بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من منهجية الإسلام العظيم، ورؤيته البعيدة للحياة، أنه لم يول أي أهمية، لتاريخ ميلاد الرسل والأنبياء جميعاً، منذ آدم وإلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم، ولم يذكر في كتابه الكريم، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، تاريخاً محدداً لمولد أي واحدٍ منهم على الإطلاق!
ولذا فإن ما يفعله الناس سنوياً في الثاني عشر من ربيع الأول، من الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم – كما يزعمون - ليس له شيء من الصحة على الإطلاق، وليس له أصل شرعي، ولا عقدي، ولم يأمر به الله ولا رسوله، ولم يحتفل به صاحب المولد، ولا صحابته، ولا التابعون من بعدهم!
لماذا لم يذكر الله تعالى تاريخ ميلاد الرسل في جميع كتبه؟
إنه لم يعر تاريخ ميلادهم أي اهتمام على الإطلاق، بما فيهم سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، لأن البشرية لن تستفيد شيئاً البتة، من معرفة تاريخ ميلاد نوح، أو إبراهيم، أو محمد عليهم السلام، ولو كان الله عز وجل يعلم، أن ثمة فائدة من معرفة ميلاد الأنبياء لذكرها!
ولكنه سبحانه وتعالى، تركها مجهولة! لكيلا يتعلق الناس بتاريخ ميلادهم، وبأشخاصهم، وينسوا الهدف الرئيسي من ميلادهم، والرسالة التي وُلدوا لأجلها.
وفي مقالنا هذا سنبين بالأدلة الشرعية، والتاريخية، والعقلية، والمنطقية، والموضوعية، وسنضعها كلها في ميزان دقيق حساس، أكثر حساسية من ميزان الأدوية، لنرى إن كان لهذا التصرف الشعبي، من حق أو باطل!
تسليط الأضواء على طبيعة الدعوة، وليس تاريخ مولد الرسل
لقد أولى الله تعالى كل الاهتمام، وسلط كل الأضواء، على طبيعة الدعوة، التي قام كل رسول بتبليغها لقومه، كما سلط الأضواء وبتركيز شديد، على الصفات العليا، والسجايا العالية، والأخلاق الرفيعة، والفريدة التي جُبلوا عليها، وعلى مقدار العذاب الشديد، الذي تلقاه كل رسول من قومه، والتكذيب، والمعاناة القاسية، التي تحملوها، والصبر المر المرير، الذي طالبهم الله، أن يروضوا أنفسهم على تحمل مشقته (وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ){1}. لكي يكونوا أنموذجاً رائعاً، وعملياً يناسب طبائع البشر جميعاً، كما يناسب جميع المشاكل المختلفة، التي سيتعرض لها البشر، حتى يوم القيامة، لكي يقتدي بهم أتباعهم، وحواريوهم، وأنصارهم، وتكون لهم زاداً على تحمل مشاق الطريق، ويكون الأنبياء أسوة حسنة لهم، وعزاءً، وتسليةً لآلامهم، إذا ما اعترضهم أي شيء مما تعرض له الأنبياء والرسل، وعذبوا، وأوذوا، فلا يحزنون، ويثبتون على الطريق الطويل، الشائك.
الهدف الرئيسي للرسل
وقد بين الله عز وجل، أن الهدف الأساسي والرئيسي للرسل عليهم السلام، هو: دعوة الناس إلى توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له. ونبذ عبادة الأصنام، والآلهة الأخرى، التي حرضهم الشيطان اللعين على عبادتها، وزين لهم عبادتها، وخدعهم بأن الغاية من عبادتها هو: التقرب بها إلى الله زلفى ( وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ ) {2}.
واستعراض بسيط جداً لأقوال كل رسول في القرآن الكريم، تجد أن كلهم على الإطلاق، كانوا يقولون لقومهم جملة واحدة، لا ثانيَ لها ( يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ ) {3}.
بعد هذه المقدمة التوضيحية، التفسيرية، والتي تؤكد، وتثبت بشكل يقيني، وقطعي، أن الغاية من هذا الوجود الإنسي والجني، هي: عبادة الله وحده كما أمر، وبالطريقة التي أمر بها، فلا يحق لأي مخلوق، نبي، أو مَلَكٍ أن يعبد غير الله، وبطريقة مغايرة للطريقة التي أمر بها الله، كما لا يحق لأي واحد منهم، أن يدعو إلى عبادة نفسه، أو أن يزعم أنه إله من دون الله ( وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ ) {4}.
وظيفة الرسل
كما أنها تؤكد، وتثبت بشكل يقيني، وقطعي، أن الرسل هم عبارة عن وسطاء، مكرمين، بين الله تعالى، وبين الناس، اختارهم الله تعالى، وصنعهم على عينه، ووهبهم قدرات خارقة، واستثنائية، لتبليغ رسالة الله تعالى، والانشغال بها، والتفرغ لعبادة الله وحده، كما قال: ( وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ) {5}.
وليس للانشغال، والاحتفال، بيوم ميلادهم! فيوم ميلادهم، ليس له أي اعتبار، ولا قيمة عند الله تعالى، ومعرفة هذا اليوم، لن يزيد المؤمنين إيماناً، كما أن جهالته لن ينقص إيمان المؤمنين ولا مثقال حبة من خردل.
سؤال للمسلمين في غاية الأهمية
نصل بعد هذه المقدمة، وهذا التوضيح التفصيلي، إلى تساؤل هام وهام جداً يتعلق بالعقيدة، نطرحه على كل مسلم ومؤمن، من أنبأكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد وُلد في 12 ربيع الأول؟ هل أرسل لكم العليم الخبير، وحياً من السماء، يخبركم بيوم ولادته؟ هل كنتم شهداء على يوم ولادته؟ هل كنتم حاضرين يوم ولادته؟ أم أنكم ترددون ما قاله آباؤكم الأقدمون:( قَالُوا۟ بَلۡ وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا كَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ ﴾ {6}. أم أنكم تفترون على الله، وعلى رسوله الكذب؟ وتزعمون زوراً وبهتاناً، أنه وُلد صلى الله عليه وسلم في 12 ربيع الأول؟!
علماً بأنه لا يوجد أحد في البشرية جمعاء، منذ آدم وإلى هذا اليوم، يعلم علم اليقين تاريخ مولده، إلا الله تعالى وحده فقط، وحتى رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يعلم إلا أنه ولد يوم الإثنين فقط، بدون تحديد التاريخ!
بداية ابتداع الاحتفال بالمولد
وحتى نكون منصفين، ولا نقول إلا الحق، ونتبع المنهج العلمي، الموضوعي، والتجردي دون أي انحياز، إلى أي جهة كانت، وبعيداً عن الاتهام المغرض، لأي طرف بدون أي دليل ولا برهان.
فإني بعد اطلاعي العميق والمفصل على أمهات مراجع ومصادر التاريخ مثل: الكامل لابن الأثير، ومقدمة ابن خلدون، وتاريخ الذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير، اتعاظ الحنفا بأخبار الفاطميين للمقريزي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تًغري، لم نجد للفاطميين أي أثر في الدعوة إلى الاحتفال بالمولد على الإطلاق! علماً بأنه شائع بين العوام، وبين الكُتَّاب، أنهم هم الذين أوجدوا هذه البدعة الضالة، وخاصة ملكهم الأول المسمى (المعز لدين الله) الذي استلم حكم مصر في عام 362 هج.
ولكن الحق أحق أن يتبع كما قال تعالى:( وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ ){7}.
لم يذكر أي مصدر من المصادر المذكورة آنفاً أن العبيديين قد أمروا بالاحتفال بالمولد، ولكن وجدنا في البداية والنهاية لابن كثير، أن أول من ابتدع هذا الاحتفال هو: شيخ صوفي يدعى الملا عمر، حيث أقنع به ملك إربل في العراق أبا سعيد كوكبري..في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري، ثم انتشرت بعد ذلك في سائر بلدان المسلمين، بسبب الجهل والتقليد الأعمى، حتى وصلت إلى ما تشاهدونه في العصر الحاضر.
(وكان يحضر عنده في المولد، أعيان العلماء، والصوفية، فيخلع عليهم، ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة).{8}.
وتوارث المسلمون الجهلة، بما فيهم أدعياء العلم، والمتفيهقون، الذين تأثروا، وتشبعت أفكارهم، وعقولهم بأكذوبة المولد، الموافق يوم وفاته صلى الله عليه وسلم! ليمارسوا طقوساً جاهليةً، كأن فيها شماتة بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم لا يشعرون، وهذا فيه إساءة بالغة له، بإظهار الفرح، والسرور، والحبور، يوم موته!
توارث الحكام بدعة الاحتفال بالمولد
وتوارث الحكام الفجرة، الفسقة، إحياء هذه البدع الذميمة، وإغلاق الدوائر الرسمية، وتعطيل مصالح الناس في هذا اليوم الوهمي المكذوب، للضحك عليهم، واستغلال سذاجتهم، بإظهار حبهم له، في الوقت الذي يهجرون سنته، وينبذون شرع الله الذي جاء به، ويحكمون شرع الشيطان العلماني.
وكل هذا كذب وافتراء على الله، فلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وُلد في 12 ربيع الأول، ولا المسيح عليه السلام، وُلد في 25 كانون الأول..
وكل المؤرخين، وكل الصحابة، وكل علماء الأمة، مجمعون، ومتفقون على أنه توفي يوم الاثنين 12 ربيع أول 11 للهجرة.. فيكون الاحتفال في هذا اليوم الحزين، هو احتفاء بموته صلى الله عليه وسلم، وليس ولادته!
وعلماء السوء، والجهالة، يكذبون على الله وعلى رسوله، ويضحكون على عوام الناس الجهلة، فيبررون احتفالهم بأنه بدعة حسنة! علماً بأنه لا يوجد في دين الله بدعة حسنة، وإنما هي بدعة ضلالة مرفوضة مردودة كما روى ابن عمر في الحديث الصحيح ( كلُ بدعةٍ ضلالةٌ وإن رآها الناسُ حسنةً ).{9}
وفي حديث صحيح آخر (وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ. . وفي رواية: إياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإن َّكلَّ محدثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) المحدث الشوكاني.{9}.
ولو قارنا بين ما يحتفل به المسيحيون، بما يسمى عيد الميلاد في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كل سنة، وما يحتفل به المسلمون، بما يسمى المولد في الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة، لوجدناهما متشابهين! غير أن عقلاء المسيحيين، يقرون بأنه عقيدة وثنية!!
الاحتفال بعيد الميلاد هو عقيدة وثنية
أما أصل الاحتفال بعيد الميلاد، فهو عقيدة وثنية قديمة، وطقس من طقوس الديانات الوثنية، حيث كان الإله الوثني الروماني (أتيس) Attis مقدسا عندهم، وزعموا أنه ولد من عذراء (نانا) Nana وكان الرومان يحتفلون بميلاده في 25 ديسمبر!
وكذلك الإله الوثني اليوناني (ديونيسس) Dionysus وهو إله مخلص آخر، كان اليونانيون يحتفلون بميلاده في 25 ديسمبر.{10}.
ماذا تقول دائرة المعارف الكاثوليكية؟
تقول دائرة المعارف الكاثوليكية: لم يكن عيد الميلاد بين الأعياد الأولى للكنيسة! والدليل الأول، يرجع إِلى مصر. وتاريخ 25 كانون الأول يرجع إِلى الاحتفال بمولد زحل، وكان الرومان يحتفلون في عيد مولد الشمس! واختارت الكنيسة هذا العيد، لأن شعب رومية احتفل فيه، ولأول مرة احتفلت الكنيسة الكاثوليكية في سنة 354 بعد الميلاد.
(وبما أِن عيد الميلاد وثني، إِذن غالبية الممارسات أَيضاً هي وثنية. وتخبرنا أيضاً دائرة المعارف الدينية والأدبية أن كل الممارسات التي تجري في العيد، ليست عادات مسيحية أَصيلة، ولكنها عادات وثنية، وهي ليست بتاتا مدونة في الكتاب المقدس).{11}.
(ولا يذكر- عيد الميلاد - لا المسيح ولا الحواريون ولا نص من الكتاب المقدس، بل أخذ - فيما بعد - عن الوثنية. لقد كان المصريون القدماء، يؤمنون يوماً بأن ابن ايزيس - وهو الاسم المصري لملكة السماء - ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر.)
(وكان الوثنيون، يحتفلون بهذا العيد المشهور، في معظم أنحاء العالم المعروف على مدى قرون عديدة، قبل ولادة المسيح. لذا فإن الخامس والعشرين من ديسمبر، ليس هو يوم مولد يسوع.. المسيح الحقيقي!){12}.
النتيجة الساطعة
وعلى نفس النسق، فالذي يحتفل به النصارى، بمولد المسيح المجهول الهوية والتاريخ، يماثل، ويشابه الاحتفال بالمولد، الذي يمارسه جهلة المسلمين وعوامهم.. كلاهما عبادة وثنية، لم يأمر به الله، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما، أمر به العبيد الجهلاء، وعلماء الجهالة والسوء، ليضلوا المسلمين عن دين الله، ويلبسوا عليهم إسلامهم، وهو بدعة ضالة، منكرة، وعلى كل مسلم عاقل، أن يستنكره، ويرفضه، ولو استحسنه شيخ الإسلام!
الأحد 22 ربيع 1 1442
8 ت 2 2020
د/ موفق السباعي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
المصادر:
1- النحل 127
2- الزمر 3
3- الأعراف 59
4- الأنبياء 29
5- الذاريات 56
7- المائدة 8
8- البداية والنهاية 15/193
9- الدرر السنية
10- الحقيقة المجردة عن عيد الميلاد
11- أفرام حنا
12- هربرت أرمسترونج" الحقيقة المجردة عن عيد الميلاد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد