهم زيغ فما هم إلا من عقلاء البشر، لا تفاوت بينهم وبين الراسخين في الإنسانية، ولا في سلامة العقول والمشاعر، فما كان ضلالهم إلا من حرمانهم التوفيق، واللطف، ووسائل الاهتداء.

وقد علم من تعقيب قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ}[آل عمران:7] الآيات بقوله {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} أن من جملة ما قصد بوصف الكتاب بأن منه محكما ومنه متشابها، إيقاظ الأمة إلى ذلك لتكون على بصيرة في تدبر كتابها: تحذيرا لها من الوقوع في الضلال، الذي أوقع الأمم في كثير منه وجود المتشابهات في كتبها، وتحذيرا للمسلمين من اتباع البوارق الباطلة مثل ما وقع فيه بعض العرب من الردة والعصيان، بعد وفاة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لتوهم أن التدين بالدين إنما كان لأجل وجود الرسول بينهم، ولذلك كان أبو بكر يدعو بهذه الآية في صلاته مدة ارتداد من ارتد من العرب، ففي الموطأ، عن أَبي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِىُّ: أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلاَفَةِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى وَرَاءَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ القرآن وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ -قَالَ- فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ تَمَسُّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ القرآن وَهَذِهِ الآيَةِ: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.

{رَبَّنَا} يقولون في دعائهم ربنا {إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ} لجزاء يوم، واللام هنا للتوقيت، فهي كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء:٧٨] أي: وقت دلوكها، أو كقوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:١] أي: وقت عدتهن، فالله تعالى جامع الناس لهذا الوقت.

{لَا رَيْبَ فِيهِ} لا شك في تحققه، ولكن الريب أبلغ من الشك، وإن كان معناهما متقاربًا؛ لأن الريب فيه زيادة قلق واضطراب مع الشك، والشك خالٍ من ذلك، ولهذا جاءت كلمة ريب الدالّة لمفهومها اللفظي على أن هناك نوعًا من القلق والاضطراب الحاصل بالشك؛ لأن من الشكوك ما لا يولِد هما ولا غمًّا ولا اضطرابًا ولا يهتم به الإنسان، ومن الشكوك ما يهتم به الإنسان ويضطرب ويقلق مثل هذه الأمور العظيمة الواردة في الأخبار باليوم الآخر، فإن الإنسان لا بد أن يطمئن اطمئنانًا كاملًا.

** استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليها، وهو يوم تكون الرحمة سببا للفوز الأبدي، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم على سبيل الإيجاز، كأنهم قالوا: هب لنا من لدنك رحمة، وخاصة يوم تجمع الناس كقول إبراهيم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:41].

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} الموعد، وهي للتأكيد لما سبق، وظاهر العدول من ضمير الخطاب إلى الاسم الغائب يدل على الاستئناف، وأنه من كلام الله تعالى لا من كلام الراسخين الداعين.

ويحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام الداعين، ويكون ذلك من باب الالتفات، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة لما في ذكره باسمه الأعظم من التفخيم والتعظيم والهيبة، وكأنهم لما والوا الدعاء بقولهم: ربنا، أخبروا عن الله تعالى بأنه الوفي بالوعد.

** وتضمن هذا الكلام الإيمان بالبعث والمجازاة والإيفاء بما وعد تعالى. وأن الله تعالى يجمع الناس كلهم في ذلك اليوم العظيم من أولهم إلى آخرهم، ويجمع غيرهم كالجن والوحوش والبهائم {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:٥] {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:٤]، ويجمع الملائكة: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ} [النبأ:٣٨] {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢].

** وفيه: انتفاء صفة خُلْف الوعد عن الله عز وجل لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وانتفاء هذه الصفة يتضمن كماله في شيئين وهما: الصدق والقدرة، فلكمال صدق الله عز وجل وكمال قدرته لا يخلف الميعاد بل لا بد أن يقع ما وعد به.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply