تربية الأطفال في المساجد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن الإسلام قد اهتم بتربية الأطفال اهتمامًا كبيرًا، لأنهم رجال المستقبل، و من المعلوم أن مرحلة الطفولة تؤثر تأثيرًا كبيرًا في شخصية الإنسان، من أجل ذلك أحببت أن أُذكر أحبابي الكرام بضرورة الاهتمام بتربية الأطفال في المساجد.فأقول وبالله تعالى التوفيق:

منزلة المساجدِ في الإسلام:

أمر الله تعالى ببناء المساجد وعمارتها بالعبادة فقال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( النور: 38:36 )

قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ) قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ، أَمَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، بِبِنَائِهَا وَرَفْعِهَا، وَأَمَرَ بِعِمَارَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا. (تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ62)

وقال سبحانه: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18)

قَالَ الإمامُ القرطبي (رحمه الله): قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لِعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ بِالْإِيمَانِ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَبَطَهُ بِهَا وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِمُلَازَمَتِهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْمُرُ الْمَسْجِدَ فَحَسِّنُوا بِهِ الظَّنَّ. (تفسير القرطبي ـ جـ 8 ـ صـ 90)

وروى مسلمٌ عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه، أن النبي قال: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ). ( مسلم حديث 533)  

قوله (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا) : أَيْ مَوْضِعًا يُصَلَّى فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا.

قوله (يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ) أَي يطْلبُ بِهِ رِضَا الله سُبْحَانَهُ وتَعَالى.

قوله (بَيْتًا): أَيْ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا عَظِيمًا فِي الْجَنَّةِ. ( مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ6ـ صـ 2216)

هذه المساجد المباركة، جعلها الله تعالى لتعلن الأصل الأول للإسلام، خمس مرات في اليوم والليلة عند النداء للصلوات المفروضة، ألا وهو شهادة التوحيد، فيقول المؤذن :عند النداء إلى الصلاة : أشهد أن لا إله ألا الله (أي لا معبود بحق في هذا الكون ألا الله تعالى) ويقول وأشهد أن محمدًا رسول الله، (أي لا متبوع بحق إلا النبي ).

وهذه المساجد هي أساس بناء المجتمع المسلم، حيث يتعلم فيها المسلمون الأحكام الشرعية التي جعلها الله سببًا لسعادة الناس في الدنيا والآخرة، فإذ انتقلت بركة المساجد إلى البيوت استضاءت هذه البيوت بنور المساجد، وصلح حال جميع أفراد الأسرة إن شاء الله تعالى.

وفي هذه المساجد يجب أن يتربى أبناء المسلمين منذ نُعومة أظفارهم على عقيدة صحيحة وحب للإسلام ولرسوله ولجميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

 

التحذير من طرد الأطفال من المساجد:

اعتاد الكثيرُ من الناس طرد الأطفال من المساجد بحجة أنهم يُحدثون ضوضاء ويمرون أمام المصلين ويحتجون على جواز طردهم بحديث ضعيف جدًا، لا تقوم به حجة، ألا وهو: (جَنِّبُوا مَسَاجِدَنَا صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ) (ضعيف الترغيب والترهيب للألباني جـ1 حديث 168 )

إن طردَ الأطفال من المساجد خطأ كبير، يقع فيه كثيرٌ من الناس، لأن هذا الطرد له أثره السيئ في نفوس الأطفال، فالطفل الذي اعتاد أن يطرده الناس من المسجد، سوف يكره الصلاة والذهاب إلى المسجد عندما يكبر.

كيف نعالج أخطاء الأطفال في المساجد ؟

عندما يخطئ الأطفال أثناء وجودهم بالمسجد يجب علينا أن نُعَلِمَهم الصواب برفق وهدوء وسعة صدر لكي يعرف هؤلاء الأطفال أن هذا التصرف معهم برفق إنما هو من أخلاق الإسلام.

 قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: الآية159)

 وقال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

 روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ. ( مسلم حديث 2594)

 

وقفة مهمة للتأمل:

إذا لم نـجعل أطفالنا يعتادون على الذهاب إلى المساجد، وإذا لم نُعلمهم آداب المسجد والمحافظة عليه وإذا لم نعلمهم أحكام الطهارة والصلاة في صغرهم فمتى يتعلمون ؟ وإذا لم يشعر الأطفال بالانتماء إلى بيوت الله تعالى وحب الصلاة في جماعة في صغرهم فمتى يشعرون ؟

 

كيفية تربية الأطفال في المساجد:

يمكن أن نـجعل في كل مسجد مسئولًا عن تربية الأطفال، يعلمهم آداب المسجد وكيفية المحافظة على نظافته ويعلمهم كذلك كيفية تلاوة القرآن والعقيدة الصحيحة وأحكام الطهارة والصلاة، وباقي آداب الإسلام كآداب الطعام والشراب وأذكار النوم واليقظة ويشجعهم على ذلك ببعض الهدايا البسيطة أو الحلوى، فإن قلوب الأطفال تميل إلي حب من أحسن إليهم، وهذه الهدايا من أفضل وسائل تربية الأطفال. فإذا اعتاد الطفل على أن يحصل على هدية بسيطة في نهاية اليوم لمواظبته على الصلاة في جماعة والتزامه بآداب المسجد كان لهذا أثره العظيم على تحسن سلوك الأطفال في المدارس وفى المنازل وفى الشوارع.

 

دور الأغنياء في تربية الأطفال في المساجد:

ينبغي على الأغنياء أن يخصصوا بعضًا من أموالهم لشراء بعض الهدايا التي تشجع الأطفال على التمسك بآداب المسجد وتحثهم على حفظ القرآن الكريم وأحاديث نبينا محمد ومعرفة سيرته المباركة وسير الصحابة، ومعرفة بعض الأحكام الفقهية في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك من الأمور الشرعية وذلك عن طريق عقد مسابقات بأسلوب بسيط لهؤلاء الأطفال وتوزيع الهدايا عليهم أمام المصلين في المسجد.وليتذكر الأغنياء أن هذا العمل سوف يكون في ميزان حسناتهم يوم القيامة إن شاء الله تعالى، لأنه من أبواب الدلالة على الخير.

 روى مسلمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِه)ِ.  (مسلم حديث 1893)

 

أخي المسلم الكريم:

إذا كان بعض الناس يصطحبون أطفالهم معهم إلى أماكن اللهو ويشجعونهم على ذلك، فلماذا لا يحافظ أهل الحق على اصطحاب أطفالهم معهم إلى المساجد وأماكن الطاعات ؟!

نبينا يصطحب أحفاده إلى المسجد:

1 - روى الشيخانِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَلِأَبِي الْعَاصِ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. ( البخاري حديث 516 / مسلم حديث 543)

قَالَ ابنُ عثيمين (رحمه الله):كانت أُمَامَةُ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صغيرة فخرج بها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد فتقدم يصلي بالناس وهو حامل هذه الطفلة إذا سجد وضعها على الأرض وإذا قام حملها كل هذا رحمة بها وعطف وإلا فقد كان من الممكن أن يقول لعائشة أو غيرها من نسائه (خذي البنت) لكنها رحمة. ربما إنها تعلقت بجدها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد أن يطيب نفسها.(شرح رياض الصالحين ـ لابن عثيمين ـ جـ4 ـ صـ 457)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): في هَذَا الْحَدِيثِ دَليلٌ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدِ. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 1 صـ 705 )         

 

2- روى البخاريُّ عن أَبَي بَكْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. ( البخاري حديث 3746 )

قَالَ الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله):هَذِا الحديثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَمَنْقَبَةٌ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْمُلْكَ لَا لِقِلَّةٍ وَلَا لِذِلَّةٍ وَلَا لِعِلَّةٍ بَلْ لِرَغْبَتِهِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ لِمَا رَآهُ مِنْ حَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَرَاعَى أَمْرَ الدِّينِ وَمَصْلَحَةَ الْأُمَّةِ وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ وَمُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلطَّائِفَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ13 ـ صـ 66)       

        

3- روى أحمدُ عَنْ شَدَّادِ بن الهاد قَالَ:خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا فَقَالَ: إِنِّي رَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ فِي سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً قَدْ أَطَلْتَهَا فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ يُوحَى إِلَيْكَ. قَالَ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. (حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ 25 حديث رقم 16033)

 هكذا كان نبينا  يصطحب أحفاده إلى المسجد فلماذا لا يكون لنا فيه الأسوة الحسنة فنصطحب أطفالنا معنا إلى المساجد.؟!

 قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)

وقال سبحانه :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)   (آل عمران:31)

 

4- روى الترمذيُّ عن بُرَيْدَةَ قالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا. (حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 2968)

قوله: (يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ)، أي يَسْقُطَانِ عَلَى الْأَرْضِ لِصِغَرِهِمَا.

قوله ﷺ (فَلَمْ أَصْبِرْ) أَيْ: لَمْ أَصْبِرْ عَنْهُمَا لِتَأْثِيرِ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةِ فِي قَلْبِي حَتَّى قَطَعْتُ كَلَامِي فِي الْخُطْبَةِ. ( مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ9ـ صـ 3981)

تأمل أخي المسلم الكريم كيف أن نبينا لم يغضب لمجيء الحسن والحسين، وهما طفلان يتخطيان صفوف المصلين وقت الخطبة، بل نزل من على المنبر وقطع خطبته وحملهما ولم يعاتب علي بن أبي طالب ولا فاطمة على مجيء أطفالهما إلى المسجد.

 

الصحابة يصطحبون أطفالهم إلى المساجد:

اعتاد سلفنا الصالح على اصطحاب أطفالهم معهم إلى المساجد ليلًا ونهارًا، وكان ذلك شيئًا مألوفًا عندهم في حياتهم اليومية.

روى الشيخانِ عن أَنَسَِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ). ( البخاري حديث 709 / مسلم – الصلاة حديث 192 )

انظروا إخواني الكرام (رحمني الله تعالى وإياكم ) كيف أن نبيناقد خفف من صلاته من أجل بكاء الصبي ومع ذلك لم يعاتب أمه لأنها جاءت به إلى المسجد ولم يأمرها بعدم المجيء بالصبي مرة أخرى إلى المسجد.

قارن أخي الكريم بين فعل نبينا وبين ما يفعله الناس اليوم عندما يسمعون بكاء صبي في المسجد وحدث ولا حرج.

لم ينقل إلينا أحدٌ من العلماء أن نبينا أو الصحابة أو التابعين كانوا يطردون الأطفال من المساجد، بل كانوا على العكس من ذلك تمامًا، كانوا يربون الأطفال على حب المساجد والمحافظة عليها، فهل نحن أكثر فقهًا وتقوى من سلفنا الصالح ؟!

وقوف الأطفال مع الرجال في صف واحد خلف الإمام في صلاة الفريضة

الأطفال المميزون، الذين بلغوا سبع سنوات فأكثر وكانوا يعرفون صفة الوضوء الصحيح وبعضًا من أحكام الصلاة واعتاد أهل المسجد منهم ذلك، يجوز لهم أن يقفوا خلف الإمام مع الرجال في صف واحد في الصلوات المفروضة.

 

فائدة مهمة:

المشهور في كثير من كتب الفقه عند تسوية الصفوف أن تكون صفوف الرجال خلف الإمام أولًا ثم صفوف الأطفال ثم صفوف النساء واحتج القائلون بذلك بما رواه أبو داودَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَفَّ الرِّجَالَ وَصَفَّ خَلْفَهُمْ الْغِلْمَانَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ.

قال الإمامُ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله): هذا حديث ضعيف. ( ضعيف أبى داود للألباني حديث 132)

وأما ما رواه مسلمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. ( مسلم حديث 432 )        

قال ابن عثيمين (رحمه الله ) أما قوله " لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " فمراده، حثُ الرجال على التقدم إلى الصفوف الأولى، لا تأخير الصغار عن أماكنهم. ( الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 3 صـ 12 )         

وسوف نذكر بعضًا مِن فتاوى العلماء في جواز وقوف الأطفال المميزين مع الرجال في صف واحد خلف الإمام.

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. ( البخاري حديث 380- مسلم حديث 658)

 

أقوال العلماء في وقوف الأطفال مع الرجال في صلاة الفريضة

1- قال الإمام النووي (رحمه الله)

    في هذا الحديث دليل على صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِقَوْلِهِ صَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَفِيهِ أَنَّ لِلصَّبِيِّ مَوْقِفًا مِنَ الصَّفِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.   (مسلم شرح النووي جـ 3 صـ 177)

2- قال الإمام البغوي (رحمه الله)

    فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمَوْقِفِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَقِفُ مَعَ الرِّجَالِ، لأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِلرِّجَالِ.

( شرح السنة للبغوي جـ 3 صـ 389 )

3- قال الإمام ابن حجر العسقلاني : (رحمه الله)

 في هذا الحديث فوائد – وذكر منها : تَنْظِيفُ مَكَانِ الْمُصَلَّى وَقِيَامُ الصَّبِيِّ مَعَ الرَّجُلِ صَفًّا وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 1 صـ 585)

4- قال الإمام محمد ناصر الدين الألباني: (رحمه الله): لا أرى بأسًا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متسع، وصلاة اليتيم مع أنس بن مالك وراء النبي حجة في ذلك " .( تمام المنة على فقه السنة للألباني جـ1صـ 282 )

5- سُئل الإمام ابن باز (رحمه الله) السؤال التالي:

  إذا أَمَّ رجلٌ صبيين فأكثر، فهل يجعلهما خلفه أو عن يمينه، وهل البلوغ شرط لمصافة الصبي ؟

فأجاب –رحمه الله :المشروع في هذا أن يجعلهما خلفه كالمكلفين إذا كانا قد بلغا سبعًا فأكثر وهكذا لو كان صبي ومكلف يجعلهما خلفه لأن النبي صلى بأنس واليتيم وجعلهما خلفه لما زار النبي جدة أنس. ( فتاوى ابن باز جـ12صـ 198:197)

6- سُئل الإمام ابن عثيمين (رحمه الله) السؤال التالي : ما حُكم إبعاد الصبي عن مكانه في الصف ؟

فأجاب رحمه الله : الصحيح عدم جواز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف لحديث ابن عمر أن النبي قال «لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» ( البخاري حديث 911- مسلم حديث 2177)

ولأن فيه اعتداء على حق الصبي وكسرًا لقلبه، وتنفيرًا له عن الصلاة، وزرعًا للبغضاء والحقد في قلبه. ولأننا لو قولنا بجواز تأخير الصبيان إلى آخر الصفوف لاجتمعوا في صف واحد، وحصل منهم اللعب والعبث في الصلاة، لكن لا بأس بزحزحته عن مكانه للتفريق بينهم إذا خيف منهم اللعب. ( فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين صـ310 رقم 230 )

7- اللجنة الدائمة : سُئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي:

أمَّ رجلٌ صبيين أو أكثر لم يبلغوا، أين يقف الصبيان، خلفه أم عن يمينه ؟

فأجابت اللجنة: السنة للصبيان أذا بلغوا سبعًا فأكثر أن يقفوا خلف الإمام، كالبالغين، فأما إن كان الموجود واحدًا فـإنه يقف عن يمينه لأنه ثبت عن النبي أنه صلى في بيت أبى طلحة وجعل أنسًا واليتيم خلفه وأم سُليم خلفهما، وثبت عنه في رواية أخرى أنه صلى بأنس وجعله عن يمينه وصلى بابن عباس وجعله عن يمينه. ( فتاوى اللجنة الدائمة جـ8 صـ 21:20)           

 

علاج مشكلة عبث الأطفال في الصلاة:

من المعلوم أننا إذا جمعنا الأطفال بعضهم إلى بعض في صف واحد غالبًا ما يحدث منهم اللعب والعبث الذي يشغل المصلين ويحرمهم من الخشوع في الصلاة.

وعلاج هذه المشكلة هو أن نفرق بين هؤلاء الأطفال وذلك بأن نـجعل رجلًا يصلي بين كل طفلين، وهذا يمنع الأطفال من اللعب والعبث في الصلاة.هذا العلاج، وإن كان يستلزم أن يتأخر بعض الرجال إلى الصف الثاني أو الثالث حسب كثرة الأطفال، إلا أنه يترتب عليها فائدة كبيرة للمصلين ألا وهى الخشوع في الصلاة .  ( الشرح الممتع لابن عثيمين جـ4 صـ 202:201)

 

إمامة الصبي المميز للرجال في صلاة الفريضة:

تصحُ إمامة الصبي المميز للرجال، إذا كان أكثر الحاضرين حفظًا للقرآن، وذلك في حالة عدم وجود الإمام الراتب أو من ينوب عنه.

روى البخاريُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ:َلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ (عَوْرَة) قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِك الْقَمِيصِ. ( البخاري حديث 4302 ) 

 

فائدة مهمة:

إن قال قائل : إن النبي لم يطلع على هذا الأمر ولهذا لم ينكره، قلنا وبالله التوفيق :إذا كان نبينا لم يعلم بهذه الحادثة، فقد علمها الله تعالى وأقرها. قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)   ( مريم:64)                         

ولو كانت إمامة الصبي المميز للرجال في صلاة الفريضة غير صحيحة لأخبر الله تعالى نبينا ، بذلك ولأخبر نبينا الصحابة، ولنقل العلماء ذلك إلينا.

وقد أجاب ابن حجر العسقلاني (رحمه الله) أيضًا على هذا حيث قال عند تعليقه على هذا الحديث: فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي إِمَامَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْفَرِيضَةِ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَلَمْ يُنْصِفْ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يَطَّلِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ وَلِأَنَّ زَمَنَ الْوَحْيِ لَا يَقَعُ التَّقْرِيرُ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ كَمَا اسْتَدَلَّ أَبُو سَعِيدٍ وَجَابِرٌ لِجَوَازِ الْعَزْلِ بِكَوْنِهِمْ فَعَلُوهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَنُهِيَ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ. ( فتح الباري لابن حجر جـ7صـ 618)   

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply